أيها المسلمونَ: ثقافةُ الجمالِ في الإسلامِ وإنْ كانَ يظهرُ بدايةً أنهاَ منَ المحسناتِ والمكملاتِ والرفاهياتِ، إلاَّ أنَّ الإسلامَ أولاها عنايةً عظمى، تطرقَ لها القرآنُ الكريمُ والسنةُ النبويةُ المطهرةُ، إنها جمالُ الروحِ، وجمالُ النفسِ، وجمالُ الجسدِ، وجمالُ ونظافةُ البيتِ، وجمالُ البيئةِ، وجمالُ الهيئةِ، وجمالُ الفكرِ، إنها...
أيها المسلمون: "إنَّ اللهَ جميلٌ يحبُّ الجمالَ" ليستْ مجردَ مقولةٍ، وإنما هي حديثٌ شريفُ أخرجه الإمامُ مسلمٌ في صحيحهِ، عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ -رضي الله ُعنه- عن النبيِّ -صلى اللهُ عليه وسلم- قال: "لا يدخلُ الجنةَ منْ كانَ في قلبهِ مثقالُ ذرةٍ من كبرٍ" قال رجلٌ: إنَّ الرجلَ يحبُّ أنْ يكونَ ثوبَهُ حسناً ونعلَهُ حسنةً؟ قال: "إنَّ اللهَ جميلٌ يحبُّ الجمالَ، الكبرُ بطرُ الحقِّ، وغمطُ الناسِ".
أيها الناس: والجمالُ الذي لا تصحبُهُ مخيلةٌ ممدوحٌ في الإسلامِ، فقد أخرجَ أبو داودَ عن أبي الأحوصِ عن أبيهِ قال: "أتيتُ النبيَّ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- فيِ ثوبِ دَرِنٍ، فقالَ: "ألكَ مالٌ؟" قالَ: نعم، قالَ: "منْ أيِّ المالِ؟" قاَلَ: قد آتانيَ اللهُ منَ الإبلِ والغنمِ والخيلِ والرقيقِ، قالَ: "فإذا أتاكَ اللهُ مالاً فليُرَ أثرُ نعمةِ اللهِ عليكَ وكرامتهِ" وهو حديثٌ صحيحٌ.
أيها المسلمونَ: ثقافةُ الجمالِ في الإسلامِ وإنْ كانَ يظهرُ بدايةً أنهاَ منَ المحسناتِ والمكملاتِ والرفاهياتِ، إلاَّ أنَّ الإسلامَ أولاها عنايةً عظمى، تطرقَ لها القرآنُ الكريمُ والسنةُ النبويةُ المطهرةُ.
إنها جمالُ الروحِ، وجمالُ النفسِ، وجمالُ الجسدِ، وجمالُ ونظافةُ البيتِ، وجمالُ البيئةِ، وجمالُ الهيئةِ، وجمالُ الفكرِ.
إنها النظافةُ والطهارةُ في الأنفسِ وفي المساجدِ وفي الملابسِ وفي الطرقاتِ وفي الأماكنِ العامةِ، وفي المحلاتِ وفي المؤسساتِ العامةِ والخاصةِ، فأنتَ حينماَ تأتي إلى أحدِ هذهِ الأماكنِ أو الطرقاتِ فتراها نظيفةً جميلةً تأتي إليكَ رسائلُ صامتةٌ تحفِّزُ الجانبَ الإيجابيَّ لديكَ، فتجعلُكَ تسيرُ في نفسِ المنوالِ وعلى نفسِ النمطِ، وهذا الأمرُ معروفٌ لديكم، ومعروفٌ علمياًّ عندَ أهلِ الاختصاصِ.
ومِنَ الذي يؤسفُ منهُ ويؤسفُ عليهِ: أنْ ترى في شوارِعِنا علبَ المشروباتِ والزجاجَ والمخلفاتِ الأخرى مرميةً في كلِّ مكانٍ، بلْ كنتُ أحياناً في طريقي للمسجدِ أرى الزجاجَ المتكسرَ فأزيلَهُ عن الطريقِ خوفاً على المارةِ، ورُبَّما لاحظَ ذلكَ غيري وأزالَهُ.
فكيفَ يليقُ ويجدرُ بكَ -أيها الشابُ- أنْ تُلقيَ زجاجةً لتنكسرَ في طريقِ إخوانكَ المسلمينَ، من المصلينَ وغيرِهم من العابرينَ؟
ضعْ في سيارتِكَ -باركَ اللهُ فيكَ- كيساً مخصصاً لذلكَ فإذا نزلتَ ضَعْهُ في أقربِ صندوقٍ للنفاياتِ، واللهِ إنْ فعلتَ ذلكَ فأنتَ في شُعبةٍ منَ الإيمانِ ولكَ الأجرُ منَ اللهِ، قالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: "الإيمانُ بضعٌ وسبعونَ، أو بضعٌ وستونَ شعبةً، فأفضلُها قولُ: لا إله إلا الله، وأدناها إماطةُ الأذى عن الطريقِ".
وقولُه صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: "كلُّ سلامى منَ الناسِ عليهِ صدقةٌ، كلُّ يومٍ تطلعُ فيه الشمسُ تعدِلُ بينَ اثنينِ صدقةٌ، وتعينُ الرجلَ في دابتِهِ فتحمِلُهُ عليهاَ، أو ترفعُ لهُ عليها متاعَهُ صدقةٌ، والكلمةُ الطيبةُ صدقةٌ، وكلُّ خطوةٍ تمشيها إلى الصلاةِ صدقةٌ، وتميطُ الأذى عن الطريقِ صدقةٌ" [متفق عليهما].
أيها المسلمون: جمالُ الطبيعةِ التي خلقَهاَ اللهُ أفسدَهُ الناسُ بسوءِ سلوكِهِم، وبعدَمِ اكتراثِهِم، فعندما تذهبُ إلى هذهِ الجبالِ الجميلةِ، والشعابِ النظرةِ، تجدُ بطحاءَها قد تكدَّرتْ بمخلفاتِ الناسِ، وترى بعينِكَ سوءَ التعامُلِ معَ الطبيعةِ، فمتى نرتقي بأفهامِنا وسلوكياتِنا إلى مفهومِ ثقافةِ الجمالِ في الإسلام؟
الجمالُ -أيها المسلمُ-: مطلوبٌ في كلِّ شيءٍ، في أخذِكَ وعطائِكَ، وبذلِكَ وسخائِكَ، وصبرِكَ وهجرِكَ، قال تعالى: (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) [يوسف: 83] يأمرُ اللهُ الصابرينَ بأنْ يكونَ في صبرِهم جمالٌ فيتحلونَ بأجملِ معاني الصبرِ، وهذا ما فعلهُ يعقوبُ -عليهِ السلامُ-حينَ فقدَ قرةَ عينهِ يوسُفَ -عليهِ السلامُ- فكانت ثمارُ هذا الصبرِ الجميلِ أنْ أعادَ اللهُ إليهِ ابنَهُ، وردَّ له بصرَهُ.
أيها المسلمُ: حتى الهجرَ يجبُ أنْ يكونَ جميلاً، قال تعالى: (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا) [المزمل: 10] لكي يكونَ في جمالِ هجرِكَ متَّسعاً يستوعبُ الخيرَ والإصلاحَ والنجاحَ والفلاحَ.
أيها المسلمونَ: ولم يكن ذلكَ في الهجرِ فقط بل حتى في الطلاقِ الذي هو أبغضُ الحلالِ عندَ اللهِ، قالَ اللهُ فيهِ: (وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا) [الأحزاب: 49] فأمرَ اللهُ أنْ يكونَ هذا الفراقُ فيهِ جَمالٌ وإحسانٌ، فتخرجُ هذه المرأةُ من مُطلِّقِها وتفارقُهُ راضيةً، قد أعطاها حقَّهاَ وأرضاهاَ بشيءٍ يذيبُ عنها ألمَ الفراقِ وحسرةَ الطلاقِ فتذكرُهُ ويذكرُها بالخيرِ، وليسَ ذلكَ في الطلاقِ فحسب بلْ في أيِّ فضٍّ لشراكةٍ أو إنهاءٍ لتعامُلٍ ينبغي أنْ يكونَ فيهِ الجمالُ والرونقُ الذي يليقُ بأمةِ الإسلامِ، وينبغي أنْ لا يخرجَ من هذا الجمالِ إلى الخصومةِ والقطيعةِ والمحاكمِ.
وجمالُ الطلاقِ -أيها المسلمونَ- يكادُ يكونُ معدوماً بينناَ، ونحنُ لا نُحبِّذُ الطلاقَ أصلاً، لكنْ إذا وقعَ وجبَ أنْ يكتسيَ بثوبِ الحسنِ والجمالِ.
وما نراهُ اليومَ في كثيرٍ منْ حالاتِ الطلاقِ لا يكونُ إلا بالخصومةِ والتقاطُعِ والتدابُرِ والمحاكمِ، فأينَ الجمالُ -أيها المسلمونَ- في حالاتِ التسريحِ والطلاقِ؟ وأينَ السراحُ الجميلُ الذي أمرنا الله به، فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا) [الأحزاب: 49].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
أيها الناسُ: لقد تجاوزَ هذا الجمالُ حتى شمِلَ العقوبةَ والعفوَ والصفحَ، قال تعالى: (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) [الحجر: 85] أمرَ اللهُ من يعفوَ عنَ الآخرينَ أنْ يكونَ في عفوِهِ وصفحِهِ رونقاً وجمالاً، فلا يعلو صفحُ المسلمِ على ضعفِ أخيهِ، ولا يمسُّ كرامتَهُ، وأنْ يكونَ صفحُكَ عن أخيكَ فيه الحسنُ والجمالُ والكلامُ الطيبُ الذي يشرحُ الصدورَ، ويرتقُ اللحمةَ، ويكونُ أدعى للتقاربِ والمودةِ والمحبةِ بينَ المسلمينَ.
والموضوعُ -أيها المسلمونَ- جميلٌ بقدرِ جميلِ آثارِهِ، والكتابُ والسنةُ والسيرةُ زواخرُ بهذهِ التعاليمِ الساميةِ، وما أكثرَ الجمالُ في سنةِ محمدٍ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- وهديِهِ، فاسبروا هذهِ السنةِ لتروا من معالمِ الجمالِ ما يسلُب الألبابَ، ويفتحُ لكم الأبوابَ، لكي تكونَ حياتُكُم كُلُّها جمالٌ ونقاءٌ ورونقٌ وصفاءٌ.
وصلوا وسلموا على من هذه سنته وهذا هديه إذ أمركم ربكم بذلك، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي