بذكر الله -عز وجل- طردٌ للشيطان، وفوزٌ برضا الرحمن، ونيلٌ للجنان، بل فوز بعالي الرتب فيها، والذاكر لله -عز وجل- في حصنٍ حصين، وحرزٍ متين، فلا يقربه الشيطان الرجيم، وأما الغافل عن ذكر الله -عز وجل- فإن الشيطان قريبٌ منه: (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) [الزخرف: 36]، وفي ذكر الله -عز وجل- حطٌ للأوزار، وغفرانٌ للذنوب، وتكفيرٌ للسيئات، وذلك...
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبدُه ورسوله، وصفيُّه وخليلُه، وأمينه على وحيه، ومبلِّغ الناس شرعه، ما ترك خيرًا إلا دلَّ الأمة عليه، ولا شرًا إلا حذَّرها منها؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعد:
أيها المؤمنون -عباد الله-: اتقوا الله -تعالى-؛ فإنَّ من اتقى الله وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه.
أيها المؤمنون: عبادةٌ جليلة؛ عظيمٌ شأنها، كثيرٌ ثوابها وأجرها، يسيرٌ فعلها، ليس في العبادات مثلها، فهي تعمُّ الأوقات كلها والأحوال جميعها، لا تختص بموسم ولا تتقيد بزمان، تصحب المؤمن في كل أوقاته وجميع أحواله قائمًا وقاعدًا وعلى جنبه، مع ما يترتب عليها من عظيم الثواب وجميل المآب وكثير الأجر.
إنها -أيها المؤمنون- ذكر الله -تعالى-، روى الترمذي وابن ماجة عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالوَرِقِ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟" قَالُوا: بَلَى، قَالَ: "ذِكْرُ اللهِ -تَعَالَى-".
أيها المؤمنون: وإذا كان عمَّال الآخرة في تنافسهم في الأعمال وتسابقهم في الطاعات، فإن أهل الذكر هم السبَّاقون في هذا المضمار المبارك؛ مضمار التسابق لعلو الدرجات ورفيع المنازل، روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ" قَالُوا: وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "الذَّاكِرُونَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ".
أيها المؤمنون: وبذكر الله -عز وجل- طردٌ للشيطان وفوزٌ برضا الرحمن ونيلٌ للجنان، بل فوز بعالي الرتب فيها، والذاكر لله -عز وجل- في حصنٍ حصين وحرزٍ متين فلا يقربه الشيطان الرجيم، وأما الغافل عن ذكر الله -عز وجل- فإن الشيطان قريبٌ منه: (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) [الزخرف: 36].
أيها المؤمنون: وفي ذكر الله -عز وجل- حطٌ للأوزار وغفرانٌ للذنوب وتكفيرٌ للسيئات، وذلك أن ذكر الله -عز وجل- هو أحسن الحسنات، و (الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) [هود: 114]، والأحاديث في ذلك عن نبينا -صلى الله عليه وسلم- كثيرة.
عباد الله: وفي قلوب الناس قسوة لا يُذهبها إلا ذكر الله -تعالى-، وفي قلوب الناس صدأ لا يجلوه ولا يصقله إلا ذكر الله؛ فعن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: "إن القلوب لتصدأ، وإن جلاءها ذكر الله -تعالى-".
أيها المؤمنون: وفي ذكر الله -عز وجل- طمأنينة القلوب وأُنسها وراحتها وزوال همومها وغمومها وآلامها وأحزانها: (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد: 28]، وما انجلت هموم العباد وأحزانهم وغمومهم بمثل ذكر الله، فهو الفرج في الشدة، والأنس في الأحزان، والراحة في الشدائد والكربات.
أيها المؤمنون: وفي ذكر الله -عز وجل- معونةٌ على الطاعات كلها والعبادات جميعها؛ فإن ذكر الله -عز وجل- يليَّن الطاعات ويسهِّلها ولا تصبح شاقةً على النفوس، وفي هذا قصة الرجل الذي قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ شَرَائِعَ الإِسْلاَمِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ، فَأَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ" قَالَ النبي -عليه الصلاة والسلام-: "لاَ يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ".
أيها المؤمنون: وفوائد ذكر الله وثماره وآثاره التي يجنيها الذاكرون في دنياهم وأخراهم كثيرةٌ لا تُحصر، عديدةٌ لا تستقصى؛ فجديرٌ بكل مسلم أن تعظم عنايته بذكر الله، وأن يحرص كل الحرص على أن يكون من الذاكرين لله بالكثرة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) [الأحزاب: 41 - 42]، (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 35].
أسأل الله -جل في علاه- بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يعيننا أجمعين على ذكره وشكره وحسن عبادته.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله كثيرا، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
عباد الله: اتقوا الله -تعالى-.
عباد الله: والذاكرون الله فائزون فوزًا عظيمًا بمعية الله لهم وذكره جل وعلا لهم في ملأه الأعلى؛ فإن من ذكر الله ذكره الله وكان معه معيةً خاصة حفظًا ونصرًا وتأييدا، قال الله -تعالى-: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) [البقرة: 152]، وقال جل وعلا في الحديث القدسي: "من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم"، وقال الله -تعالى- في الحديث القدسي: "أَنَا مَعَ عَبْدِي مَا ذَكَرَنِي وَتَحَرَّكَتْ بِي شَفَتَاهُ".
أيها المؤمنون: وفي ذكر الله -جل وعلا- صيانة للسان وحفظ له من اللغو والباطل؛ لأن اللسان إنما خُلق للكلام، فإن لم يشغله صاحبه بذكر الله -عز وجل- والنافع من القول وإلا اشتغل ولابد بالحرام من غيبة ونميمة وسخرية وغير ذلك، ومن أراد شاهد ذلك نظر واقع كثير من الناس في غفلتهم عن ذكر الله -عز وجل- كيف أن الألسنة تلطخت بسبب ذلك بأنواع من الباطل وصنوف من الآثام؟
نسأل الله -عز وجل- أن يصون ألسنتنا، وأن يصلح قلوبنا، وأن يزكي أعمالنا، وأن يصلح لنا شأننا كله.
وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: ٥٦]، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين؛ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنَّة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-.
اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم كن لهم ناصرًا ومعينا وحافظًا ومؤيدا، اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك.
اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفِّق ولي أمرنا لهداك، وأعنه على طاعتك، وسدِّده في أقواله وأعماله يا حي يا قيوم، اللهم وفِّقه وولي عهده لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال.
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها.
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي