اِمْتَثَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِأَمْرِ اللهِ؛ وَجَالَسَ الفُقَرَاءَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَحْسَنَ مُعَامَلَتَهُمْ، وَكَانَ يَأْمُرُ بِالإِحْسَانِ إِلَى الفُقَرَاءِ وَالضُّعَفَاءِ وَالمَسَاكِينَ وَيَقُولُ: "إِنَّمَا تَنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ"، وَحِينَمَا هَاجَرَ إِلَى المَدِينَةِ كَانَ هُوَ الَّذِي يَؤْوِي الفُقَرَاءَ، وَأَنْشَأَ لَهُمْ فِي المَسْجِدِ مَا يُسَمَّى بِالصُّفَّةِ، وَهِيَ مَكَانٌ يَأْوِي الفُقَرَاءَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ لَا مَأْوَى لَهُمْ؛ فَعُرِفُوا بِأَهْلِ الصُّفَّةِ، فَكَانَ الرَّسُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحْسِنُ إِلَيْهِمْ، وَيَحُثُّ النَّاسَ عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَ يَقْضِي حَاجَةَ المَسَاكِينِ، وَيَتَوَاضَعُ مَعَهُمْ. وَحَدِيثُنَا اليَوْمَ عَنْ مَنْهَجِهِ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فِي التَّعَامُلِ مَعَ المَسَاكِينِ...
إنَّ الحمدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ؛ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا .
أمَّا بَعْدُ.. فَاتَّقُوا اللهَ- عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى؛ واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ .
عِبَادَ اللهِ: هَا هُوَ الْعِيدُ يَعُودُ، وَيُطِلُّ عَلَى الأُمَّةِ وَيَكْسُو الْمُسْلِمَ الْيَوْمَ فَرْحَةً عَظِيمَةً، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "للصَّائِمِ فرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ" فَيُعَبِّرُ عَنْهَا الْمُؤْمِنُ بِاحْتِفَالِهِ فِي هَذَا الْيَوْمِ الْمُبْهِجِ.
عِبَادَ اللهِ: تَذَكَّرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْنَا بِأَنْ رَزَقَنَا الأَمْنَ وَالأَمَانَ، بِإِقَامَتِنَا لِشَرْعِهِ، وَاِتِبَاعِنَا لِنَهْجِ نَبِيِّهِ -عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-؛ فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنْ دُعَاةِ الْفِتْنَةِ وَالشَّرِّ، الَّذِينَ يَسْعَوْنَ لإِبْدَالِ نِعْمَةِ اللهِ عَلَيْنَا بِالأَمْنِ وَالاِسْتِقْرَارِ، إِلَى التَّفَرُّقِ، وَالتَّشَتُّتِ، وَالضَّيَاعِ، (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ) [إبراهيم: 28- 29].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ، بِمُجَرَّدِ دُخُولِ الْعِيدِ لَهَجَتِ الأَلْسُنَ بِتَكْبِيرِ اللهِ، فِي بُيوتِ اللهِ، وَفِي الْمَنَازِلِ، والطُّرُقَاتِ، وَفِي الأَسْوَاقِ، وفِي مُصلياتِ العيدِ، يَأْتَمِرُ الْمُكَبِّرونَ بِأَمْرِ اللهِ تَعَالَى: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة: 185]، لَقَدْ تَشَنَّفَتِ الأَسمَاعُ، وعِبادُ الرَّحمَنِ يُحْيُونَ سُنَّةً عَظِيمَةً، سُنَّةَ التَّكْبِيرِ، يَلهَجُونَ بِالتَّكْبِيرِ فِي كُلِّ فِجَاجِ الأَرْضِ، فَشِعَارُنَا مِنْ لَيلِ العِيدِ التَّكبيرُ: "اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا"، وَتِلْكَ نِعْمَةٌ مِنَ اللهِ تَسْتَحِقُّ الشُّكْرَ وَالْحَمْدَ.
قَالَ تَعَالَى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [الأحزاب: 21]، فَهَذِهِ الآيةُ العظيمةُ مُرْشِدَةٌ للتَّأَسِّي بِرَسُولِنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، في أقوالِهِ وأفعالِهِ وأَحْوَالِهِ، فَهُوَ الرَّحْمَةُ الْمُهْدَاةُ لِلْعَالَمِينَ، وَالْهَادِي بِإذنِ اللهِ للنَّاسِ أَجْمَعِينَ.
وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُدْوَةٌ لَا مَثِيلَ لَهَا فِي التَّوَاضُعِ، وَفِي جَمِيعِ شُؤُونِ الْحَيَاةِ الْحَسَنَةِ، وَفِي جَمِيعِ الطُّرُقِ الْمُوَصِّلَةِ لِرِضَا اللهِ وَالْجَنَّةِ؛ فَهُوَ أُسْوَةٌ لَا شَبِيهَ وَلَا نَظِيرَ لَهُ، فَمَا عَرَفَ التَّارِيخُ مِثْلَهُ، وَلَا قَبْلَهُ، وَلَا بَعْدَهُ.
وَمَا فَقَدَ الْمَاضُونَ مِثْلَ مُحَمَّدٍ وَلَا مِثْلُهُ حَتَّى الْقِيَامَةِ يُفْقَدُ
عِبَادَ اللهِ: لَقَدِ استَجَابَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنعام: 52]؛ حَيْثُ طَلَبَ مِنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَثْرِيَاءِ العَرَبِ، مَلَأَ الكِبْرِيَاءُ قُلُوبَهُمْ، وَأَنِفُوا أَنْ يُجَالِسُوا هَؤُلَاءِ الفُقَرَاءَ الضُّعَفَاءَ كَصُهَيٍبَ وَعَمَّارٍ وخبابٍ وَبِلَالَ؛ فَاِمْتَثَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِأَمْرِ اللهِ؛ وَجَالَسَ الفُقَرَاءَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَحْسَنَ مُعَامَلَتَهُمْ، وَكَانَ يَأْمُرُ بِالإِحْسَانِ إِلَى الفُقَرَاءِ وَالضُّعَفَاءِ وَالمَسَاكِينَ وَيَقُولُ: "إِنَّمَا تَنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ".
وَحِينَمَا هَاجَرَ إِلَى المَدِينَةِ كَانَ هُوَ الَّذِي يَؤْوِي الفُقَرَاءَ، وَأَنْشَأَ لَهُمْ فِي المَسْجِدِ مَا يُسَمَّى بِالصُّفَّةِ، وَهِيَ مَكَانٌ يَأْوِي الفُقَرَاءَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ لَا مَأْوَى لَهُمْ؛ فَعُرِفُوا بِأَهْلِ الصُّفَّةِ، فَكَانَ الرَّسُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحْسِنُ إِلَيْهِمْ، وَيَحُثُّ النَّاسَ عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَ يَقْضِي حَاجَةَ المَسَاكِينِ، وَيَتَوَاضَعُ مَعَهُمْ.
وَحَدِيثُنَا اليَوْمَ عَنْ مَنْهَجِهِ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فِي التَّعَامُلِ مَعَ المَسَاكِينِ، فَالرَّسُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، الَّذِي اِسْتَعَاذَ مِنْ الذِّلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ، وَسَأَلَ اللهَ الغِنَي، كَمَا عِنْدَ مُسْلِمٍ؛ هُوَ القَائِلُ أيضًا: "اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا، وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا، وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ المَسَاكِينِ يَوْمَ القِيَامَةِ"، (رَوَاهُ التَّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ).
فَالْمَسْكَنَةُ الَّتِي اِسْتَعَاذَ مِنْهَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَيْرَ الَّتِي سَأَلَهَا اللهَ. فَأَرَادَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهَذِهِ فَالْمَسْكَنَةِ الَّتِي سَأَلَهَا اللهَ إِظْهَارَ تَوَاضُعِهِ وَاِفْتِقَارِهِ إِلَى رَبِّهِ إِرْشَادًا لِأُمَّتِهِ إِلَى الاِحْتِرَازِ مِنْ الكِبْرِ، وَأَرَادَ بِذَلِكَ أَيْضًا التَّنْبِيهَ عَلَى عُلُوِّ دَرَجَاتِ المَسَاكِينِ وَقِرَبِهِمْ مِنَ اللّهَ تَعَالَى؛ فَهُوَ لَمْ يَسْأَلْ مَسْكَنَةً تَرْجِعُ لِلقِلَّةِ وَالذِّلَّةِ وَالعَجْزِ وَالفَقْرِ، بَلْ مَسْكَنَةٌ للإخْبَاتِ وَالتَّوَاضُعِ وَالخُشُوعِ مِنْهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِرَبِّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-.
وَسَوْفَ أَذْكُرُ نمَاذِجَ مِنْ تَعَامُلِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، مَعَ المَسَاكِينِ؛. حَيْثُ خَطَبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِجُلَيْبِيبٍ، -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، اِمْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَار، فَاسْتَشَارَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ؛ فَقَالَتْ: مَا وَجَدَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَّا جُلَيْبِيبًا وَقَدْ مَنَعْنَاهَا مِنْ فُلَانٍ وَفُلَانٍ؟ وسمعت الابْنَةُ مَقَالَةَ أُمِّهَا لأَبِيهَا؛ فَقَالَتِ: أَتُرِيدُونَ أَنْ تَرُدُّوا عَلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمْرَهُ؟ إِنْ كَانَ قَدْ رَضِيَهُ لي زوجًا، فَقَدْ رَضِيتُهُ. فَذَهَبَ أَبُوهَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَال يا رسول اللهَ: إِنْ كُنْتَ قَدْ رَضِيتَهُ زوجا لابنتي فَقَدْ رَضِينَاهُ. فقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فَإِنِّي قَدْ رَضِيتُهُ فَزَوَّجَهَا لَهُ" وَأَصْلُ الخَبَرِ عِنْدَ أَحْمَدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ..
وَلَمْ يَقْتَصِرْ مَوْقِفُهُ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، مَعَ جُلَيبيبٍ عَلَى هَذَا التَّزْويجِ فَقَطْ، بَلْ لَهُ مَعَهُ مَوَاقِفُ أُخْرَى عَظِيمَةٌ. فعَنْ أَبِي بَرْزَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كَانَ فِي مَغْزًى لَهُ، فَأَفَاءَ اللهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: «هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟» قَالُوا: نَعَمْ، فُلَانًا، وَفُلَانًا، وَفُلَانًا، ثُمَّ قَالَ: «هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟» قَالُوا: نَعَمْ، فُلَانًا، وَفُلَانًا، وَفُلَانًا، ثُمَّ قَالَ: «هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟» قَالُوا: لَا، قَالَ: «لَكِنِّي أَفْقِدُ جُلَيْبِيبًا، فَاطْلُبُوهُ» فَطُلِبَ فِي الْقَتْلَى، فَوَجَدُوهُ إِلَى جَنْبِ سَبْعَةٍ قَدْ قَتَلَهُمْ، ثُمَّ قَتَلُوهُ، فَأَتَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَقَفَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «قَتَلَ سَبْعَةً، ثُمَّ قَتَلُوهُ؟ هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ» قَالَ: فَوَضَعَهُ عَلَى سَاعِدَيْهِ لَيْسَ لَهُ إِلَّا سَاعِدَا النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: "فَحُفِرَ لَهُ وَوُضِعَ فِي قَبْرِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ غَسْلًا" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
فَاُنْظُرْ - يَا رَعَاكَ اللهُ - إِلَى شِدَّةِ شَفَقَةِ النَّبِيِّ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، عَلَى أَصْحَابِهِ وَحِرْصِهِ عَلَيْهُمْ عَامَّةً، وَعَلَى المَسَاكِينِ خَاصَّةً. حَيْثُ حَرَصَ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، عَلَى تَفَقُّدِهِمْ بَعْدَ نِهَايَةِ المَعْرَكَةِ؛ لِيَعْرِفَ المَوْتَى وَالجَرْحَى، فَفَقَدَ جُلَيْبِيبًا الَّذِي لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يَفْتَقِدُهُ وَيَسْأَلُ عَنْهِ.
وَمِنْ شِدَّةِ مَحَبَّةِ النَّبِيِّ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لجليبيبٍ؛ أَنَّهُ حَمَلَهُ بَيْنَ يَدَيْهُ حَتَّى حُفْرَتِ لَهُ حُفْرَةٌ، وَلَكَ أَنْ تَتَخَيَّلَ هَذِهِ المُدَّةَ الطَّوِيلَةَ الَّتِي يَحْفِرُونَ فِيهَا القَبْرَ، وَهُوَ يَحْمِلُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، على يديهِ حُبًّا لَهُ.
وَمِنْ أَمْثِلَةِ حُبِّهِ الشَّدِيدِ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لِلْمَسَاكِينِ؛ تِلْكَ الْقِصَّةُ الْعَجِيبَةُ؛ فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا يُقَالُ لَهُ مُغِيثٌ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَطُوفُ خَلْفَهَا يَبْكِي وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِعبَّاسٍ: «يَا عَبَّاسُ، أَلاَ تَعْجَبُ مِنْ حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ، وَمِنْ بُغْضِ بَرِيرَةَ مُغِيثًا» فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لبريرة: «لَوْ رَاجَعْتِهِ» قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: «إِنَّمَا أَنَا أَشْفَعُ» قَالَتْ: لاَ حَاجَةَ لِي فِيهِ" (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).
فَاُنْظُرْ كَيْفَ تَعَامَلَ الرَّسُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ هَؤُلَاءِ المَسَاكِينِ، وَإِنَّكَ لِتَعْجَبَ وَاللهِ مِنْ أُمُورٍ:
1- كَيْفَ عَلِمَ الرَّسُولُ بِمُشْكِلَةِ مُغِيثٍ مَعَ زَوْجَتِهِ فِي خِضَمِّ مَشَاغِلِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، الكَثِيرَةِ ؟! وَقَارِنْ ذَلِكَ بِمَنْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَعَرَّفَ عَلَى مَشَاكِلِ أَهْلِ بَيْتِهِ؟
2- مُبَادَرَتُهُ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بِالشَّفَاعَةِ لِلمِسْكِينِ، دُونمَا طَلَبٍ مِنْهُ، وَهَذِهِ لِوَحْدِهَا مِنَ العَجَائِبِ، وَيَشْفَعُ لَهُ عِنْدَ أَمَةٍ لَمْ تُعْتَقْ إِلَّا مُنْذُ سُويعَاتٍ، بِمَالٍ كَان لِعَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، دَوْرٌ كَبِيرٌ فِي بَذْلِهِ.
3- وَالأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ مَوْقِفُهُ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حِينَ رَدِّت بريرةُ شَفَاعَتَهُ؛ حَيْثُ لَمْ يَجِدْ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فِي نَفْسِهُ شَيْئًا عَلَيْهَا. وَلَكُمْ أَنْ تَتَخَيَّلُوا عِظَمَ المَوْقِفِ.
ورَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، فَقَال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا أُمَّ فُلَانٍ انْظُرِي أَيَّ السِّكَكِ شِئْتِ، حَتَّى أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ». فَانظُرْ إِلَى مَنْهَجِ الْقُدْوَةِ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كَيْفَ تَعَامَلَ مَعَهَا بِرحْمَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ، فَلَمْ يُعْرِضْ عَنْهَا بِسَبَبِ نَقْصِ عَقْلِهَا، وَلَمْ يَغْضَبْ مِنْهَا، وَلَا مِنْ وَلِيِّهَا، الَّذِي لَمْ يَمْنَعْهَا مِنَ الْخُرُوجِ لِمُقَابَلَةِ الرَّسُولِ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بَلْ وَخَاطَبَهَا بِطَيِّبِ الْقَوْلِ، بِقَوْلِهِ لَهَا: "يَا أُمَّ فُلَانٍ"، وَاسْتَجَابَ – بِأبِي هُوَ وَأُمِّي - لِطَلَبِهَا، بَلْ وَجَعَلَ لَهَا حُرِّيَّةِ اِخْتِيَارِ الزَّمَانِ والْمَكَانِ لِلْقَائِهِ، وَوَقَفَ مَعَهَا بِجَانِبِ الطَّرِيقِ، وَتَلَطَّفَ مَعَهَا بِالْكَلَامِ، وَاسْتَمَعَ لِشَكْوَاهَا؛ ثُمَّ حَقَّقَ لَهَا طَلَبَهَا.
وكَانَ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يُحْسِنُ مُعَامَلَةَ الْخَدَمِ؛ حَتَّى قَالَ لِخَادِمِهِ رَبِيعَةَ بنِ كَعْبٍ: «سَلْ» فَقَالَ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ: «أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ» قَالَ: هُوَ ذَاكَ. قَالَ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،: «فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
فَانظُرْ إِلَى تَبَاسُطِهِ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، مَعَ خَادِمِهِ، وَمُلَاطَفَتِهِ لَهُ، وَقِسْ نَهْجَهُ ذَلِكَ بِمَنْ يَأْنَفُونَ مِنَ الحَدِيثِ مَعَهُمْ، بحُجَّةِ أَلَّا يَتَجَرَّؤوا عَلَيْهِمْ، أَوْ حَتَّى لَا تَفْتَحْ لَهُ بَابًا، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ نَصَائِحَ هِيَ قَطْعًا لِيْسَتْ مِنْ مِشْكَاةِ النُّبُوَّةِ.
عِبَادَ اللهِ: لَا تَنْسَوا فِي عِيدِكُمْ هَذَا، الفُقَرَاءَ وَالمَسَاكِينَ، واقتَدُوا بِنَبِيِّكُمْ مُحَمَّدٍ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وتَصَدَّقُوا عَلَيْهِمْ، وَأَحسِنُوا إِلَيْهِمْ، وأَطْعِمُوهُمْ وَاِكْسُوهُمْ. واِرْحَمُوا العُمَّالَ، وَأَشْرِكُوهُمْ فَرْحَتَكُمْ وَلَا تُحَمِّلُوهُمْ مَا لا يَطِيقُونَ، وَلَا تَتَعَامَلُوا مَعَهُمْ وَكَأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ جِنْسِ الْبَشَرِ، فَلَا فَرْحَةَ لَهُمْ عِنْدَ بَعْضِنَا -هَدَانَا اللهُ وَإِيَّاهُ- بِالْعِيدِ؛ فَلَا لِبَاسَ جَدِيدَ لَهُمْ، وَلَا تهْنِئَةً بِالعيدِ، فَمَا أَطْيَبَ أَنْ تُطْعِمَ خَادِمَكَ وَعَامِلَكَ مِنْ طَعَامِكَ، وَتُهَنِّأَهُ بِالعِيدِ. يَسِّرْ لَهُ الاِتِّصَالَ بِأَهْلِهِ، لِيُهَنِّأَهُمْ وَيُهَنِّؤُهُ، وَلَا تَبْخَلْ عَليهِ، وَلا عَلَى نَفْسِكَ، بِدَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ لإِسْعَادِهِ، تُخَفِّفُ عَنْهُ بِعَطْفِكَ وَرَحْمَتِكَ فِرَاقَهُ أَهْلَهُ وَتَرْحَمُهُ؛ فَالرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ اللهُ.
وَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ عَنِ العَامِلَاتِ فِي الْمَنَازِلِ، الَّلوَاتِي مَا دَفَعَهُنَّ لِلْعَمَلِ عِنْدَنَا إِلَّا الْعَوَزُ وَالْحَاجَةُ، وَشَظَفُ الْعَيْشِ، وَالْفَقْرُ وَالفَاقَةُ فِي بِلَادِهِمْ
عِبَادَ اللهِ: تَذَكَّرُوا فِي هَذَا الْيَوْمِ الأَيْتَامَ وَاِرْحَمُوهُمْ؛ فَبِرَحْمَتِهِمْ تَلِينُ القلوبُ القَاسِيَةُ، وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ : وَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- - يَشْكُو قَسْوَةَ قَلْبِهِ، فَقَالَ لَهُ: "أَتُحِبُّ أَنْ يَلِينَ قَلبُكَ، وَتُدْرِكَ حَاجَتَكَ؟ اِرْحَمِ الْيَتِيمَ، وَاِمْسَحْ رَأْسَهُ، وَأَطْعِمْهُ مِنْ طَعَامِكَ"، وَفِي رِوَايَةٍ: "وَأَطْعِمِ الْمِسْكِينَ" (رَوَاهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ).
عِبَادَ اللهِ: اِسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ وَأَدُّوا حَقَّ اللهِ لَهُنَّ، وَاِعْلَمُوا أَنَّهُنَّ خُلِقْنْ مِنْ ضِلَعٍ أَعْوَجَ، إِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تُقِيمُوهُ كَسَرْتُمُوهُ، وَكُونُوا عَلَى رِقَابَةٍ بِتَرْبِيَةِ بَنَاتِكُمْ تَرْبِيَةً عَلَى نَهْجِ نِسَاءِ وَبَنَاتِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ، وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ فَاِسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً.
أمَّا بَعْدُ... فَاِتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.
أَيَّتُهَا الأَخَوَاتُ الْمُؤْمِنَاتُ، اِتَّقِينَ اللهَ بِأَنْفُسِكُنَّ، وَحَافِظْنَ عَلَى بُيُوتُكُنَّ، وَحَافِظْنَ عَلَى الْجِلْبَابِ الْأَسْوَدِ الْمَهِيبِ، وَاِحْذَرْنَ دُعَاةَ الْفَسَادِ، وَأَرْبَابَ الشَّهَوَاتِ، الدَّاعِينَ إِلَى نَزْعِهِ. أَطِعْنَ الْأَزْوَاجَ بِغَيْرِ مَعْصِيَةِ اللهِ.
أَيَّتُهَا الْأُخْتُ الْمُسْلِمَةُ: الْحَذَرَ الْحذَرَ مِنَ اللِّبَاسِ الْعَارِي بَينَ الْمَحَارِمِ مِنَ الرِّجَالِ، أَوْ النِّسَاءِ؛ فَبَعْضُ النِّسَاءِ لَا تُبَالِي؛ فَتَخْرُجُ فِي مُجَتَمَعَاتِ النِّسَاءِ وَبَيْنَ مَحَارِمِهَا؛ وَقَدْ كَشَفَتْ عَنْ فَخِذِهَا، أَوْ عَنْ بَعْضٍ مِنْهُ، وَبَعْضُهُنَّ تَكْشِفُ مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا إِلَى صَدْرِهَا، وَبَعْضُهُنَّ تَكْشِفُ بَعْضَ صَدْرِهَا؛ فَأَصْبَحَ لِبَاسُهَا لِبَاسًا مُحَرَّمًا. وَبَعْضُهُنَّ تَلْبَسُ الْمَلَابِسَ الضَّيِّقَةَ الَّتِي تُحَجِّمُ جَسَدَهَا؛ وَقَدْ نَهَى الإِسْلَاُم عَنْ ذَلِكَ؛ حَيْثُ نَهَى عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنْ ذَلِكَ؛ فَقِيلَ لَهْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّهَا لَا تَشِفُّ! أَيْ: إِنَّهَا لَا تُظْهِرُ لَوْنَ الْبَشْرَةِ، فَقَالَ: لَكِنَّهَا تَصِفُ.
فَمَا بَالَكَم بِلِبَاسٍ يَصِفُ وَيَشِّفُ! تَدَّعِي صُوَيْحِبَاتُ هَذَا اللِّبَاسِ أَنَّ هَذَا هَوَ التَّقَدُّمُ والتَّمَدُّنُ، بَل والعَجِيْبُ أَنَّ المُحَافِظَةَ عَلَى اللِّبَاسِ المُحْتَشِمِ يَصِفْنَهَا بِالمُتَخَلِّفَةِ والقَرَوِيَّةِ، أَو كَبِيْرَةِ السِّنِ الجَّاهِلَة بِمَعْرِفَةِ المُوضَاتِ؛ فَأَصْبَحَ المَعْرُوفُ عِنْدَ بَعْضِهِنَّ مُنْكَرًا، وَالمُنْكَرُ مَعْرُوفًا، وَلَا َحَولَ وَلَا ُقُوَّةَ إِلَّا ِبالله!
وَيَتَحَمُّلَ الآبَاءِ وَالأَزوَاجِ وَالأُمَّهَاتِ جُزءًا كَبِيرًا مِنَ المَسؤُولِيةِ. وَكَذَلِكَ التُّجَارِ الَّذِينَ يَتَسَابَقُونَ لِبِيْعْ هَذِهِ المَلَابِسِ، وَيُحْجِمُونَ عَن بَيْعِ المَلَابِسِ المُحْتَشِمَةِ، وَأَخْشَى -وِاللهِ - أَنْ يَنْطَبِقَ عَلَى بَعْضِ النِّسِاءِ قَوْلُه، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا، قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
فَالحَيَاءَ الحَيَاءَ؛ فَلَا تَلْبَسِي – أَيَّتُهَا الْمُسْلِمَةَ- الضَّيقَ كَالبِنْطَالِ، فَلَيْسَ لَكِ أَمَامَ المَحَارِمِ مِنَ الرِّجَالِ، وَالنِّسَاءِ إِلَّا كَشْفُ الوَجْهِ، وَالسَّاعِدِ، واليَدِينِ، واَلقَدميِن، وَجُزْءٍ مِنَ السَّاقِ، بِلِبَاس ٍمُحْتَرَمٍ، يَجْلِبُ لَكِ وِلِمُجَالِسِيكِ الوَقَارَ؛ فَمَا جَلَبَتْ هَذِهِ الأَلبِسَةُ لَبِلِاِدِ الغَربِ؛ إِلَّا مَزِيدًا مِنَ الضَّياَعِ، وَاِحْذَرِي التَّقْلِيدَ، وَاِسْعِي إِلَى إِرْضَاءِ رَبِّ الْعَبِيدِ.
حَمَاكِ اللهُ مِنْ كُلِّ شَرٍّ، وَوَقَاكِ مِنْ كُلَّ فِتْنِةٍ، وَأَصْلَحَ لَكِ الزَّوجَ وَالْوَلَدَ، وَجَعَلَكِ صَالِحَةً تَقِيَّةً. اللهُمَّ تقَبَّلْ مِنَّا الصِّيَامَ وَالْقِيَامَ.
الَّلهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ، وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُمَّ اجْعَلْهُ سِلْمًا لِأْوْلِيَائِكَ، حَرْباً عَلَى أَعْدَائِكَ، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَأَقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ.
اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مَا سَأَلَكَ مِنْهُ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ، ونَسْتَعِيذُ بِكَ مِمَّا اسْتَعَاذَ مِنْهُ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ، رَبَّنَا وآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي