وهناك قنوات كثيرة فيها برامج متعددة تدس السمّ في العسل، وتتسلل إلى عقول الناس بطرق ماكرة خبيثة في كثير من البرامج، في كثير من القنوات تُعرض ثوابت الدين ومسلَّمات العقيدة تعرض للنقاش، برنامج حواري أو نقاشي لأجل مناقشة هل يجوز للمسلم أن يرتد عن دينه أم لا يجوز؟ يناقشون: هل تحكيم دين الله وتحكيم الشريعة هل هذا أمر مقبول أم مرفوض؟ يناقشون: هل الحجاب شيء حسن أو شيء قبيح؟!
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وبعد أيها المسلمون عباد الله: تحدثنا في الخطبة الماضية عن الإعلام في الإسلام، تحدثنا عن أهميته وعن أبرز صفاته وسماته وخصائصه، هذا الإعلام الذي يحقِّق للأمة مصالحها ويعينها على الرقي والنهوض بإذن الله.
وحينما نأتي أيها الأحباب إلى واقع الإعلام الموجود اليوم في البلاد الإسلامية نجد أن هناك بعدًا كبيرًا عن رسالة الإعلام السامية التي ينبغي أن يقوم بها، لا أتحدث عن نوع واحد من وسائل الإعلام بل أتحدث عن وسائل الإعلام بمختلف أنواعها ابتداءً بالمجلة والصحيفة ومرورًا بالإذاعة والتلفاز، وانتهاءً بالإعلام الجديد من الإنترنت والوسائط المرئية والمسموعة.
حين نأتي وننظر إلى منطلقات هذا الإعلام نجد أن كثيرًا من هذا الإعلام ولا أقول كله، لكن كثيرًا منه ينطلق من منطلقات غير صحيحة، ويسعى لتحقيق أهداف فاسدة وله تأثير سلبي كبير على الأمة.
هناك إعلامي تجاري ليس له هدف ولا غاية إلا تحقيق الربح والمكاسب المادية، لا يبالي بما يبث أو ينشر سيئًا كان أم حسنًا، خيرًا كان أم شرًّا، مصلحًا كان أو مفسدًا، لا يبالي، ينشر كل شيء يستحق النشر أو لا يستحق.
ولهذا نجد أن كثيرًا من هذه الوسائل التجارية قد صارت منابع لتصدير الفساد ولتصدير الرذيلة ولنشر سيء الأخلاق.
تبحث عما يحرك الغرائز وعما يثير الشهوات لأجل أن تستقطب أكبر عدد من المتابعين والمشاهدين فترتفع بذلك أرباحها ومكاسبها المادية لا تبالي هل هذا الذي تنشره يوافق ثقافة الأمة، يوافق هويتها ودينها وعقيدتها وأخلاقها أم كان غير ذلك؟
الهدف الوحيد هو تحقيق المكاسب وما أكثر هذه الوسائل لا كثَّرها الله، نجد أن كثيرًا من هذه الوسائل لأجل أن تغطي خاصة من القنوات الفضائية، لأجل أن تغطي ساعات البث الطويلة تستورد أي شيء فلا تتعجب حين تعلم أن ثلثي الإنتاج التليفزيوني العربي إنما هو مستورد من بلاد الغرب؛ الثلثان، فماذا عساها أن تحتوي من مضامين؟ وماذا عساها أن تحتوي من ثقافة أو من أخلاق، إذا كانت في معظمها مستوردة من بلاد تخالفنا في عقيدتها وفي دينها وأخلاقها.
في أحسن الأحوال أن هذه الوسائل التجارية تشغل الناس بالتفاهات، تشغلهم بالسخافات التي لا تزرع إيمانًا ولا تبني عقولاً، تأخذ صحيفة تقرأها من أولها إلى آخرها، أو تجلس أمام قناة لساعات طويلة فلا تخرج من هذا كله بفائدة لا دينية ولا دنيوية.
عبث ولهو وضياع للأوقات، وتجد أن هذه الوسائل خاصة الإخبارية منها لا تبالي بما تنشر من أخبار، كلما جاءها خبر نشرته دون أن تتحرى صدقه من كذبه، دون أن تبحث عن الحقيقة، المهم أن هناك خبرًا يُنشَر، المهم أن هذا الموقع يتحرك، المهم أن هذه الصحيفة تصدر، المهم أن هذه القناة تكتب على شريطها خبر عاجل، وما أكثر الأخبار العاجلة التي أتعبت الناس!
في هذه الأيام يعيش كثير من الناس قلقًا واضطرابًا بسبب هذه الوسائل أقلقت حياة الناس، أتعبتهم نفسيًّا في كل لحظة "عاجل" خبر جديد، وفي اللحظة التي تليها خبر جديد تضخيم للأحداث، وتهويل للواقع كل ذلك لأجل الاستثمار؛ استثمار في عقول الناس واستثمار في نفوس الناس.
فأتعبوا الناس في حياتهم لأجل أن يستفيدوا مالاً ومكاسب مادية وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قال: "كفى بالمرء إثمًا أن يحدث بكل ما سمع".
وأسوأ من هذه الوسائل الإعلامية التجارية؛ أسوأ منها تلك الوسائل الإعلامية التي تستهدف دين الأمة، تستهدف عقيدتها، تستهدف أخلاقها وقيمها ومبادئها، تستهدف شبابها وأبناءها وأجيالها، تسعى لتشويه صورة الإسلام في نفوس الناس، تسعى لتغيير مفاهيمه وتغيير حقائقه، قامت بمهمة إبليس التي حكى الله -عز وجل- عنها حين ذكر عنه عن إبليس أنه قال (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) [الأعراف: 16- 17].
قامت هذه الوسائل بهذه المهمة الإبليسية الشيطانية، تأتي للناس من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم بكل صورة وشكل ونوع وأسلوب، فهي وسيلة وأداة من أدوات الغزو الثقافي والفكري، بل إنها أشد هذه الوسائل تأثيرًا وعملاً في الأمة.
لو أردنا -أيها الأحباب- أن نقف مع هذه الوسائل فإننا سنجد أمرًا مزعجًا جدًّا كما قال الله سبحانه وتعالى (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) سنجد مكرًا كبارًا وكيدًا عظيمًا وعملاً دءوبًا لإفساد الأمة.
وسائل تُدار بطرق شيطانية وبدهاء وخبث شديد تتسلل إلى عقول الناس وقلوبهم بطرق تكون واضحة مباشرة أحيانًا، وتكون خفية ملتبسة في معظم الأحيان فلا ينتبه لها كثير من الناس فيتأثرون بها ويتفاعلون معها، وتحدث في نفوسهم من التغيير الشيء الكثير وهم لا يشعرون بهذا.
هناك مثلاً على صعيد القنوات الفضائية هناك أكثر من ثلاثين قناة للدعوة إلى النصرانية باللغة العربية تبث، وتستقبلها معظم الأجهزة الموجودة في بيوتنا، أكثر من ثلاثين قناة تدعو إلى التنصير، وأكثر من خمسين قناة تدعو إلى التشيع وسبّ صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- والطعن والقدح في أمهات المؤمنين.
علاوة على القنوات الأخرى حتى وصل الحال إلى أن تكون هناك قنوات تعلم وتنشر السحر بين الناس بكل صراحة وبكل وضوح وعلانية ودون خفاء ولا مواربة ولا استحياء لا من الله ولا من الناس.
وهناك قنوات كثيرة فيها برامج متعددة تدس السمّ في العسل، وتتسلل إلى عقول الناس بطرق ماكرة خبيثة في كثير من البرامج، في كثير من القنوات تُعرض ثوابت الدين ومسلَّمات العقيدة تعرض للنقاش، برنامج حواري أو نقاشي لأجل مناقشة هل يجوز للمسلم أن يرتد عن دينه أم لا يجوز؟ يناقشون: هل تحكيم دين الله وتحكيم الشريعة هل هذا أمر مقبول أم مرفوض؟ يناقشون: هل الحجاب شيء حسن أو شيء قبيح؟!
وكأنها قضايا قابلة للآخذ والرد كأنها قابلة للقبول والرفض، ولا كأنها قضايا من ثوابت الدين ومن مسلَّمات الإسلام التي لا يجوز أن يخوض الناس فيها، وإنما واجبهم التسليم والقبول كما قال الله سبحانه وتعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ..) [الأحزاب:36].
وكذلك الصحف والمجلات المقروءة والإلكترونية تخوض في هذه القضايا وتنشر الاستبيانات والاستفتاءات حول ثوابت الدين، هل أنت موافق على هذا أم لست موافق؟!
ولعلنا في يوم من الأيام نشاهد استفتاء يطلب فيه تصويت المسلمين هل هناك إله ورب أم ليس هناك إله ورب ما رأيك؟
لعلنا نصل إلى هذا الحال وربما قد وجد مثل هذا..!! تشكيك وهجوم غير عادي على ثوابت الدين والإسلام.
وأما الشبكة العنكبوتية الإنترنت ففيها المئات بل آلاف المواقع التي تدعو إلى مختلف الديانات والعقائد باللغة العربية، وتخاطب المسلمين تبث فيهم الشبهات والوساوس والتلبيسات؛ تشككهم في دينهم وعقيدتهم، وتدعوهم إلى الإلحاد بالله -سبحانه وتعالى-، وكثير من هذه المواقع يُبَث ويصدر من وسط البلاد الإسلامية ومن داخل البلاد الإسلامية.
بل وصل الأمر بهؤلاء المفسدين -أيها الأحباب- إلى أن يدسوا فساد العقيدة في برامج الأطفال، في برامج الصغار، يدسون لهم الانحرافات العقيدة البالغة الشديدة، ولا يخفى هذا على أي أحد يتابع شيء من هذه البرامج، يعلمونهم السحر ويزينونه في نفوسهم.
كثير من هذه البرامج فيها إعطاء المخلوق قدرات خارقة يتصرف في الكون كما يشاء، فيها تشويه لصورة الإله والرب -تبارك وتعالى- والإساءة البالغة إليه سبحانه وتعالى.
على سبيل المثال فقط برنامج يبث في قناة عربية يتابعها كثير من أبنائنا وموجودة في كثير من بيوتنا، هذه القناة تبث برنامج للأطفال بعنوان "الخارقون التسعة والتسعون"، من هم هؤلاء الخارقون التسعة والتسعون؟ هم أناس عندهم قدرات خارقة وكل واحد منهم -والعياذ بالله- قد سُمِّي اسم من أسماء الله، فهذا جبار وهذا حكيم وهذا عليم وهذا سميع، وهذا كذا..
كل واحد من أبطال المسلسل أعطي اسمًا من أسماء الله تعالى، فماذا عسى أن يغرسوا في نفوس الأطفال وهم يسمعون أن لله -تبارك وتعالى- تسعة وتسعين اسمًا، ثم يشاهدون هذه الأسماء وقد مُثِّلت في أشخاص وفي أجساد بشرية.
وصل الحال إلى هذا ووصل المكر والدسّ إلى هذا المستوى، ومن كان في شك فليفتح أي قناة أطفال، وليشاهد بضع دقائق ولينظر في المضامين التي تحتويها هذه البرامج ولينظر في الصور يجد شعارات الصليب وشعارات الماسونية في برامج الأطفال.
فهو مكر يُراد به إفساد الصغار والكبار، إفساد الرجال والنساء، إفساد المتعلمين والجهال كلٌ على حد سواء.
نسأل الله تعالى أن يصرف عن المسلمين شر الأشرار وكيد الفجار، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارًا به وتوحيدًا، وأشهد أن محمدًا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا مزيدًا.
وبعد أيها الأحباب الكرام: كذلك في جانب الأخلاق هناك مكر كبير وعمل دءوب مستمر لإفساد أخلاق المسلمين.
وَإِنَّمَا الأُمَمُ الأَخْلاقُ مَا بَقِيَتْ *** فَإِنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخْلاقُهُمْ ذَهَبُوا
وهذا الذي يراد لأمة الإسلام أن تذهب أخلاقها لأجل أن تضييع قيمتها، إذا سألنا أيها الأحباب ما هي أكثر الأفلام والبرامج التي يتابعها شبابنا وأبناؤنا وبناتنا؟ ادخل إلى أقرب محل إنترنت وانظر إلى الجالسين من الأطفال والشباب انظر ماذا يشاهدون؟ انظر إلى شبابنا وأبنائنا في البيوت ماذا يشاهدون؟ أكثر ما يشاهدون بحسب ما نراه في الواقع وبحسب الدراسات التي أجريت في هذا الأمر شيئان اثنان..
الأمر الأول: أفلام العنف والقتل والقتال والدمار والجريمة التي تنمي في النفوس نوازع البغي والعدوان، وتدفع الشباب للروح العدائية، وإلى الاعتداء على الآخرين، تعلِّم الجريمة بأسلوب احترافي ليس بأيِّ طريقة، تعلمهم كيف يتناولون المخدرات، تعلمهم كيف يسرقون، تعلمهم كيف يقتلون ثم بعد ذلك نتساءل لماذا الجريمة تنتشر في أوساط مجتمعاتنا لماذا تكثر هذه المظاهر في أوساط شبابنا؟
الدراسات المتتابعة تؤكد ثم تؤكد ثم تؤكد أن أهم أسباب انتشار الجريمة بين الشباب وأهم أسباب انتشار العنف بينهم هي هذه الأفلام التي يتابعونها هي هذه البرامج التي يشاهدونها، سواءً كانت من الأفلام الكرتونية أفلام الأطفال المليئة بمشاهد العنف أو كانت من غيرها من الأفلام الحقيقية.
الأمر الثاني الذي يتابعه شبابنا بشكل كبير: البرامج والأفلام التي تدعو إلى الفساد الأخلاقي، تدعو إلى الرذيلة، تدعو إلى الفحش والتفحش، تدعو إلى نبذ العفة والحشمة والصيانة، لو أخذنا مثالاً واحدًا فقط وفيه حقائق صادمة، الأغاني المصورة أو ما يسمى بالكليب، هذه الأغاني التي يتابعها كثير من شبابنا وشاباتنا، تخيلوا أيها الأحباب في دراسة أجريت حول هذا الموضوع وجدوا أن أكثر من 90% من أبناء المسلمين يتابعون هذه الأغاني المصورة ويشاهدونها.
على ماذا تحتوي هذه الأغاني المصورة؟ كلكم يعرف محتواها وكلكم يعرف مضمونها، أكثر من 80% من هذه الأغاني المصورة إنما يتحدث ويجسد العلاقة بين الرجل والمرأة ولا تستغرب حينها حين تعلم أن أكثر من 83% من الشباب والشابات إنما يتابعونها لأجل هذا المحتوى، لأجل هذا المضمون ليشاهدوا هذه المشاهد المثيرة والمناظر الفاضحة المخزية، يتابعونها لأجل هذا الغرض، ولأجل هذه الغاية، هذه الأغاني وهذه الوسائل التي تنشر ثقافة العري وثقافة التفسخ، هذه الثقافة الشيطانية التي قال سبحانه وتعالى عنها (يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا)؛ فالذي يسعى لنزع الستر والعفاف إنما يسعى لتحقيق مقصود إبليس (لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا) [الأعراف: 27].
وخذ جولة سريعة بين القنوات، قلِّب بشكل سريع والله ستتعب عينك مما ترى من المناظر السيئة والمناظر القبيحة من صور النساء الكاسيات العاريات، ومن صور الراقصين والراقصات في الإعلانات التجارية وفي المسلسلات وفي الأفلام، بل حتى في القنوات الإخبارية وفي غيرها أصبحت ظاهرة من كثرتها ربما فقدنا الإحساس بأنها منكر وبأنها أمر لا يرضاه الله سبحانه وتعالى.
أحد الآباء كان يستنكر مثل هذا الحديث عن وسائل الإعلام ويرى أنها مبالغة فأخذته وأجلسته شاشة تلفاز وقلت تعالى لنشاهد سويًا وننظر هل ترضى هذه المحتويات أم لا؟ فأخذنا نشاهد فجاء مشهد أول أترضى أن يكون هذا في بيتك؟ أترضى أن يفعل هذا ولدك أو بنتك؟ قال: لا.
جاء المشهد الثاني: أترضى أن يكون هذا في مجتمعنا؟ قال: لا.
جاء المشهد الثالث فقلت له أترضى أن تخرج في الشارع فترى هذا المنظر يفعله أبناء المسلمين؟ قال: لا.
إذاً هذه المضامين ليست هي المضامين التي نريدها، ليست هي المضامين التي تربي جيلاً مؤمنًا، ليس هي المضامين التي ربت أمة راقية، ليست هي المضامين التي تزرع القيم والأخلاق العظيمة، بل على العكس من ذلك ولكن لكثرة المشاهد ولتكرراها على أعيننا ومناظرنا ربما اعتدنا كثيرًا منها وأصبحنا لا نستنكرها.
ولهذا -أيها الأحباب- المهم بالنسبة لنا أن نربي أولادنا وأن نحرص في أنفسنا على أن نبحث وندقق ونفرز ما كان صالحًا وما كان غير صالح، ما يقبل وما لا يقبل، ما يرفض وما لا يرفض، لا تكون عقولنا وقلوبنا أجهزة استقبال تتلقى كل ما يلقى إليها دون تمحيص ودون تمييز، ينبغي أن نعلم أولادنا وهم يشاهدون نجلس بجانبهم إن كان هناك شيء خطأ هذا خطأ يتعلم ويتربى على التمييز لا أن نأتي بهذه الوسائل وندخلها إلى بيوتنا بمختلف أنواعها بغثّها وسمينها، بصالحها وسيئها، ثم نريد من أولادنا أن يكونوا على خير نموذج ومثال من القيم والأخلاق.
أَلقاهُ في اليَمِّ مَكتوفاً وَقالَ لَهُ *** إِيّاكَ إِيّاكَ أَن تَبتَلَّ بِالماءِ
لا يمكن أن يكون هذا أبدًا، ولهذا على كل أب أن يأخذ جهاز التحكم ويمر على القنوات الموجودة في تلفازه قناة قناة ما كان منها صالحا أبقاه وما كان منها غير ذلك فليحذفه، لماذا تبقيه لماذا يظل في جهازك؟ وأولاك يشاهدونهم ربما دون علمك، لماذا تضع الفتنة في بيتك؟
لا بد من الفرز، لابد من التمحيص والتدقيق لا بد من تصحيح الصحيح وإبطال الباطل حتى نأمن على أنفسنا ونأمن على أولادنا.
هذه المنتجات الإعلامية الفاسدة يجب أن تقاطع يجب أن تحارب حتى تتوقف عند حدها، ما انتشرت ولا راجت إلا لأنها وجدت قبولاً بين الناس وجدت لها زبائن كثر، لكن إذا قطعت وإذا حوربت فإنها عند ذلك تضطر اضطرارًا إلى تصحيح مسارها وتقويم طريقها،
عجبًا أيها الأحباب لمن يقاطع البضائع اليهودية أو يقاطع البضائع الأمريكية، ثم يأتي بالثقافة الأمريكية واليهودية إلى بيته ولا يقاطعها، أيهما أولى بالمقاطعة؟!
بضاعة ربما تكون بضاعة نافعة يستفيد الناس منها، أم إعلام فاسد يفسد الدين والعقيدة والأخلاق، أيهما أولى بالمقاطعة أيها الأحباب؟ لا شك أنه الثاني.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يصلحنا أحوالنا كلها، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يصلح إعلامنا..
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي