عروض رمضانية (2)

محمد بن إبراهيم النعيم
عناصر الخطبة
  1. أهمية استغلال ليالي رمضان في أعمال البر .
  2. ثلاثة أمور عظام تحدث أول رمضان .
  3. أهمية الإكثار من الطاعة في ليالي رمضان أكثر من نهاره .
  4. تكريم الله للصائمين. .

اقتباس

ففي أول ليلة من رمضان حدثت ثلاثة أمور عظام كان الواجب على الصحافة العربية أن تذكرها بالخط العريض: ثلاثة أمور كونية تهم المسلمين ولم يعلم بها غيرهم: الحدَثُ الأول: فقد تم في أول ليلة من ليالي رمضان تصفيد مليارات الشياطين ومردة الجن، وبلغة الشرطة، تم اعتقال هؤلاء الشياطين من أجلك أخي المسلم ليسهل عليك فعل الخير. والحدَثُ الثاني: فقد تم فتح أبواب الجنة إلى نهاية الشهر، وتم إغلاق أبواب النار إلى نهاية الشهر،..

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها الإخوة في الله: لقد أقبل علينا شهر كريم وموسم عظيم من مواسم الخير، إنه شهر رمضان أحد أركان الإسلام، شهر كان السلف يدعون الله تعالى ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، لعظم ثوابه. فماذا يُقدم لنا رمضان من ثواب؟

لقد ذكرت لكم في الخطبة الماضية أربع خصال لرمضان؛ حيث ذكرت ثواب قيام التراويح مع الإمام، وأن رمضان هو العمل الوحيد الذي جاء النص فيه بأن المسلم سيفرح به يوم القيامة؛ لعل ذلك لثقل ثوابه في الميزان، وأن رمضان ممن سيشفع لصاحبه يوم القيامة، وأن كل رمضان يصومه العبد سيرفع من درجته في الجنة كما بين السماء والأرض.

فماذا يقدم رمضان من مزايا أخرى جعلت السلف يدعون الله تعالى ستة أشهر كي يبلغهم رمضان؟

ففي رمضان يسهل عليك فعل الخير وتكثير الحسنات؛ لأن الله تعالى يقيِّد الشياطين عنك كي يسهل عليك فعل الخير فتعتاده، فقد روى أبو هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم-: "إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صُفِّدَت الشياطين ومرَدة الجن، وغُلِّقت أبواب النار، فلم يُفتَح منها باب، وفُتِّحت أبواب الجنة فلم يُغلَق منها باب، وينادي منادٍ كل ليلة: يا باغي الخير أقبل! ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة" (رواه الترمذي والحاكم).

ففي أول ليلة من رمضان حدثت ثلاثة أمور عظام كان الواجب على الصحافة العربية أن تذكرها بالخط العريض: ثلاثة أمور كونية تهم المسلمين ولم يعلم بها غيرهم: الحدَثُ الأول: فقد تم في أول ليلة من ليالي رمضان تصفيد مليارات الشياطين ومردة الجن، وبلغة الشرطة، تم اعتقال هؤلاء الشياطين من أجلك أخي المسلم ليسهل عليك فعل الخير.

والحدَثُ الثاني: فقد تم فتح أبواب الجنة إلى نهاية الشهر، وتم إغلاق أبواب النار إلى نهاية الشهر، والحديث السابق يشير إلى أمر مهم وهو ضرورة استغلال ساعات رمضان في أعمال البر، فبعض الناس يمضون ساعات النهار في مختلف الطاعات، وإذا حل المساء وأفطروا؛ تركوا سائر أعمال البر وضيَّعوا أوقاتهم فيما لا ينفعهم، في حين أن الحديث يؤكد على أهمية استغلال ليالي رمضان في أعمال البر أكثر من نهاره حيث قال –صلى الله عليه وسلم- في الحديث: "وينادي مناد كل ليلة: يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر".

إنك ترى الواحد إذا كان فارغًا في نهار رمضان فتح المصحف وقرأ فيه، بينما لا يفعل ذلك غالبًا إذا كان فارغًا في الليل، وإنما تراه يضيع وقته في مجالس لا ترضي الله تعالى، أو أمام قنوات فضائية تعرض ما يسخط الله -عز وجل-؛ والسبب أن الكثير يظن أن زيادة الطاعة لا تكون إلا في نهار رمضان، وهذا خطأ، وإنما ينبغي للمسلم أن يزداد طاعة في ليالي رمضان أكثر من نهاره لاسيما أن العتق يكون في الليل وليس في النهار؛ حيث قال –صلى الله عليه وسلم- في السابق: "ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة".

ومن فضائل رمضان: التي جعلت السلف يدعون الله -عز وجل- ستة أشهر كي يبلِّغهم رمضان أن العمرة في رمضان تعدل حجة مع النبي –صلى الله عليه وسلم-، وكل إنسان يتمنى أن يحجَّ مع النبي –صلى الله عليه وسلم-؛ فقد روى أنس بن مالك –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "عمرة في رمضان كحجة معي"؛ فلا تحرم نفسك هذا الخير بالاعتمار ونيل هذا الثواب من العزيز الغفار.

ومن فضائل رمضان أيضًا: أن صيامه يكفِّر الذنوب؛ حيث روى أبو هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" (متفق عليه).

وأن من قام ليلة القدر خير من قيامه ألف شهر، ومعنى ذلك أن من قام ليلة القدر لمدة عشر سنوات فإنه يُكتب له ثواب يزيد على من قام ثمانمائة وثلاثة وثلاثين عامًا، فكأنك رزقت أعمارًا كثيرة كلها في طاعة.

من الامتيازات الأخرى التي تُمنحُ للصائمين في شهر رمضان أن لك فيه كل يوم دعوة مستجابة عند فطرك؛ حيث روى أبو سعيد الخدري –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "إن لله تبارك وتعالى عتقاء في كل يوم وليلة، يعني في رمضان، وإن لكل مسلم في كل يوم وليلة دعوة مستجابة".

ألا فليفرح الصائم بتلك الدقائق الحاسمة التي عند الإفطار، وليشغلها بالدعاء الخالص، فإن بعض الناس تراهم عند فطرهم يستقبلون التلفاز يشاهدون تمثيليات كوميدية أو ما شابه ذلك من ترهات، ويفوتون عليهم وقت إجابة الدعاء.

أيها الإخوة في الله: ومن تكريم الله -جل وعلا- للصائمين أن جعل لهم بابًا خاصًّا في الجنة يدخلون منه يوم القيامة يسمى باب الريان لا يدخل معهم غيرهم، وما خص الله الصائمين بهذا الباب إلا لامتيازات وفضائل سيجدونها عند الاستقبال.

ألا يجعلنا نفرح بقدوم رمضان وعلى أن بلغنا هذا الشهر الكريم؟ بلى والله.

نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يصومه إيمانًا واحتسابًا، وأن يكون شاهدًا لنا لا علينا، وأن يجعلنا فيه من المقبولين، وألا يجعلنا فيه من المحرومين، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي اختص شهر رمضان بفضيلة الصيام والقيام، وفتح لعباده فيه أبواب الجنان، وأغلق عنهم أبواب النيران، وأجزل فيه العطاء والإنعام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى حق التقوى، واعلموا أنكم في شهر عظمه الله -عز وجل- وجعله خير الشهور، فيه من الفضائل التي تميزه على غيره من سائر الأعمال، فهو العمل الوحيد الذي تكفَّل رب العالمين بمجازاة صاحبه حيث قال –صلى الله عليه وسلم-: "كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله، قال الله عز وجل: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به"، والصيام سينجي صاحبه من كرب الإحراق أثناء مروره على الصراط، فهو عازل لك من النار أثناء مرورك على الصراط، حيث قال –صلى الله عليه وسلم-: "الصيام جنة وحصن حصين من النار" (رواه الإمام أحمد).

إن المرور على الصراط أمر لا بد منه يوم القيامة، لأننا سنؤمر بالمرور على النار عبر هذا الصراط، فهو أخطر كرب يوم القيامة، لأن العبدَ إما سيمر عليه بسلام أو آلام أو سقوط في النار والعياذ بالله، فالصراط طريق محرق؛ لأن أسفله نارُ جهنم على عمق سبعين سنة، وفي هذا الموقف الحرج يأتي الصيام ليعزل صاحبه من النار أثناء مروره على الصراط.

ألا يجعلنا نفرح بقدوم رمضان كي نصومه ليعزلنا وينجينا من كرب الصراط؟ بلى.

نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يصوم رمضان ويقومه إيمانًا واحتسابًا.

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت، اللهم أحينا على أحسن الأحوال التي ترضيك عنا، وأمتنا على أحسن الأحوال التي ترضيك عنا.

اللهم ارزقنا الثبات حتى الممات، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.

اللهم احفظ علينا أمننا واستقرارنا، وأصلح ولاة أمرنا، وارزقهم بطانة صالحة ناصحة يا رب العالمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واخذل أعداء الدين...

اللهم لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته...، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي