أضرار المعاصي

صالح بن عبد الله الهذلول
عناصر الخطبة
  1. شمول الفساد للمجتمع التارك للإنكار على العصاة .
  2. هلاك الأمم السابقة بالمعاصي .
  3. عقوبات معاصرة سببها المعاصي .
  4. واجبنا تجاه إخواننا المسلمين المبتلين .
  5. استئذان القائد الروسي بالشيشان رئاسته بسحق الشيشان .

اقتباس

فالمعاصي إذا فُعلت أفسدت على العاصي كثيراً من شؤونه، وإذا ما تنادى الخيِّرون والمصلحون وسائر المجتمع لإنكارها عمهم الفساد، وشملهم النقص والعقوبة، وقد شبه الرسول -صلى الله عليه وسلم- المجتمع بالسفينة التي يريد بعض أهلها أن يخرقوا في نصيبهم خرقاً حتى لا يؤذوا غيرهم، إن تركوهم وشأنهم هلكوا وهلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا جميعاً.

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

 أما بعد: أيها المسلمون، إن للمعاصي آثاراً وخيمة كثيرة وكبيرة على مرتكبها وعلى أسرته، بل وعلى مجتمعه وأمته، حتى إن الأرض والسماء والدواب والأنعام والطير والوحوش وغيرها لتقاسي من عواقبها، قال الحق -تبارك وتقدس-: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم:41]، وقال -جل شأنه-: (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا) [الطلاق:8- 10].

وعن أبي قتادة بن ربعي أنه كان يحدث أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مر عليه بجنازة، فقال: "مستريح ومستراح منه" قالوا: يا رسول الله، ما المستريح وما المستراح منه؟ فقال: "العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب" رواه البخاري ومسلم.

فالمعاصي إذا فُعلت أفسدت على العاصي كثيراً من شؤونه، وإذا ما تنادى الخيِّرون والمصلحون وسائر المجتمع لإنكارها عمهم الفساد، وشملهم النقص والعقوبة، وقد شبه الرسول -صلى الله عليه وسلم- المجتمع بالسفينة التي يريد بعض أهلها أن يخرقوا في نصيبهم خرقاً حتى لا يؤذوا غيرهم، إن تركوهم وشأنهم هلكوا وهلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا جميعاً.

عباد الله: كم أهلكت الذنوب والمعاصي من أمم ماضية وشعوب كانت قاهرة، فهل ترى لهم من باقية؟ ولا تزال تهدم في بناء الأمة الإسلامية وغيرها، سنة الله، (وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً) [الأحزاب:62]، (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا) [الإسراء:17]،(وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هود:102].

ترى الأمم السالفة من عهد نوح إلى هذا الزمان، كلما عصت أمة أجّلها الله -تعالى- مدة من الزمان لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكراً، ومع عصيانهم، قد يدرُّ الله عليهم النعم، لكنه استدراج، قال -تعالى-: (سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ) [الأعراف:182]، وقال -جل جلاله-: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ) [الأنعام:44]، أي: إن الناس إذا تركوا ما أمرتهم به رسل الله، فإن الله -تعالى- قد يفتح عليهم، ويغدق الخيرات والبركات، من سعة في الأرزاق، وصحة في الأجسام، ووفر في الأموال، حتى إذا فرحوا بها واطمأنوا أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر، وهم في غرة، فإذا هم آيسون.

والأمثلة على ذلك كثيرة، منها: إغراق قوم نوح، وإهلاك قوم عاد بالريح العقيم، وثمود بالصيحة، وجعل الله -عز وجل- عالي قرى قوم لوطٍ أسفلها، مع رجمهم بحجارة من سجيل، وأغرق فرعون وقومه، وأرسل على أصحاب الفيل طيراً أبابيل، (تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ) [الفيل:4-5]، وأرسل سيل العرم إلى سبأ فدمرهم.

وما أهون الخلق على الله -تعالى- إذا عصوه! (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [العنكبوت:40].

وفي العصر الحاضر، ما من محنة في بلد من بلدان المسلمين، إلا ومرجعها إلى المعاصي، والبعد عن الله -تعالى-، والطغيان، وكفران النعم، والانهماك في الشهوات، وضعف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو تعطيله بوصفه تدخلاً في حريات الناس، (وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) [الكهف:49].

أيها المسلمون: إن فشو المعاصي وكثرة اقتراف الذنوب سبب في نزول العذاب، وحلول العقوبات، (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ) [القمر:43].

ومن العقوبات والمحن المعاصرة: زوال النعم بمختلف أنواعها وأشكالها، وحلول النقم والمحن والفتن، وحدوث الفيضانات والكوارث والزلازل المدمرة، وانحباس الأمطار المؤذن بالقحط، وغور المياه، وتلوث الجو، وتصاعد الغبار والأتربة المسببة للحساسية، والمهيجة لأمراض الجهاز التنفسي. عن عبد الله بن عمر قال: أقبل علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "يا معشر المهاجرين، خمسٌ إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم فأخذ بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل بأسهم بينهم" رواه ابن ماجة والحاكم وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني.

اللهم بارك لنا في القرآن العظيم، وسنة سيد المرسلين، أقول قولي هذا وأستغفر الله...

الخطبة الثانية:

الحمد الحكيم العليم، الرؤوف الرحيم، كل شيء عنده بقدر، سننه في الخلق جارية، كما كانت فيمن سبق ماضية، (وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا).

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: أيها المسلمون، فإن -مع ما أشير إليه في الخطبة الأولى- ما أصاب المسلمين من محن في هذا العصر فقد جاء نتيجة التفريط، والمخالفات الشرعية التي يصل بعضها إلى الشرك بالله، وإنه ثمرةٌ طبيعية لتعطيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيسلط الله -تعالى- عليهم عدواً يستبيح حرماتهم، وينتهك أعراضهم، ويفسد حرثهم ونسلهم،  (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) [الشورى:30].

ومع ذلك كله؛ فإن الواجب في حق المسلمين الآخرين ممن وسَّع الله عليهم في رزقهم، وأطعمهم من جوع وآمنهم من خوف، عليهم الاعتبار والتبصر، ومراجعة النفس، وأخذ الدروس، كما أن عليهم نصرة أولئك المستضعفين المتُسلط عليهم، والدعاء لهم، وإمدادهم بما يستطاع في سبيل رد الصائل عليهم.

وإن لهذا البلد -حرسه الله- أياديَ بيضاء في هذا الشأن على كافة الأصعدة. وقد دأبت هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية على مد يد العون والمساعدة للمتضررين من المسلمين سواء المشردين منهم نتيجة الفيضانات والكوارث والزلازل، أو اللاجئين الفارين من جحيم الحروب في كثير من أنحاء العالم، ومواساتهم وعلاجهم، وبناء ما تستطيع من مرافق حيوية لهم.

من أجل هذا، أدعو الإخوة المصلين للإسهام في هذه المشاريع، ودعمها، وإظهار الحنان والشفقة على إخوانهم المسلمين، والنصرة الواجبة لهم شرعاً، لعلها تخفف من معاناتهم وتعين على حفظ دينهم وأعراضهم وأرواحهم، ولعلها تدفع عنا عذاب الله وإثم التباطؤ والتقصير في النصرة؛ لأن من تغدى بأخيك فسيتعشى بك بأي شكل من الأشكال.

(وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) [البقرة:273]، (وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [المزمل:20].

ومن المعلوم أن الجهات المستفيدة من أنشطة هيئات الإغاثة الإسلامية هم ممن تحل لهم الزكاة في الغالب، وبعضهم يتحقق فيه أكثر من وصف من صفات أهل الزكاة، فلا بأس أن يدفع شيء من الزكوات إليها لصرفها على أهلها، كما أن هيئة الإغاثة (فرع القصيم) تقبل التبرعات العينية من أغذية وغيرها.

عباد الله: نقلت بعض الإذاعات مؤخراً تصريحاً للقائد العسكري الروسي في جمهورية الشيشان أنه يتمنى الحصول على إذن من القيادة العليا في موسكو لعملياته العسكرية الجارية الآن هناك فيسوي جميع مدن وقرى الشيشان بالأرض، ويمسحها تماماً، ولا غرابة في الأمر، فهذا دينهم، وتلك عقيدتهم يمارسونها على الواقع، ومبادئهم تقول: إنه لا مانع من إبادة الثلثين من أجل أن يعيش الثلث، وما قامت ثوراتهم السابقة، سواء منها القيصرية أو البلشفية الشيوعية إلا على حمامات الدم.

لا أشـتم الـذئب طـبع الـذئب يكـفيني *** الغـــدر شيــمة أبنــاء الســراحين

اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزم الروس الكفرة، والهنود الوثنيين، وعباد الصليب في الفلبين، وكل عدوٍ ومتربصٍ للإسلام والمسلمين، اللهم صب عليهم غضبك من فوقهم، وزلزل الأرض من تحتهم، اللهم فرق جمعهم، وشتت شملهم، ومزقهم شر ممزق.

اللهم...


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي