خطبة عيد الفطر لعام 1438هـ

محمد بن سليمان المهوس
عناصر الخطبة
  1. أهمية الوحدة وجمع الكلمة .
  2. التحذير من الفرقة والاختلاف .
  3. شكر نعمة إتمام صيام الشهر.
  4. وصايا للمرأة المسلمة. .

اقتباس

جاء العيدُ والأمّةُ بحاجة ماسةٍ إلى التّمسُّكِ بعقيدتها، وكتابِ ربِّها وسنةِ نبيّها لِتُعالِجَ واقِعها، وتَهْنأَ باستقرارِها وأمْنِها؛ فالأمّةُ الإسلاميةُ اليومَ حُبْلَى بِالمناهجِ البعيدةِ عن المنهجِ الحقّ حتّى تَنَوَّعَ الفكرُ الفاسدُ، وانْتشرَ دُعاةُ التَّطَرّفِ الْبائدِ، واختلطَ الحقُّ بالباطلِ؛ فمِنْ هذا الْمُنطلَقِ فإنّ ضرورةَ المسلمينَ اليومَ كبيرةٌ في تبصيرِ أنْفُسِها ومنْ تَعولُ مِنْ أبْنائِها بِالعقيدةِ الصّافِيةِ، والسُّنّةِ الصّحِيحةِ والْمَنْهَجِ الْحَقّ...

الْخُطْبَةُ الْأُولَى:

اللهُ أكْبَر، اللهُ أكْبَر، اللهُ أكْبَر، اللهُ أكْبَر، اللهُ أكْبَر، اللهُ أكْبَر، اللهُ أكْبَر، اللهُ أكْبَر، اللهُ أكْبَر.

إنّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيِكَ لهُ، وأشْهَدُ أنّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً.

أمّا بعدُ: أيّهَا النّاس أُوصِيكُم ونَفْسِي بِتقْوى اللهِ -عزّ وجلّ- فِي السِّرِّ والْعَلَنِ، والإخلاصُ لهُ فِي الْقَوْلِ والْعَمَل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إنَّ اللهَ -تعالى- خَلَقنا لِعبادتِهِ وتوْحِيدِهِ كَمَا قالَ -تعالى-: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: 56]، وأَمَرنا بتوْحيدِهِ وطاعتِهِ وأرْسلَ إليْنا رسولاً منْ أنْفُسِنا ويتكلَّمُ بِلُغَتِنا يعلمُنا الطَّريقَ الصَّحيحَ والمسلكَ الْبَيِّنَ الواضحَ لِعبادةِ ربِّنا، كَما قالَ -تعالى-: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ) [التوبة: 128].

ووعدَ منْ أطاعَهُ وأطاعَ رسولَهُ -صلى الله عليه وسلم- الفوْزَ والفلاحَ بِالدُّنيا والآخرةِ كَمَا قالَ -تعالى-: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) [آل عمران: 31- 32].

وقدْ أمرَنا اللهُ -تعالى- أنْ نكونَ في هذه الدّنيا أمةً واحدةً نعْتصمُ بِكتابهِ ونتبّعُ سنَّةَ نبيِّهِ -صلى الله عليه وسلم- ونحذرُ التَّفَرُّقَ والاختلافَ في العقيدةِ والتَّوجُّهِ، كَمَا قالَ تَعَالَى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ...) الآيَة [آل عمران: 103].

وَلاَ يَرْتَفِعُ شَأْنُ الأمّةِ الإسلاميّةِ ولا تقوى شوكتُها ولا يدومُ عزُّها ويتحقّقُ نصْرُها إلا إذا كَانتْ عَلى ما كان عَليْهِ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابُه وَصَدَقَتْ في توجُّهِها، وابْتعدتْ عن السُّبل الشَّيطانيةِ الَّتي تُفَرِّقُها، كَمَا قالَ -تعالى-: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام: 153].

وقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا خَطًّا، ثُمَّ قَالَ: "هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ"، ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ قَالَ: "هَذِهِ سُبُلٌ؛ عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ، ثُمَّ تَلَا: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ)" (رواهُ أحمدُ والدَّارِمِيُّ، وحسَّنهُ ابنُ حَجَرٍ في الْمِشكاة).

أيُّهَا الْمُسْلِمُون: جاء العيدُ والأمّةُ بحاجة ماسةٍ إلى التّمسُّكِ بعقيدتها، وكتابِ ربِّها وسنةِ نبيّها لِتُعالِجَ واقِعها، وتَهْنأَ باستقرارِها وأمْنِها؛ فالأمّةُ الإسلاميةُ اليومَ حُبْلَى بِالمناهجِ البعيدةِ عن المنهجِ الحقّ حتّى تَنَوَّعَ الفكرُ الفاسدُ، وانْتشرَ دُعاةُ التَّطَرّفِ الْبائدِ، واختلطَ الحقُّ بالباطلِ؛ فمِنْ هذا الْمُنطلَقِ فإنّ ضرورةَ المسلمينَ اليومَ كبيرةٌ في تبصيرِ أنْفُسِها ومنْ تَعولُ مِنْ أبْنائِها بِالعقيدةِ الصّافِيةِ، والسُّنّةِ الصّحِيحةِ والْمَنْهَجِ الْحَقّ؛ فَجَمِيلٌ أنْ يُذكّرَ المرؤُ نَفْسَهُ وأوْلادَه بِنعمةِ التّوْحيدِ وَالسّنةِ الصّحيِحةِ في هذه الْبلادِ، كَما قالَ تَعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُهْتَدُونَ) [الأنعام: 82] وروى البُخاريُّ ومُسْلمٌ عنْ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ -رضيَ اللهُ عَنْهُ- أنّ النّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قالَ: "إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ".

وجميلٌ أنْ يُذكّرَهُ بِنعمةِ اجْتِماعِ الْكَلِمةِ ووحْدةِ الصّفِّ في هذه البلادِ، كما قالَ تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [آل عمران: 103].

وجميلٌ أنْ يُذكّرَهُ بِبلادِهِ الّتي تحْكمُ بالإسْلام، ورايةُ التوحيدِ فيها عاليةٌ، وسنةُ الْمُصطفى -صلى الله عليه وسلم- ظاهرةٌ، وسبيلُ السّلفِ هُو مِنْهاجُها، والدّعوةُ إلى هذا المنهجِ دَيْدَنُها، يتقاَضى الناسُ فيها بالشريعة، ويُحْكمْ بينهم بكتابِ اللهِ وسنةِ رسولِه -صلى الله عليه وسلم- ؛ ويُدْعَى فيها إلى الصّلاة، ويُؤْمرُ فيها بالمعروف ويُنهى فيها عنِ الْمُنكر، فَهي مَعْقِلُ أهْلِ السُّنة، ومَأْرِزُ الإسْلامِ، وقِبْلَةُ الْمُسلمينَ.

أيُّهَا الْمُسْلِمُون: انْظروا في حالِكُم، وحاسِبوا أنفُسَكُم , واتّقُوا اللهَ ربَّكُم، واهْنَئُوا بِعيدِكُم، والْزَمُوا الصّلاحَ وأصْلِحُوا، فالْعيدُ يومُ فرَحٍ وسرورٍ، ويومُ ابتهاجٍ وعفوٍ وإحْسان، تقبَّل الله طاعاتِكم وصَالِحَ أعْمالِكُم، وضاعفَ لكُم الأجرَ والثوابَ، وجعلَ عِيدَكُمْ مُباركًا وأيّامَكُم أيامَ سعادةٍ وهناء وفضلٍ وإحْسَانٍ وعَمَل.

أقولُ ما تَسْمَعُونَ، وأسْتغفِرُ اللهَ لِي ولكُم ولِجميعِ الْمُسلميِنَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فاسْتَغْفِروهُ إنّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرّحِيم.

اَلْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

اللهُ أكْبَر، اللهُ أكْبَر، اللهُ أكْبَر، اللهُ أكْبَر، اللهُ أكْبَر، اللهُ أكْبَر، اللهُ أكْبَر.

الْحَمْدُ للهِ مُعِيدِ الْجُمَعِ وَالأَعْيادِ، ومُبِيدِ الْأُمَمِ والْأَجْنادِ، وَجَامِعِ النَّاسَ إِلَى يَوْمَ الْحَشْرِ وَالتَّنَادِ، والصَّلاةُ والسَّلَامُ عَلى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ الْمُفَضَّلِ عَلى جَميعِ الْعِبَادِ، صَلّى الله عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وأصْحابِهِ وأعْوانِهِ وسَلّم تَسْلِيماً كثيراً.

أمّا بَعْدُ عِبادَ اللهِ: اشكروا الله -تعالى- أنْ مَنَّ عليكم بإدْراكِ شهرِ الصوْمِ فَصُمْتُمْ أيّامَهُ وقُمْتُمْ لَيَالِيَهُ، ومنْ شُكْرِ اللهِ -تعالى- مُواصلةَ أعْمالِ الْخَير، والاسْتِمرارَ على الطّاعة، ومنْ ذلكَ صِيامُ سِتّةِ أيامٍ مِنْ شهرِ شوَّال، فَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ" (رَواهُ مُسْلِم).

أيّها الأختُ الْمُسْلِمَة: إنّ اللهَ -تعالى- قدْ أنْزلَ فِيكِ سُوَراً وآياتٍ تُتْلَى إلى يَوْمِ الْقِيامة  فاستَمْسِكِ بِشرعِ اللهِ، وكُونِيِ منَ الصّالِحات تَذَكَّرِي نعْمةَ اللهِ عَليْكِ؛ إذْ جَعَلَكِ منْ أتْباعِ مُحمّدٍ -صلى الله عليه وسلم-، كُوني قُدْوةً لِغَيْرُكِ وداعِيَةً إِلى اللهِ -تعالى-، صُونِي بَيْتَكِ وأطِيعي زوجَكِ، واعْتَني بِتربيةِ أوْلادَكِ؛ فَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولةٌ عَنْ رَعِيّتِها.

أيُّهَا الْمُسْلِمُون: هَنُّوا أَقَارِبَكُمْ بِهذا الْعِيِدِ الْمُبَاركِ وَابْدَأُوا بوَالِدِيْكُم وَإِخْوَانَكُمْ، وَاعْلَمُوا أَنَّ التَّهْنِئَةَ بِالْعيدِ قدْ جَرَى عليْها عَمَلُ السَّلَفِ الصَّالِحِ، وَثبتَ عنْ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ - رَحِمَهُ اللهُ - أنَّهُ قالَ: "كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا الْتَقَوْا يَوْمَ الْعِيدِ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكَ".

اللّهُمَّ أحْيِنا مُؤْمِنينَ وتوفّنا مُسْلِمينَ وَألْحِقْنا بِالصّالِحينَ غَيْرَ خَزايا ولا مَفْتُونِينَ، تَقَبّلْ تَوْبَتَنا وَاغْسِلْ حَوْبَتَنا واشْفِ صُدُورَنا وَطَهّرْ قُلوبَنا وَحَصّنْ فُرُوجَنا وارْحَمْ أمْواتَنا واشْفِ مَرْضانا، وَاقْضِ دُيونَنا واهْدِ ضَالّنا، وَأَدِمْ أَمْنَنَا، وَانْصُرْ جُنُودَنا، وَوَفِّقْ وُلاةَ أُمُورِنا، وَأَصْلِحْ أَحْوالَ أُمَّتِنا يَا رَبَّ الْعَالَمِيِن.

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي