أيها الناس: أما علمتم أنكم لأنفسكم ظالمون، وعن أعمال البر معرضون، وعن أداء الفرائض تتكاسلون؟ أما قرأتم قوله تعالى: (سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ)[الأعراف:182]؟! فلو عجل الله لعباده بذنوبهم لأهلكهم، ولكنه تعالى حليم ستار يطلع على العاصي وهو في المعاصي فـ...
الحمد لله الذي وعد فوفى، وتوعد فعفا، وعلم السر وأخفى، وأحصى أعمال العباد حرفا حرفا، وأقال عثرة التائب النادم، وسوى يوم القيامة بين الأغنياء والضعفاء، فسبحان المفاوت بين عباده.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته الأصفياء.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، وبادروا إلى أداء الواجبات الشرعية بكل إنابة واستكانة، واخلاص وانقياد، له تعالى.
واتبعوا هدي نبي الرحمة والسلام الذي جاء به من عند ربه، لتكونوا من عباد الله المفلحين.
واعلموا: أن الله -تعالى- جعل الزكاة أحد مباني الإسلام، وأردف بذكرها الصلاة التي هي أعلى الأعلام، فقال تعال: (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ)[البقرة:43].
وقال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا".
وشدد تعالى الوعيد على المقصرين فيها، فقال: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)[التوبة:34].
وجاء في الحديث الذي رواه أبو هريرة عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من رجل لا يؤدي زكاة ماله إلا جعل له يوم القيامة صفائح من نار، فيكوى بها جنبه وجبهته وظهره".
وفي البخاري والنسائي عنه مرفوعا أيضا: "من أتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له شجاع أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة فيأخذ بلهزمتيه، يقول: أنا مالك، أنا كنزك" ثم تلى صلى الله عليه وسلم هذه الآية: (سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)[آل عمران :180].
فيا أيها المسلم: تفهم ما ثبت عن النبي الأمين.
ويا أيها الأغنياء: هذا وقت إخراج الزكاة، ومعونة ذوي الحاجات ومواساة البائسين والفقراء.
والويل كل الويل لمانع الزكاة يوم الوقوف بين يدي الحاكم بين عباده.
مانع الزكاة ما أنصف من نفسه، من رزقه وأعطاه الكثير، وقنع منه بإخراج اليسير إلى الفقير بالعشر، أو نصفه، من الثمار، وبربع العشر من الذهب والفضة.
فانصح نفسك -أيها المسلم- وخالف بينها وبين مرادها، واحذر فضيحتها على رؤوس الخلائق يوم العرض على الله.
أما بين لك تعالى الزكاة وأوضحها؟
أما في غير موضع من القرآن صرحها؟
أما علمت أنه تعالى هو الذي رفعك وأغناك، لو شاء سلب منك كل ما أعطاك، فتركك عادم اللب؟
أفق وتب إلى الله، واستعذ بالله من عدوك، واتبع أمر من خلقك وسواك.
بسط تعالى لعباده ما لا يحصي من النعم، ولكن أكثرهم لشكرها مقصرون، لا من العبر يعتبرون، ولا من بطش المولى وانتقامه يخافون.
أيها الناس: أما علمتم أنكم لأنفسكم ظالمون، وعن أعمال البر معرضون، وعن أداء الفرائض تتكاسلون؟
أما قرأتم قوله تعالى: (سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ)[الأعراف:182]؟!
فلو عجل الله لعباده بذنوبهم لأهلكهم، ولكنه تعالى حليم ستار يطلع على العاصي وهو في المعاصي فيستره: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)[غافر:19].
فيا أيها المسيء: تيقظ وتب إلى الله من عصيانه، وارجع إلى ربك علام الغيوب.
أجارني الله وإياكم من مخالفة أمره، وأعاننا جميعا على تلاوة ذكره، ووفقنا لأداء شكره.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ)[التوبة: 34- 35].
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي