فيا باغي الخير أقبل؛ معظم الناس يتجاهل هذه العشر، ويتغافل عما فيها من خيرات وأجر؛ فلا يجتهد فيها بذكر ولا عمل؛ ولا بتوبة لربه ولا عليه يقبل؛ فتمر كغيرها من الأيام وهو منشغل بالحياة وما فيها من زحام.. أكثروا فيهن من قراءة القرآن والصدقات؛ صلوا أرحامكم والقرابات؛ اجتهدوا في بركم بالآباء والأمهات؛ دعوا عنكم ودع الجمع والجماعات؛ ابحثوا عن كل معروف وافعلوه، واحذروا كل منكر واجتنبوه؛ احفظوا الألسن من سيء الكلام؛ وصونوا الجوارح عن المعاصي والآثام...
الحمد لله جعل لعباده مهلة ووهبهم لزيادة الأجر مواسم، أحمده سبحانه وأشكره ما ذكره ساجد أو قائم، وأستعينه وأستهديه وأستغفره؛ هو المعين لكل حالم؛ والهادي لكل من في الضلال هائم؛ وغافر الزلات لمن تاب إليه بعد أن كان على المعاصي جاثم.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له بكل شيء عالم؛ وأشهد أن محمدًا عبدالله ورسوله خير ذاكر ومنفق ومصلٍّ وصائم؛ صل الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه ما جرت الرياح بالغمائم.
ثم أما بعد: فأوصيكم ايها المسلمون ونفسي المقصرة بتقوى الله -جل وعلا- وخشيته؛ فالتقوى هي الحق؛ ومن اتقى الله فبركب الصالحين سيلحق؛ ومن ضيَّع التقوى في ظلمات الهوى وملذات الحياة سيغرق؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر: 18].
أيها المسلون؛ كل الخلائق لهم مساوئ، وفيهم عيوب والكل واقع في الخطايا والزلات إلا من عصم علام الغيوب؛ ومن أنكر فمكابر وكذوب؛ إنما الفرق بين الخلق أن هذا يصيب الذنب ويرتع فيه؛ والآخر يفعله ثم يستدرك الأمر فيستغفر ويتوب؛ (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) [آل عمران: 135- 136].
ويقول -عليه الصلاة والسلام-: "إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها"؛ فهذا فضل من الله والفضل بيده –سبحانه- يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
ومن كمال فضل الله على عباده وهباته لهم؛ أن جعل لهم مواسم للخيرات؛ تُضاعف فيها الدرجات؛ وتُعفر الزلات والسوءات؛ فذاك رمضان أتى وانتهى؛ الله أعلم ما قدمنا فيه وما أودعنا؛ وتبعه عيد ومناسبات؛ وأفراح وسفرات؛ وذهاب وجيات؛ كم فيها من التجاوزات والزلات؛ غفر الله لنا ولكم الخطيئات.
ومن البشارات لمن كان حاله كحالي فيما فات؛ إقبال عشر ذي الحجة؛ ذات القدر العظيم من الحسنات؛ يقول فيهن -عليه السلام والصلاة- بعد أن أقسم بهن رب البريات؛ "ليس أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من عشر ذي الحجة؛ قال الصحابة: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بماله ونفسه فلم يرجع من ذلك بشيء".
فيا باغي الخير أقبل؛ معظم الناس يتجاهل هذه العشر، ويتغافل عما فيها من خيرات وأجر؛ فلا يجتهد فيها بذكر ولا عمل؛ ولا بتوبة لربه ولا عليه يقبل؛ فتمر كغيرها من الأيام وهو منشغل بالحياة وما فيها من زحام؛ نسأل الله الهدى والسلام.
ومما جعل لهذه العشر فضلاً على غيرها؛ أن جمع الله بها أمهات العبادات؛ ففيها التهليل والتكبيرات مطلقات ومقيدات؛ وفيها الصلوات؛ وفيها الصيام لغير الواقف بعرفات؛ وفيها الحج لمن كتب الله له المعونات؛ وفيها النحر لرب البريات؛ ليخرج منها الهدايا للأقربين وللفقراء الزكوات، ومن استزاد فيها من الخيرات؛ فقد فاز بفضل رب البريات.
أكثروا فيهن من قراءة القرآن والصدقات؛ صلوا أرحامكم والقرابات؛ اجتهدوا في بركم بالآباء والأمهات؛ دعوا عنكم ودع الجمع والجماعات؛ ابحثوا عن كل معروف وافعلوه، واحذروا كل منكر واجتنبوه؛ احفظوا الألسن من سيء الكلام؛ وصونوا الجوارح عن المعاصي والآثام؛ أكثروا من التوبة والاستغفار والذكر لرب الأنام؛ فما هي إلا أيام وتمر بسلام؛ قال الله في أعظم كلام: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ) [البقرة: 152].
فلا أفلح النوام؛ اطلبوا العون من المنان، واعقدوا النية والعزم على الطاعة والاجتهاد وسيأتيان؛ استعيذوا بالله من الشيطان؛ ولا يغرنكم بالشهوات والكسل والفتور؛ فتضيع الحسنات والأجور؛ (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [فاطر: 6]، نعوذ بالله من كل شيطان ونافخ كير؛ فكن عبدالله مع النفير، واجمع في أيام معدودات حسنات تنوء بحملها العير، وكن عظيمًا كبيرًا في الهمة لا صغيرًا.. نسأل الله حسن العمل والتدبير ..
قلت ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله له الحكم والأمر؛ أحمده سبحانه وأشكره سرًّا وجهرًا؛ وأشهد أن لا إله إلا الله جعل لكل شيء قدرًا؛ وأشهد أن محمدًا عبدالله ورسوله رفع الله له الذكر؛ عليه صلوات ربي وسلامه وعلى آله وأصحابه وأتباعه أمد الدهر..
وبعدُ يا كل طالب للأجر؛ اتق الله فمن اتق الله بجنته سيظفر؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70- 71].
عباد الله: يقول ربكم: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) [الذاريات: 55]، هذه سطور؛ صغتها مذكرًا بها نفسي، ومن منكم يبتغي الأجور؛ فالله أمر نبيه أن يبلغ عنه عباده، فنعم الآمر والمأمور؛ استغلوا مواسم الخيرات، واغتنموا الفرصة؛ فليس الحي كمن مات؛ هدى الله الأحياء منا للصواب، وغفر ورحم الأموات.
هذه العشر مقبلات فتزود منها قبل الفوات؛ فلن يعلم فضلها ولا ما فيها من خيرات؛ إلا من استغلها بالطاعات؛ أسأل الله لي ولكم العون والثبات.
وجِّهوا الأهل والزوجات والأبناء والبنات؛ وأخبروهم بأن فضل الله في العشر وعمل الخير والطاعة فيهن أعظم وأفضل من العمل في غيرهن من الأوقات؛ فكم فينا من غافل وكم فيهن من غافلات؛ ومن أراد أن يضحي فليمسك فيهن عن حلق الشعر وقص الأظافر حتى يضحي فهذا هدي خير البريات.. بلغنا الله واياكم العشر وأعاننا على الاستزادة فيهن من الخيرات..
ثم السلام والصلاة.. على جميل الخصال والصفات، من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه في محكم الآيات.. (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي