الحمد لله أمر عباده بالاجتماع ونهاهم عن الفرقة والتحزب, لتقوى شوكتهم ويظهروا على عدوهم, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, هو الناصر المعين والهادي من شاء إلى صراطه المستقيم, وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمداً رسول رب العالمين وخير البشر أجمعين صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه.
أما بعد: فاتقوا الله أيها المؤمنون واعلموا أنَّ أوامر الشرع المطهر صلاحٌ للبلاد والعباد, فمن تمسَّك بشريعة الإسلام أصلح الله له كلَّ شأن, وأفلح وفاز في دار الممر ودار المستقر, فاستمسكوا بدينكم وكونوا كما أمر ربكم قال تعالى: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [البقرة: 256]، قال الإمام السمعاني -رحمه الله-: "الْمرَاد هَاهُنَا بالعروة الوثقى: العقد الوثيق الْمُحكم فِي الدين".
وقَالَ ابن عَبَّاس -رضي الله عنهما-: "أَرَادَ بِهِا كلمة لَا إِلَه إِلَّا الله"؛ فالعروة الوثقى هي كلمة لا إله إلا الله, قال الإمام ابن باز -رحمه الله-: "هذه الكلمة هي أصل الدين، وأساس الملة".
وقال تعالى: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [الزخرف: 43]، قال الإمام السعدي -رحمه الله-: "وأما أنت -أيها النبي- (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ) فعلا واتصافا، بما يأمر بالاتصاف به ودعوة إليه، وحرصًا على تنفيذه في نفسك وفي غيرك. (إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) موصل إلى الله وإلى دار كرامته، وهذا مما يوجب عليك زيادة التمسك به والاهتداء إذا علمت أنه حق وعدل وصدق، تكون بانيا على أصل أصيل، إذا بنى غيرك على الشكوك والأوهام، والظلم والجور".
معاشر المسلمين: إنَّ من التمسك بدين الله, اعتصام المسلمين بحبل الله جميعًا, وعدم تفرقهم وتحزبهم قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) [آل عمران: 103].
قال الإمام البغوي -رحمه الله-: "قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: مَعْنَاهُ تَمَسَّكُوا بِدِينِ اللَّهِ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: هُوَ الْجَمَاعَةُ، وَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّهَا حبل الله الذي أمر بِهِ، وَإِنَّ مَا تَكْرَهُونَ فِي الْجَمَاعَةِ وَالطَّاعَةِ خَيْرٌ مِمَّا تُحِبُّونَ فِي الْفُرْقَةِ".
معاشر المسلمين: إنَّ اجتماع المسلمين لا يكون إلا بالجماعة الواحدة لا بالجماعات والأحزاب, والجماعة الواحدة هي التي تهتدي بهدي القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة, وتنبذ ما خالف أمر الله وأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم- ولا تقدِّم كلام أحد كائنًا من كان على الوحيين.
وأنتم ترون يا عباد الله كيف حال الأمة الإسلامية اليوم, ترون التفرق والتحزب والتشرذم والتعصب, قال تعالى: (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ * فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) [المؤمنون: 52، 53] قال الزحيلي -رحمه الله-: "يوصي الحق تبارك وتعالى أهل الإيمان بجملة مبادئ في الحياة: وهي الأكل من الحلال، والعمل بصالح الأعمال، ووحدة الدين والأمة، ولا يسمح شرع الله بالفرقة والتمزق، فذلك سبيل الشيطان، والطريق إلى الخسارة والضياع".
وقال الشيخ بكر أبو زيد -رحمه الله-: "إنَّ الحزبية ذات المسارات والقوالب المستحدثة التي لم يعهدها السلف من أعظم العوائق عن العلم، والتفريق عن الجماعة، فكم أوهنت حبل الاتحاد الإسلامي، وغشيت المسلمين بسببها الغواشي, فاحذر -رحمك الله- أحزاباً وطوائفَ طافَ طائِفُها، ونجمَ بالشرِّ ناجِمها، فما هي إلا كالميازيب؛ تجمع الماء كدراً، وتفرِّقهُ هدراً؛ إلا من رحمه ربك، فصار على مثل ما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه -رضي الله عنهم-".
أيها المؤمنون: إنَّ كثرة الأحزاب والجماعات الإسلامية في الأمة المسلمة, له أثر سيء على المسلمين، وهو خلاف لما أمر الله به من الاجتماع ووحدة الصف, فتلك الأحزاب في صراعات, تتراشق الاتهامات, وتتدابر وتتناحر؛ خدمة لما يتَّصل بنشاط الأحزاب واتِّجاههم ونظامهم وطمعاً في الوصول إلى مناصب دنيوية من الحكم وغير ذلك, ومن تلك الأحزاب من تطلب من رموزها مبايعة أقطابها ومرشديها, وما كان هذا ليكون إلا لقلة الفقه في الدين ورواج البدع والمحدثات؛ فالبيعة في الإسلام لا تكون إلا لولي أمر المسلمين من ملك أو رئيس, ولا يجوز لمؤسسي تلك الأحزاب ولا لرؤسائها طلب البيعة من أتباعهم؛ لأنَّ رؤساء تلك الأحزاب داخلون فيما يدخل فيه المسلمون من بيعة ولي الأمر.
ولسائل أن يسأل: من الذي خلَّف الحزبية في بلاد المسلمين؟ فنقول: إنَّ من خلَّف الحزبية هم المستعمرون فهي من آثارهم السيئة بعد استقلال البلدان الإسلامية من الاستعمار.
معاشر المسلمين: إنَّ من الحزبية المقيتة, التعصب للحزب والموالاة والمعاداة فيه ولأجله, تقول لأحدهم: قال الله, قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيقول: قال فلان, قال رئيس الجماعة, تقول له في أمر من أمور الحزب والجماعة التي يتعصب أو ينتمي لها, إنَّ في ذلك مخالفة وإثم, وتستدل بالأدلة من الكتاب والسنة فيقول: لا بأس بذلك ويعاند ويُصرُّ على رأيه ولو كان يرى خطأهم في ذلك, ومما يؤسف له, أنَّ يعادي المسلم أخاه المسلم ويبغضه ويقاطعه؛ لأجل حزبية أو لأجل موافقته لجماعة من الجماعات.
فبالحزبية أيها المؤمنون تتفرق كلمة الأمة ويُعادي بعضها بعضا, فيتسلط عليهم العدو ويغزوهم على ضعف منهم, ومن الحزبية حزبية تدعو إلى الإخلال بأمن المسلمين, وإثارة الثورات والدعوة إلى الخروج والمظاهرات حتى وإن سموها سلمية تطالب بالحقوق المسلوبة, فإنهم بذلك خالفوا ما أمرهم به النبي -صلى الله عليه وسلم- من الصبر عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ -رضي الله عنه-، أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ خَلَا بِرَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي كَمَا اسْتَعْمَلْتَ فُلَانًا؟ فَقَالَ: "إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ" (متفق عليه).
معاشر المسلمين: ومن أضرار الحزبية على المجتمع دورها في نشر البدع التي توافق أهواءَ كلِّ حزب, وكذلك فهي ركن أساس في تنافر القلوب وبعث البغضاء والكراهية بين المسلمين وتكدِّرُ صفوَ الأخوة الإسلامية انتصارا للحزب, ومن أضرار الحزبية أنَّها تدعو لتأييد الحزب ولو أدَّى ذلك إلى تفريق كلمة المسلمين وإضعاف شوكتهم, فالحزبية يا عباد الله إذا حلَّت في بلد مستقر مزَّقته وفرَّقته وأحدثت فيه الاضطرابات وأخلَّت بأمنه, فثمارُها مرَّةٌ علقمٌ على المجتمع, تُفسد ولا تصلح وتهدم ولا تبني, وتُضِلُّ ولا تهدي ولو زعمت أنَّها تريد إصلاحاً للمجتمع, فلا يغترُّ بها مغترٌّ ولا ينضوي تحتها ذو لبٍّ يعقِل.
معاشر المسلمين: نحمد الله تعالى أننا في بلادنا السعودية –حرسها الله- لا مكان للأحزاب فيها, فنحن جماعة واحدة لا جماعات, فحري بنا شكر الله على هذه النعمة العظيمة.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله الذي له الحمد كله وإليه يُرجع الأمر كله, نحمده ونشكره ونتوب إليه ونستغفره, ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, خلقنا من العدم وجعلنا في أمة هي خير الأمم, ونشهدُ أنَّ محمداً رسول الله بلَّغ البلاغ المبين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله أيها المؤمنون حق التقوى واستمسكوا بالعروة الوثقى.
معاشر المسلمين: إنَّ الآثار السيئة للحزبية المقيتة توجِبُ أن يُحذِّرَ منها كلُّ مسلم خصوصاً وأنَّ لها وسائل إعلامية متنوعة تدعو إليها وتُلبِّسُ على الناس أحوالها وأفعالها, إما بمنطوقها أو بلسان حالها, فنسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين وأن يجعلهم إخوة متآلفين متحابين كما أمرهم بذلك ربهم.
أيها المسلمون: يقول الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد, وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة والتابعين وعنا معهم بعفوك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين واجعل بلدنا آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين, اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفق ولي أمرنا وولي عهده لما تحب وترضى وخذ بناصيتهما للبر والتقوى, وأعز بهما دينك وأعل بهما كلمتك وأمدهما بعونك وتوفيق.
اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين في كل مكان, واجعل بلاد المسلمين آمنة مطمئنة, اللهم عليك بمن يحارب دينك وجندك وأولياءك وعبادك الصالحين, اللهم عليك بالصهاينة والصليبين والمجوس والحوثيين والخونة والروس وأعوانهم ومزِّقهم وزلزلهم واشدد وطأتك عليهم وخالف بين قلوبهم واجعل بأسهم بينهم واهزمهم فلا هازم لهم إلا أنت يا قوي يا عزيز, اللهم عليك بمن يفسد في بلادنا من الإرهابيين.
اللهم مكِّن رجال الأمن من القبض عليهم اللهم احفظ رجال أمننا وجنودنا على حدود بلادنا وجنودنا في اليمن اللهم ثبت أقدامهم وانصرهم وزدهم قوة واجزهم عنا خير الجزاء, اللهم انصرنا وأهلنا في اليمن على الحوثيين والخونة يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أقم علم الجهاد واقمع أهل الشرك والفساد وانشر رحمتك على العباد, اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين.
اللهم احفظ بلادنا وولاة أمرها وعلماءها وأهلها وزدها قوة وأمنا ورخاء وشكرا وتمسكا بالدين. اللهم أصلح قلوبنا وأعمالنا وأصلح أبناءنا وبناتنا وأصلح نساءنا واغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين. (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90]؛ فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي