نقف اليوم مع قصة نبوية قصيرة، تسمو بها نفوسنا، وتتذكر قلوبنا، ويزداد فقهنا: قصة صلاة بأعظم إمامين، كان زمن حَدَثِنا: العصر، ومكانه: المدينة النبوية.
الحمد لله الخافض الرافع، امتنّ علينا بالعقول والأبصار والمسامع، وأشهد أن لا إله إلا الله أنزل الهدى وفي الناس محجوب وسامع، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، اتباع سبيله وهُداه طريقٌ إلى النَّعيم الواسع، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه واتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، ومحاسبة النفس، والسعي لما يملأ القلب من محبة الله -سبحانه- ورجائه وخوفه؛ إذ هي حاجز يمنع المعاصي ويسهل الطاعات، فالله -عز وجل- امتدح المؤمنين الذين هم على صلاتهم دائمون، وبيّن أنهم لفروجهم حافظون، وأنهم في أموالهم حق للسائل والمحروم، وأنهم من عذاب ربهم مشفقون، وبشهاداتهم قائمون، وأخبر أنهم على صلاتهم يحافظون.
وفي موضع آخر أثنى الله على أولي الألباب، الذين يخشون ربهم ويخافون سوء الحساب.
إخوة الإيمان: نقف اليوم مع قصة نبوية قصيرة، تسمو بها نفوسنا، وتتذكر قلوبنا، ويزداد فقهنا: قصة صلاة بأعظم إمامين، كان زمن حَدَثِنا: العصر، ومكانه: المدينة النبوية.
أخرج البخاري ومسلم عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم، فحانت الصلاة، فجاء المؤذن إلى أبي بكر فقال: أتصلي بالناس فأقيم؟ قال: نعم، قال: فصلى أبو بكر، فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والناس في الصلاة، فتخلص حتى وقف في الصف، فصفق الناس، وكان أبو بكر لا يلتفت في الصلاة، فلما أكثر الناس التصفيق التفت، فرأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأشار إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن امكث مكانك، فرفع أبو بكر يديه، فحمد الله -عز وجل- على ما أمره به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ذلك، ثم استأخر أبو بكر حتى استوى في الصف.
وتقدم النبي -صلى الله عليه وسلم- فصلى، ثم انصرف فقال: "يا أبا بكر، ما منعك أن تثبت إذ أمرتك؟"، قال أبو بكر: "ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما لي رأيتكم أكثرتم التصفيق؟ مَن نابه شيء في صلاته فليسبح؛ فإنه إذا سبح التُفِت إليه، وإنما التصفيق للنساء".
فاللهم صل وسلم على نبينا محمد، وأوردنا حوضه، وأكرمنا بشفاعته.
أيها الأحبة: يستفاد من القصة فوائد كثيرة منها: فضل الإصلاح بين الناس ومشي الإمام وغيره في ذلك، ويستفاد أن الإمام إذا تأخر عن الصلاة تقدم غيره ليصلي بالناس إذا لم يخف فتنة وإنكار من الإمام، وفيه حمد الله عند تجدد النعم، والحمد والتسبيح من ألفاظ الصلاة وهذا لا يؤثر على صحتها، ويستفاد أن الفعل القليل لا يبطل الصلاة، وفيه: الاكتفاء بالإشارة من الكلام إذا فُهمت، وفيه: الأدب مع الكبار، وفيه جواز الالتفات في الصلاة للحاجة، وفيه جواز مشي الخطوة والخطوتين في الصلاة إذا كان لحاجة.
و يستفاد: أن التابع إذا أمره المتبوع بشيء وفهم منه إكرامه بذلك الشيء لا تحتم الفعل، فله أن يتركه ولا يكون هذا مخالفة للأمر، بل يكون أدبا وتواضعا، وفيه أن السنة لمن نابه شيء في صلاته أن ينبهه الرجال بقول: سبحان الله! وأما النساء فلا تسبح، وإنما تصفق. قال النووي: "فتضرب بطن كفها الأيمن على ظهر كفها الأيسر". ومما يستفاد: تقديم الصلاة في أول وقتها.
وفيه فضائل كثيرة لأبي بكر -رضي الله عنه-.
نفعني الله وإياكم بالقرآن والسنة، وبما فيهما من هدى ورحمة. واستغفروا الله؛ إنه كان غفارا.
الحمد لله ذي الجلال والإكرام، وأشهد ألا إله إلا الله الملك القدوس السلام، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه ما أشرق ضياء وأدبر ظلام.
أما بعد: فمما يتعلق بهذا، بجماعة هذه الفريضة العظيمة، تسوية الصفوف، باعتدال القائمين بها على سمت واحد، وقد تيسر هذا في العصر الحاضر -ولله الحمد- حيث السجاد الثابت، عن النعمان بن بشير -رضي الله عنه- يقول: كان رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يسوي صفوفَنا، حتى كأنما يسوي بها القداحَ، حتى رأى أنا قد عقلنا عنه، ثم خرج يومًا فقام حتى كاد يكبِّر، فرأى رجلًا باديًا صدرُه من الصفِّ، فقال: "عبادِ اللهِ، لتسوُّنّ صفوفَكم أو ليخالفنَّ اللهُ بين وجوهِكم" أخرجه مسلم.
وقال -عليه الصلاة والسلام-: "سوُّوا صفوفَكم؛ فإنَّ تسويةَ الصفِّ من تمامِ الصلاةِ" أخرجه مسلم. ولفظ البخاري آكد في الأمر بتسوية الصفوف: "سوُّوا صفَوفَكُم، فإنَّ تَسْوِيَةَ الصفوفِ من إقَامَةِ الصلاةِ ".
ومما يتعلق بتسوية الصفوف سد الخلل في الصف، ومما يلاحظ أن بعض المصلين -هداهم الله- يصلون في الصف والصف الذي قبله لم يكتمل بعد، بل ربما كان النقص في صفين وثلاثة؛ فليُنتبه لهذا.
واحرص -يا عبد الله- على التقدم في الصفوف، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لو تعلمون -أو يعلمونَ- ما في الصفِّ المُقدَّمِ، لكانت قُرعةً" أخرجه مسلم. تصور هذا الفضل الذي يجعل الناس لو عرفوه اقترعوا ولم يتنازلوا عنه!.
والصلاة -إخوة الإيمان- عبادة جليلة، لها فضائل كثيرة، بل إن فضائلها تشمل ما يتعلق بها مما قبلها وبعدها، فضلا عن الصلاة ذاتها.
وختاما -عبد الله-: أكثر من دعوة الخليل: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ) [إبراهيم:40].
ثم صلوا وسلموا...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي