ولما رأى أعداء الإسلام من اليهود والنصارى والوثنيين والمنافقين أن سلطان الإسلام يرتفع، وكلمتَه تعلو، وزحْف جيوشه لا يقف أمامها واقف، وعلم الأعداء أن الدافع وراء ذلك هو العقيدة الإسلامية التي توجب الجهاد حتى يكون الدين كله لله، ولا يكون ثمة من يفتن ويمنع الناس من الدخول فيه، فكروا وخططوا، ثم اتفقوا على شن حرب ضارية على المسلمين تستهدف أول ما تستهدف المحرك الفعال، وهو العقيدة الإسلامية...
الحمد لله الناصر لعباده المؤمنين، المذل للعصاة المشركين، أحمده على فضله وجوده العميم، وأشكره على نعمه على عباده أجمعين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلهُ الحق المبين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وحبيبه الهادي إلى صراطه المستقيم، المجاهد في الله فلا يلين للباطل حتى يستقيم، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه حماة الدين الهداة المهتدين، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: أيها المسلمون، إن المسلمين حين قاموا بالجهاد الذي كلفوا به أعزهم الله، وأذل أعداءهم، وانتشر الإسلام في الشرق والغرب، وعم العدل، وغلب الخير، وانحسر الشر وتراجع.
ولما رأى أعداء الإسلام من اليهود والنصارى والوثنيين والمنافقين أن سلطان الإسلام يرتفع، وكلمتَه تعلو، وزحْف جيوشه لا يقف أمامها واقف، وعلم الأعداء أن الدافع وراء ذلك هو العقيدة الإسلامية التي توجب الجهاد حتى يكون الدين كله لله، ولا يكون ثمة من يفتن ويمنع الناس من الدخول فيه، فكروا وخططوا، ثم اتفقوا على شن حرب ضارية على المسلمين تستهدف أول ما تستهدف المحرك الفعال، وهو العقيدة الإسلامية المتضمنة أن الإسلام خيرٌ محض يجب نشره في العالم أجمع، والكفرَ -بجميع أنواعه وأشكاله- شرٌّ محض يجب إزالته، ومن بقي كافراً منهم بقي تحت الذل والصغار ودفع الجزية، لا أثر له ولا خطر.
ولقد صرح الكفار بخوفهم الشديد من عقيدة الإسلام؛ جاء في مجلة العالم الإسلامي الإنجليزية: إن شيئاً من التخوف يجب أن يسيطر على العالم الغربي، ولهذا الخوف أسباب، منها أن الإسلام منذ ظهر في مكة لم يضعف عددياً، بل دائماً في ازدياد واتساع، كما أن الإسلام ليس عقيدة فقط، بل من أركانه الجهاد. ويقول مستشرق غربي: إن المسلمين قد غزوا الدنيا كلها، وقد يفعلونها مرة ثانية. ويقول آخر: إن أوربا لا تستطيع أن تنسى ذلك الفزع الذي ظلت تحس به مدة قرون، والإسلام يجتاح الإمبراطورية الرومانية من الشرق والغرب والجنوب.
هذه بعض أقاويلهم، وغيرها كثير من هذا النوع، أطلقها من لهم شأن في التأثير على أمم الكفر لإثارة حفيظتهم على الإسلام وأهله.
وفعلاً؛ بدؤوا بمهاجمة الإسلام في صور شتى، منها:
أولاً: الاستيلاء على بلاد المسلمين، وحكمها بالقوة العسكرية، والأنظمة الجاهلية الوضعية.
ثانياً: الغزو الفكري الثقافي الذي يرمي إلى اجتثاث جذور العقيدة من قلوب المسلمين أو تمييعها على الأقل، بحيث تطفئ في نفوس المسلمين كره الكفر وبغضه، وتميت عقيدة الولاء والبراء.
والغزو الفكري يتم عن طريق قنوات عدة، وبأشكال كثيرة، ووسائل متنوعة، منها: الأفلام أو المسرحيات، والمقابلات والاستطلاعات، والمعارض التجارية، وجمعيات الصداقة، ومن يُسمون بالخبراء الذين يطلعون على كل مجريات الأحداث في البلاد الإسلامية، ثم يعرضون ويقترحون حلولاً لبعض المشاكل الاقتصادية أو الاجتماعية أو العسكرية أو الأمنية أو التعليمية.
كما يتم الغزو الفكري عن طريق الرياضة والفن، ويتم -أيضاً- عن طريق نشر أفكار ومعتقدات تُحسب على الإسلام وهو منها براء.
وأخيراً -معاشر المسلمين- من صور هجوم الأعداء على الإسلام ما ظهر على ألسنة بعض قادتهم مؤخراً، وما أفرزته وتفرزه وسائل إعلامهم من سخرية وهمز ولمز للمسلمين ولعقيدتهم، وتحذير من خطرهم، وتهديدٍ لهم، وتدخلٍ في شؤونهم الداخلية، من السعي المحموم في محاولة تغيير مناهج التعليم لتؤمم وفق أهوائهم، وفتح مدارس وغلق أخرى.
الحمد لله العزيز المنان، القوي العظيم الشأن، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يعلم ما يكون وما كان، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث إلى الإنس والجان، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فيرد إشكالٌ عند البعض: هل الجهاد خاص بالصالحين والأخيار ولا يجوز أن يشارك فيه العصاة والفساق من المسلمين؟ وسبب هذا السؤال ما يطرح بين الفينة والأخرى في المجاهدين من بلاد المسلمين، ووصمهم بالفسق والفجور، ونحو ذلك، وتبرير عدم مساعدتهم بمثل هذه التهم.
والجواب على ذلك من شقين:
الأول: خطورة تعميم الأحكام، لما يترتب على ذلك من مفاسد عظمى، إذ الواجب على المسلم التزام العدل والقسط. قال الله -تعالى-: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا) [الأنعام:142]، وعندما ذكر الله -تعالى- بني إسرائيل وما وقعوا فيه من انحراف قال -سبحانه-: (مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ) [المائدة:66]، فلم يعمم الحكم على الجميع، فتعميم الحكم على شعب أو بلد بأنهم مبتدعة أو فُسَّاق، ذلك التعميم هو من البغي والظلم الذي نهى الله عنه، إلا إذا كانوا كلهم كذلك بعد التثبت والتحقق، وهذا بعيد، حيث لا يخلو بلد من الصالحين والأخيار.
الثاني: إن وجود الفسق والفجور ليس مبرراً لترك الجهاد، حتى لو كان القائد فاسقاً أو فاجراً، فضلاً عن أن يكون المتصف بالفسق فرداً من أفراد المسلمين؛ ولذلك بوب العلماء في كتبهم لهذه المسألة: (ويغزى مع كل بر وفاجر). قال الإمام أحمد حينما سئل عن الغزو مع بعض الظلمة وأئمة الجور: سبحان الله! هؤلاء قومُ سوء، هؤلاء القعدة مثبطون، جُهَّال، فيقال: أرأيتم لو أن الناس كلهم قعدوا كما قعدتم، من كان يغزو؟ أليس كان قد ذهب الإسلام؟ ما كانت تصنع الروم؟ وقال ابن قدامة: ولأن ترك الجهاد مع الفاجر يفضي إلى قطع الجهاد، وظهور الكفار على المسلمين واستئصالهم وظهور كلمة الكفر، وفيه فساد عظيم، قال -سبحانه-: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) [البقرة:251].
وما زال المسلمون منذ عهد الصحابة يقاتل معهم البر والفاجر، وقضية أبي محجن في معركة القادسية الذي كان يشرب الخمر مشهورة معروفة، حتى قال ابن قدامة معقباً عليها: وهذا اتفاق لم يظهر خلافه، بل كانوا يقاتلون مع البر والفاجر، وثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن الله ليؤيد هذه الدين بالرجل الفاجر" رواه البخاري ومسلم. قال الحافظ ابن حجر: قد يؤيد الله -تعالى- دينه بالرجل الفاجر، وفجوره على نفسه.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي