الحياء زينة الإنسان رجلاً كان أو امرأة وهو أوكد للمرأة، وهو خلق النبيين والمرسلين والصالحين والصحابة والأئمة والفائزين والناجين في...
الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، أحمده سبحانه وأشكره.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، وصفيه وخليله، وأمينه على وحيه، ودينه وشريعته، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون: اتقوا الله -تعالى- ما استطعتم، واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيراً لأنفسكم، انصروا الله ورسوله ودينه، وكونوا عباد الله المسلمين ترجون رحمته، وتخافون عذابه: (إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا * وَإِن مَّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِك فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا) [الإسراء: 57 - 58].
عباد الله: لكل أهل ملة خلق وأدب يتميزون به وأهل ملة الإسلام خلقهم الحياء.
الحياء وهو شعور داخلي يبعث على الكف عن ارتكاب القبائح، ودناءة الأخلاق، ويحث على استعمال مكارم الأخلاق ومعاليها، وهو من أجل الأخلاق التي يمنحها الله العبد ويجبله عليها، يقول ابن رجب -رحمه الله-: "هو من خصال الإيمان بل من أعلى خصال الإيمان ودرجات الإحسان"، ويقول ابن مسعود -رضي الله عنه-: "الاستحياء من الله أن يحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وأن تذكر الموت والبلى".
ويكون الحياء من الله -تعالى- ومن رسوله والناس، يكون من الله -تعالى- حين يعرف العبد ربه، ويعرف عظمته وقربه منه، واطلاعه عليه، وعلمه بخائنة الأعين، وما تخفي الصدور، ويتولد الحياء عند العبد ويستقر في قلبه وفؤاده حين يطالع نعمة الله عليه ويطالع تقصيره نحوها في شكرها.
ويكون الحياء من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين يعرف حقه عليه وما قدمه له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من التسبب في الهداية والنجاة من النار، فيكثر من الصلاة عليه، ويجعل في نفسه تعظيماً له صلى الله عليه وسلم وتوقيراً، فيحب سنته ويقدمها على كل قول بعد قول الله -تعالى-، ويحترمه ويصدقه ويتبعه احتراماً وتوقيراً وطاعة لله -تعالى- وعرفاناً وجزاءً.
أيها الإخوة في الله: الحياء زينة الإنسان رجلاً كان أو امرأة وهو أوكد للمرأة وهو خلق النبيين والمرسلين والصالحين والصحابة والأئمة والفائزين والناجين في الحديث الصحيح: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أشد حياء من العذراء في خدرها، وكان إذا كره شيئاً عرفناه في وجهه" (رواه البخاري).
ووصف الله -تعالى- بنت شعيب -عليه السلام- بأنها كانت تتحلى بهذا الخلق الكريم؛ فقال سبحانه: (فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا) [القصص: 25]، وقال عليه الصلاة والسلام: "إن موسى -عليه السلام- كان حيياً ستيراً لا يرى من جلده شيء استحياء من الله فآذاه من آذاه من بني إسرائيل" (رواه البخاري ومسلم)، وقال صلى الله عليه وسلم واصفاً عثمان بن عفان -رضي الله عنه- بهذا الخلق الكريم: "ألا أستحيي من رجل تستحي منه الملائكة" (رواه مسلم).
وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كاشفاً عن فخذه مضطجعاً في بيته، فدخل عليه أبو بكر ثم عمر -رضي الله عنهما- فلم يزل على حالته فلما دخل عليه عثمان سوى ثيابه وجلس.
وعلى كل حال فالحياء من الإيمان، والنبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر أنه مصدر الخير فإذا تحلى العبد بالحياء جاءته كل الحلى تباعاً، رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلاً يعظ أخاه في الحياء؛ كأنه يقول له: أضعت بسببه خيراً كثيراً، أو فاتك خير كثير بسبب حيائك، فقال له: "دعه فإن الحياء من الإيمان"، وفي رواية قال: "الحياء لا يأتي إلا بخير"، وقال: "الحياء خير كله" (رواه البخاري ومسلم)، فإذا أراد الله بعبده خيراً زينه بهذا الخلق وحلاه به.
أيها المسلمون: ما أقبح الإنسان بلا حياء ولا أدب يقترف القبائح ويفعل ما شان من الرذائل والسواقط والدنايا، يقول رسولنا -صلى الله عليه وسلم-: "إذا لم تستح فاصنع ما شئت" (رواه البخاري)، يقول ابن رجب: "المعنى أن من لم يستح صنع ما شاء فإن المانع من فعل القبائح هو الحياء، فمن لم يكن له حياء انهمك في كل فحشاء ومنكر"، وقال: "الحديث فيه التهديد والوعيد".
إن حياة المسلمين بدأت تطرد هذا الخلق الكريم وتعمل عبثاً على تفريغ المسلمين منه.
إننا في زمان الحياء فيه عيب وسبة وعار، زماننا أو تصرفات بعضنا يقول لسان حاله: لا تستحي واترك الحياء جانباً فقد ولى زمن الحياء.
إننا نعاني من قلة الحياء في اللباس والهيئة، فالهيئة النسائية ليست إلى خير تسير ولكنها إلى شر مستطير، التشبه بالكافرات المشركات اللائي لا يؤمن بالله ولا بلقائه، اللباس الواصف والمفصل والمفتح والفاتن والشفاف.
قلة الحياء عند الذكور من التشبه بالنساء واستعمال حوائج النساء كالأصباغ والعطور وما شابه ذلك ومخالطتهن والتطبع بطبائع الإناث؛ كما تظهر قلة الحياء في اختلاط المرأة بالرجل باسم المسميات المتعددة والأعذار الواهية والتعليلات الهزيلة، فتظهر المرأة أمام الرجل الأجنبي عليها وتخاطبه كأنها تخاطب زوجها أو أباها أو وليها وتناقشه ويناقشها، وكأن تحذيرات القرآن والسنة لم تكن ولا كأن الله -تعالى- لم يأمر بفصل الجنسين عن الآخر، حتى تجرأ البعض، فجاء بالرجال المغنيين يغنون لهم في الأعراس، فأدخلوهم على النساء.
حسبنا الله ونعم الوكيل.
إننا نعاني من تقليد المجتمعات المنهارة التي انهدمت أسوارها وخر عليهم السقف من فوقهم في لباسهم وسلوكياتهم وندخل كل جحر دخلوه وكل سبب نزل به العذاب فعلوه: (وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) [هود: 113].
وإن قلة الحياء لتوجد في النشر والكتابة، نشر الصور شبه العارية، وكتابة المقالات والأخبار عن الشذوذ والفواحش، كل ذلك وغيره ينشر في ديار المسلمين، وتسبب في فقدهم لأكثر أخلاقهم؛ كالحياء والأدب التي تبنى بها النفوس وتبصر بها القلوب.
إن المسلمين اليوم ابتلوا بمحاربة غيرهم ممن لا دين له ولا عقيدة يقلدونهم في الفتيل والقطمير، ففي طرحهم جرأة مذمومة وتعد للحدود وكشف للمغطى دون مراعاة لدين الله الذي أمر بالتأدب عامة وخاصة عند التعرض لما حقه الستر والحياء.
إن عرض المشروعات العلمية والأدبية لا تعطي الإنسان الحق في نشر أو عرض أو الإفصاح باسم العلم والتقدم والتحضر.
إن منهج القرآن الكريم يعد أكمل المناهج بلا شك، وأشرفها وأرفعها، ولن يبلغ منهج أسلوب القرآن وهو شرع لا بد من تبليغ الناس به، فلما أراد أن يبلغ ما يخص الطهارة بعد قضاء الوطر نجده يلمح ويكنى، ولا يكشف ويصرح؛ كما في قوله تعالى: (نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ) [البقرة: 223]، (وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ) أي مما يهيئ الحال من المقدمات، ويقول سبحانه: (وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ) [المائدة: 6]، وملامسة النساء هنا يعني: الجماع، فلم يكشف القرآن ولم يصرح ولم يفتح الباب على المكشوف إنما اكتفى بالكفاية والتلميح والتزام الأدب الرفيع، وهو شرع منزل لا بد من تبليغه للناس، فأين الذين يفضحون ويكشفون المغطى باسم العلم -كما يزعمون- أنهم من منهج القرآن وأسلوبه؟
إن العلم الحقيقي يلزم متعلمه أن يتأدب أولاً ويستحيي حتى ينال العلم، وإن القول بأنه لا بد من التصريح باسم العلم خاصة في الأمور التي تتطلب الحياء غير صحيح وحجة هؤلاء واهية.
إذا طالعنا دستورنا الإلهي الكريم الذي: (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ) [فصلت : 42]، كما أن البعض يردد مقولة خاطئة: لا حياء في الدين، إن الدين الحنيف يبرأ إلى الله -تعالى- من هذه المقولة؛ لأن الإسلام دين الحياء والأدب بل عد رسول الله الحياء من الإيمان وهدد من لا أدب له ولا حياء وهو صلى الله عليه وسلم أشد حياء وصحابته وامتلأ القرآن من ذكر الحياء داعياً إليه ومثنياً على أهله، وواصفاً عباد الله الفائزين عنده بهذا الخلق النبيل، فقول القائل: لا حياء في الدين كلام باطل مردود وأجرى الحال البعض بناءً على هذه العبارة، فقال: لا حياء في العلم وأخذ يشرق ويغرب في القول والنشر والبحث دون مراعاة للأدب معتمداً على قول باطل، وما بنى على باطل فهو باطل، فلا يجوز التصريح والكشف عما أمر الشرع بستره والتزام الحياء عنده، تحت أي ظرف أو عذر من الأعذار، ويعد هذا تعدياً لحدود الله -تعالى-: (وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [البقرة: 229].
إن الجرأة في هذه الأمور خطيرة وبلوى فإنها تجرأ المراهقين وتطلعهم علانية وجهاراً على ما يجب ستره والأدب عنده، ولهذا لما رأى الشباب الرقص والتفسخ والضياع هاجوا يركضون وراء كل امرأة وأنثى كما حدث هذا في بعض دول المسلمين قريباً.
فلنتق الله -أيها المسلمون-، فالحياء خير كله ولا يأتي إلا بخير، وما بنيت المجتمعات ولا عمرت البلدان إلا بأخلاق الإسلام والمروءات والشيم.
حفظ الله ديار المسلمين من كل سوء ومكروه إنه سميع مجيب.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي