أمور أخبر بها النبي -صلى الله عليه وسلم- محذرا منها

محمد بن صالح بن عثيمين
عناصر الخطبة
  1. الحذر من الوقوع فيما حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- منه .
  2. خمسة عشرة خصلة حذر النبي –صلى الله عليه وسلم- منها .
  3. العواقب الوخيمة للوقوع في الخصال التي حذر منها النبي –صلى الله عليه وسلم- .

اقتباس

أيها المسلمون: إن الحليم من الرجال ليقف حيران أمام هذا الانسياب الجارف إلى آلات اللهو والمعازف، وأمام هذا التغير السريع في مجتمعنا يجلس الواحد من رجل أو امرأة ليستمع إلى صوت مغن، أو مغنية، أو يشاهد صورته غير مبال بذلك. إن الحليم ليقف حيران لا يدري أشيء ران على القلوب، حتى ...

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وأعطاه من الآيات ما يؤمن على مثله البشر، شهادة له بصدقه.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ألوهيته وملكه، وحكمه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، الذي بلغ ما أنزل إليه من ربه على أكمل وجه وأتمه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعه في هديه، وسلم تسليما.

أما بعد:

أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، واحذروا أسباب سخطه وعقابه، وتوبوا إلى ربكم بالرجوع عن معصيته إلى طاعته، وعن أسباب سخطه إلى بلوغ مرضاته.

احذروا ما حذركم منه نبيكم -صلى الله عليه وسلم-، فإنه الناصح الأمين المبلغ، فلقد حذركم صلى الله عليه وسلم من أمور فيها هلاككم لتحذروها، وبينها لكم لتعلموها، وجاء عنه صلى الله عليه وسلم التحذير من أمور أصبحتم اليوم واقعين فيها، أو في أكثرها؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا اتخذ الفيء دولا -والأمانة مغنما- والزكاة مغرما -وتعلم لغير الدين- وأطاع الرجل امرأته وعق أمه -وأدنى صديقه- وأقصى أباه -وظهرت الأصوات في المساجد- وساد القبيلة فاسقهم -وكان زعيم القوم أرذلهم- وأكرم الرجل مخافة شره -وظهرت القينات والمعازف، وشربت الخمور- ولعن آخر هذه الأمة أولها، فارتقبوا عند ذلك ريحا حمراء، وزلزلة وخسفا ومسخا وقذفا وآيات تتتابع كنظام قطع سلكه فتتابع"[الترمذي(2211)].

وهذا الحديث وإن كان ضعيف السند لكن له شاهد من الحديث، وشاهد من الواقع، فإن الخصال المذكورة في هذا الحديث صارت في زمننا حقائق مشهودة ملموسة، فاستمعوا.

الخصلة الأولى: اتخاذ الفيء دولا، والفيء ما أفاءه الله على المؤمنين، فإذا صرف عن أهله المستحقين له إلى آخرين، لا يستحقونه من أهل الشرف والجاه، والغنى والقوة، فقد اتخذ دولا، قال الله -تعالى-: (مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ)[الحشر: 7].

الخصلة الثانية: اتخاذ الأمانة مغنما، وهذه ذات معان كثيرة منها أن يخون المؤمن في أمانته التي اؤتمن عليها، فينكرها، أو يتصرف فيها، كما يتصرف الغانم في غنيمته.

الخصلة الثالثة: اتخاذ الزكاة مغرما، فيؤديها كأنها غرامة، وضريبة خسرها لا يؤديها بطيب

نفس، واحتساب أجر، وتعبد لله -عز وجل-، وقيام بفريضة من فرائض الإسلام.

ومن أجل اتخاذ الزكاة مغرما، تجده يبخل بها ما يؤدي منها بتثاقل، ونقص، وربما وضعها في غير أهلها.

الخصلة الرابعة: أن يتعلم العلوم الشرعية لغير الدين، فلا يتعلمها تقربا إلى الله، ولا حفظا لشريعة الله، ولا رفعا للجهل عن نفسه، وعن عباد الله، وإنما يتعلمها لنيل المال والشهادة والجاه والرئاسة.

الخصلة الخامسة والسادسة: أن يطيع الرجل امرأته، ويعق أمه، فإذا أمرته زوجته بشيء لبى جميع طلبها سريعا، وإذا أمرته أمه به أعرض، أو تثاقل، أو أتى به ناقصا.

الخصلة السابعة والثامنة: أن يدني الرجل صديقه، ويقصي أباه، تجده ملازما لصديقه، يظهره على أسراره، ويستشيره في أموره، أما مع أبيه، فمتباعد عنه كاتم عنه أسراه، لا يأنس بالجلوس عنده، ولا ينبسط بالتحدث معه.

الخصلة التاسعة: ظهور الأصوات في المساجد، حتى تصبح لا قيمة لها ولا احترام، يزعق الناس فيها ويصرخون، كما يزعقون في بيوتهم وأسواقهم، غير مبالين ببيوت الله التي بنيت لعبادته وذكره.

الخصلة العاشرة: أن يسود القبيلة فاسقهم، أي أن يكون الفاسق العاصي لله ورسوله سيد قبيلته.

إما لظهور الفسق فيهم، وكونه ذا قيمة في نفوسهم، فيكون السيد فيهم من بلغ غاية الفسق.

وإما لكون الدين لا أثر له في السيادة والقيادة، والأثر كله للمال والجاه، فصاحبهما هو السيد، وإن كان فاسقا.

الخصلة الحادية عشرة: أن يكون زعيم القوم أرذلهم، والزعيم الرئيس، وكان ينبغي له أن يكون أعلى قومه دينا وخلقا، ورجولة وشهامة، ولكن تنعكس الأمور، فيكون أرذل القوم في ذلك.

الخصلة الثانية عشرة: أن يكرم الرجل مخافة شره، فلا يكرم الرجل؛ لأنه أهل للإكرام في دينه، أو خلقه، أو جاهه، أو إحسانه إلى الناس، بل هو خال عن ذلك كله، فليس أهلا للإكرام، ولكن لشره وعدوانه يكرمه الناس خوفا منه.

الخصلة الثالثة عشرة: ظهور القينات والمعازف، والقينات المغنيات والمعازف آلات العزف والطرب.

ولقد ظهرت القنيات والمعازف في زمننا الحاضر ظهورا فاحشا، ما ظهرت مثله قط، ظهورا مسموعا بالآذان، ومشهودا بالعيان في كل وقت، وفي كل مكان، في البيت والسوق والدكان، وفي وقت الصلاة، ومع الأذان حتى صارت المعازف متعة كثير من الناس، ومنتهى أنسهم.

أنسوا بما يصرفهم عن ذكر الله، ونسوا ما خلقوا له من عبادة الله، وتعلقت قلوبهم بمعصية الله، وسيجدون غب هذا الأنس وحشة، وبعد هذا التعلق انقطاعا وزوالا.

أيها المسلمون: إن الحليم من الرجال ليقف حيران أمام هذا الانسياب الجارف إلى آلات اللهو والمعازف، وأمام هذا التغير السريع في مجتمعنا يجلس الواحد من رجل أو امرأة ليستمع إلى صوت مغن، أو مغنية، أو يشاهد صورته غير مبال بذلك.

إن الحليم ليقف حيران لا يدري أشيء ران على القلوب، حتى التبس الأمر عليها، وغشى بصائرها، ما يمنع الرؤية، فصارت لا ترى الحق، وشكت في تحريم ذلك.

أم شيء أزاغ القلوب فانصرفت عن الحق مع علمها به، وارتكبت المعصية على بصيرة، هما أمران أحلاهما مر.

أيها المسلمون: إن كل من عرف نصوص كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، لا يشك في تحريم المعازف، حتى إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قرنها بالزنا والخمر والحرير.

ففي صحيح البخاري عن أبي عامر أو أبي مالك الأشعري: أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير، والخمر والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم يأتيهم لحاجة -يعني الفقير- فيقولوا ارجع إلينا غدا، فيبيتهم الله، ويضع العلم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة"[أبو داود (4039)].

قال ابن القيم -رحمه الله- تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية: "بيان تحريم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصريح لآلات اللهو والمعازف" ثم ساق الأحاديث الدالة على ذلك، وهي كثيرة، ساقها في إغاثة اللهفان.

أيها المسلمون: لقد كنا إلى زمن قريب ننكر آلات اللهو، وتكسر أمام المساجد بعد صلاة الجمعة إتلافا لها ومنعا لانتشارها، فصار الوضع إلى ما ترون، فلا أدري أنزل وحي بحلها لكم، فهاتوا برهانكم إن كنتم صادقين.

أم أنها التبعية لأكثر الناس بلا روية، فاقرءوا إن شئتم قول ربكم -عز وجل-: (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ)[الأنعام: 116].

فاللهم عفوا وغفرا وهداية وصلاحا.

الخصلة الرابعة عشرة: شرب الخمور، وهي المسكرات من أي نوع كانت، قـال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كل مسكر خمر"[البخاري (5253) مسلم (2003) الترمذي (1861) النسائي (5673) أبو داود (3679) ابن ماجة (3390) أحمد (2/98) مالك (1597) الدارمي (2090)].

ولقد شربت الخمر وكثر شاربوها، حتى صارت في بعض بلاد المسلمين تباع علنا، وتشرب بالأسواق، وربما سموها بغير اسمها خداعا وتزيينا في النفوس، حتى سموها "الشراب الروحي".

ألا قاتلهم الله، أين المتعة للروح في شراب يسلبها عقلها، ثم يعقب تلك السكرة هم وغم لا يزول إلا بالعودة للشرب ثانية وثالثة، حتى يقضي على العقل والجسم والروح، فأين الشراب الروحي أنى يؤفكون؟.

الخصلة الخامسة عشرة: أن يلعن آخر هذه الأمة أولها، واللعن إما أن يكون بلفظه، وقد وجد من هذه الأمة من يصب اللعنات على بعض السلف الصالح، وإما أن يكون بمعناه بالقدح في السلف الصالح وذمهم وذم طريقتهم واعتقاد أنها طريق رجعية لا تصلح لهذا العصر.

أيها المسلمون: إن هذه الخصال إذا حصلت، فنحن مهددون بتلك العقوبة، بريح عاصفة حمراء، تحمل الرمال، وتدمر المساكن، وبزلزلة تصدع الأرض، وتفسد العمران، وبخسف تتغير به معالم الأرض، وتزول به جبال عن أماكنها، وبمسخ يمسخ به الإنسان قردا وخنزيرا، وبقذف بحجارة من السماء كما أرسل على قوم لوط، وبآيات أخر من العقوبات من حروب طاحنة، وسيول جارفة، وغير ذلك.

فاتقوا الله -عباد الله-: (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[الأنفال:25].

اللهم جنبنا أسباب سخطك وعقابك، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، وصلى الله عليه وعلى نبينا محمد وعلى آله وصحبته أجمعين.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي