ثم إنك إذا سألته مباشرة عن سيرة أحد الصحابة الأطهار أو الأئمة الأخيار أو أحد القادة الأبطال أو عظماء الرجال؛ لتلعثم في الجواب ولحار ودار، وأدخل طلحة في الزبير، سعدا في سعيد، ومالك في الشافعي، صلاح الدين في قطز وهكذا، وذلك كله لغياب التربية الإسلامية الصحيحة التي تجعل الشباب تصمد أمام الغزو الثقافي الذي يشنه أعداء الأمة عليهم من حيث لا يدرون
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، أحمده حمد الشاكرين المهتدين، وأتوب إليه توبة المنيبين الأوابين، وأتوكل عليه في شئوني كلها دقها وجلها، وأفوض إليه أموري سرها وعلانيتها.
وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، سيد الأولين والآخرين، وخاتم المرسلين، وإمام الدعاة أجمعين، صادق الوعد الأمين، محمد بن عبد الله وعلى من والاه، واهتدى بهداه، صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين بدوام الليل والنهار إلى أن يرث الله -عز وجل- الأرض ومن عليها.
أما بعد: فإن من الأمور العجيبة والمحزنة حقاً في هذه الأيام؛ أنك لو توجهت إلى أحد شباب المسلمين بسؤال مباشر عن أحد لاعبي الكرة وماذا يعرف عنه؟؛ لانطلق هذا الشاب في إجابة سريعة وشاملة عن سيرة هذا اللاعب ومشواره الكروي وأهم أهدافه وأشهر مباراته، والفرق التي لعب فيها، وتاريخ حياته العائلي والأسري؛ كم مرة تزوج وكم عنده من الأولاد، وهكذا يعطيك وصفاً تفصيلاً عن حياة هذا اللاعب وهو في منتهي السعادة بما يعلمه من سيرة وأخبار وحياة هذا النجم الكروي الذي يري فيه القدوة والمثال الذي يحتذي به.
ثم إنك إذا سألته مباشرة عن سيرة أحد الصحابة الأطهار أو الأئمة الأخيار أو أحد القادة الأبطال أو عظماء الرجال؛ لتلعثم في الجواب ولحار ودار، وأدخل طلحة في الزبير، سعدا في سعيد، ومالك في الشافعي، صلاح الدين في قطز وهكذا، وذلك كله لغياب التربية الإسلامية الصحيحة التي تجعل الشباب تصمد أمام الغزو الثقافي الذي يشنه أعداء الأمة عليهم من حيث لا يدرون.
أيها المسلمون: أعداء الأمة أيقنوا ومنذ زمن الحروب الصليبية الأولى أن المسلمين لن يغلبوا في ميادين القتال المفتوحة، حيث القتال رجل لرجل؛ لأن المسلمين إذا تمسكوا بدينهم وشريعتهم وسنة نبيهم لن يستطيع أحد أن يصمد أمامهم كما قال أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-: كان لا يصمد لهم عدو في القتال فواق ناقة؛ أي قدر حلبها، وهكذا حال من سار على نهج النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة رضوان الله عليهم، لذلك فكر أعداء الأمة في أنواع آخري من الحروب على العالم الإسلامي، وهي الحروب والغارات التي تستهدف صرف المسلمين عن مصدر قوتهم وهو دينهم وعقيدتهم، ومن ثم فكر أعداء الأمة في نشر كل الوسائل والأمور التي من شأنها إلهاء المسلمين عن أصل قوتهم وسر صمودهم ومصدر عزتهم واستعلائهم أمام كل الفتن والحروب.
فكان الغزو الثقافي والفكري، الذي أخذ أعداء الأمة في التخطيط والتدبير له منذ أواسط القرن التاسع عشر ميلادي وأثناء الاحتلال الإنجليزي والفرنسي لبلاد الإسلام، وكان موجها في الأصل لمعدن الأمة وهم الشباب الذين كانت الحرب على أشدها من أجل احتلال عقولهم وتغيير أفكارهم وتوجهاتهم واهتماماتهم.
ومن ثم ظهرت وسائل الإلهاء والإغراء وتضيع الأوقات والقوات، وعلى رأس هذه الوسائل وأشهرها لعبة كرة القدم التي أصبحت الآن وبحق ملهاة الشعوب الأولي.
أحبتي في الله -أتباع محمد بن عبد الله-: لعبة الكرة رياضة قديمة كانت تمارس بطرق وحشية في الحضارات القديمة؛ فالصينيون كانوا يلعبونها والمهزوم يضرب السياط ويكوي بالنيران، والإنجليز -وهم أول من اخترع اللعبة بشكلها الحديث- كانوا يمارسون اللعبة منذ ألف سنة بطريقة في غاية الوحشية والبربرية؛ إذ كانوا يلعبون الكرة برؤوس خصومهم بعد الانتصار عليهم، وشهدت سنة 1016 أول مباراة كرة قدم بين الانجليز وبرأس جندي دانمركي مقتول في الحرب بين البلدين، ونظرا لخطورة هذه الرياضة أصدر ملك انجلترا هنري الثاني قرارا يحظر ممارستها ومعاقبة المخالف بالسجن وذلك سنة 1154 ميلادية، ثم عاد الملك إدوارد الأول ومنع لعب الكرة سنة 1314 بسبب انصراف الشعب الانجليزي عن تعلم فنون الرمي بالسهام للعب الكرة، وفي سنة 1401 أصدر هنري الرابع قرارا بحظر لعب الكرة بسبب خسارة انجلترا في الحرب أمام فرنسا وبلجيكا وقد عزا الهزيمة إلى لعب الكرة، ورغم أن الانجليز هم من اخترع اللعبة إلا أن ملوك انجلترا هم أكثر من عاداها وحاربها وحاول منعها بكل سبيل، لما فيها من الأضرار وضياع الأوقات والأموال والطاقات.
ولما رأي الصهاينة أثرها وسرعة انتشارها قرروا اعتمادها كبند من بنود السيطرة على العالم بأسره، فقد جاء في بروتوكولات حكماء صهيون الفقرة السابعة عشر "إننا سنغرق العالم في جنون المباريات الرياضية؛ حتى لا يصبح للأمم ولا للشعوب اشتغال بالأشياء العظيمة، بل ينزلون إلى مستويات هابطة، ويتعودون على الاهتمام بالأشياء الفارغة، وينسون الأهداف العظيمة في الحياة؛ وبذلك يتمكن اليهود من تدمير الجوييم
"والجوييم هم كل من غير اليهود، لذلك ما نراه اليوم من جنون وهوس عالمي وعربي وإسلامي بلعبة كرة القدم هو من ألاعيب اليهود الصهاينة الذين أقبلوا على شراء الأندية الكبرى والمؤسسات الراعية للعبة، ودعموا المسابقات العالمية واللقاءات الدولية من أجل الترويج لهذه اللعبة الخطيرة، ويكفي أن نعرف أيها المسلمون أن أول مرة تقام فيها مسابقة الدوري المصري كانت سنة 1948 أي في نفس السنة التي قام فيها الكيان الصهيوني الغاصب على أرض فلسطين.
أيها المسلمون: إن الإسلام ليس دين رهبانية ولا دين دنيوية، بل جاء نورا وهداية للعالمين، وعندما أشرقت نوره على الأرض كان أهل الكتاب بين غلوين، غلو اليهود المادي الذي أضاع حق الروح والنفس، وغلو النصارى الروحي الذي أضاع حق الدنيا والجسد، فجاء الإسلام دين الوسطية والجمع بين الدنيا والآخرة، والروح والجسد، وكما راعى الإسلام الواجبات وأمر بها، راعى الحقوق وأعطي كل ذي حق حقه، وعندما قال سلمان الفارسي لأبي الدرداء: "إن لربك عليك حقا ولنفسك عليك حقا ولأهلك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه"، فأتى الصحابيُّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فذكر ذلك له، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "صدق سلمان" رواه البخاري.
والإسلام لم يحرم الترويح عن النفس من عناء ومشاق الحياة ببعض الرياضة التي تستروح بها القلوب وتسعد بها النفوس وتجدد الطاقات وتنفع الأمة كلها، قال أهل العلم: "إن الرِّياضة مَصدر راضَ، يقال: راضَ المُهرُ يَروضُه رِياضًا ورياضةً فهو مَروض، أي ذَلَّلَه وأسلسَ قِيادَه، ورياضة البدن معالجتُه بألوان من الحركة لتهيئة أعضائه لأداء وظائفها بسهولة". وقد قال المختصُّون: "إن هذه الرياضة توفِّر للجسم قوته، وتزيل عنه أمراضًا ومخلّفات ضارة بطريقة طبيعية هي أحسن الطُّرق في هذا المجال".
والإسلام لا يمنع تقوية الجسم بمثل هذه الرياضيات، فهو يريد أن يكون أبناؤه أقوياء في أجسامهم وفى عقولهم وأخلاقهم وأرواحهم؛ لأنه يمجِّد القوة، فهي وصف كمال لله تعالى ذي القوة المَتين، والحديث الشريف يقول: "المؤمِن القوي خير وأحبّ إلى الله من المؤمِن الضعيف" رواه مسلم.
والجسم القوي أقدرُ على أداء التكاليف الدينيّة والدنيويّة، وأن الإسلام لا يُشَرِّع ما فيه إضعاف الجسم إضعافًا يُعجزه عن أداء هذه التكاليف، بل إن الإسلام خفّف عنه بعض التشريعات إبقاءً على صحّة الجسم، فأجاز أداء الصلاة من قعود لمَن عجز عن القيام، وأباح الفِطر لغير القادر على الصّيام، ووضع الحجّ والجهاد وغيرهما عن غير المُستطيع، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعبد الله بن عمرو بن العاص وقد أرهق نفسَه بالعِبادة صيامًا وقيامًا: "صُمْ وأفْطِرْ وقُمْ ونَمْ، فإنّ لبدنِك عليك حَقًّا وإنّ لعينِك عليك حقًّا" رواه البخاري ومسلم.
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اقطعوا الركب وثبوا على ظهور الخيل وثبًا" رواه البخاري، وكذا قوله -صلى الله عليه وسلم-: "كل شيء ليس من ذكر الله -عز وجل- فهو لهو أو سهو إلا أربع خصال: مشي الرجل بين الغرضين وتأديبه فرسه وملاعبته أهله وتعليم السباحة" رواه الطبراني والبزار ورجال الطبراني رجال الصحيح.
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "رميًا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميًا" رواه أحمد وابن ماجه والحاكم، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم.
وقال الإمام ابن القيّم -في كتابه "زاد المعاد" عند الكلام على الرياضة-: "أن الحركة هي عماد الرياضة وهي تخلِّص الجسم من رواسب وفضلات الطعام بشكل طبيعي، وتعوِّد البدن الخِفّة والنشاط وتجعله قابلا للغذاء وتُصلِّب المفاصل وتقوِّي الأوتار والرّباطات، وتؤمّن جميع الأمراض الماديّة وأكثر الأمراض المِزاجية، إذا استُعمل القَدْر المعتدِل منها في دقّة، وكان التدبير يأتي صوابًا"، وقال: "كل عضو له رياضة خاصّة يَقوَى بها. وأما ركوب الخيل ورمي النِّشاب والصراع والمسابقة على الأقدام فرياضة للبدن كله، وهي قالعة لأمراض مُزمنة".
ولكن وبمنتهي الصدق والأمانة هل لعبة الكرة الآن من جنس ما حث عليه الإسلام من الترويح والرياضة؟ هذا ما سنجيب عليه في الخطبة الثانية إن شاء الله، فأقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله وحده، وصلاةً وسلاماً على من لا نبي بعده.
أيها المسلمون: لعبة الكرة اليوم وبفضل القوي الاستعمارية أو قل الاستخرابية وبدعم ودفع من الحركة الصهيونية -لم تعد مجرد رياضة فحسب، بل أصبحت بحق ملهاة الشعوب الأولي، وأداة من أعظم أدوات السيطرة والهيمنة وغسيل الأدمغة، والاستيلاء على العقول.
تقام من أجلها مئات المسابقات سنوياً، وفي كل بقاع العالم بأسرها، بحيث لم يبق بيت وإلا دخلته اللعبة أما ممارسة أو مشاهدة، وينفق عليها سنوياً مئات المليارات من الدولارات مما يوازي ميزانية قارات بأكملها وليس دول فحسب، وتضيع الطاقات وتهدر الأوقات وتبرز العصبيات مع كل مباراة أو مسابقة، ويكفى أن نعرف أن ميزانية مسابقة كأس العالم التي ستنطلق فعاليتها اليوم بجنوب أفريقيا قد بلغت 3,7 مليار دولار ومرشحة للزيادة، وهو ما ينفق على مسابقة واحدة فقط !!
وتدفع القنوات الفضائية في العالم العربي والإسلامي عشرات الملايين من الدولارات من أجل فقط نقل مباريات المسابقة العالمية التي خلبت العقول، وأعمت البصائر، فلم يبق صوت أعلى من صوت الكرة وكأس العالم.
إن ما نشهده من اهتمام العالم الإسلامي والعربي بكرة القدم؛ هو ما يعبر عنه المثل الشعبي القائل: "الدوي على الآذان أمرُّ من السحر". فالدعاية المكثفة لمباريات كأس العالم - باعتبار مسابقة كأس العالم من أبرز النماذج الإعلامية على ممارسة الاحتراف الرياضي - سيطرت على الناس، ووجهتهم إلى ما يخدم أهداف أعداء العالمين العربي والإسلامي، بحيث ينشغل الناس بالتفكير في مباريات كأس العالم، وينسون مشاكلهم الحقيقية، ينسون مقدساتهم الأسيرة، وقضاياهم الكبرى، وأراضيهم المحتلة، ودمائهم المستباحة، وأعراضهم المنتهكة، والظلم والطغيان الذي عم البلاد والعباد.
إن تركيز العالم الإسلامي على متابعة مباريات كأس العالم بهذه الصورة الفظيعة التي تكاد أن تتوقف معها كل مظاهر الحياة -كمثال- يعدل تعاطي المسكرات المحرمة شرعًا، حيث إنها ألهت عقول الأمة، وغيّبتها وأعمت بصيرتها عما يُراد بها ويستهدفها.
والعقل من المقاصد الخمسة التي استهدفت الشريعة الإسلامية حفظها، فإضاعته حرام، وما يؤدي للحرام فهو حرام.
ويكفي ما فيها من ضياع للوقت فيما لا فائدة منه، والمسلم محاسب عن عمره فيما أفناه. ويستدل على ذلك بحديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "لا تزول قدما عبد حتى يُسأل عن أربع خصال: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه؟ وعن علمه ماذا عمل فيه؟" رواه الطبراني في المعجم الكبير.
وأخيراً: أوجه نداءي ورجاءي إلى شباب الأمة الذين هم عماد الأمة وأملها، ورجاء المستقبل وأساسه، أن الشباب كان أول من بادر بالإيمان والتصديق، وأول من بادر بالدفاع عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وآمن به، وأول من بذل التضحيات وتحمل الصعاب وخاض البطولات من أجل إعزاز كلمة الدين ونشره بين العالمين.
أيها الشباب: أترضون أن تكونوا ممن رأى بعينه وعاصر بجسده كل هذه النكبات التي تتعرض لها الأمة وشاهد جراحها الغائرة في فلسطين والعراق والشيشان وأفغانستان، ثم أنتم بالكرة تنشغلون، وعلى متابعتها في النوادي والمقاهي والبيوت الأموال تنفقون؟! من أجلها تتصارعون وتتدابرون، وتتشاحنون وتختلفون، ولبعضكم البعض تشتمون وتسبون، ولأعماركم وأوقاتكم النفيسة والغالية تضيعون؟! ففي أي طريق أنتم تسيرون، ولربكم يوم القيامة ماذا ستقولون وعلى ما سجله عليه الملائكة من لهو ولغو وعبث كيف تردون؟! فاتقوا يوما أنتم فيه إلى ربكم ترجعون.
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد؛ يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك،ويأمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، وتقام فيه شعائر الدين إلى يوم الدين،آمين آمين آمين
وأقم الصلاة، أن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي