إنَّ السلامةَ المروريةَ مقصدٌ عظيمٌ منْ مقاصدِ الشرعِ الحكيمِ، تحفظُ المصالحَ الخاصةَ والعامةَ، ومِن حقِّ الطريق: احترامُ قوانينِ السيرِ، وأنظمةِ المرورِ، ومراعاةُ إشاراتِ المرورِ، وعدمُ الانشغالِ عنِ الطريقِ بأيِّ شيءٍ يصرفُ التركيزَ عن القيادةِ؛ ك...
الحمدُ للهِ ما ذكرَهُ الذاكرونَ، وما شكرَهُ الشاكرونَ، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شريك له، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعدُ:
عبادَ اللهِ: فأوصيكم ونفسي بتقوى اللهِ -عزَّ وجلَّ- القائلِ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ) [لقمان: 33].
أيها المسلمون: لقد منَّ اللهُ -تعالى- على عبادِهِ بالنعمِ العظيمةِ، ففي هذا الزمانِ ظهرتِ الإختراعاتُ والإبتكاراتُ، فانتشرتْ وسائلُ النقلِ الحديثةِ بأنواعِها، فسهَّلتِ السياراتُ على الناسِ التنقلَ بيُسْرٍ وسهولةٍ، وراحةٍ وطمأنينةٍ، بعدما كانتِ الوسائلُ هي الخيلَ والبغالَ والحميرَ والجمالَ، يقولُ تعالى: (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) [النحل: 8] أخبرَ اللهُ -تعالى- في ختامِ هذه الآيةِ بحدوثِ هذه الإختراعاتِ التي لم يكنْ يعلمُها الناسُ، ومَنْ يعشْ سيرى أسبغَ من ذلك.
فأغنتْ هذه الوسائلُ الناسَ عن الدوابِ، فهي نعمةٌ وارفةٌ، وسببٌ من أسبابِ الرغدِ وسهولةِ العيشِ، يقولُ النبيُّ -صلى اللهُ عليه وسلم-: "من سعادةِ المرءِ، الجارُ الصالحُ، والمركبُ الهنيءُ، والمسكنُ الواسعُ.
فمنْ مناَّ تفكرَ في ذلكَ، فحَمِدَ اللهَ، وأثنى عليهِ، وقدَرَ لهذه النعمةِ قدرَها، وحافظَ عليها، وأحسنَ استعمالَها، وشكرَ اللهَ عليها، قال سبحانَه وتعالى: (وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ* لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) [الزخرف: 12- 13].
أيها المسلمون: كم يمكُثُ الناسُ فيما مضى سيراً على دوابِهم حينما يأتونَ من مِصرَ أو الشامِ أو اليمنِ أو العراقِ شهوراً عديدةً، تحفُّ طريقَهُم المخاوفُ، وينهكُهم السيرُ في المفاوزِ، فجاءتْ هذه النعمُ سياراتٌ وثيرةٌ، توفرتْ فيها جميعُ سُبلِ الرفاهِ، وطرقٌ معبَّدةٌ آمنةٌ، فللهِ الحمدُ والثناءُ، لا ينقصُ الناسَ إلا المحافظةُ على أنفسِهِم.
أيها الناسُ: إنَّ السلامةَ المروريةَ مقصدٌ عظيمٌ منْ مقاصدِ الشرعِ الحكيمِ، تحفظُ المصالحَ الخاصةَ والعامةَ، يقولُ نبيُّنا -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-: "أعطوا الطريقَ حقَّهُ" ومِن حقِّ الطريقِ علينا: احترامُ قوانينِ السيرِ، وأنظمةِ المرورِ، ومراعاةُ إشاراتِ المرورِ، وعدمُ الانشغالِ عنِ الطريقِ بأيِّ شيءٍ يصرفُ التركيزَ عن القيادةِ، كالهواتفِ المحمولةِ، وقراءةِ الرسائلِ أو كتابتِها، ومتابعةِ وسائلِ التواصلِ بالجوالِ.
يا أخي: واللهِ إنَّ ذلكَ خطرٌ عليكَ وعلى مَنْ حولُكَ، يقعُ بسببِهِ ما لا تُحمدُ عواقبُهُ مِنَ الحوادثِ والكوارثِ، وقدْ قالَ ربُّنا -تبارَك وتعالى-: (وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة: 195].
أيها الأخُ المسلمُ، أيها الابنُ الكريمُ: حينما تقودُ السيارةَ فأنتَ تتعاملُ مع الآخرينَ، ومِنْ آدابِ القيادةِ: التحلي بالهدوءِ وضبطُ النفسِ، والصبرُ، والانتباهُ للطريقِ، وتوقعُ أخطاءِ الآخرينَ، وإفساحُ الطريقِ، وحُسنُ استخدامِ المواقفِ، وعدمُ تعطيلِ الناسِ بالوقوفِ خلفَ سياراتِهم.
كُنْ في قيادتِكَ ليناً متأنِّياً، رفيقاً شفيقاً، يقولُ رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-: "إنَّ اللهَ يُحبُّ الرفقَ في الأمرِ كُلِّه".
ويقولُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: "التأني من اللهِ، والعجلةُ من الشيطانِ".
فالأناةُ خلقٌ حميدٌ، وسلوكٌ رشيدٌ، قالَ تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا) [الفرقان: 63].
وقال رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- لأحدِ أصحابِهِ: "إنَّ فيكَ خَصلتينِ يحبُّهُما اللهُ: الحلمُ، والأناةُ".
وقد أمرَ النبيُّ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- بالتزامِ السكينةِ والوقارِ حالَ السعيِ إلى أعظمِ العباداتِ، وأجلِّ الواجباتِ، وهي الصلاةُ، فقال: "إذا أقيمتِ الصلاةُ فلا تأتُوها تسعونَ، وأتوها تمشونَ، عليكمْ السكينة".
فمِنْ بابِ أولى ما هو دونَ ذلكَ، فالعجلةُ سببٌ لوقوعِ الزللِ والخللِ والندامةِ، يقولُ صلى اللهُ عليه وسلمَ: "القصدَ القصدَ تبلُغُوا".
أيها المسلمون: السرعةُ سببٌ مباشرٌ في الحوادثِ المؤلمةِ، والمصائبِ الموجعةِ، فكم فجعتْ الحوادثُ من أُسرٍ؟ وكم يتَّمتْ من أبناءٍ؟ وكم رمَّلت من نساءٍ؟
إنَّ على الإنسانِ أنْ يعلمَ أنَّ نفسَهُ أمانةٌ عظيمةٌ، استودَعَهُ اللهُ إيَّاها، فهو مؤتمنٌ عليها لا يحلُّ لهُ إزهاقُها، ولا إلحاقُ الضررِ بها، قال تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) [النساء: 29].
ومِنْ أعظمِ مقاصدِ الشريعةِ السمحةِ: حفظُ الأبدانِ والأرواحِ، وقد نهى صلى اللهُ عليهِ وسلمَ عن الضررِ بجميعِ أنواعِهِ، فقالَ: "لا ضررَ ولا ضرارَ".
ونهى صلى اللهُ عليهِ وسلمَ عن ترويعِ الناسِ وإخافَتِهِم بأيِّ وجهٍ مِنَ الوجوهِ، فقالَ: "لا يَحِلُّ لمسلمٍ أنْ يروِّعَ مسلماً".
فمَنْ يُخالفُ الأنظمةَ المروريةَ فهُوَ مخالفٌ للشرعِ؛ لأنَّهُ إماَّ أنْ يضرَّ نفسَهُ، أو يضرَّ غيرَهُ، أو يضرَّ نفسَهُ وغيرَهُ معاً، والمسلمُ مأمورٌ بكفِّ الأذى عنْ نفسِهِ وغيرِهِ، قالَ رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-: "المسلمُ مَنْ سلمَ الناسُ من لسانِهِ ويدِهِ".
فاحذرْ -يا أخي المسلمَ ويا ولدي العزيزَ-: أنْ تكونَ سبباً في أذيةِ الناسِ، سواءً في السرعةِ، أو الضجيجِ الذي يصنعُهُ بعضُ الشبابِ -هداهُمُ اللهُ- في سياراتِهم، أو الأبواقِ أو الأنوارِ المزعجةِ، لماذا تفعلُ ذلكَ وكلٌّ يدعوا عليكَ ويتأذَّى منكَ؟
أيها المسلمونَ: إنَّ الالتزامَ بقوانينِ السيرِ يعكسُ ثقافةَ السائقِ، ومدى احترامِهِ للأنظمةِ والقوانين التي وُضعتْ لأجلِ مصالحِ الناسِ، ونفعِ العبادِ والبلادِ، وحفظِ الأنفسِ والأرواحِ، وصيانةِ المنشآتِ والممتلكاتِ، فلنتعاونْ لتحقيقِ قولِ اللهِ -تعالى-: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى) [المائدة: 2].
باركَ الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات البينات والذكر الحكيم، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أصحابه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعدُ:
فاتقوا اللهَ -عبادَ اللهِ- حقَّ التقوى، وراقبوهُ في السرِّ والنجوى، واعلموا أنَّ مخالفةَ الأنظمةِ المروريةِ سببٌ للمخاطرِ والأضرارِ، والحوادثِ المهلكةِ، الناجمةِ عنِ التفريطِ والتساهلِ، فلولا أنظمةُ المرورِ وقوانينُ السيرِ كيفَ يعرفُ السائقُ ما لهُ وما عليهِ؟
فتفكَّرْ في جسمِكَ: الماءُ والغذاءُ لهُ طريقٌ، والهواءُ لهُ طريقٌ، والدورةُ الدمويةُ لها طريقٌ، كلٌّ لهُ طريقٌ نظَّمهُ الخالقُ -سبحانهُ-، لولا هذا النظامُ الدقيقُ لاختلطَ شيءٌ بشيءٍ، ولما عاشَ المرءُ لحظةً واحدةً؟
فهذهِ الأنظمةُ وضعها ولاةُ الأمرِ حرصاً منهم على سلامةِ أبناءِ هذهِ البلادِ، وسلامةِ المقيمينَ فيها، وسلامةِ العابرينَ للطرقاتِ، لقد وُضعتْ الأنظمةُ المروريةُ، وبُذلت الجهودُ التوعويةُ، والمسؤوليةُ بعدَ ذلكَ كلِّهِ تقعُ عليكم جميعاً، قالَ رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ-: "كلُّكُم راعٍ، وكلُّكُم مسئولٌ عن رعيتِهِ".
وأبشرُكُم أنَّ إحصائياتِ هذا العامِ تبشِّرُ بالأملِ والفرجِ، فقدْ قلَّتِ الحوادثُ بنسبةِ تسعةَ في المائة 9%.
وهذا مؤشرٌ على نموِّ الثقافةِ المروريةِ عندَ الناسِ، ووعيِهِم وإدراكِهِم لأهميةِ الإلتزامِ بأنظمةِ السيرِ.
هذا، وصُلُّوا وسَلِّموا على من أُمرتُم بالصلاةِ والسلامِ عليهِ، قالَ تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
وقالَ رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-: "مَنْ صلى عليَّ صلاةً صلى اللهُ عليهِ بها عشراً".
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة الأكرمين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي