لقد حدثنا القرآن عن أوصافهم فما رأينها تغيرت عبر الأزمان، ولا اختلفت باختلاف الأوطان؛ لأن الذي وصفهم في القرآن هو الرحمن المستعان على ما يصف المنافقون، وما نشاهده اليوم من أفعالهم على تفاوت مسمياتهم ندرك إدراكًا جازمًا أنها ليست مرحلة تاريخية مرت وانفصلت، بل هي باقية إلى يوم الناس لرب العالمين. اللبرلة والعلمنة والقومنة والشيوعية وغيرها هي أسماء كثيرة لفكرة واحدة وهي ستار التدثر بالإسلام في سبيل الحرب على الإسلام.
الحمد لله بارئ النسم، علَّم بالقلم، علَّم الإنسان ما لم يعلم، الكريم الأكرم، منعمٍ باسط شكور صبور، ويداه تفيض بالأعطيات، يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له، إنه بكل شيء عليم.
لو أن هذا البحر كان مدادنا *** نفد المداد وحمـده لا ينـفد
لو أن نبت البيد صار يراعة *** فنيت ورب النبت بـاقٍ يُحمد
سبحانه ربٌ عظيم أوحد
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له..
تعالى الله عن شبه وند *** وعن مثل له وعن الشريك
لا شريك له في ربوبيته وإلهيته وأسمائه وصفاته: (وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأعراف: 180].
وأشهد أن محمدًا بن عبد الله عبدُ الله ورسوله، بلّغ رسالة الله، وجاهد في الله حتى توفاه الله، له أيادٍ علينا سابغةٌ، نعد منها ولا نعددها.
صلى الله عليه وعلى آله الأطهار، وصحبه المصطفين الأخيار، وعلى التابعين لهم بإحسان ما تعاقب الليل والنهار، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: حكم الله لا تنقضي، ونعمه لا تنجلي، يخلق الخلق وما شاء فعل، له الحكمة البالغة ولو شاء لهداكم أجمعين.
إذا كانت حكمة الله اقتضت أن بعض خلق الله في إيجادهم للناس نعمة، فإن حكمته اقتضت أن بعض الناس في إيجادهم لله حكمة، إذا كانت نعمة الله تجلَّت في رجال يهدون إلى الخير وبه يعملون، فإن حكمته اقتضت أن هناك أئمة يدعون إلى النار ولمن أجابهم بها يقذفون.
أئمة النار في أرجائها ملئوا من بعد ما أشعلوا في غيرهم حطب..
أئمة!! نعم أئمة لكنهم شياطين قد شيطنوا الناس حسدًا وبغضائهم تحبو على كل مؤمن.
شياطين يغوون العباد بخطرة وأمرهم للناس لم يتبين.
عند ذكر الله تعالى لعداوة الشياطين للأنبياء قدم شياطين الإنس على شياطين الجن؛ لأن الشيطنة في نفوسهم أعتى وأظلم وأشد تنكيلاً.
يسحقون الجني سحقًا وما الجني فيهم إلا أبر لطيفًا في شياطين جننًا، قال ربي: (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) [النساء: 76].
حديثنا عن رجل لا كالرجال رجل بالمعنى المجازي وشيطان على المعنى الحقيقي، له وجه وليس له ضمير، قوالبه تبدو ويزورّ قلبه، له عين تفيض الشر والشرر، له ثغر يفيض الكفر والخطر، له قلب طوى من كل خافي للخنا قدر.
بادي عليه الحقد وجهًا أسود، وهو الذي لبس القناع الأصفر..
من رؤوس الكبر في القرن الأول، من أدعياء الضلالة فيه، يسوق الناس بعصاه إلى النفاق والشقاق والاحتراب والافتراق، إذا كانت شياطين تجري من ابن آدم مجرى الدم فإن هذا الرجل يجري منهم مجرى الرؤوس، منافق من الطراز الأول لا يعترف بخطرات الشيطان عن بُعد، بل يحرك خطراته في الناس عن قرب.
هذا المنافق ساءه أن الناس دخلت في دين الله أفواجًا، فخشي على نفسه أن يخوض معركة معلنة مع التيار الإسلامي المحمدي، ثم يخسرها فأخفى كفره ثم أعلن نفاقه.
بالله أرأيتم كفرًا يخفى؟ نعم لقد كسر هذا المنافق الإجراءات التقليدية للدخول في سلك الكفر بالله، فلم يكفر بالله فحسب، بل خاض متزعمًا أشرس حرب متخفية بضرب الوحدة الإسلامية على عهد رسول الله.
خاض متزعمًا حربًا طويلة المدى لكسر اللحمة الواحدة كانت الحرب الخفية الباردة هي أفضل حلول هذا المنافق وللشرذمة القليلين معه يؤنب ما استطاع على نفاق ويكسر ما استطاع من اجتماع، شجاع إن أريد الشر ماضٍ وما في بالخير بالقرم الشجاع.
هذا المنافق ومن معه بالدرك الأسفل من النار لا جرم فقد كانوا بالدرجة العليا من النفاق في الدنيا.
المنافقون.. يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية، ويحسبون أن الله سيخفى عليه عمل ما كانوا يعلمون.
المنافقون.. يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك (هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ) [آل عمران:167].
المنافقون: والله أعلم بما يكتمون، من هذا المنافق الذي كسر العروة الوثقى بكفره عندما كفر بأن محمدًا رسول الله فأظهر الولاء له، وأبطل البراء منه، وأذى رسول الله أذى شديدًا، من هذا المنافق الذي له غدرات ما يجيش بها امرئ على الدهر إلا أذهبته ودينه.
من هذا المنافق الذي شرب النفاق سرفًا معتقًا تمور به أعطافه ومخايله.
من هذا المنافق الذي آذى الإله ورسله وأصحاب رسل الله في كل محفل.
إنه المنافق الذي جلب الهوان وما رأى جمع النفاق بموقف إلا هفا
منافق ضرب الصفوف ببغضه قدحت عليه شرارة الشحناء، كلما سمع هيعة للشر طار لها،
منافق استحدث دين النفاق في البشرية الجمعاء بعد أن لم تعرفه في كل الحقب، منافق رضي أن يتحمل وزر كل منافق بعده.
ما من منافق في أيّ زمان إلا على هذا الرجل كفلٌ منه، كتب النفاق بوجهه مستخفيًا عليه غشاوة وستارًا، يا رب وجه منافق ما أظهرت علامة وجهه الأوزار.
عبد الله بن أبي بن سلول هو رائد فكرة النفاق في العالم الإسلامي من عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى هذا العهد، نعم هو هذا الرجل وفكرته التي صدرها إلى المجتمعات الإسلامية فأصبحت أكثر المجتمعات رازحة تحت هذه السلاسل الشيطانية.
كان يستطيع هذا المنافق أن يظهر عداوته للمجتمع الإسلامي، ولكنه كان لا يريد أن يخسر شيئًا من تصدُّره ورصيده العلاقتي مع الناس.
إذاً المنافقون جبناء، كان يستطيع هذا المنافق أن يدخل في دين الإسلام ظاهرًا وباطنًا، لكنه كان لا يريد أن يدخل في دين يقيِّد من زعامته التي كان يستعد لها في المدينة فهو أرقى بزعمه من كل هذه القيود التي تحدّ من كبريائه؛ إذ المنافقون بهت حسّد متكبرون أغبياء.
كان يستطيع هذا المنافق أن ينضم للمجتمع المسلم ظاهرًا، ثم يأوي إلى بيته تاركًا محادة شرع الله ونبي الله، ولكنه كان لا يريد ذلك بل يريد لهذا الدين ألا يستحكم. إذ المنافقون لا يحكمون شرع الله ولا يريدون لشرع الله أن يحكّمه غيرهم.
كيف نبذت هذه الجرثومة في جسد أبيض سليم، كيف نبتت ثم استغلظت ثم استوت على سوقها تغيظ المؤمنين، وكيف استشرت في ذلك المجتمع وفي كل مجتمع مسلم أتى بعده.
إذا استطعنا أن نحلل فكرة النفاق عرفنا من أين أتت السلوليات المعاصرة، إذا عرفنا دوافع ما يفعله ابن سلول في ذلك المجتمع المحمدي عرفنا كل الدوافع التي يفعلها المنافقون من بعده.
في الحرب لا يريدون للعصبة المؤمنة أن تنتصر وفي السلم لا يريدون للسلم الاجتماعي أن يستقر ويدوم..
إذاً إذا أرادت موقفهم من الحروب فاقرأ موقف هذا المنافق وعصبته في غزوة أُحُد، وفي غزوة الخندق، وإذا أردت موقفه من السلم فاقرأ موقف هذا المنافق مع عائشة الصديقة -رضي الله عنها- وقصته مع زيد بن أرقم، وغزواته النفاقية في المدينة، والله ما سلمت من هذا المنافق وأصحابه لا دولة الإسلام ولا نبي الإسلام ولا صحابة الإسلام.
أفسلمت منه يوم بني المصطلق في غزوة المريسيع حين جهز النبي -صلى الله عليه وسلم- لقتالهم خرج هذا المنافق مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج مكرهًا لا بطل خرج لا يريد الحرب، ولكنه خرج يريد الكرب، وإشعال الصفوف المسلمة، وإلهائها بقشور الخلافات، وإثارة التعصبات، لقد خرج معهم وما إن أراد هذا الجيش العظيم العودة إلى المدينة إلا وقد اختلق هذا السلولي المنافق أعظم قصة إفك في التاريخ على من أيها المنافق؟ على أطهر فراش وعلى أزكى بيت وأجل زوج في البسيطة محددًا وأبر بيت في الوجود جلالاً.
قذف هذا السلولي عرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بزوجته الحصان التي ما هفت يداها لشر ولا ريبة من سلالة خير خلق الله بعد نبيها وتصبح غرسى من لحوم الغوافل.
لقد خلد القذف والقاذف في آيات محكمات نتلوها إلى قيام الساعة ببراءة الصديقة عائشة -رضي الله عنها- وكبر هذا المنافق الأفاك.
لم يهزم الجيش المحمدي في تاريخه في أيّ معركة إلا في معركة واحدة كان هذا السلولي من صُنّاع الهزيمة في غزوة أحد.
خرج المسلمين لملاقاة أعداء الله خرجوا ضعيفة كفافهم قليلة أزوادهم عارية ظهورهم في زمن هو أشد زمن تحتاج فيه هذه الدولة الفتية للإمدادات القتالية والمساعدات الحربية ولكن ابن سلول أبى إلا الغدر.
قال هذا السلولي المنافق في يوم أُحُد لمن معه: "أيها الناس! والله ما ندري على ما نقتل أنفسنا ها هنا، إني راجع فارجعوا"، ليكون هذا المنافق طرفًا حقيقيًّا في استحداث سنة النقض لذمم المعارك الملتهبة عبر التاريخ كله.
يتآكلون ضغينة وخيانة وتفيض أنفسهم أذى ووبالاً، يتآكلون ضغينة وخيانة ويرون لحم الغافلين حلالاً.
بشر المنافقين..(بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) [النساء: 138].
أقول ما قلت وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم..
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم ولا عدوان إلا على المنافقين الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: هذا المقام هو أسمى من أن يدنَّس بذكر منافق عليم اللسان رديء الجنان، ولكننا أردناه جلوة لمن أراد أن يتذكر أو أراد اعتبارًا؛ لأن النفاق هو قدر هذه المجتمعات الإسلامية على كافة طوائفها، وأن النفاق هو الفكرة الرديئة للكفر بالله على الطريقة الناعمة.
المنافقون.. لم يكن رب العزة عاجزًا أن يخلص ذلك المجتمع الطاهر من سوءات بني الأسفلين الأرذلين الأذلين، ولكن حكمة الله كانت فوق المصالح الظاهرة للعينين.
من أين لنا إذاً أن نعرف هذه الدوافع التي ورثها منافق زماننا من منافق القرن الأول لو لم يذكرها الله تعالى في كتابه الكريم.
كادت الآيات في المنافقين أن تكون أكثر من الآيات في الكفار والمشركين، إذا سمعت تحذير الله -عز وجل- بقوله: (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ) [المنافقون: 4]، فاعلم أنه قالها في المنافقين (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ) ولم يقولها في سواهم من كل طائفة منحرفة منحلة ضالة.
إذا سمعت الله -عز وجل- يقول (وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ) [المنافقون: 7] فاعلم أنه قالها في المنافقين أربع مرات وقالها في الكفار مرتين.
كانت إرادة الله فوق كل إرادة بشرية حينما شاء -عز وجل- أن يزرع المجتمع المدني على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالمنافقين، كانت حكمته فوق كل حكمة، أن يا أيها الناس إن المنافقين كانوا لكم عدوًّا مبينًا.
كانت حكمته (لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) [الأنفال:37].
لو تخلص زمن من النفاق لتخلص منه عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لكن وأين سنة التمييز؟ كان المنافقون على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كثيراً، ولم يكونوا اثنين عشر رجلاً فحسب من الذين علمهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حذيفة بل كانوا أكثر من ذلك عرف بعضهم رسول الله وبعضهم لم يعرفه.
ألم تسمعوا قول الله -عز وجل- (وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ) [التوبة:101].
ومن تنبت في حاجبيه علامة الدهشة من تكاثرهم على عهد خير البرية عليه ألا يندهش من كثرتهم في كل عهد أتى بعده.
المنافقون.. لماذا الحديث عنهم؟ لأنه حديث يبدأ ولا ينتهي، فقد جاء الحديث عنهم في أكثر من نصف سور القرآن المدنية؛ إذ ورد ذكرهم في سبع عشرة سورة مدنية من أصل ثلاثين سورة.
لماذا المنافقون؟ لأن الحديث استغرق عنهم فيما يقرب من ثلائمائة وأربعين آية من كتاب الله -عز وجل- حتى قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "كاد القرآن كله أن يكون في شأن المنافقين".
لقد حدثنا القرآن عن أوصافهم فما رأينها تغيرت عبر الأزمان، ولا اختلفت باختلاف الأوطان؛ لأن الذي وصفهم في القرآن هو الرحمن المستعان على ما يصف المنافقون، وما نشاهده اليوم من أفعالهم على تفاوت مسمياتهم ندرك إدراكًا جازمًا أنها ليست مرحلة تاريخية مرت وانفصلت، بل هي باقية إلى يوم الناس لرب العالمين.
اللبرلة والعلمنة والقومنة والشيوعية وغيرها هي أسماء كثيرة لفكرة واحدة وهي ستار التدثر بالإسلام في سبيل الحرب على الإسلام.
المنافقون اسمعوا أمين أسماء المنافقين حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- وهو يحدثكم عنهم حيث يقول: "المنافقون الذين فيكم شر من المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".
ويقول الإمام مالك -رحمه الله-: "النِّفاق في عهْد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو الزَّنْدقة فينا اليوم"، فما الحال إن تركنا عهد مالك وابن اليمان وأتينا إلى هذا الزمان؟!
المنافقون.. ما السبيل الأمثل لعلاج ظاهرة النفاق في هذه المجتمعات الإسلامية؟
إن السبيل الأقوم والطريق الأمثل لإيقاف شر المنافقين والمنافقات وتعطيل أهدافهم هو جهادهم كما أمر الله -عز وجل- بقوله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [التحريم:9].
قال القرطبي -رحمه الله- في تفسير هذه الآية الخطاب للنبي -صلى الله عليه وسلم- وتدخل فيه أمتهم من بعده.
وقال ابن عباس -رضي الله عنهما- عن أمر الله بجهاد الكفار بالسيف والمنافقين باللسان، وأن يذهب الرفق عنهم فجهاد المنافقين هو من أجل فرائض الدين، ولا يقل شأنًا عن فريضة الجهاد في سبيل الله ضد الكافرين، بل إن جهاد المنافقين هو فريضة دائمة بينما جهاد الكافرين قد لا يكون على الدوام.
المنافقون.. قد تجدون متحدثًا باسم الدين وهو منافق معلوم النفاق كما كان يفعل ابن سلول مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ففي الحديث الذي أورده ابن حزم في المحلى وصححه عن عكرمة مولى ابن عباس قال: قالت قريش يوم الحديبية: يا أبا حباب وهم يعنون ابن سلول؛ إنا قد منعنا محمدًا طواف هذا البيت، ولكننا نأذن لك يا أبا حباب فقال عبد الله بن سلول: كلا، فلي في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة!
خذها ألاعيب يخادع باسمها حلو اللسان وقلبه يتلهب..
المنافقون.. لا يستحي المنافق أن يلبس أنضر جلباب وإن كان قلبه طاويًا على النكت السوداء والشحناء والبغضاء أفعى صحراء وثعبان ماء حذارِ حذارِ منه إنهم شرك الردى وقرارة الأقدار.
المنافقون.. يكرهون الإسلام كرهًا عظيمًا، ولكنهم يختفون تحت اسمه عند الحاجة ويعلنون كفرهم إن تولت.
مسلمون إن كان لكم فتحٌ من الله، وإن كان للكافرين نصيب قالوا للكافرين ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين!
لهم ألف قناع وقناع إذا كشف القناع الأصفر لبسوا الأحمر، وإذا كشف الأحمر لبسوا الأخضر، لهم لبوس لكل هوى ونسبهم بكل زمان حالهم كقول القائل:
يوماً يمانٍ إذا لاقيت ذا يمنٍ *** وإن لقيت معدّيّاً فعدناني
المنافقون لا يجرؤون على التصريح بما يريدون؛ فهم يسعون إلى التدمير باسم التطور، وإلى الإفساد باسم الإصلاح، وإلى تدمير المكدرات الإسلامية باسم الحفاظ على الوطنية.
المنافقون.. النفاق هذا اليوم له رؤوس ومنابر ومنافق هذا الزمان يتحركون بتخطيط وتنظيم وجهادنا لهم يجب أن يكون بذات التخطيط والتنظيم وتوديع زمن الاجتهادات الفردية والعشوائية في سبيل جهادهم والإنكار عليهم، وإدارة المدافعة معهم بأسلوب جديد.
ففئة تنفر لجهادهم علميًّا للرد على شبهاتهم وافتراءاتهم، وفئة تنفر إعلاميًّا، وفئة ثالثة تنفر لنصحهم وإرشادهم وتذكيرهم بحق أبنائهم عليهم (وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا) [آل عمران: 120].
أيها اللاهثون خلف الأعادي: هل ستبنون أم تريدون الهدم، كم رفعتم من الشعارات لكن لم تزل تلكم الشعارات وهمًا، قد شبعتم عداوة وخلافًا، وصرمتم حبل التواصل صرمًا ونسيتم قرآنكم وجعلتم دون إيمانكم من البغي ردمًا.
الشعارات لا توحد صفًّا، والخلافات لا تحقق حلمًا، إن أقصى مصائب العصر أن نلمح أهل الهدى يسامون ظلمًا ودعاة الضلال يلقون إجلاجًا وهم ينفثون في الناس سمًّا.
المنافقون.. لما هذا الحديث نسأل الله العافية، اللهم إنا نسألك العافية من النفاق.
إياك والأمن من النفاق المؤمن لا يغتر بالكثرة ولكن يغتر بالعبرة، سلوا الله العافية من النفاق، فأيكم يأمن النفاق على نفسه، يقول الحسن البصري -رحمه الله-: "والله ما خاف النفاق إلا مؤمن ولا أمنه إلا منافق".
وعن حماد بن زيد عن أيوب قال: سمعت الحسن -رضي الله عنه ورحمه-: "والله ما أصبح مؤمن ولا أمسى إلا وهو يخاف النفاق على نفسه".
ولا كنتم ولا كنا ولا كنتُ أقوى إيمانًا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فقد أدرك ابن أبي مليكة ثلاثين من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلهم يخاف النفاق على نفسه.
فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة *** وإلا فإني لا إخالك ناجيا
اللهم إنا نعوذ بك من النفاق والشقاق ومساوئ الأخلاق..
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي