أصل الإيمان وقاعدته التي ينبني عليها هو الإيمان بالله، وبأسمائه وصفاته، وكلما قوي علم العبد بذلك وإيمانه به، وتعبد لله بذلك، قوي توحيده، فإذا علم أن الله متوحد بصفات الكمال، منفرد بالعظمة والجلال والجمال، ليس له في كماله مثيل - أوجب له ذلك أن يعرف ويتحقق أنه هو الإله الحق، وأن إلهية ما سواه باطلة
الحمد لله الذي جلت آلاؤه عن أن تحاك بعد، وتعالى كبرياؤه عن أن تشتمل بحد، له الحمد في السماوات حمدًا يليق بجلاله وعظمته، وجبروته وسلطانه، وله الحمد في الأرض حمدًا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، وله الحمد ملء السماوات والأرض وما بينهما وما شاء من شيء بعد.
نحمدك اللهم حمدًا كثيرًا مباركًا فيه، وأنت أهل الحمد، لا إله إلا أنت، نحمدك حمد الشاكرين، ونستغفرك استغفار المسرفين، ونلجأ إليك لجوء المضطرين، مددنا أيدينا برحمتك إلى رحمتك، وبفضلك تطلعت القلوب إلى فضلك وسعت رحمتك كل شيء.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أكمل لنا الدين، وأتم علينا النعمة، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح للأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه خيار هذه الأمة.
أما بعد:
فاتقوا الله وراقبوه، وتقربوا إليه ولا تعصوه.
أيها المسلمون: أصل الإيمان وقاعدته التي ينبني عليها هو الإيمان بالله، وبأسمائه وصفاته، وكلما قوي علم العبد بذلك وإيمانه به، وتعبد لله بذلك، قوي توحيده، فإذا علم أن الله متوحد بصفات الكمال، منفرد بالعظمة والجلال والجمال، ليس له في كماله مثيل - أوجب له ذلك أن يعرف ويتحقق أنه هو الإله الحق، وأن إلهية ما سواه باطلة، فمن جحد شيئًا من أسماء الله وصفاته فقد أتى بما يناقض التوحيد وينافيه، وذلك من شُعب الكفر.
الله -عز وجل- له الأسماء الحسنى والصفات العلى، وهو متَّصفٌ بجميع صفات الكمال، ومنزه عن جميع صفات النقص، متفرد بذلك عن جميع الكائنات.
وأهل السنة والجماعة يعرفون ربهم بأسمائه وصفاته الواردة في القرآن الكريم والسنة المطهرة، ويصفون ربهم بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
قال تعالى: (وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أسمائه سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [الأعراف: 180]، وقال تعالى: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى) [طه: 8] في هذه الآية أثبت الله -عز وجل- لنفسه الأسماء، وأخبر أنها حُسنى، وأمر بدعائه، بأن يقال: يا الله، يا رحمن، يا حي يا قيوم، وغيرها.
والرحمن اسم من أسماء الله الحسنى، دال على اتصافه بالرحمة، وقد أنكرت قريش أن يكون الرحمن اسمًا لله - مع إيمانهم بربوبيته -سبحانه- فأمر الله -سبحانه- نبيه محمدًا -صلى الله عليه وسلم- أن يرد عليهم: بأن الرحمن هو ربه المستحق للعبادة وحده، فقال تعالى: (وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَـنِ) [الرعد: 30] وأن يَتَوكّل عليه ويتوب إليه وحده من جميع الذنوب (قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ).
وقد دلت الآية الكريمة على أن من جحد شيئًا من أسماء الله وصفاته فقد كفر، ومذهب أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته: الإيمان بأسماء الله وصفاته كما جاءت في الكتاب والسنة على ما يليق بجلال الله وعـظمته من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.
فالتحريف: تغيير معنى الصفة إلى معنى آخر لم يرده الله -تعالى- ورسوله.
والتعطيل: نفي الصفات كلها أو بعضها عن الله -عز وجل-.
والتكييف؛ الإخبار عن حال الشيء وكيفيه، وصفات الله لا يعلم كيفيتها إلا هو - سبحانه-.
والتمثيل: إثبات مثل للشيء، كأن يقول: إن صفات الله مثل صفات المخلوقين.
والعبد إذا آمن بأسماء الله وصفاته وفهم معانيها، وتعبَّد لله بها؛ قوي توحيده، وازداد خشية وتعظيمًا وإجلالاً لربه، فمن كانت بالله أعرف كان له أخشى وأتقى.
عباد الله: في صحيح البخاري، قال علي -رضي الله عنه-: "حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يُكذب الله ورسوله".
يرشد علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- الوعاظ أن يُحدثوا عامة الناس بما يحتاجون إليه في أصل دينهم وأحكامه من بيان الحرام والحلال، ويتركوا ما لا يحتاج الناس إليه ولا تحتمله عقولهم مما قد يؤدي إلى تكذيب الله ورسوله.
وروى عبد الرزاق عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس؛ أنه رأي رجلاً انتفض لما سمع حديثًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصفات استنكارًا لذلك، فقال: "ما فَرَقُ هؤلاء؛ يجدون رقة عند محكمه، ويهلكون عند متشابهه".
أيها المسلمون: رأى ابن عباس -رضي الله عنهما- رجلاً ارتعد لما سمع حديثًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في صفات الله؛ استنكارًا لهذه الصفة -لا تعظيمًا لها- فقال لأصحابه مستفهمًا: "ما الذي يُخوف هؤلاء من إثبات الصفات لله -سبحانه-".
يجدون في قلوبهم لينًا ورقة عند النصوص التي يعرفون معانيها، ويعتريهم الشك والهلكة عند النصوص التي يشتبه عليهم فهمها أو معرفتها.
الواجب على المسلم ألا يكون عنده استنكار أو تردد في أسماء الله وصفاته، وعليه الإِيمان والتسليم بكل ما جاء عن الله -سبحانه وتعالى- ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وإن لم يُحط بها علمًا، قال الشافعي -رحمه الله-: "آمنت بالله وبما جاء عن الهل، على مراد الله، وآمنت برسول الله، وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".
عباد الله: إن الإيمان بأسماء الله وصفاته له دور عظيم في تحقيق العبودية لله، فبمعرفة أسمائه وصفاته على الحقيقة، وحين تتمكن تلك المعرفة في أعماق القلب؛ ينال العبد بها حظه من العبودية له سبحانه، لأن لها آثارها الخاصة في عبودية العبد لربه.
فإذا علم أن ربه شديد العقاب، وأنه يغضب، وأنه القوي القادر الفعال لما يريد، وأنه يسمع ويرى ويعلم كل شيء، ولا يخفى عليه شيء، فإن ذلك يحمله على مراقبه الله، والخوف منه والابتعاد عن معاصيه.
وإذا علم أن الله غفور رحيم كريم، يفرح بتوبة عبده ويغفر الذنوب ويتوب على من تاب، فإن ذلك يحمله على التوبة والاستغفار، ويحمله على حسن الظن بربه، وعلى عدم القنوط من ربه.
وإذا علم أن الله هو المُنعم المتفضل بجميع النعم وأنه بيده الخير وهو على كل شيء قدير، وأنه يعطي ويرزق ويجازي بالإِحسان، ويكرم عباده المؤمنين، فإن ذلك يحمله على محبة الله -تعالى- والتقرب إليه والرغبة فيما عنده والإِحسان إلى إخوانه.
وإذا علم أن الله هو الحكم العدل، وأنه لا يحب الظلم والبغي والعدوان، وأنه ينتقم من الظلمة والطغاة والمفسدين؛ فإنه يكف عن الظلم والعدوان والبغي والفساد والغش والخيانة للخلق، وينصف من نفسه ويحسن المعاملة مع إخوانه إلى غير ذلك من الآثار الحميدة التي تترتب على معرفة أسماء الله والإيمان بها، فقد تعرف الله بها إلى عباده ليعرفوه بها وبمقتضاها.
قال ابن القيم: "فالإِيمان بالصفات ومعرفتها وإثبات حقائقها وتعلق القلب بها وشهوده لها: هو مبدأ الطريق ووسطه وغايته، وهو روح السالكين وحاديهم إلى الوصول، ومحرك عزماتهم إذا فتروا، ومثير هممهم إذا قصروا، فإن سيرهم إنما هو على الشواهد، فمن كان لا شاهد له فلا سير له، ولا طلب ولا سلوك له".
وأعظم الشواهد: صفات محبوبهم ونهاية مطلوبهم، وذلك هو العَلَم الذي رُفع لهم في السير فشمروا إليه، كما قالت عائشة -رضي الله عنها-: "من رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد رآه غاديًا رائحًا، لم يضع لبنة على لبنة، ولكن رفع له علم فشمر إليه".
جعلنا الله وإياكم من يعبد الله حق عبادته. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى) [طه: 8]
بارك الله لي ولكم.
الحمد لله الواحد القهار العزيز الغفار، أحمده -تعالى- حمدًا يتجدد بالعشى والإِبكار، واشكره سبحانه على نعمه الغزار، وأسأل المزيد من فضله المدرار.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، عالم الغيب والشهادة وكل شيء عنده بمقدار، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله المصطفى المختار، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الأئمة الأبرار، والتابعين ومن تبعهم بإحسان، صلاة تترى آناء الليل وأطراف النهار، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-، فإن تقواه -سبحانه- جُنَّة من النار، وسبب لدخول الجنة دار القرار، فاسلكوا -رحمكم الله- مسالك المتقين الأبرار، واحذروا مسالك الأشرار وطرائق الفجار.
عباد الله: إن معرفة أسماء الله وصفاته على الوجه الذي أخبر به -عز وجل- ورسوله -صلى الله عليه وسلم- توجب على العبد القيام بعبوديته -سبحانه- على الوجه الأكمل؛ فكلما كان الإِيمان بها أكمل، كان الحب والإِخلاص والتعبد أقوى، وأكملهم عبودية المتعبد بجميع الأسماء والصفات التي يطلع عليها البشر، فالإِيمان بما تقتضيه الأسماء والصفات يوجد الاستقامة كاملة في العبد.
فالعلم بأسماء الله يهز النفوس، ويحرك القلوب، ويزيل الأدران والأرجاس التي تحبس الإنسان عن الخير، كمـا أن العلم بصفاته هو العاصم من الزلل، والمقيل من العثرة، والفاتح لباب الأمل، والمعين، على الصبر، والواقي من الخمول والكسل.
وإن النفوس قد تهفوا إلى مقارفة الفواحش والذنوب، فتذكر أن الله يراها ويبصرها، وتذكر وقوفها بين يدي الله -عز وجل- فترعوي وتجانب المعصية.
وقد يقع الإنسان في الذنب والمعصية، ثم يذكر سعة رحمة الله، فلا يتمادى في الخطية، ولا يوغل في طريق الهاوية، بل يعود إلى التواب الرحيم، قارعًا بابه، فيجده توابًا رحيمًا ودودًا.
هذا، وصلوا وسلموا.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي