ألا وإن من أنواع السحر التي شاعت بين الناس، وانتكس فيها من انتكس أعظم انتكاس، التعلق بالأبراج، والاعتقاد بها مما يسمى بقراءة الأبراج؛ فإن هذا من جملة ما يندرج في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر"...
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلّ له، ومَن يُضْلِلْ فلا هاديَ له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها المؤمنون: اتقوا ربكم رب العالمين؛ تفلحوا وتكونوا سعداء في الدارين من الفائزين. ثم اعلموا -رحمكم الله- أن الله -سبحانه وتعالى- بيّن لكم الشرور بما يحفظ دينكم، وأعظمها تلك المهالك التي تؤدي بالعبد إلى الشرك والكفر.
ألا وإن من جملتها السحر، قال -تعالى-: (وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) [البقرة:102]، وقال -تعالى-: (وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ) [البقرة:102]، أي: اعلموا أن من اشترى السحر، مستعبدا له، مصدقا مؤمنا به؛ فإنه ليس له في الآخرة حظ ولا نصيب، والذي ليس له في الآخرة حظ ولا نصيب هو الكافر، فالسحر كفر بنص القرآن، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اجتنبوا السبع الموبقات"، وعدهم، وقال منهم: "والسحر". فالسحر من أعظم الموبقات المهلكات المفسدات للدنيا والآخرة.
ألا وإن من أنواع السحر التي شاعت بين الناس، وانتكس فيها من انتكس أعظم انتكاس، التعلق بالأبراج، والاعتقاد بها مما يسمى بقراءة الأبراج؛ فإن هذا من جملة ما يندرج في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر"، أي: من أخذ بنصيب من النجوم مما تعرفه العرب من الاعتقاد في النجوم ونسبة علم الغيب إليها أو أحوال الخلق، فإن له حظا من السحر.
ومن جملة ذلك ما يُعرف بين الناس بقراءة الأبراج المعروفة من أولئك الذين يزعمون أن من ولد في برج كذا أو برج كذا من الأبراج المعروفة ببرج الحمل أو الدلو أو الأسد وغيره، أنه يقال له كذا ويقع له كذا ويُحرم من كذا، فإن هذا من جملة السحر، وإن قُرّاء الأبراج سَحَرَة، وإن أولئك المؤمنين بهم مصدقون لسحرهم.
ومما يخفى على بعض الناس استئناسهم بقراءتها مع زعمهم أنهم لا يصدقون بما فيها، وذلك في الجرائد والمجلات ونحوها؛ فإن السحر شرك وكفر، والإقبال عليه -ولو بغير تصديق له- إقبال على المحرم، وكل وسيلة تفضي إلى المحرم فهي محرمة.
فاتقوا الله -عز وجل- في هذا الأمر العظيم الذي فشا بين الناس، واعلموا أن أحوال الخلق فيه بين ثلاثة أحوال: حال قارئ البرج المدعي العلم به وهذا الساحر، وحال المعتقد فيه المتبع له وهذا مصدق بالسحر، والحال الثالثة حال من يسمعه أو يقرؤه تفكرا أو استئناسا فهذا فعل محرم.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له هو الحق المبين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، هو رحمته المهداة من رب العالمين.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
أما بعد: أيها المؤمنون، إن مما يقوي التكريه في السحر في قلوب المؤمنين إيمانهم بأن القدر بأمر الله، سبحانه الله! قال -تعالى- لما ذكر السحر: (وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ) [البقرة:102]، وقال -تعالى- (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ) [الإسراء:13]، أي: ألزمناه قدره في عنقه فهو ملازم له.
فالسحر -مهما كان- لا يغير من قدر الله شيئا، وهؤلاء المدعون قراءة الأبراج لا يحيطون في العلم والغيب بقدر الله، فالقدر قدر الله، والملك ملك الله، والحكم حكم الله؛ فما شاء الله كان، وما لم يشأ الله لم يكن.
فمن عمر قلبه بهذا لم يبال بأقوال القائلين، ولا زيف المزيفين، الذين يدعون معاني باطلة ينسبونها إلى الأبراج أو غيرها.
فاتقوا الله، وباعدوا بينكم وبين هذه الأهواء، تكونوا من المفلحين.
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي