فإذا كان رفع الصوت بالقرآن منهيًا عنه، وهو عبادة عظيمة, فكيف إذا كان رفع الصوت بغير القرآن, بل وكيف إذا كان الذي يرفع صوته يعبث ويضحك, فهذا والله من أعظم المنكرات, وأشد المنهيات, والسكوتُ عن إنكارِ ذلك يُوجب سخط الله ومقتَه. وأصوات الأطفال إذا اجتمعوا لا يُطاق, فالإثم على كلِّ مِن كانتْ له يدٌ وسلطةٌ على منعهم ولم يفعل. قال ابن عبد البر -رحمه الله-: "حَرَامٌ عَلَى النَّاسِ أَنْ يَتَحَدَّثُوا فِي الْمَسْجِدِ بِمَا يُشْغِلُ الْمُصَلِّي عَنْ صَلَاتِهِ, وَيُخَلِّطُ عَلَيْهِ قِرَاءَتَهُ.
الحمد لله الذي أمر بتعظيم المساجد، وتهيئَتِها للراكع والساجد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، الذي جمع بمبعثه شمل الحقِّ بعد تفرقه، وقمعَ برسالتِه حزب الباطل بعد تَطَوُّقِه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعهم, وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فاتقوا الله معاشر المسلمين, واعلموا أنّ للمساجد حرمةً عظيمة, ومكانة شريفة, يجب مُراعاتها, ويحرم الإخلالُ بها.
ولقد عَظّم الله الذين يُحافظون على المساجدِ، ويحرصون عليها حرصهم على أنفسهم وأبنائهم، وكتب لهم الأجر الكبير، حيث يقول سبحانهُ وتعالَى: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) [التوبة: 18].
وأمر الله –تعالى- برفع بيوته وتعظيمها وتكريمها فقال تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ) [النور: 36- 37].
قال ابن كثير -رحمه الله تعالى-: "أي أمر الله –تعالى- بتعاهدها وتطهيرها من الدنس, واللغو والأقوال والأفعال التي لا تليق فيها". ا.هـ
ومن عِمَارِتها ورَفْعِها: عدمُ تمكينِ الأطفال من اللعب, ورفعِ الأصوات الصاخبة فيها, ويتأكد ذلك: إذا كان ذلك أثناءَ صلاةِ الفريضة, فقد اجتمع في لعبهم وصراخهم محذوران:
الأول: امتهانُ حرمة المسجد.
والثاني: أذى المصلين وإفسادُ خشوعهم.
وقد كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إذا رأى صبياناً يلعبون في المسجد, نهاهم وربما ضربهم بالدُّرة, وكان يفتش المسجد بعد العشاء, فلا يترك فيه أحداً.
ولهذا نص كثيرٌ من العلماء, على منعِ القضاء في المسجد, بل يكون في موضعٍ غيرِه؛ لِمَا فيه من كثرة الحكومات والتشاجر والألفاظ التي لا تناسبه.
فلا يجوز تمكين الأطفال من ذلك لأيِّ سببٍ من الأسباب, ولأيِّ مصلحةٍ دنيويّةٍ أو شرعيةٍ, فالقاعدة المجمَعُ عليها عند أهل العلم, المبنيّةُ على أدلة الكتاب والسنة والإجماع والنظر: أنّ درءَ المفاسد مُقدّمةٌ على جلبِ المصالح.
فيجب درء هذه المفسد الشنيعة, ولا يجوز ارتكابُها لأيّ مصلحة كانت, حتى لو كانت المصلحةُ تعلمَهمُ القرآن.
وقد ذكر أهل العلم -رحمهم الله-, أنه لا يجوز تعليم القرآن في المسجد, إذا كان فيه ضرر على المسجد وأهله.
قال شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-: "يجوز تعليم القرآن في المسجد إذا لم يكن فيه ضرر على المسجد وأهله". ا.هـ.
وذكر الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- في أحداث سَنَة ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ, أنه اسْتُفْتِيَ عَلَى مُعَلِّمِي الصِّبْيَانِ أَنْ يُمْنَعُوا مِنَ الْمَسَاجِدِ صِيَانَةً لَهَا، وحفظًا لِمَكانَتِها, وَلَمْ يُسْتَثْنَ مِنْهُمْ سِوَى رَجُلٍ كَانَ فَقِيهًا شَافِعِيًّا, يَدْرِي كَيْفَ تُصَانُ الْمَسَاجِدُ، واجتهد في تربية طلابه على احترمها وعدم العبث فيها, وَاسْتَدَلَّ الْمُفْتِي بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "سُدُّوا كُلَّ خَوْخَةٍ إِلَّا خَوْخَةَ أَبِي بَكْرٍ"، والْخَوْخَةُ هِيَ الْبَابُ الصَّغِيرُ بَيْنَ الْبَيْتَيْنِ.
ففِي الحديث النهيُ عَن جعلِ الْمَسَاجِد طريقًا وممرًا للناس, ومن باب أولى: النهيُ عن تمكين الأطفال من اللعب فيها, وإيذاء المصلين, وإفساد خشوعهم, وتعكير صلاتهم.
وقد ثبت النهي عن رفع الصوت في المساجد, لا بقراءة القرآن ولا بغيره, ففي مسندِ الإمام أحمد بإسنادٍ صحيح, من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يرفعن بعضكم على بعض بالقراءةِ".
وصحّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ عَلَى النَّاسِ وَهُمْ يُصَلُّونَ, وَقَدْ عَلَتْ أَصْوَاتُهُمْ بِالْقِرَاءَةِ, فنهاهم عن ذلك وقَالَ: "لَا يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقُرْآنِ".
فإذا كان رفع الصوت بالقرآن منهيًا عنه، وهو عبادة عظيمة, فكيف إذا كان رفع الصوت بغير القرآن, بل وكيف إذا كان الذي يرفع صوته يعبث ويضحك, فهذا والله من أعظم المنكرات, وأشد المنهيات, والسكوتُ عن إنكارِ ذلك يُوجب سخط الله ومقتَه.
وأصوات الأطفال إذا اجتمعوا لا يُطاق, فالإثم على كلِّ مِن كانتْ له يدٌ وسلطةٌ على منعهم ولم يفعل.
قال ابن عبد البر -رحمه الله-: "حَرَامٌ عَلَى النَّاسِ أَنْ يَتَحَدَّثُوا فِي الْمَسْجِدِ بِمَا يُشْغِلُ الْمُصَلِّي عَنْ صَلَاتِهِ, وَيُخَلِّطُ عَلَيْهِ قِرَاءَتَهُ.
وَوَاجِبٌ لَازِمٌ عَلَى كُلِّ مَنْ يُطَاعُ أَنْ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَجُزْ لِلْمُصَلِّي التَّالِي لِلْقُرْآنِ, فَأَيْنَ الْحَدِيثُ بِأَحَادِيثِ النَّاسِ مِنْ ذَلِكَ". ا.هـ.
وقال -رحمه الله-: "وَإِذَا لَمْ يَجُزْ لِلتَّالِي الْمُصَلِّي رَفْعُ صَوْتِهِ لِئَلَّا يُغَلِّطَ وَيُخَلِّطَ عَلَى مُصَلٍّ إِلَى جَنْبِهِ, فَالْحَدِيثُ فِي الْمَسْجِدِ مِمَّا يُخَلِّطُ عَلَى الْمُصَلِّي أَوْلَى بِذَلِكَ وَأَلْزَمُ وَأَمْنَعُ وَأَحْرَمُ.
وَإِذَا نُهِيَ الْمُسْلِمُ عَنْ أَذَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ فِي عَمَلِ الْبِرِّ وَتِلَاوَةِ الْكِتَابِ, فَأَذَاهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ أَشَدُّ تَحْرِيمًا". ا.هـ.
وإننا نلحظ الاهتمامَ الكبير في الكثير من المساجد, وعنايةَ المسؤولين عن حِلَق القرآن, فبارك الله في جهودهم وشكر مسعاهم.
ولكنْ لا تزال بعض المساجد تشتكي من أذى بعضِ طلاب الحلق, وإزعاجهم للمصلين, وذلك في صلاة العصر, الذي هو موعد حضورهم لحفظ القرآن.
ومع بذلِ المسؤولين جهداً في كفّ أذاهم, إلا أنّ حجم المشكلة فاقت الجهودَ المبذولةَ الْمَشكورة.
ولكنْ لكلِّ مشكلةٍ علاج, ومن طرق علاج هذه المشكلة:
أولا: إلزامُ أولياءِ الأمور بأنْ يصلوا مع أبنائهم, أو يُحضروهم بعد الصلاة.
أما أنْ يرمي وليُّ الأمر ولده ولا يعلم ماذا يفعل في المسجد: فهذا من الخطأ.
فيا معاشر الآباء: لا تتركوا أولادكمُ الصغار في المساجد, دون أن تكونوا بجانبهم؛ لتكفوا أذاهم وشرَّهم عن المسلمين, فكلُّ مسلمٍ حصل عليه أذى من أولادكم بتفريط منكم فأنتم آثمون, وأذى المسلم من أعظم المحرمات, فكيف إذا كان الأذى في بيوت الله, وكيف إذا كان الأذى يُؤَدِّي إلى إفساد صلوات الناس وخشوعهم, فاتقوا الله وانصحوا أبناءكم, ولا تتركوهم يُصلون بعيدين عنكم.
ثانيًا: أنْ يُلَزمَ المعلم بأنْ يصلي في المسجد الذي يُدَرِّس فيه طلابَه, ويَحُثَّهم على الصلاة والأدب ويُراقبَهم, ويأمرَهم قبل الإقامة بالتقدم إلى الصفوف الأولى, ويُفرقَ بينهم.
ويبقى دور جماعة المسجد التي تُقام فيها حِلَقُ القرآن, فإنَّ دورَهم عظيمٌ ومهم, والواجب عليهم أنْ يتعاونوا جميعًا مع إمام المسجد ومعلمي الحِلَق, فيأمروا الطلاب بالاصطفاف, وتركِ اللعب والحديث والضحك, وأنْ يُشعروهم بحرمة المساجد, ووجوب تعظيمها.
والأطفال إذا اجتمعوا لا تسألِ عن الشرِّ الحاصل منهم, فبعضهم يُجرئ بعض, ولو كان في البيت عاقلاً هادئًا, فإنه عند ملاقاة أقرانه يتغير سلوكه غالبًا.
وتصل أعداد طلاب بعض الحلق إلى مائة أو أكثر, وكلُّ هذا العددِ الضخمِ يُسَبِّبُ إرباكًا كبيراً في المسجد, وأذى لا يُطاق, فالواجب أن يتعاون المعلمون وأولياء الأمور وجماع المسجد, للحدّ من هذه المشكلة الكبيرة, التي لا يجوز السكوت عنها.
ولو حصل هذا اللعب في بيتِ أحدِنا, لَمَا رضيَ بذلك, فكيف نرضى ذلك في أشرف البيوت, وأحِّقها بالعنايةِ والرعاية.
نسأل الله أن يُعيننا على القيام بحقوقه, وتربيةِ أولادِنا على الوجه الذي يُرضيه عنا, إنه سميعٌ قريب مُجيب.
الحمد لله على تمام جوده وكرمِه، والصلاةُ والسلام على خيرِ أنبيائِه ورُسُلِه، وعلى آله وصحبه ومن تمسّك بهديه وسُنَنِه, وسلَّم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها المسلمون: إنّ الجهود التي تبذلها المملكة حرسها الله؛ في إعادة الأمن والاستقرار لليمن والمنطقة يُذكر فيُشكر, فلقد خيّب الله الكثيرَ من تحركات إيران وأذنابها, من الحوثيين وحزبِ اللات وغيرهم, وذلك بالتحركات العسكرية والسياسية والاقتصادية ضدهم.
والحوثيون قد سلبوا الأمن مِن دولة اليمن الشقيقة, وإرجاعُ ذلك يحتاج إلى بذلٍ وتنظيمٍ كبير, ومِن أعظم أعمال الإغاثة عالميًّا, مركز الملك سلمان للإغاثة, حيث وفّر الدعم المادي والغذائي للمحتاجين في اليمن وسوريا وغيرها, ففرج الله به الكثير من الفقر والحاجة.
حفظ الله اليمن ونصره على الظالمين, وأعاده إلى أحضان المسلمين, وخلّصه من رجس الرافضة المارقين, إنه سميع قريب مجيب.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي