دخل عام هجري جديد، تميزت الأمة الإسلامية بابتكاره، واغتبطت بهداية الله له وإقراره، انتقل الناس إليه ليكتبوا بدل السبعة ثمانية، ووقفتنا التي لا بد أن نقفها هي: بأي شيء انتقلنا إلى عامنا الجديد؟.
أما بعد: دخل عام هجري جديد، تميزت الأمة الإسلامية بابتكاره، واغتبطت بهداية الله له وإقراره،
انتقل الناس إليه ليكتبوا بدل السبعة ثمانية، ووقفتنا التي لا بد أن نقفها هي: بأي شيء انتقلنا إلى عامنا الجديد؟.
أولاً: انتقلنا بنعمة عظمى يتمناها من انقضت عليه حياته قبل موتك، انتقلنا بأعمارنا، فلم نزل -ولله الحمد- في عداد الأحياء الذين يعيشون أياما بقيت لهم، الله أعلم بعددها، لا يعلمها إلا هو.
والوقفة المهمة: هذا العمر له وظيفة لا بد أن يؤديها، وهذه الحياة أنفاسها هي ميدان الأمل، ولحظاتها هي خزائن للعمل.
انتقل الإنسان الذي سبقت له السعادة بأعظم عبادة لله، فهو الموحد لخالقه، الراضي عن ربه، يجدد توكله، ويعظم رجاءه، يرى لله منة في كل شيء، ويرى دلائل عظمته في كل ما حوله، يقرأ حكمة الله في نفسه قبل غيره، فهو المدبر لأمره، يعطيه فيرى حكمة الله في عطائه، ويمنعه فيرى حكمة الله في منعه، "اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت".
انتقل المصلون لعام جديد بصلاتهم، فالصلاة خير موضوع، ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة! فالمصلون على أعظم صلة بينهم وبين الله، انتقل المتصدقون بصدقاتهم فلا يزالون يقرضون الله قرضاً حسناً: (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ) [الحديد:11].
نقلوا إلى عامهم الجديد صدقة السر, وأحد السبعة الذي يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله "ورجل تصدق بصدق فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه".
انتقل الواصلون لأرحامهم بصلتهم لأرحامهم، بين أعينهم قول الله -تعالى- للرحم: "من وصلك وصلته، ومن قطعك قطعته".
البارّون بوالديهم أحياء وأمواتاً لم تحدثهم نفوسهم أن يقف برهم، بل هم مواصلون ما اختاروه لأنفسهم، سائلين الله الإعانة، يعلمون أن حاجتهم لبر والديهم هي أعظم من حاجة والديهم إليهم، فهي عبادتهم التي جعل الله لها ثوابا عاجلاً، وذخرها وافرا، فهنيئا للبارين! "بروا آباءكم تبركم أبناؤكم".
أما إن هذه خير منقولات المؤمن للعام الجديد، وهي الباقيات الصالحات التي لا تزيد المستمسك بها في دينه إلا صلابة وثباتاً، (وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا) [الكهف:46]، (وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَّرَدًّا) [مريم:76].
فانتقلوا لعامكم بخير ما عندكم، وأملوا أن يكون مستقبلكم خيرا من ماضيكم.
وبعد هذا تستولي علينا السفاهة، وتستحوذ علينا الغفلة، ويظهر جهل الإنسان وظلمه، (إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) [الأحزاب:72]، فيحمل فوق ظهره شر عمله، وشيناً من عاداته الماضية، ليكون زاداً في نقلته العمرية وعامه الجديد.
نعم، ليس للعام الجديد طقوس خاصة، ولا للسنة المنقضية صحف تطوى، ولكن للجديد رغبة، وللبداية نشوة.
تحرمنا العادات خيراً كثيراً، وتعوقنا طرائق وأساليب سابقة عن أجور سابغة، هو لا يتقدم لصلاة الجماعة ولا للجمعة لأنه لم يعتد هذا الخير، ولا يسابق فيه، وقدماه لا تحمله إليه، فهو لم يتعود.
صلاته نقر كنقر الغراب؛ لأنه لم يعتد أن يطمئن فيها، كما أنه لم يتعود الترديد مع المؤذن، والإنصات لجمل الأذان، ليس له ورد معتاد في كتاب الله، وإنما قراءته للقرآن تحكمها الظروف، وحق كلام الله أن يجعل له فاضل وقته، وها هو يبخل على نفسه أن يقرأ القرآن في فضلة وقته.
تحكمت عاداتنا في علاقاتنا! فهو لا يزور قريبه، وعلى جفاء مع رحمه؛ لأنه لم يعتد هذه الصلة، ويخشى الكلام وسؤالات الاستفهام إن حمل نفسه على ما لم يعتد من الخير وصلة الأرحام.
حرمتنا العادات تحسين أخلاقنا وتليين جانبنا، فالكلمة الطيبة تتلجلج في الصدر، وتتلعثم في الفم، لا يستطيع قولها لأنه لم يعتدها، وابتسامتنا بمقدار، حتى لا يقال: ما الذي غيره؟ وما الذي جد في حياته؟.
لئن كانت العادات التي حرمتنا الخير وفوتتنا الأجور من الخسارة البينة، فالتمسك بها ونقلها إلى عام جديد ليكون التقصير سمة في عام آخر من حياتك وصفة لازمة في مرحلة جديدة وأنت تسير إلى خالقك هي خسارة مضاعفة، والخسارة أعظم والشؤم أتم حينما تصر على مخالفات شرعية، ومضرات دينية أو بدنية، فمَن هذه طريقته فإن السنوات لا نزيده من الله إلا بعداً، وفي معاشه ومعاده إلا حرماناً نقصاَ.
أيها الإخوة: يقول الله -تعالى-: (لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ) [المدثر:37]، وإنما يتقدم الإنسان بقربه من الله، وإدراكه حقيقة هذه الدنيا، ومعرفة مراحلها التي هي منازل ينزلها السائرون حتى يلاقوا الله رب العالمين، (يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ) [الانشقاق:6].
أقول قولي هذا...
أيها الموفق: لا تنقل لعامك الجديد خصومات أججها الشيطان، وفوتتك أجور العفو والغفران، حرمتك بركة عمرك، ولذة الأنس بقرابتك، فدع الأيام تطويها، والليالي تواريها، قبل أن تطويك الأيام، ويواريك هادم الأنام.
استعن بالله لتكون مجالسك هذا العام ليس فيها إثم ولا عدوان، فالغيبة من كبائر الذنوب، وسيئ القول والكلمة الفاحشة تكب الناس في النار، "وهل يكب الناس في النار على وجوههم -أو قال على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم؟".
لا تنقل لعامك الجديد سلوكاً أضر بصحتك، فالسهر هدم لصحتك، وضياع لبيتك، ومقلق لوالديك، ومفسد لعلاقتك مع زوجك وولدك.
الدخان الخبيث يعبث في بدنك، ويشوه جمالك، ومنتن برائحتك، ومذهب لقوتك، واعتدال نفسيته، عادة قيدتك في حياتك، وفرضت عليك طريقة في حضورك وغيابك، فالمدخن ليس بالرجل العادي، ولا بالموظف السوي، وليس هو المدرس المرضي، وهو في نفسه مأسور لعادته، شقي، أشفق على نفسك ولا تنقله لعامك الجديد، وسجل انتصاراً على نفسك من نفسك، وهو لنفسك. أعان الله المدخنين على الجد في تركه، ويسر لهم سبيل الفكاك منه.
ثم اعلموا -وفقكم الله- أن يوم الثلاثاء القادم هو يوم مبارك، يوم شكر لله -تعالى-، يوافق اليوم الذي نجّى الله فيه موسى -عليه السلام- وقومه، وأغرق فيه فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً لله، ثم صامه النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال إن صيامه يكفر سنة، وحث على أن يصام التاسع قبله؛ مخالفة لليهود، وتميزا للمسلمين. ومن شق عليه صوم التاسع واكتفى بالعاشر يوم الثلاثاء فصيامه صحيح لا كراهة في ذلك.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي