خلق المروءة

خالد بن علي الغامدي
عناصر الخطبة
  1. أهمية الأخلاق النبيلة والشمائل الرفيعة .
  2. حث الإسلام على التخلُّق بمكارم الأخلاق .
  3. معنى خُلُق المروءة .
  4. فضائل المروءة وأهلها .
  5. أنبل صفات المروءة .
  6. خوارم المروءة. .

الخطبة الأولى:

إن الحمدَ لله؛ نحمدُه ونستعينُه ونستغفِرُه، ونعوذُ بالله من شُرور أنفُسِنا وسيئاتِ أعمالِنا، مَن يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هادِيَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحْدهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آلهِ وأصحابِه، ومَن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فأُوصِيكُم ونفسِي - عبادَ اللهِ - بتقوَى الله ومُراقبتِه في الخَلوَة والجَلوَة؛ فمَن أرادَ السعادةَ فليلزَم عتَبةَ العبودية والمُراقبَة، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) [الطلاق: 2، 3].

أيها المُسلمون: إن مِن أشدِّ الأزمات التي تمُرُّ بها الأمةُ المُسلمةُ اليوم: أزمةَ ضعف التمسُّك بالأخلاق الكريمة والشمائل الرفيعة، وإن الإسلام دينُ أخلاقٍ وسلوكٍ ومُعاملةٍ.

وقد تقرَّر أن مِن أعظم مقاصِدِ بِعثة المُصطفى -صلى الله عليه وآله وسلم- أن يُتمِّمَ مكارِمَ الأخلاق وصالِحَ الآداب، ويُنشِئَ في الأمة النماذِجَ الأخلاقية الراقِيَة، والمُثُل والآداب السامِيَة التي تَكفَلُ الحياةَ الكريمةَ والسعادةَ، والعزَّةَ للفرد والجماعة.

وإن فروعَ هذه الأخلاق الإسلامية الراقِيَة كثيرةٌ ومُتشعِّبة، ولكنها تجتمِعُ في أصولٍ عظيمةٍ، وأركانٍ متينةٍ، تلتَقِي فيها كلُّ الآداب النبوية والأخلاق المُصطفوية، وما تعارَفَت عليه العقولُ الصحيحةُ والعاداتُ الحسنة.

هذا وإن مِن أعظم هذه الأصول الجامِعة المانِعة: أصلاً عظيمًا يجتمِعُ تحتَه ما تفرَّق، وينتَظِمُ في سِلكِه ما تشعَّب، ألا وهو: المُروءةُ .. وما أدراكُم ما المُروءة؟! إنها منبَعُ الخيرات، ومُلتَقَى الآداب، وعِمادُ الحياة الشريفة الحُرَّة، وجِماعُ المحاسِنِ والكمالاتِ، وأساسُ الإنسانية، وكمالُ الرجولية.

بها يتفاضَلُ الرجالُ والنساءُ، حتى عُدَّ ألفٌ بواحدٍ، والناسُ كمعادنِ الذهبِ والفضَّة، وكإبلٍ مائةٍ لا تكادُ تجِدُ فيها راحِلةً إلا مَن كمَّلَ نفسَه بأخلاق المروءة التي تُحِبُّها النفوسُ الكِبارُ، ويَهِيمُ بها العُظماءُ والنُّبلاءُ، ويرتفِعُ بها العبدُ في قلوبِ الناسِ وإن كان أقلَّ منهم مالاً وجاهًا.

وإذا الفتَى جمَعَ المُروءةَ والتُّقَى *** وحوَى مع الأدبِ الحياءَ فقد كمُل

وتلك فِطرةُ الله التي فطَرَ الناسَ على حبِّ المُروءة، والاتِّصاف بها، ورِفعة شأن المُتحَلِّين بها، لا تبديلَ لخلقِ الله. فِطرةٌ مركوزةٌ في الخليقة والبشرية، حتى إن النفسَ لتنتَشِي فرَحًا حينما تُوصَفُ بأنها مِن أهل المُروءات، أو ترى أفعالَهم.

إنِّي لتُطرِبُني الخِلالُ كريمةً ***   طرَبَ الغريبِ بأَوبَةٍ وتَلاقِي

وتهُزُّنِي ذِكرَى المُروءة والنَّدَى *** بين الشمائِلِ هزَّةَ المُشتاقِ

عباد الله: إن المُروءةَ هي أصلُ كلِّ خيرٍ وشرفٍ وفلاحٍ، وهي في حقيقتها الناصِعة: هيئةٌ راسِخةٌ في النفسِ، وملَكَةٌ تحمِلُ صاحِبَها على الاتِّصافِ بصِفات الجمالِ، والنَّقاءِ، والطُّهرِ، والعَفافِ، والكرَمِ، والبُعد عن جواذِبِ النفسِ التي تجذِبُها للتخلُّق بأخلاق العلُوِّ والفَخرِ من الكِبرِ والحسَدِ والبغيِ، والأذَى والفسادِ، أو الاتِّصافِ بصِفاتِ الهَوانِ والضَّعَة، مِن الحرصِ المذمُوم، والشَّرَه، والطمَع، والتكالُبِ على الحُطامِ والتوافِهِ.

فالمُروءةُ خُلُقٌ فاضِلٌ كريمٌ، وسطٌ بين طرفَين، وهي تدعُو النفسَ إلى التحلِّي بحِليةِ الإنسانية الرفيعة الشريفة، واستِعمال كل ما يُجمِّلُ العبدَ ويُزيِّنُه مِن الأخلاق والآداب وجميل العادات، والبُعد عن كل ما يُدنِّسُ نفسَه ويَشِينُها، ويجلِبُ لها اللَّومَ والعيبَ وإراقةَ ماء الوجهِ.

إن المُروءةَ - يا عباد الله - هي خُلُقُ النفسِ الأبِيَّة الكريمة، وعنوانُ الشخصية الشريفة العزيزة، التي لا ترضَى بالدَّنَس والدَّناءة، وتأنَفُ مِن الذلِّ والمهانة، وتترفَّعُ عن حياة العبَثِ واللَّهو والسُّخفِ.

فلذلك ترَى صاحِبَ المُروءة فقيهَ النَّفس، حرِيصًا على أخلاق الكمال والجمال والطُّهر في ملبَسِه ومَظهَرِه ومدخَلِه ومخرَجِه، وتراه كذلك مع الناسِ بجميع شرائِحِهم يستعمِلُ معهم الأدبَ والحياءَ والعِفَّة والكرَم والنَّزاهة والصِّيانة، وتراه ثالثًا مع ربِّه -سبحانه وتعالى- يستَحِي منه أن يراه على معصِيَة، أو يطَّلِع على قلبِه فيرَى فيه غيرَه، أو تكون علانِيتُه خيرًا مِن سريرته.

وقد جمعَ الله - سبحانه - في عدَّة آياتٍ مُحكَماتٍ خِلالاً كثيرةً مِن خِلالِ المُروءة، كما في قوله - سبحانه -: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [الأعراف: 199]، وكما في قوله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ) [النحل: 90].

وكما في الآياتِ الثلاثِ المُتوالِيات مِن سُورة الأنعام التي اتَّفَقَت عليها الشرائِعُ السماويةُ كلُّها، بِدايةً مِن قولِه تعالى: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) [الأنعام: 151] إلى قولِه: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) [الأنعام: 153].

وكذلك المناهِي التي في سُورة الإسراء بِدايةً مِن قولِه: (لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولاً) [الإسراء: 22] إلى قولِه: (ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ) [الإسراء: 39]، والآياتُ في هذا المعنَى كثيرةٌ.

وأعظمُ شخصيَّة تجلَّت فيها خِلالُ المُروءة هي شخصيَّة النبيِّ الأعظَم -صلى الله عليه وآله وسلم-؛ فقد كانت حياتُه -عليه الصلاة والسلام- كلُّها قائِمةً على المُروءة ومعالِي الأمور وكرائِمِها مع كل الناسِ، حتى مع أعدائِهِ -صلى الله عليه وآله وسلم-.

وما أندَى قولَه -صلى الله عليه وآله وسلم- وأروعَه حينما قال: «إن الله يُحبُّ معالِيَ الأمور وأشرافَها، ويكرَهُ سَفسافَها» (أخرجه الطبرانيُّ في "الكبير" عن الحُسين بن عليٍّ بسندٍ صحيحٍ).

وقال -صلى الله عليه وآله وسلم-: «إن الله كريمٌ يُحبُّ الكُرماء، جَوادٌ يُحبُّ الجَوَدة، يُحبُّ معالِيَ الأخلاق، ويكرَهُ سَفسافَها» (أخرجه البيهقيُّ في "الشُّعب" عن طلحَة بسندٍ صحيحٍ).

وقال أيضًا -عليه الصلاة والسلام-: «إن الله يرضَى لكم ثلاثًا، ويكرَهُ لكم ثلاثًا؛ فيرضَى لكم: أن تعبُدُوه ولا تُشرِكُوا به شيئًا، وأن تعتصِمُوا بحبلِ الله جميعًا ولا تفرَّقُوا، وأن تُناصِحُوا مَن ولَّاه اللهُ أمرَكم، ويكرَهُ لكم: قِيلَ وقالَ، وكثرةَ السُّؤال، وإضاعةَ المال» (أخرجه أحمد ومسلم عن أبي هريرة).

وقد لزِمَ هذا السَّنَنَ النبويَّ الرفيعَ صحابتُه الكرامُ - رضي الله عنهم - والتابِعُون لهم، وأورَثُوه إلى مَن بعدَهم مِن العُلماء والفُضلاء والنُّبلاء الذين كتَبُوا في ذلك الرسائل والكُتُب التي تُبيِّنُ للناسِ آدابَ المُروءة وخِصالَها، حتى إنهم جعلُوا مِن أهم صِفاتِ راوِي الحديث ومَن تُطلَبُ مِنه الشهادةُ في الأُقضِيات أن يكون مُتحلِّيًا بآداب المُروءة، مُجتنِبًا خوارِمَها ومُفسِداتها.

بل قد حثَّ النبيُّ -صلى الله عليه وآله وسلم- على التسامُح مع أهل المُروءات، والعفوِ عن خطئِهم وعثَرَات أقدامِهم؛ لمُروءتِهم ونُبلِهم، فقال -عليه الصلاة والسلام-: «تجافَوا عن عُقوبةِ ذوِي المُروءةِ»؛ أخرجه الطبرانيُّ عن ابن عُمر بسندٍ صحيحٍ.

وقال أيضًا -عليه الصلاة والسلام-: «أقِيلُوا ذوِي الهيئاتِ عثَرَاتهم إلا الحُدود» (أخرجه أحمد وأبو داود عن عائشة - رضي الله عنها -).

فأهلُ المُروءات مِن الحُكَّام والعُلماء والفُضلاء وصالِحِي المُسلمين، لهم فضلُهم ومكانتُهم ومنزلتُهم، ولا يجوزُ أبدًا أن تُهدَرَ فضائِلُهم، أو تُطمَسَ مناقِبُهم لزلَّةِ قدَمٍ أو كَبوَةِ جَوادٍ؛ وما ذاك إلا لشرفِ المُروءة وعلُوِّ كعبِها، والتي تحمِلُ صاحِبَها وترفعُه وتُزكِّيه، وإذا بلغَ الماءُ قُلَّتَين لم يحمِلِ الخبَثَ.

والله - سبحانه وتعالى - قد احتمَلَ لكليمِهِ مُوسَى - عليه وعلى نبيِّنا الصلاة والسلام - احتمَلَ له إلقاءَه ألواحَ التوراة، وأخذَه بلِحيةِ أخيهِ هارُون - عليه السلام - يجُرُّه إليه وهو نبيٌّ.

وإذا الحبيبُ أتَى بذنبٍ واحدٍ *** جاءَت محاسِنُه بألفِ شفيعِ

بارَكَ الله لي ولكم في القرآنِ العظيم، ونفَعَنا بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقولُ قَولِي هذا، وأستغفِرُ الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلِّ ذنبٍ، فاستغفِرُوه، إنه هو الغفورُ الرحيمُ.

الخطبة الثانية:

الحمدُ لله، الحمدُ لله مُعِزِّ مَ أطاعَه واتَّقاه، ومُذِلِّ مَن استكبَرَ واتَّبعَ هواه، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّه خليلِه ومُصطفاه، وعلى أهلِ بيتِه وصحابتِهِ والتابِعِين لهم، ومَن على سَنَنِه وأخلاقِه اقتَفَى ووالاه.

وبعد .. أيها المُسلمون: إن المروءةَ خُلُقٌ عظيمٌ، وإذا نزلَت في جَذرِ قلوبِ الرجالِ والنساءِ أثمَرَت وطابَت بها الحياة، وسعِدَت الأرواح، وهذَّبَت ما في النفوسِ مِن آفات الشُّحِّ المُطاع، والهوَى المُتَّبَع، وإعجابِ كلِّ ذي رأيٍ برأيِه.

ولا تكادُ تجِدُ امرأً قد تمكَّنَت المُروءةُ مِن قلبِه ورسَخَت إلا كان لله عامِلاً عابِدًا مُطيعًا؛ لأنه يعلَمُ أن ارتِكابَ المُحرَّمات، والتساهُلَ في المُنكرات والرِّضا بها مِن أخطر خوارمِ المُروءة ومُفسِداتها.

ثم إن أهل المُروءات أصحابُ هِممٍ عالِية، وإراداتٍ حازِمة؛ فإنه لم يُرَ أقعَدَ عن المكرُمات مِن صِغَر الهِمَم، فلذلك تجِدُهم يضرِبُون في كل خيرٍ بسَهمٍ، ويُسابِقُون في وجوهِ الإحسان، وهم يستعمِلُون مع الناسِ كلِّهم حُسنَ الأدبِ والخُلُقَ الحسنَ في القولِ والفعلِ، في الجِدِّ والمِزاحِ، في السرَّاء والضرَّاء، في السفَر والحضَر، في الحبِّ والكُرهِ، فلا يصدُرُ منهم إلا جميلُ القول والفعل، كما قال -سبحانه -: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) [البقرة: 83].

ومِن نُبلِهم ومُروءتهم: أنهم يقومون بحوائِجِهم وحوائِجِ أهلِيهم ومَن يعُولُون، فليس مِن المُروءة أن يُضيِّعَ المرءُ نفسَه وأهلَه وعِيالَه، ولا أن يجعلَهم عالةً يتكفَّفُون الناسَ ويسألُونَهم.

ولذلك فهم يحرِصُون على إصلاح أموالِهم، ويَنوُون في ذلك نيَّةً طيبةً مِن العفافِ والاستِغناءِ عن الناس، ونِعمَ المالُ الصالِحُ للرجلِ الصالِحِ.

ومِن أجمل صِفاتِ أهل المُروءات: الحِلمُ والرَّزانة، والتثبُّت والتأنِّي والهُدوء، والبُعد عن الطَّيش والعجَلَة والنَّزَق والتهوُّر، وخِفَّة العقل عند حُلول الحوادِثِ والنَّوائِب.

وإن مِن خوارِمِ المُروءة: أن يكون المرءُ داعِيةَ شرٍّ وإرهابٍ وفوضَى وفساد، أو يكون مِن الهَمَجِ الرَّعاع أتباعَ كلِّ ناعِقٍ، يَمِيلُون مع كل رِيحٍ، لم يستضِيئُوا بنُور العلمِ والحكمةِ، ولم يلجَأوا إلى رُكنٍ وثيقٍ مِن الحُكماء الحُلماء، مِن الحُكام والعُلماء الذين أمرَنا ربُّنا - سبحانه - أن نرُدَّ إليهم الأمرَ مِن الأمن أو الخوف.

ولذلك كان مِن صِفات أهل المُروءات: مُجالسةُ الصالِحين ذوِي المُروءة والنُّبل والعقل والحِكمة، والبُعد عن مُجالسة الخُبثاء الأشرار الذين سقَطَت مُروءاتُهم في توجُّهاتٍ مُنحرِفةٍ، وحِزبيَّاتٍ مقيتَة، وتنظيماتٍ إرهابيَّةٍ بغيضة.

عباد الله: ومِن أنبَلِ خِلالِ أهل المُروءات: أنهم يُعامِلُون الناسَ بصِدقِ قلبٍ، وصفاءِ نفسٍ، بَعِيدُون عن النِّفاقِ والتلوُّن، يُحبُّون للمُسلمين ما يُحبُّون لأنفسِهم، ولا يحمِلُون غِلاً ولا حسدًا ولا حقدًا للذين آمنوا، فلذلك يُوفِّقثهم الله - سبحانه -، فيُنجِّيهم مِن مواطِنِ الذمِّ والعيبِ واللَّومِ.

والمُروءةُ تحمِلُ صاحبَها على صِيانة نفسِه وحِمايتِها مِن كل ما يَعيبُها، ويُزرِي بها عند الله وعند خلقِه في كل زمانٍ ومكانٍ، فتعلُو هِمَّتُه، ويصلُبُ عزمُه وحزمُه، ويبتعِدُ عن كل ما يخدِشُ الإيمانَ والحياءَ مِن الدَّنايا والرَّزايا.

ويكونُ كما قال القاضي الجُرجاني - رحمه الله - في طَليعَةِ أبياتِه التي عُدَّت مِن غُرَر الكلامِ ونفائِسِه:

يقولُون لي فيك انقِباضٌ وإنَّما *** رأَوا رجُلاً عن موقِفِ الذلِّ أحجَمَا

أرَى الناسَ مَن دانَاهم هانَ عندهم *** ومَن أكرَمَته عِزَّةُ النفسِ أُكرِمَا

وبعدُ .. أيها المُسلمون: إن مِن أدبِ أهل المُروءات: أنهم يُراعُون الأعرافَ والعادات الطيبة الحسنة عند الناسِ، ولا يُشهِرُون أنفسَهم بلِباسٍ أو مظهرٍ أو أمرٍ يُخالِفُون به أعرافَ الناسِ الطيبةَ التي تُخالِفُ الشرعَ؛ لأن مُجاراةَ العُرف الحسَن مِن الأمور المُعتبَرَة شرعًا، خاصَّةً إذا ترتَّبَ على المُخالفَة مفاسِد، فإنهم - أعني: أهلَ المُروءات - مِن أحرصِ الناسِ على تأليفِ القلوبِ، وتطيِيبِ النفوسِ، ومَدِّ بِساطِ الأُخُوَّة والمحبَّة، وتلك شِيَمُ الكِرام أهل المُروءات والنُّبل.

عباد الله: صلُّوا على رسولِ الله؛ فقد أمَرَكُم بذلك الله؛ حيث قال في مُحكَم تنزيلِه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

وثبَتَ عنه -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال: «مَن صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً، صلَّى الله عليه بها عشرَ صلَوَات».

فاللهم صلِّ وسلِّم وبارِك وأنعِم على حبيبِنا ونبيِّنا وسيِّدنا وقُدوتِنا محمدٍ، وعلى آلهِ وأزواجه وذريَّاته الطيبين الطاهِرين، وصحابَتِه الكرامِ الأبرارِ الأطهارِ، وخُصَّ منهم: أبا بكرٍ الصدِّيقَ، وعُمرَ الفاروقَ، وعُثمانَ ذا النُّورَين، وعليًّا أبا الحسَنَين، والتابِعِين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمُشركين.

اللهم اجعَل بلدَنا هذا بلدًا آمنًا مُطمئنًّا رخاءً، وسائرَ بلاد المُسلمين برحمتِك يا أرحم الراحمين.

اللهم انصُر إخوانَنا المُسلمين المُستضعَفين في كل مكانٍ، اللهم انصُر إخوانَنا المُجاهِدين في فلسطين، اللهم انصُر إخوانَنا المُجاهِدين في فلسطين، اللهم عليك باليهود الغاصِبِين المُحتلِّين، اللهم عليك باليهود الغاصِبِين المُحتلِّين، اللهم أرِنا فيهم عجائِبَ قُدرتِك بقوَّتِك يا قويُّ يا عزيز.

اللهم أصلِح أحوالَ المُسلمين في بلاد الشَّام، وفي العِراق، وفي اليمَن برحمتِك يا أرحم الراحِمين.

اللهم انصُر إخواننا المجاهدين المُرابِطِين على الحدود، اللهم انصُر إخواننا المجاهدين المُرابِطِين على الحدود، اللهم كُن لهم عَونًا ونصيرًا، ومُؤيِّدًا وظَهيرًا بقُوَّتِك يا قويُّ يا عزيز.

اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تُحبُّه وترضَاه، اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تُحبُّه وترضَاه، اللهم وفِّقه ووليَّ عهدِه لِمَا فيه صلاحُ البلادِ والعبادِ، واجعَلهم مفاتيحَ للخيرِ مغالِيقَ للشرِّ برحمتِك يا أرحمَ الراحمين.

اللهم اغفِر لنا ولوالِدِينا ولجميع المسلمين والمُسلمات، الأحياء منهم والأموات برحمتِك يا أرحم الراحمين.

اللهم اغفِر لنا وارحَمنا، وعافِنا واعفُ عنَّا، وارزُقنا واجبُرنا، وارفَعنا ولا تضَعنا، وأكرِمنا ولا تُهِنَّا برحمتِك يا أرحم الراحمين.

وصلَّى الله وسلَّم وبارَك على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آلِهِ وصحبِه أجمعين.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي