صيانة المجالس

عمر بن عبد الله بن مشاري المشاري
عناصر الخطبة
  1. أسباب وجوب صيانة المجالس عن المنهيات .
  2. ما ينبغي مراعاته في المجالس مكاناً وأفعالاً .
  3. ثمرات مجالسة العلماء والصالحين وأهل الخير .

اقتباس

إنَّ المجالس يجبُ أن تُصان مما نهى الله عنه؛ لتكون مجالس خير, تُقرِّب إلى الله ولا تُبعد عنه, فاجتماع الناس في مجالسهم إنما يكون لمقاصد عظيمة، منها: صلة الرحم، وإجابة الدعوة, والاجتماع على الخير والتعاون عليه, وللأنس والألفة والمحبة والصداقة, وللمناسبات الاجتماعية.

الخطبة الأولى:

الحمد لله حمدا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمداً رسول رب العالمين، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليما.

أما بعد: فاتقوا الله أيها المؤمنون، واحفظوا مجالسكم، وصونوها مما يُخلُّ بها.

عباد الله: إنَّ الإسلام دين يأمر بكل خير، وينهى عن كلِّ شرٍّ, وهذا دليل على كمال الإسلام، قال -تعالى-: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا) [المائدة:3]، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ" أخرجه مسلم. ونشهد أنَّ نبينا -صلى الله عليه وسلم- بلَّغ البلاغ المبين، ونصح أمته، وأرشدها بأوضح بيان، وأسهل عبارة.

أيها المسلمون: إنَّ المجالس يجبُ أن تُصان مما نهى الله عنه؛ لتكون مجالس خير, تُقرِّب إلى الله ولا تُبعد عنه, فاجتماع الناس في مجالسهم إنما يكون لمقاصد عظيمة، منها: صلة الرحم، وإجابة الدعوة, والاجتماع على الخير والتعاون عليه, وللأنس والألفة والمحبة والصداقة, وللمناسبات الاجتماعية.

وما ينبغي مراعاته في تلك المجالس ما يتعلق بأمرين يجب الحذر منهما: محرَّمات في مكان الاجتماع، ومحرمات قد يفعلها المرء.

أما ما يتعلق بمحرمات المكان فهو بأن يكون مغصوباً من صاحبه, أو بأن يعلَّق عليه شيء مما حرم الله من صور أو مجسمات لذوات الأرواح. أما المحرمات التي قد تصدر من المرء فأغلبها من آفات اللسان، وآفات النظر والفعل المحرَّم.

أيها المسلمون: من صيانة المجالس أن تكون مجالس يُذكر فيها الله, قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْ قَوْمٍ يَقُومُونَ مِنْ مَجْلِسٍ لا يَذْكُرُونَ اللَّهَ فِيهِ، إِلا قَامُوا عَنْ مِثْلِ جِيفَةِ حِمَارٍ وَكَانَ لَهُمْ حَسْرَةً" أخرجه أبو داود وصححه الألباني. فالذي يقوم من مجلس لم يُذكرِ الله فيه فكأنما قام من قذارة ونتن جيفة الحمار النجسة, فهل ترون ذمَّاً أبلغَ من هذا الذم لذلك المجلس؟!.

عباد الله: إذا جلستم في مجلس فاذكروا الله فيه, وإنَّ من ذكر الله أن تشكروه على آلائه ونعمه, وتتفكروا في مخلوقاته وما سخَّره لكم منها, ويعظ وينصح بعضكم بعضاً, ومِن ذكر الله كثرة الاستغفار, فإذا وجد المرء وقت فراغ في مجلسه استغفر الله وهلَّل وسبَّح, قال -صلى الله عليه وسلم-: "وَاللَّهِ إِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي اليَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً" أخرجه البخاري.

أيها المسلمون: ومن صيانة المجالس أن لا يكون فيها قيل وقال, من غيبة ونميمة وفاحش من القول, قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاَثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ المَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ" متفق عليه. قال السيوطي -رحمه الله-: قيل وَقَالَ هُوَ الْخَوْض فِي أَخْبَار النَّاس، وحكايات مَا لا يَعْنِي من أَحْوَالهم وتصرفاتهم. اهـ.

عباد الله: إنَّ آفة الكلام في الناس غيبة ونميمة وقرضاً لأعراضهم استشرت في كثير من المجالس, فيجب صيانة المجالس عنها؛ حفظاً للألسنة والأسماع، وسلامةً لصدور المسلمين على بعضهم.

أيها المسلمون: ومن صيانة المجالس, أن لا يكون فيها صور ذوات أرواح ولا مجسمات لها, قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ البَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لاَ تَدْخُلُهُ المَلاَئِكَةُ" متفق عليه, وعَنْ أَبِي الْهَيَّاجِ الأَسَدِيِّ، قَالَ: قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: أَلا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-؟ "أَنْ لا تَدَعَ تِمْثَالاً إِلا طَمَسْتَهُ، وَلا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلا سَوَّيْتَهُ، ولا صورة إلا طمستها" أخرجه مسلم. قال النووي -رحمه الله-: فيه الأمر بتغيير صور ذوات الأرواح.

وقال الشيخ ابن باز -رحمه الله-: لا يجوز تعليق التصاوير ولا الحيوانات المحنطة في المنازل، ولا في المكاتب، ولا في المجالس؛ لعموم الأحاديث الثابتة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الدالة على تحريم تعليق الصور وإقامة التماثيل في البيوت وغيرها؛ لأن ذلك وسيلة للشرك بالله، ولأن في ذلك مضاهاة لخلق الله، وتشبها بأعداء الله، ولما في تعليق الحيوانات المحنطة من إضاعة المال، والتشبه بأعداء الله، وفتح الباب لتعليق التماثيل المصورة، وقد جاءت الشريعة الإسلامية الكاملة بسد الذرائع المفضية إلى الشرك أو المعاصي. اهـ.

وقد أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء: بأنَّ تصوير ذوات الأرواح حرام، وتعليقها على جدران المنازل حرام؛ لما ثبت في ذلك من الأحاديث الصحيحة الدالة على تحريمها وتحريم اتخاذها.

أيها المسلمون: ومن الأمور التي بدأت تظهر في المجتمع, تعليق صور صاحب البيت أو صورة والده أو صورة غيره من عامة الناس وخاصتهم, فإنَّ ذلك لا يجوز, والواجب على من رأى ذلك أن ينكره بالرفق واللين فيما بينه وبين معلِّق تلك الصور.

أيها المسلمون: ومن صيانة المجالس تكريمها عن اللهو المحرَّم والطرب، وعن وسائل الغفلة, وأن لا يكون فيما يُقدَّم للحاضرين إسراف أو تبذير أو أيّ شيء منهي عنه.

أيها المسلمون: ومن صيانة المجالس عدم تداول المقاطع المحرمة فيها, ولا مشاهدة ما يحرم مشاهدته من الأفلام والمسلسلات، أو مشاهدة احتفالات الأغاني عبر وسائل الاتصال الحديثة، أو عبر القنوات الفضائية. فاتقوا الله -أيها المؤمنون- واحفظوا أبصاركم وأسماعكم عن الحرام.

عباد الله: إنَّ من أفضل المجالس مجالس العلماء والصالحين, إذ يكون فيها طيب القول مما يزكي النفوس، ويحيي القلوب, فهم القوم لا يشقى بهم جليس. وأما مجالس أهل السوء فإنها لا تزيد القلب إلا قسوة وشقاء وبُعداً وبغضاً, عياذا بالله منها.

اللهم اجعل مجالسنا مجالس خير تقرِّب إليك، ولا تجعلها مجالس سوء تُبعد عنك.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي