من تأمل وفكر في عظم مخلوقات الله، ولطائف صنعه، وتعددها، وتنوعها واختلافها، في الآفاق والأنفس والمخلوقات؛ يجد في قلبه استحضار عظمة الجبار، ومن تفكر في صنعه -سبحانه- في ملكوت السموات، وعلوها، وسعتها، واستدارتها، وعظم خلقها، وحسن بنائها ولونها، وعجائب شمسها وقمرها وكواكبها، ومقاديرها وأشكالها، وتفاوت مشارقها ومغاربها، -يجد هيبة وعظمة لخالقها
الحمد لله لا تحصى نعمه ولا تعد، أحمده -سبحانه- وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، وأشهد أنَّ نبينا محمدًا رسول الله، اللهم صل وسلم وبارك على محمد، وعلى آل محمد، وعلى أصحاب محمد، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله -أيها الناس-، فتقوى الله خير زاد (وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) [البقرة:281].
أيها المسلمون: من تأمل وفكر في عظم مخلوقات الله، ولطائف صنعه، وتعددها، وتنوعها واختلافها، في الآفاق والأنفس والمخلوقات؛ يجد في قلبه استحضار عظمة الجبار، ومن تفكر في صنعه -سبحانه- في ملكوت السموات، وعلوها، وسعتها، واستدارتها، وعظم خلقها، وحسن بنائها ولونها، وعجائب شمسها وقمرها وكواكبها، ومقاديرها وأشكالها، وتفاوت مشارقها ومغاربها، -يجد هيبة وعظمة لخالقها -جل وعلا- فلقد أحكمها الحكيم خلقًا وصنعًا، قال تعالى: (أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا) [النازعات: 27-29].
ومن تفكر وتدبر هذا الصنع العجيب، والخَـلقْ الدقيق، توقـن نفسه أن الله خالق كل شيء، بيده مقاليد الأمور، لا معبود سواه، ولا رب إلا هو -سبحانه-.
ومن مخلوقاته العظيمة: النجوم التي في السماء، فقد خلق -سبحانه وتعالى-، هذه الأجرام العظيمة، والأعداد الهائلة، والكواكب المنتثرة في جوف السماء.
قال البخاري في صحيحه: قال قتادة: "خلق الله هذه النجوم لثلاث: زينة للسماء، ورجومًا للشياطين، وعلامات يهتدي بها، ومن تأول فيها غير ذلك أخطأ وأضاع نصيبه وتكلف ما لا علم له به".
ذكر قتادة أن الله -عز وجل- خلق النجوم لثلاثة أمور: الأول منها: أنها زينة للسماء الدنيا، كأنها قناديل تضيء كبد السماء، قال تعالى: (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ) [الملك: 5]
الثاني: أنها رجوم للشياطين، الذين يسترقون السمع؛ فمنعوا من ذلك، قال تعالى: (وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ) [الملك: 5]
الثالث من فوائد النجوم: أنها علامات يهتدي بها الناس في ظلمات ومتاهات البر والبحر، قال تعالى: (وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) [النحل: 16]
ومن زعم في النجوم غير ما ذكر الله في كتابه من هذه الأمور الثلاثة فادعى بها علم الغيب كما يفعل المنجمون الكذابون، الذين يزعمون أنَّها تدل على موت، وحياة، وسعادة، وشقاوة وغلاء أسعار، وغير ذلك، فقد أخطأ طريق الحق، وأضاع نصيبه من الدين ومن كل خير، وأشغل نفسه بما يضره ولا ينفعه.
أيها المسلمون: لقد جهل بعض الناس الحكمة التي من أجلها خلقوا، فتقاذفتهم الأهواء واستولت عليهم الفتن والأدواء، فافتتن بعضهم بالسحرة والمشعوذين والأفاكين، بدعوى مكاشفة الغيب والتطلع إلى المستقبل، ولم يجنوا من وراء ذلك إلا التضليل، وبعثرة الأموال في الباطل، وقد أبان الله الحق في ذلك بقوله: (قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) [النمل: 65] ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من أتى عرافًا أو كاهنًا فسأله عن شيء فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد" رواه مسلم.
وافتتن بعض الناس بما يسمونه الطالع والأبراج، والحظ وتحضير الأرواح وقراءة الكف، فأصيبوا بسيل الأوهام وعدم الرضا بالقدر، قال -عز وجل-: (أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ) [الطور: 41].
ومن هذا الباب: ما يعرف في بعض المجلات بما يسمى الأبراج أو حظك هذا الأسبوع، يزعم فيه المنجمون أن من وُلد في برج كذا فإنه هذا الأسبوع سوف يخسر، أو من ولد في برج كذا فسوف يربح، إلى غير ذلك من الافتراءات، كل ذلك من الشرك الأكبر؛ لما فيه من ادعاء علم الغيب، وهو نوع من أنواع السحر والكهانة.
فالواجب على المسلم ألا يقرأها ولو من باب التسلية، وأن يقاطع هذه المجلات الهدامة للعقيدة، وأن يناصح القائمين على هذه المجلات؛ إنكارًا للشرك ونصرة للتوحيد.
عباد الله: ينقسم علم التنجيم على قسمين:
الأول: علم التأثير: وهو الاستدلال بالأحوال الفلـكية عـلى الحوادث الأرضية، كالتنبؤ بأنَّ من ولد في نجم كذا فسيكون سعيدًا في حياته، ومن ولد في نجم كذا فسيكون تعيسًا.
وحكمه: شرك أكبر ينافي التوحيد؛ لما فيه من ادعاء علم الغيب، وتعلق القلب بالنجوم، واعتقاد أن لها تصرفًا في الكون.
وبعض الناس يُصدِّق بعلم التنجيم؛ مع التفاوت الظاهر، والدجل الواضح؛ والعجب أن تجد رجلاً غنيًا ولد في نفس يوم مولد رجل آخر فقير الحال، لا يجد قوت يومه، فللَّه الأمر من قبل ومن بعد.
الثاني من أقسام علم التنجيم: الاستدلال بالشمس والقمر والكواكب على القبلة، والأوقات، والجهات والفصول الزراعية.وحكمه: الجواز لما فيه من مصلحة للناس.
وعن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن الخمر، وقاطع الرحم، ومصدق بالسحر" رواه أحمد وابن حبان في صحيحه.
هذا الحديث العظيم من أحاديث الوعيد نقرأها ونمرها كما جاءت، ولا نتأولها تأويلات تخرجها عن مقصود رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتغيرها عن معانيها التي دلت عليه، لأن ذلك أبلغ في الزجر، وأردع عن الجرائم، وأحسن ما يقال أن كل عمل دون الشرك والكفر المخرج من الملة فهو راجع إلى مشيئة الله، فإن عذبه به فقد استوجب العذاب، وإن غفر له فبفضله ورحمته.
ويخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- على وجه التحذير عن ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن الخمر؛ المداوم على شرب الخمر، أو أي مسكر كان حتى مات ولم يتب. ومصدق بالسحر، أي المصدق بجـميع أنواع السحر، ومنه التنجيم، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر" رواه أبو داود.
فمن صدَّق المُنَجِّم في ادعائه للغيب بأنَّه سيحدث كذا وكذا، أو يقع كذا وكذا؛ فهو داخل في الوعيد الشديد المذكور في الحديث.
قال الذهبي وشيخ الإسلام وغيرهما: "ويدخل فيه تعلم السيميا وعملها، وهي محض السحر، ويدخل فيه عقد المرء عن زوجته، ومحبة الزوج لامرأته وبغضها وبغضه، وأشباه ذلك، بكلمات مجهولة".
أما الثالث؛ الذي ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث فهو: قاطع الرحم، الذي لا يقوم بواجب القرابة التي أمر الله بصلتها، قال تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ) [محمد: 22]
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "الرحم مُعلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله" رواه أبو داود.
وأنواع صلة الرحم كثيرة منها: السلام عليهم، وزيارتهم، وعيادة مريضهم، والنفقة على محتاجهم، وكف الأذى عنهم، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وتعليمهم أمور دينهم، فإنها من أعظم الإِحسان إليهم.
فالواجب على المسلم البعد عما يغضب الله -سبحانه وتعالى- رغبة في ثوابه وخوفًا من عقابه، حتى يفوز برحمته ورضوانه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) [الأنعام: 59].
بارك الله لي ولكم.
الحمد لله المحمود بكل لسان، المعبود في كل زمان، وسع كل شيء رحمة وعلمًا، وقهر كل مخلوق عزة وحكمًا، أحمده -سبحانه- وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله؛ بشر وأنذر، وبلغ البلاغ المبين، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
عباد الله: أمركم الله -عز وجل- بالتفكر في مخلوقاته العظيمة ولطائف صنعه العجيبة، فإن ذلك يقود المرء إلى الإِيمان التام بوحدانية الرب -عز وجل- وأن لا معبود بحق إلا هو سبحانه وتعالى.
قال -جل وعلا-: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [البقرة: 164]
فبدأ بذكر خلق السموات؛ ولهذا قل أن تجيء سورة في القرآن إلا وفيها ذكرها: إما إخبارًا عن عظمتها وسعتها، وإما إقسامًا بها، وإما دعاءً إلى النظر فيها، وإنما إرشادًا للعباد أن يستدلوا بها على عظمة بانيها ورافعها، وإما استدلالاً منه سبحانه بخلقها على ما أخبر به من المعاد والقيامة، وإما استدلالاً منه بربوبيته لها على وحدانيته وأنـه الله الذي لا إله إلا هو.
وإما استدلالاً منه على حسنها واستوائها والتئام أجزائها، وعدم الفطور والشقوق فيها على تمام حكمته وقدرته، وكذلك ما فيها من الشمس والقمر والكواكب والعجائب التي تتقاصر عقول البشر عن قليلها، ثم هي مع ذلك مقر ملائكة الرب، ومحل دار جزائه؛ ومهبط ملائكته ووحيه، وإليها تصعد الأرواح وأعمالها وكلماتها الطيبة.
فاعرفوا حق ربكم ونزهوه عن الشريك والنظير والشبيه، وأخلصوا له العبادة تفلحوا، فإن في ذلك سعادة الدارين.
هذا، وصلوا وسلموا.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي