خطبة عيد الفطر 1438هـ (الفرح بالعيد وواقع الأمة)

حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ
عناصر الخطبة
  1. انقضاء رمضان ورحيله .
  2. العيد موسم الفرح والسُّرور .
  3. أهمية اجتماع الكلمة ووحدة الصف .
  4. وجوب توخِّي الحذَر من سلوك المسالِك المُنحرِفة أو المُتطرِّفة. .

اقتباس

وإن الواجِبَ على أهل هذه البلاد آكَدُ، والمسؤوليَّةَ عليهم أعظَمُ في التلاحُمِ والتكاتُفِ مع قادتِهم، لُحمةً تظهرُ فيها المحبَّةُ والإجلالُ، والسَّمعُ والطاعةُ بالمعروف، والتعاوُن على ما فيه رِضا الله - جلَّ وعلا -، ثم التعاوُن على ما فيه تحقيقُ المصالِحِ والمنافِعِ للجميعِ، فذلكم ضرورةٌ شرعيَّة، ومصلَحةٌ وطنيَّةٌ، وحاجةٌ إنسانيَّةٌ.

الخطبة الأولى:

الحمدُ لله كثيرًا، والله أكبر كبيرًا، ولا إله إلا الله كثيرًا، وسُبحان الله وبحمدِه بُكرةً وأصِيلًا، وصلَّى الله على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آله وصحبِهِ وسلِّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد .. فيا أيها الناس: أُوصِيكم ونفسي بتقوَى الله - جلَّ وعلا -؛ فطاعتُه هو العيدُ الأعظَم، والسُّرورُ الأتَمُّ.

إخوة الإسلام: العيدُ في الإسلام يحمِلُ مقاصِدَ سامِيةً؛ ففيه يفرَحُ المُسلمون لتمامِ طاعةِ ربِّهم، ويبتَهِجُون بفِطرِهم بعد صِيامِهم.

قال - صلى الله عليه وسلم -: «للصائِمِ فرحَتان: فرحةٌ عند فِطرِه، وفرحةٌ بلِقاءِ ربِّه».

جعلَنا الله وإياكم مِن أهل الفرَحِ والحُبُورِ في الدنيا والآخرة.

في العيدِ تذكيرٌ بالأصولِ العُظمى، ومنها: حِرصُ الإسلام على تثبيتِ المحبَّةِ الصادِقة بين المُسلمين، والمودَّة الخالِصة بين المُؤمنين، يقول ربُّنا - جلَّ وعلا -: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ[الحجرات: 10]، (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)[التوبة: 71].

فيجِبُ أن نتَّخِذَ مِن العيدِ سببًا للتواصُلِ والتوادِّ، وفُرصةً لطَرحِ الضغائِنِ والأحقاد، قال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث: «مثَلُ المُؤمنين في توادِّهم وتراحُمِهم كمَثَلِ الجسَدِ الواحِدِ».

في العيدِ دعوةٌ بنَشرِ السُّرورِ وإدخالِه على النُّفوسِ، والتأكيد على معانِي الرحمة والإحسان والإفضالِ؛ فرَضَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - زكاةَ الفِطر وقال: «اغنُوهم عن الطلَبِ في هذا العيدِ».

إخوة الإسلام: في سلسلةِ عادِية الأعداء ما يُخطَّطُ لبلاد الحرمَين وفقَ مُخطَّطاتٍ ماكِرة، وحمَلاتٍ كاذِبة، وأراجِيف مُغرِضة، تنالُ بلادًا نشَأَت على الإسلام منهَجًا، والقرآن والسنَّة دستُورًا. بلادٌ أهمُّ مُهماتها: خدمةُ الحرمَين مأرِزِ الإيمان، ومأوَى أفئِدة المُسلمين.

ألا وإن الواجِبَ على كل مُسلمٍ في هذه الدنيا أن يعلَمَ أن هذه البلادَ بلادُ كل مُسلمٍ، ومأوَى فُؤادِ كل مُؤمنٍ، الواجِبُ عليه أن يستيقِنَ أن العِداءَ لهذه البلاد عِداءٌ لأهل الإسلام قاطِبةً، وأن المساسَ بأمنِها واستِقرارِها ينالُ ضررُه وخطرُه كلَّ المُسلمين في كل البِقاع.

معاشِر المُسلمين: والأمةُ تمُرُّ بمَوجةٍ مِن التحوُّلات والاضطِرابات والمُتغيِّرات والأزمات، فليعلَم المُسلمون في كل قِطرٍ أن بلادَ الحرمَين هي العُمقُ الأعظمُ لكلِّ بلاد المُسلمين؛ فأيُّ مساسٍ بها فهو أصلُ الشرِّ الذي ينطلِقُ منه الأعداءُ لتمزيقِ شَمل الأمة المُحمديَّة، وهَدمِ وحدتِها، ومركزِ كِيانِها؛ إذ هذه البلادُ بحُكم مسؤوليَّتها التي ألقاها الله - جلَّ وعلا - عليها، بمسؤوليَّتها عن الحرمَين، وعن الحجِّ والعُمرةِ، فهي رمزُ العزَّة والشُّمُوخ للمُسلمين أجمَع.

فحينئذٍ يجِبُ رِعايةُ هذه المعانِي، والتعاوُن مع هذه البلاد، لِما فيه خيرُ المُسلمين، وصلاحُ أوضاعِهم؛ استِجابةً للمولَى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ[المائدة: 2].

عباد الله: وإن الواجِبَ على أهل هذه البلاد آكَدُ، والمسؤوليَّةَ عليهم أعظَمُ في التلاحُمِ والتكاتُفِ مع قادتِهم، لُحمةً تظهرُ فيها المحبَّةُ والإجلالُ، والسَّمعُ والطاعةُ بالمعروف، والتعاوُن على ما فيه رِضا الله - جلَّ وعلا -، ثم التعاوُن على ما فيه تحقيقُ المصالِحِ والمنافِعِ للجميعِ، فذلكم ضرورةٌ شرعيَّة، ومصلَحةٌ وطنيَّةٌ، وحاجةٌ إنسانيَّةٌ.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله.

إن الواجِبَ الحَذَرُ مِن الانجِرار وراء كل فتنةٍ أو مسلَكٍ أو دعوةٍ تُهدِّدُ بلادَ المُسلمين جميعًا، أو تمَسُّ أمنَهم واستِقرارَهم، والفرضُ المُتحتِّمُ شرعًا الوقوفُ بالمِرصادِ جنودًا مُتَّحِدين، مُتعاوِنين في وجهِ كل مُتربِّصٍ، وإزاءَ كل صائِلٍ وعادٍ، (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) [آل عمران: 103]، (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ[النساء: 59].

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله.

معاشِر المُسلمين: إن أعظمَ سلاحٍ لمُشكِلاتِ الأمة وما تُواجِهُها مِن تحدياتٍ تُحدِقُ بها، وأخطارٍ تُحيطُ بها هو العملُ الجادُّ بالإسلام كمَنهجٍ مُتكامِلٍ لجميعِ شُؤونِ الحياةِ، مع الحرصِ الأكيدِ على العمل في إطار مبدَأ الأخوَّة الإسلاميَّة والرابِطة الإيمانيَّة، (إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) [العصر: 2، 3].

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، ولله الحمد.

إخوة الإسلام: مِن النِّعَم العُظمى على هذه البلاد: استِقامةُ أمر الحُكم والولاية التي بها تنتَظِمُ المصالِحُ الكليَّة والجُزئيَّة، وتستَقِيمُ بها الأمورُ العامَّةُ والخاصَّةُ، كما قال الجُوينيُّ - رحمه الله -.

ومِن ذلك: ما تمَّ في هذه الليالِي المُبارَكة مِن اختِيارٍ مُوفَّقٍ مِن خادمِ الحرمَين الشريفَين لوليِّ عهدِه، في جوٍّ مُفعَمٍ بمُبارَكةٍ مِن الجميع، فالحمدُ لله على ما أتمَّ به علينا مِن التآلُف والاجتِماع، أتمَّ الله علينا نِعَمه وعلى المُسلمين.

وإننا ونحن نُبايِعُ وليَّ العهد على كتابِ الله ورسولِه - صلى الله عليه وسلم -، والسَّمع والطاعة في المنشَط والمكرَه، وفي العُسر واليُسر، نسألُ اللهَ - جلَّ وعلا - أن يُبارِكَ في جُهود خادمِ الحرمَين، وأن يُطيلَ في عُمره على طاعتِه، وأن يُوفِّقَ وليَّ عهدِه ويُعينَه على مهامِّه فيما يُرضِيه - سبحانه -، وأن يجعلَه مِفتاحًا لكل خيرٍ، مِغلاقًا لكل شرٍّ، وأن يُبارِكَ في جُهودِه ويجعلَها محفُوفةً بالنَّجاح والسداد.

حفِظَ الله هذه البلادَ وجميعَ بلاد المُسلمين، ووفَّقَهم لما فيه مرضاتُه.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمدٍ.

الخطبة الثانية:

الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيبًا مُبارَكًا فيه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن نبيَّنا محمدًا عبده ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابِهِ.

إخوة الإسلام: استَقيمُوا على طاعةِ ربِّكم، وسارِعُوا إلى مرضاتِه في جميعِ أوقاتِكم؛ فربُّنا - جلَّ وعلا - يقول: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)[الحجر: 99]. فبذلكم تعيشُون في حياةٍ طيبةٍ، وتنعَمُون بفرَحٍ دائِمٍ، وسُرورٍ تامٍّ.

إخوة الإسلام: مِن منبَرِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - نبعَثُ رسالةَ سلامٍ وحبٍّ وتهنئةٍ ومُبارَكةٍ إلى جُنودِنا البواسِلِ، مَن تحمَّلُوا حِمايةَ الثُّغور لصلاحِ وأمنِ واستِقرار المُسلمين جميعًا.

فهنيئًا لكم - أيها الجنُود - بهذا العيد، وأعظَمَ الله ثوابَكم، وضاعَفَ أُجُورَكم، وحفِظَكم مِن بين أيدِيكم ومِن خلفِكم، وتقبَّل الله شُهداءَكم، وشفَى مرضَاهم، وعافَى جريحَكم، وربَطَ على قلوبِكم، وثبَّتَ أقدامَكم.

معاشِر المُسلمين: الإسلام دينُ السلام بكل معانِيه، الإسلامُ دينُ الوِئام بكل صُوره، والرحمة بشتَّى أشكالِها، والإحسانِ بوجوهِه المُتعدِّدة. فأظهِرُوا ذلك - أيها المُسلمون -، أظهِرُوه فذلك أمانةٌ عليكم نحو هذا الدين، أظهِرُوا ذلك في مسالِكِكم، وأبرِزُوها في تعامُلاتكم، وانشُرُوا للعالَمِ أجمَع وفقَ المنظومة الأخلاقيَّة القرآنيَّة والنبويَّة في تقريرِ كل فعلٍ نبيلٍ، وقولٍ جميلٍ يظهرَ على الحياةِ الدنيا، والفوز في الآخرة.

فمسالِكُ الغلُوِّ والعُنفِ والإرهاب، وسُلُوكُ مسلَك التطرُّف والإرهاب، كلُّ ذلك لا يُقِرُّه دينُ الإسلام، ولا يستَقِيمُ مع مبادِئِه ومقاصِدِه وأهدافِه، (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ[الأنبياء: 107]، (وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ[البقرة: 190].

وإن الجميعَ يُدينُ التفجيرَ المُروِّعَ الذي حدَثَ بجوارِ بيتِ الله الحرام في ليالٍ مُبارَكةٍ، فذلك أمرٌ جَلَلٌ لا يُقِرُّه دينٌ ولا عقلٌ، وإننا لنُحذِّرُ شبابَنا مِن الانجِرافِ نحو هذا المسلَك الوَخِيم الذي مَن وقعَ في براثِنِه أفسَدَ فسادًا عظيمًا، ودمَّرَ دمارًا كبيرًا، وأهلَكَ الحرثَ والنَّسلَ، فأصبَحَ بذلك الإنسانُ عدوًّا لنفسِهِ وأهلِه، مُحارِبًا لمُجتمعِه ووطنِه.

فخُذُوا حِذرَكم - أيها الشبابُ الأكرَم -؛ فاحذَرُوا أن تكونوا وقودًا لأعداء دينِ الإسلام، لأعداء أمة الإسلام، فتُنفِّذُوا بخُروجِكم عن الجماعة حينئذٍ فتكونُوا بذلك مآرِبَ لتقطيعِ أوصال الأمة، والإفساد لبُلدانِها، مما ينتُجُ عنه مفاسِدَ لا حصرَ لها، وشُرورَ لا حدَّ لها، ألم يقُل ربُّنا - جلَّ وعلا -: (وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ[البقرة: 60].

عباد الله: أكثِرُوا مِن التهليلِ والتحميدِ والتكبيرِ، والتسليمِ والصلاةِ على النبيِّ الكريم، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه.

عباد الله: عاشَ المُسلمون في رمضان في أجواء روحانيَّة في الحرمَين الشريفَين، سُخِّرَت لهم كافَّة الإمكانيات والجُهود في سبيلِ راحتِهم وأمنِهم بيُسرٍ وسهولةٍ، فنحمَدُ الله - جلَّ وعلا - على ذلك، ونشكُرُه - جلَّ وعلا - أعانَنا الله على شُكرِه بالتوحيدِ والتقوَى.

وإننا نسألُ اللهَ - جلَّ وعلا - أن يُبارِك في جُهودِ أميرَي منطقةِ المدينة المُنورة ومكة المكرمة، وأن يُجزِل لهم المثوبة، وأن يُعظِم مثوبتَهما، وأن يجزِيَ كل مَن قامَ بخدمةِ المُعتمِرين والقائِمين والصائِمين.

ثم إننا نسألُ الله - جلَّ وعلا - في هذا اليوم المُبارَك، وفي هذا المُجتمع العظيم أن يجعلَ الله قلوبَنا مُتَّحِدةً على التقوَى.

نسألُ الله - جلَّ وعلا - بأسمائِه الحُسنى وصِفاتِه العُلى أن يُفرِّج هُمومَنا وهُمومَ المُسلمين، اللهم نفِّس كُرُباتِنا وكُرُبات المُسلمين، اللهم حقِّق للمُسلمين الأمنَ والاستِقرارَ والرَّغَدَ والعيشَ الهنِيَّ يا رب العالمين.

اللهم تقبَّل منَّا إنك أنت السميعُ العليم، اللهم تقبَّل منَّا إنك أنت السميعُ العليم، اللهم ضاعِف لنا الحسنات، اللهم كفِّر عنا السيئات يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم وفِّق وليَّ أمرِنا خادِمَ الحرمَين ووليَّ عهده لما تحبُّه وترضاه، اللهم وفِّق جميعَ وُلاة المُسلمين لخِدمة رعاياهم.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات.

وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله رب العالمين.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي