عناصر الخطبة
- مسؤولية ولي المرأة تجاه موليته وبعض واجباته تجاهها .
- تحذير ولي المرأة من منعها من الزواج بالرجل الكفء .
- بعض الشروط الواجب توفرها في الرجل المراد تزويجه وبعض العيوب المانعة من تزويجه .
- حكم تزويج المسلمة بالكافر .
- تحريم منع الفتاة من الزواج بالرجل الكفء .
- حقارة وسفالة تزويج الولي لموليته أو منعه لها لأجل المال
.
اقتباس
أيها المسلمون: إن أهم ما تجب العناية به، والنظر إليه في الدين: سلامة العقيدة، وإقامة الصلاة. فأما سلامة العقيدة، فأن يكون الرجل مؤمنًا بالله ورسوله، لم يذكر عنه ما يدل على شكه، وأن يكون معظمًا لله ورسوله ودينه، لم يذكر عنه ما يدل على...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان، وسلم تسليمًا.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، وأدوا الأمانة التي حملكم الله -تعالى- إياها فيمن ولاكم الله عليه من النساء؛ لأن من حملكم إياها سوف يسألكم عنها، وهو أعلم بما تبدون وما تكتمون.
فأدوا الأمانة فيهن، لا تتحكموا في مصيرهن ومستقبلهن، لا تجعلوهن بينكم بمنزلة السلع إن أعطيتم بها ثمنًا يرضيكم بعتموها، وإلا أمسكتموها.
إن أمانة النساء فيكم، وإن مستقبلهن في دِينِهن ودنياهن أعظم وأجل من أن تنظروا فيهن إلى المال، وإلى لعاعة من العيش تتمتعون بها على حساب أمانتكم.
إن الواجب عليكم أن تنظروا إلى ما فيه خير المرأة، وسعادتها في دينها ودنياها، في نفسها وفي أولادها.
إن الواجب عليكم أن تختاروا لها في النكاح كل ذي خُلُق فاضل، ودين مستقيم، وأن لا تمنعوا خاطبها إذا كان كفئًا في دينه، ورضيته من النكاح بها، فإن ذلك تضييع للأمانة، ووقوع في المعصية، فقد جاء في الحديث: "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوه تكن فتنـة في الأرض وفسـاد كبير"[الترمذي (1085)].
إن في الحديث توجيهًا وإرشادًا إلى أن ينظر إلى الخاطب من ناحيتين فقط لا ثالث لهما: هما: الدين والخلق؛ لأنهما الأساس الذي به صلاح الدين، وسعادة الحياة.
فصاحب الدين صالح بنفسه، مصلح لمن يتصل به.
اتصال المرأة به خير وفلاح، إن أمسكها أمسكها بمعروف، وإن فارقها فارقها بمعروف؛ لأن عنده من الدين والتقوى ما يمنعه من ظلم المرأة، والمطل بحقها.
وصاحب الخُلُق، مستقيم في أخلاقه، مُقوِّم لغيره، يتلقى أهله بالبشر وطلاقة الوجه، ويُعَوِّدُهم بأقواله وحاله على مكارم الأخلاق، ومعالي الآداب.
أيها المسلمون: إن أهم ما تجب العناية به، والنظر إليه في الدين: سلامة العقيدة، وإقامة الصلاة.
فأما سلامة العقيدة، فأن يكون الرجل مؤمنًا بالله ورسوله، لم يذكر عنه ما يدل على شكه، وأن يكون معظمًا لله ورسوله ودينه، لم يذكر عنه ما يدل على استهزائه بذلك، فإن من شك في وجود الله، أو في كونه هو الخالق وحده، أو هو المعبود وحده، فهو كافر.
ومن شك في كون محمد -صلى الله عليه وسلم- رسول الله إلى الناس كافةً إلى يوم القيامة، فهو كافر.
ومن استهزأ بالله أو رسوله أو دينه، فهو كافر، يقول الله -تعالى-: (قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)[التوبة: 65 – 66].
وأما إقامة الصلاة، فأدناه أن يأتي الرجل بالصلوات الخمس في أوقاتها، بأدنى ما يجب فيها، معتقدًا فريضتها.
فمن أنكر فرضية الصلوات الخمس، أو بعضها، فهو كافر؛ لأنه مكذب لله ورسوله، وإجماع المسلمين، إلا أن يكون ممن أسلم قريبًان ولا يدري عن فرائض الدين، فَيُعَلَّم.
ومن ترك الصلاة، فهو كافر، وإن كان يعتقد أنها فريضة؛ لقوله تعالى: (فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)[التوبة: 11].
وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة"[مسلم (82) الترمذي (2620) أبو داود (4678) ابن ماجة (1078) أحمد (3/370) الدارمي (1233)].
وفي حديث آخر: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "العهـد الذي بيننا وبينهم الصـلاة فمن تركهـا فقد كفر"[الترمذي (2621) النسائي (463) ابن ماجة (1079) أحمد (5/346)].
وقال عبد الله بن شفيق: "كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة".
وهذا الكفر الذي جاء فيمن ترك الصلاة، في الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعن الصحابة -رضي الله عنهم- هو الكفر الأكبر المخرج عن الإسلام الموجب للقتل في الدنيا، والخلود في الآخرة في النار؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- سئل عن قتال أئمة الجور والظلم هل يقاتلون؟ فقال: "لا تقاتلوهم ما صَلُّوا"[مسلم (1854) الترمذي (2265) أبو داود (4760) أحمد (6/302)].
فمَنَعَ من قتالهم إذا صَلُّوا، وهذا يدل على جواز قتالهم إذا تركوا الصلاة، ولا يجوز قتال الأئمة إلا إذا كفروا؛ لقول عبادة بن الصامت -رضي الله عنه-: "بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم فيه من الله برهان"[البخاري (6647) النسائي (4154) ابن ماجة (2866) أحمد (3/441) مالك (977)].
قال أمير المؤمنين عمر -رضي الله عنه-: "لا حظَّ في الإسلام لمن ترك الصلاة".
فلا يجوز تزويج من لا يؤمن بالله ورسوله بمسلمة.
ولا يجوز تزويج من يستهزئ بالله أو رسوله أو دينه بمسلمة.
ولا يجوز تزويج من لا يصلي بمسلمة؛ لأن هؤلاء كفار.
وقد قال الله -تعالى- في المهاجرات: (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ)[الممتحنة: 10].
فمن زوج مسلمةً بكافر فالنكاح باطل، لا تحل به الزوجة، بل هي منه أجنبية فوطؤها إياها بمنزلة الزنا.
فاتقوا الله -أيها المسلمون-، واختاروا لبناتكم، وابحثوا عن دين الخاطب قبل قبوله، ولا تجعلوا عمدتكم المال، فإن المال يجيء ويذهب، فكم من فقير صار غنيًّا، وكم من غني صار فقيرًا.
أيها المسلمون: إن بعض الأولياء يتحكمون في بناتهم، ومن تحت ولايتهم، فيمنعونهن من الخُطَّاب الأكفاء، مع رضا المرأة بالخاطب.
وهذا حرام عليهم لاعتدائهم على حقها.
إلا أن ترضى بشخص لا يرضى دينه مثل أن تطلب نكاح من يشرب الخمر، أو يمارس من المعاصي ما يخل بالدين والشرف، فله منعها من نكاحه، ولو بقيت بلا زوج طول حياتها، ولا إثم عليه في ذلك؟
واعلموا أنه كما لا يجوز لكم منع النساء من النكاح، فلا يجوز أن تُكْرِهوا النساء على نكاح من لا يردن نكاحه، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهاكم عن ذلك، ولا فرق بين الأب وغيره، وبين البكر وغيرها؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يفرق بين البكر وغيرها، إلا في صفة الإذن، فقال: "لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن" قالوا: يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: "أن تسكت"[البخاري (4843) الترمذي (1107 النسائي (3265) أبو داود (2092) ابن ماجة (1871) أحمد (2/434) الدارمي (2186)].
ففرق صلى الله عليه وسلم بين البكر والثيب، بأن البكر يكتفى بسكوتها؛ لأنها تخجل في الغالب أن تنطق، وأما الثيب فلا تخجل، فلا بد من استئمارها، وأخذ أمرها بذلك نطقًا، ولم يفرق صلى الله عليه وسلم بين الأب وغيره، بل نص على الأب فيما رواه الإمام أحمد ومسلم حيث قال صلى الله عليه وسلم: "والبكر يستأمر أبوها"[مسلم (1421) الترمذي (1108) النسائي (3264) أبو داود (2098) ابن ماجة (1870) أحمد (1/274) مالك (1114) الدارمي (2190)].
فاتقوا الله -أيها المسلمون-، ولا تزوجوا النساء من غير أكفائهن، ولا تمنعوهن منهم، ولا تجبروهن على نكاح من لا يردنه، ولا يكن همكم المال والدنيا، فإن من السخف أن ينزل الرجل بنفسه، فيزوج من أجل المال، ويمنع من أجله.
إن من السخافة أن يقبل الشخص، وترضى به المرأة، فإذا جاء الجهاز قاصرًا عما يريدونه ردوا الجهاز، ورجعوا عن قبول الرجل، كأنما المقصود من النكاح المال، وكأنما المرأة سلعة تباع وتشترى.
إن شأن النكاح أسمى وأعظم من أن يكون القصد فيه المال، ولذلك جعل الله -سبحانه- المصاهرة قسيمةً للنسب والقرابة، فقـال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا)[الفرقان: 54].
وفقني الله وإياكم للقيام بحقه، وحقوق عباده، وجعلنا ممن يقومون بالأمانة على الوجه الأكمل، وهدانا صراطه المستقيم، إنه جواد كريم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين ... إلخ...