إحسان معاملة الناس

أيمن عبد العظيم
عناصر الخطبة
  1. أثر الكلمة الطيبة .
  2. ارتباط الإيمان بالحب .
  3. توجيهات نبوية مشيعة للحب بين المسلمين .
  4. منزلة حسن الخلق .
  5. قضاء حوائج الناس من أجلّ القربات .
  6. إفساد سوء الخلق العمل .

اقتباس

لقد ربط الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- بين إحسان معاملة الناس ومحبتهم بالإيمان، بل جعل الحب شرطا للإيمان: "لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولن تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات  أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمدا عبد الله ورسوله، وصفيه وخليله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق  الجهاد، حتى أتاه اليقين من ربه.

ففضــــــل أحمــــدَ بــــــــادٍ *** لكــــل ذي عينيــــــــــــنِ

إذ إنه فضــــــــل ربــــــي *** ورحمـــــة الثـــــقـــــليــــــــــــــن

صلاة ربـــي عـــليــــــــــــه *** تعطــــر الخــــافقيـــــــــــــــن

في كل خفــقة قلبٍ *** وكـــل طــــرفة عـــــــــيــــــن

اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة ترفعنا بها الدرجات العالية، وتبلغنا بها مقاصدنا، وتقضي بها حوائجنا.

أما بعد: قال لي طبيب إنه كان يعمل مساء، ولما انتصف الليل، ونام الناس، ظل يشعر بكآبة السهر، وبالإرهاق والضيق والضجر، الدنيا أمام عينيه ضيقة بائسة بؤس نفسه الكئيبة، التي ملت من تلك الحياة الرتيبة.

وبينما هو كذلك، في غاية الضيق والإرهاق والسأم، دخل عليه رجل يحمل طفله المريض، وقال له: يا دكتور، أسأل الله أن يعينكم، ويعظم أجركم، فإنكم تؤدون خدمة عظيمة للناس. قال الطبيب: كان لتلك الكلمات في نفسي مفعول السحر، فبمجرد طرقها لأذني زال عني كل فتور، وانشرح صدري، وانمحى ما به من بؤس، وأقبلت على عملي برغبة ونشاط.

انظر كيف كان لتلك الكلمات مفعول العقاقير المهدئة التي تشترى بالمال! لكن الفرق يكمن في أن العقاقير لها آثار جانبية ضارة، ولكن ذلك الكلام أدّى لتهدئة تلك النفس ومحو كآبتها بغير آثار كآثار العقاقير الضارة التي تشترى بالمال، انظر كيف غيرت تلك الكلمات تفكير وسلوك ذلك الطبيب! صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القائل: "والكلمة الطيبة صدقة".

وبما أن الكلام الطيب اللين يؤدي إلى زوال الكآبة عن سامعيه، فإنه يُشيع روح المحبة والتعاوُن والتعاضد في المجتمع، ماذا تتوقع من شخص سمع كلاما طيباً ليناً في الحافلة، ثم في مؤسسات ذهب يقضي فيها حاجة له؟ سيُقبِل مثل هذا الشخص على الناس بذات اللين والطيب، فيشيع الحب، والتعاون، بعكس من يلقى الفظاظة والغلظة، فإنه سيتعامل  بغلظة تجعل من المجتمع مجالاً لعبث الشيطان، وبثّ عُقد النفوس، وأمراض القلوب، وتتعطل مصالح الخلق، وتسود روح الكآبة والملل في أماكن العمل! وهذا -للأسف!- صورة من واقعنا وزماننا الذي نعيبه!

نعيب زماننا والعيب فينا *** وما لزماننا عيب سوانا!

ومما يتعجب منه، أننا نمتدح الغربيين وانضباطهم، وإحسانهم معاملة الناس، ولقد توصل المجتمع الغربي إلى أن صلاح المجتمع، وقيام مصالح الخلق، يرتبط بحسن المعاملة، فأرسوا هذه القاعدة في مجتمعاتهم، فجمعوا بين الرفاه الاقتصادي، والسلام الاجتماعي، أما نحن –للأسف، وبصفة عامة- افتقرت دولنا الإسلامية الغنية للسلام الاجتماعي، وجمعت دولنا الفقيرة بين ضنك العيش وسوء السلوك، رغم أن إحسان معاملة الآخرين لا يحتاج لمال يبذل، ولا جهدٍ بدني يشق على المرء، ورغم أن ديننا يأمرنا أمراً لازماً بإحسان معاملة بعضنا بعضا، وإشاعة المحبة والسلام بيننا، لكننا نبذنا ذلك الأمر وراء ظهورنا.

لقد ربط الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- بين إحسان معاملة الناس ومحبتهم بالإيمان، بل جعل الحب شرطا للإيمان: "لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولن تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا  فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".

لماذا لا نحرص على سنة نشر الحب بين المسلمين؟ لقد حرص الرسول -صلى الله عليه وسلم- على نشر ثقافة الحب بين المسلمين، فقال: "وتهادَوا تحابوا"، فالهدية تبعث على الحب، وفي رواية ثانية: "تَصافحوا يَذهبِ الغلُّ، وتَهادوا تحابُّوا وتذهبِ الشحناءُ"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أحب أحدكم أخاه فليخبره أنه يحبه".

وكل ما يريح النفس، ويشيع الحب، مطلوب مرغوب: قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن تبسّمك في وجه أخيك صدقة"، وقال: "لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق"، والتبسم، وطلاقة الوجه، تفعلان ذات التأثير الذي تفعله الكلمة الطيبة، التي هي صدقة من الصدقات، وقربة من القربات.

إن المرء بتحسين خلقه، وإحسان معاملته للناس، وتفريج كربهم، يصبح من المقربين إلى الله -تعالى-، ويدخل جنته الخالدة، قال -صلى الله عليه وسلم-: "يُمَكِّنُكُم من الجنة إطعام الطعام، وإلانة الكلام".

قال -صلى الله عليه وسلم-: "أحَبُّ الناسِ إلى اللهِ أنْفعُهُمْ، وأَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ -عزَّ وجلَّ- سُرُورٌ تُدخِلُهُ على مُسلِمٍ، أو تَكشِفُ عنهُ كُربةً، أو تَقضِي عنهُ دَيْنًا، أو تَطرُد عنهُ جُوعًا، ولِأنْ أمْشِيَ مع أخِي المسلمِ في حاجةٍ أحَبُّ إليَّ من أنْ أعتكِفَ في المسجدِ شهْرًا، ومَنْ كفَّ غضَبَهُ، سَتَرَ اللهُ عوْرَتَهُ، ومَنْ كظَمَ غيْظًا، ولوْ شاءَ أنْ يُمضِيَهُ أمْضاهُ، مَلأَ اللهُ قلْبَهُ رضا يومَ القيامةِ، ومَنْ مَشَى مع أخيهِ المسلمِ في حاجَتِه حتى يُثْبِتَها لهُ، أثْبتَ اللهُ تعالَى قدَمه يومَ تَزِلُّ الأقْدامُ، وإنَّ سُوءَ الخُلُقِ لَيُفسِدُ العملَ، كَما يُفسِدُ الخَلُّ العَسَلَ".

لستَ محتاجاً، يا أيها الموظف ويا أيها العامل، إلى أن تمشي مع أخيك المسلم في حاجة لتقضيها له لتنال ذلك الأجر الذي هو أفضل من اعتكاف شهر في المسجد، فقد أتاك أخوك إلى حيث أنت، خيرٌ ساقه الله إليك، فتبسم له، وأطلِقْ وجهك، وألن كلامك، كلّ هذه صدقات وقربات، ثم اقض حاجته بودٍّ وحب وطيب نفس، وهذا خير لك من اعتكاف شهر تتعبد فيه في المسجد! أيّ أجر جمعه الله لك مع أجر الدنيا!.

أخي المسلم: كلنا محاط بالناس، وكلها فرص لاقتناص الحسنات بإحسان معاملتهم، فالناس من أميز الابتلاءات في الاختبار الذي نحن فيه في هذه الأرض، ومعاملتهم تحتاج إلى تنبُّهٍ وتيقُّظٍ وصبر، قال الله -تعالى-: (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ) [الفرقان:20].

إننا مأمورون بإلانة الكلام مع سائر الناس، مَن كان كمثل فرعون طغيانا وكفراً؟ قال الله -تعالى-: لموسى وهرون -عليهما السلام-: (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ) [طه:44].

وبذلك -أيضا- نتقي غضب الله -تعالى-، فإساءة معاملة الناس مدخل من مداخل النار، أعاذنا الله منها، ذُكِر للنبي -صلى الله عليه وسلم- حال امرأة تكثر من الصلاة والصيام، وتؤذي جيرانها، فقال: "هي في النار".

نسأل الله أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين.

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُم رَقِيباً) [النساء:1].

اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.

اللهم...


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي