شعبان والتهيؤ لرمضان

خالد بن سعد الخشلان
عناصر الخطبة
  1. ضرورة اغتنام مواسم الربح والمتاجرة مع الله .
  2. وسائل الاستعداد لشهر رمضان .
  3. حسن الاستعداد والتهيؤ لقدوم رمضان .
  4. العبادات توقيفية .
  5. لا يصح تخصيص ليلة النصف من شعبان ولا يومها بعبادة .
  6. حث من عليه صيام أيام قضاء من رمضان الماضي إلى صيامها. .

اقتباس

ويمضي الزمان مسرعًا يدخل عام ويخرج، ويهل هلال شهر ويعقبه آخر، وها نحن نستقبل شهر شعبان الذي يسبق شهر رمضان، أشهر تتصرم من أعمارنا وليالي وأيام تنقضي من آجالنا حتى يحين موعد انقضاء الأجل وحلول الموت. فرحم الله عبدًا أدرك هذه الحقيقة، وسعى لاغتنام أيام عمره بما يكون سببًا لتحقيق مرضاة ربه والفوز بجنته ونعيمه. وحق على كل مسلم يعرف للزمان شرفه ومنزلته، ويعلم لرمضان قدره وفضله على سائر الشهور أن يجتهد للتهيؤ لاستقباله واغتنام أيامه ولياليه...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه وخليله وأمينه على وحيه وخيرته من خلقه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أئمة الهدى ومصابيح الدجى ومن تبعهم واكتفى وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]،  (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد، فاتقوا الله عباد الله، وسارعوا إلى أوامره بامتثالها وإلى نواهيه باجتنابها، فإن هذه حقيقة التقوى التي رتَّب الله عليها الخيرات والبركات، ووعد أهلها بجزيل العطايا ووافر الهبات وهي الزاد ليوم الميعاد والحافظة في الدنيا من الشر والفساد.

ألا فاتقوا الله عباد الله اتقوه في الأفعال والأقوال، اتقوه في جميع ما تأتون وتزرون، جعلني الله وإياكم من عباده المتقين وأوليائه المفلحين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

عباد الله: ويمضي الزمان مسرعًا يدخل عام ويخرج، ويهل هلال شهر ويعقبه آخر، وها نحن نستقبل شهر شعبان الذي يسبق شهر رمضان، أشهر تتصرم من أعمارنا وليالي وأيام تنقضي من آجالنا حتى يحين موعد انقضاء الأجل وحلول الموت.

فرحم الله عبدًا أدرك هذه الحقيقة، وسعى لاغتنام أيام عمره بما يكون سببًا لتحقيق مرضاة ربه والفوز بجنته ونعيمه.

عباد الله: حق على كل مسلم يعرف للزمان شرفه ومنزلته، ويعلم لرمضان قدره وفضله على سائر الشهور أن يجتهد للتهيؤ لاستقباله واغتنام أيامه ولياليه، ولهذا كان شهر شعبان بمثابة الإعداد النفسي والتهيؤ القلبي لاستقبال شهر رمضان واستثمار أيامه ولياليه.

فإنه من أعظم مواسم الربح والمتاجرة مع الله -عز وجل-، ولن يتحقق للعبد الاغتنام الأمثل لشهر رمضان ما لم يتهيأ من الآن له.

وأعظم ما يتهيأ به لاستقبال شهر رمضان: تجديد التوبة والإنابة لله رب العالمين والتخلص من الذنوب والآثام (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) [التحريم: 8]، (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور: 31].

ليتأمل كل واحد منا نفسه أفعاله وأقواله حاله مع أوامر الله -عز وجل- ونواهيه، فيجتهد في الإقلاع عن الذنوب وترك السيئات، والإقبال على الطاعات والواجبات حتى ما إذا دخل عليه شهر رمضان المبارك فإذا به قد صلُحت أحواله، واستقامت أموره، وصارت نفسه أكثر تلهفًا للطاعة وأشد رغبة في العبادة؛ لأنها قد ذللت في شهر شعبان بخلاف من يدخل عليه الشهر، وهو لا يزال عاكفًا على الذنوب والآثام مقيمًا على المعاصي والسيئات، مقصرًا في الطاعات والقربات، فقد يمضي عليه شهر رمضان أو معظمه وهو في مجاهدة فلا يتلذذ بالطاعة في شهر رمضان، ولا تساعده نفسه ولا جوارحه للإقبال على الطاعات والتعبدات والمنافسة في القربات.

ومن خير ما يتهيأ به في شهر شعبان لاستقبال شهر رمضان: الإقبال على القرآن العظيم قراءةً وتدبرًا حتى تتروض النفس على ذلك، ومن ثَم تعظم إقباله على القرآن في أيام شهر رمضان ولياليه.

قال أنس -رضي الله عنه-: "كان المسلمون إذا دخل شعبان انكبوا على المصاحف فقرؤها، وأخرجوا زكاة أموالهم تقويةً للضعيف والمسكين على صيام رمضان".

ومن ذلك الإقبال على ذكر الله -عز وجل- والإكثار منه؛ إذ فيه صلاح النفس وطهارة القلب والإعانة على سائر الطاعات.

ومن أعظم ما يتهيأ به لاستقبال شهر رمضان: الإكثار من الصيام في شعبان، فقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكثر من الصيام في شهر شعبان حتى كان -صلى الله عليه وسلم- يصوم الشهر كله إلا قليلاً.

فعن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان -صلى الله عليه وسلم- يصوم شعبان كله" (رواه البخاري)، وعند مسلم "كان يصوم شعبان إلا قليلاً".

فأكثروا -رحمكم الله- في شهركم هذا شهر شعبان، أكثروا من الصيام اقتداءً بنبيكم محمد -صلى الله عليه وسلم- وتدريبًا للنفس وتعويدًا لها على الصيام حتى ما إذا دخل شهر رمضان لم تجد النفس أدنى شك في الصيام لأنها ألفته واعتادته.

تقول عائشة -رضي الله عنها-: "ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان"، فاحرصوا -رحمكم الله- على الاهتداء بهدي نبيكم محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأكثروا من الصيام في هذا الشهر.

ومما يحسن التنبيه هنا إليه: أن شهر شعبان كله محل للصوم في أوله وآخره، وأما تخصيص اليوم الخامس عشر بالصيام لذات اليوم؛ فلم يصح عنه -صلى الله عليه وسلم- ما يدل على مشروعية ذلك من شعبان، وما ورد في ذلك من أحاديث يُفهَم منها فضيلة الصيام يوم الخامس عشر من شعبان؛ فهي أحاديث لا تصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

وقد حكَم أهل العلم بضعفها، والعبادات من صيام وصلاة ونحوهما لا تثبت إلا بالأحاديث الصحيحة، ولذا فقد اعتبر العلماء أن تخصيص يوم الخامس عشر من شبعان للصيام بدعة مردودة على صاحبها، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد".

ومما يحذر منه ما يعتقده كثير من الناس من فضيلة قيام ليلة النصف من شعبان، وتخصيصها بصلوات معينة، فإن ذلك أيضًا مما لم يرد فيه دليل صحيح يدل على مشروعية القيام في ليلة النصف من شعبان.

وتخصيص زمان أو مكان بعبادة لم تثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- يعد نوعًا من الابتداع في الدين، وكل بدعة ضلالة مردودة على صاحبها، فليلة النصف من شعبان كغيرها من ليالي الشهر، بل كغيرها من ليالي العام لا يجوز تخصيصها بصلاة ولا قيام ولا نوع من أنواع العبادات، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور المحدثات المبتدعات.

وعلى هذا فمن لم يكن له عادة بقيام الليل سائر العام لا يجوز له أن يخصص ليلة النصف من شعبان بالقيام؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما يدل على مشروعيته أو فضيلته.

ألا فاجتهدوا -رحمكم الله- في الصيام في شهر شعبان، والإكثار منه، وروِّضوا أنفسكم على الطاعات والعبادات استعدادًا للموسم الأعظم والزمن الأشرف في المتاجرة مع الله -عز وجل-؛ شهر رمضان المبارك، فإنه موسم لا كالمواسم في كسب الحسنات ومضاعفة الدرجات وتكفير السيئات وإقالة العثرات.

وعلى قدر تهيؤك في شعبان لاستقبال رمضان يعظم انتفاعك به واستثمارك لأيامه ولياليه.

أسأل الله -عز وجل- أن يوفقنا لاغتنام مواسم المتاجرة مع الله، وأن يعيننا على حسن التعبد لله رب العالمين، وأن يقينا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ومن نزغات الشياطين إن ربي سميع مجيب.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) [المؤمنون: 60- 61].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد رسول الله، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

اتقوا الله في أيامكم ولياليكم أن تذهب عليكم سدًى، اغتنموها في مراضي الله ومحابه، واستعدوا لآخرتكم وتزودوا بالأعمال الصالحة؛ فالدنيا سريعة التقضي سريعة التصرُّم عما قريب عنها نرحل جميعًا، ووالله لن ينفع الواحدَ منا إلا ما قدم لآخرته من عمل صالح.

ألا فاجتهدوا -رحمكم الله- في فعل الخيرات والإكثار من الطاعات والقربات والتنافس في الباقيات الصالحات، واحذروا المعاصي كلها صغيرها وكبيرها؛ فإن المعاصي من أعظم الموبقات وأعظم المهلكات، جعلني الله وإياكم ممن عبد ربه واتقاه، ولازم أمره واستقام على شرعه إن ربي سميع مجيب.

عباد الله: مما يحسن التذكير به موضوع القضاء لمن أفطر أيامًا من رمضان الماضي لسفرٍ أو مرضٍ أو أفطرت امرأة لحيض أو نفاس، فعلى الجميع المبادرة بالقضاء في أيام هذا الشهر ولا يجوز أن يؤخر القضاء حتى يدخل شهر رمضان لغير عذر.

فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان يكون عليَّ صوم من رمضان، فلا أستطيع قضاءه إلا في شعبان"، فبادروا -رحمكم الله- بما افترضه الله عليكم، وذكروا أهليكم بذلك حتى تبرأ ذممكم من عهدة الواجب، ولا يشترط التتابع في القضاء بل للمرء أن يصوم يومًا ويفطر يومًا.

وهكذا إلا أن من الواجب تبيت النية بالصيام من الليل، ولا يجزئ في صيام القضاء الصيام بنية من أثناء النهار؛ وذلك لأن القضاء مثل الأداء.

أسأل الله -عز وجل- أن يبارك لنا في أيام شهرنا، وأن يعيننا فيه على الطاعات واجتناب المحرمات، إن ربي على كل شيء قدير.

هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبدالله فقد أمركم ربكم بهذا في كتابه فقال عز من قائل (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

وقال عليه الصلاة والسلام "من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشرًا"، اللهم صلِّ وسلم وبارك...


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي