إن كثرة جلوس الطفل أمام شاشة التلفاز يخلق منه شخصًا غير مبالٍ وكسول حتى عن تأدية الصلاة، وتتسم شخصيته بالبلادة والخمول علاوة على ما نلاحظه عليهم من السمنة نتيجة تناول الأطعمة أمام التلفاز وقلة الحركة اللازمة لنموه، وهو ما أشارت إليه دراسة يابانية طالبت بتقليل ساعات جلوس الأطفال أمام التلفاز...
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله الأطهار وأصحابه الأبرار.
عباد الله أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله وطاعته، استجابة لأمر الله جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 1.2].
أما بعد: فيا معاشر الإخوة المؤمنون: في خطبة سابقة كان الحديث حول الرسوم المتحركة المستوردة من مجتمعات كافرة، وثقافات مخالفة لثقافتنا الإسلامية، تعرضت فيهما للأثر الخطير الذي تطبعه على قلوب أطفالنا وسلوكهم، وفي هذه الخطبة يتواصل الحديث -إن شاء الله- عن هذه القضية الكبيرة، التي تشغل فلذات أكبادنا، وتصوغ خيالهم وعقولهم وتفكيرهم، وتشوه عقائدهم وثقافاتهم بعيدًا عن تقييمنا الدقيق، بل ربما يكون إدمانهم على مشاهدتها تحت رعاية منا، ومشاركة في معظم الأحيان.
وننسى أنها من أبرز العوامل التي تؤدي إلى انحراف الطفل، وتبلد ذكائه، وتميع خُلقه؛ فأفلام الكارتون سريعة التأثير؛ لما لها من متعة ولذة. والطفل سريع التأثر؛ لأنه يعيش مرحلة التشكل واكتساب المعرفة مما حوله، وما تعرضه الفضائيات منها لا يعتمد على حقائق ثابتة، وإنما على خرافات وأساطير ومشاهد غرائزية، وتشكيك في المعتقدات لا يجوز الاعتماد عليها - بحال من الأحوال - في تنشئة أطفالنا، وتربيتهم.
والعجيب أن يتغافل الآباء والأمهات عن هذه الحقيقة، ويديروا لها ظهورهم كأنهم لا يعلمون ذلك كله؛ بحجة تحقيق الهدوء في المنزل، بتخدير الطفل أمام الشاشة، حتى قال أحدهم: "فور صدور أية حركة تنبئ عن استمرار طفلي في اللعب والصراخ، أدير التلفاز على إحدى القنوات؛ لا إراديًّا أجد طفلي ممددًا على الأرض وبصره إلى التلفاز، في حالة أشبه ما تكون بالتنويم المغناطيسي".
ربما كان هناك من سيقول لمن يدق أجراس الحذر من هذه الأفلام: تلك مبالغات منفوخة، وخوف متوتر لا داعي لهما؛ فالمسألة مسألة تسلية وحسب، ولكنها الحقيقة التي نضعها بين أيديكم لعدد من المختصين الذين أبدوا رأيهم بحياد شديد وموضوعية، وعدد من الآباء والكتاب الذين رأوا بأعينهم، وقالوا بألسنتهم.
إنني أواصل الحديث -بعون الله- لأشارك في كشف الآثار الصارخة، التي يمكن رصدها بكل سهولة في أية مسلسلة كارتونية، ومن أبرز هذه الأمور تشويه صورة المتدينين: "سواء قصدوا أم لم يقصدوا"؛ فالرجل الملتحي هو المجرم السارق الغشّاش الذي يقتل زوجته ليغطي على سطوه على إبداعاتها التي كان يوقعها باسمه في مسلسلة المحقق كونان. وهو الشرير المختطف والسارق، الذي يلاحق النساء، ويسعى إلى التخريب وإزعاج الآخرين في مسلسلة " بباي "، وهو الساحر المفسد في عدد كبير من الأفلام؟ بينما تتجرأ إحدى الفضائيات أكثر فتظهر صورة أحد الملتحين وهو لابس ثوبي الإحرام، على مسرح داخل الفلم الكارتوني، وشابة تضربه ضربًا مبرحًا على وجهه ورأسه. فأية استهانة بعد ذلك برموز ديننا، وما يمس معتقداتنا؟
ومن ذلك أيضًا: نشر التبرج والتفسخ، وتنبيه الطفل إلى بعض الأمور المخلة بالأخلاق: وهذا كثيرٌ وكثيرٌ جدًّا في تلك الرسوم.. ويكاد لا يخلو برنامج كرتوني يعرض الآن دون إبراز النساء في صور السفور والعري أو الغزل.. مع احتضان شديد، وقبلات حارة، بين الذكر والأنثى، أو ملاحقة فتيات وتقديم الهدايا لهن.. لكسب مودتهن.. مغازلات سمجة تعلم الصغار أبجديات الفتنة، وتوقظ في أعصابهم الطرية شرر الشهوة، والإحساس المتواري بالجنس الآخر، ولا عجب فهذا ما تحتويه مجتمعاتهم المريضة الموبوءة، التي تهددها فوضى الجنس بالانهيار الاجتماعي التام، وينتشر فيها التفكك الأسري، والإيدز، وبقية الأمراض الجنسية.. وهذا ما يريدونه من العالم..
إنها مشاهد تحتوي على: تغنج الفتيات في ملابس مغرية، ومكياج لافت للأنظار، بصدور مكشوفة.. وأفخاذ عارية للذكور والإناث كما في مسلسلة الكابتن رابح.. وتغزل بين الجنسين.. وتعبير عن العشق بقلوب وردية تتطاير كلما التقى الفتى والفتاة، في جو رومانسي عجيب !!
تجد ذلك - على سبيل المثال لا الحصر- في مسلسلة عدنان ولينا؛ حيث لا تخلو حلقة منها من حركات مثيرة بين الشخصيتين، و"الكابتن ماجد"؛ حيث حضور الفتيات للمباريات وتشجيع اللاعبين.. والرقص والصراخ.. والمعانقة بين الجنسين حال تسجيل الهدف، وتجد الفتاة تلاحق لاعبها المفضل.. وتقدم له الهدية تعبيرًا عن المحبة.. ويقبّلها اللاعب الخلوق جدًّا !! لقد بلغ أثر هذا البرنامج على أطفالنا أن أحدهم سأل ببراءة بعد مشاهدة ذلك البرنامج !! "ليش الحرمه ما تدخل للملعب؟" بل بلغ أثره على بعض فتياتنا البالغات.. أن تعلق إحداهن صورة لاعبها المفضل في غرفتها الخاصة.. وتتابع أخباره ومبارياته..، وربما وجدت فرصة للحديث معه على الهواء مباشرة في برنامج فضائي أو إذاعي..
ونرى في مسلسلة " طارزان " شابًّا نشأ في مجموعة من الغوريلات.. يجد فتاة من جنسه.. تتكون علاقة محبة بينهما.. تنتهي بأن تعيش معه.. وتلبس الملابس الغريبة العارية. .وتجد العناق على أشده بينهما.. أفلا يكون لتلك المشاهد أثر على أطفالنا؛ فيحاولوا - وهم في سن التقليد - أن يجربوا بعض ما يعرض عليهم فيما بينهم لا قدر الله؟
وتتجاوز الآثار ذلك إلى فتح آفاق كبيرة للطفل في عالم الجريمة.. يقول أحد علماء النفس: "إذا كان السجن هو جامعة الجريمة، فإن التلفزيون هو المدرسة الإعدادية لانحراف الأحداث".. إن هذه المقولة على قلة ما تحويها من كلمات إلا أن فيها كثيرًا من المعاني التي يجب ألا نغضّ الطرف عنها، وإلا بذلنا الثمن من أمننا وقوتنا وتماسك مجتمعنا.
وإليك هذه القصة.. يذكر أن والدي طفل أرادا الذهاب لأمر ما وترك ابنهما في البيت لوحده، فغضب الطفل، وحين ركبا السيارة وجدا ضوء الإنذار مضيئًا؛ دلالة على خلل معين.. فلما انكشف الوضع وجدا أن سلكًا قد قطع بسكين فلما بحثا في الأمر.. اعترف الابن بأنه هو من فعل هذا، وكان يريد أن يقطع سلك فرامل السيارة؛ انتقامًا منهما لأنهما سيتركانه وحده..
ولما سُئل كيف عرفت هذه الطريقة، أخبرهما أنها من إحدى الرسوم المتحركة، هذا عدا كيفية فتح أبواب السيارة وأبواب البيوت بدون مفتاح، وكيفية إضرام التيار الكهربائي بيد رجل بريء آخر بطريقة سهلة للغاية، كل ذلك نظرا لما يراه أمام عينيه من حروب وقتال، وجرائم متقنة التصوير والإخراج، مبسطة مسهلة ليدركها بفهمه المحدود، وظهر أثر ذلك حتى على معاملاته اليومية فاتسمت بالعنف والفوضى، فإنه فور نهوضه من جلسته الساجية، ينطلق - مجربًا كل ما رأى - في تعامله مع أقرب المقربين إليه في البيت مستخدمًا أثاث المنزل الذي حوله.
وتؤكد الكاتبة طيبة اليحيى: أن المجتمع الغربي ذاته نبذ أنواعًا كثيرة من هذه الرسوم، منها أفلام الخيال العلمي المثيرة وأفلام الفضاء والقتال الدائر فيه، بعد ما تبين للعلماء ضررها في تخريب نفسية الأطفال؛ إذ توسع أعمال العنف في نفوسهم وتجعلهم يعتادونها، والواقع أن الرسوم المتحركة ليست وحدها المسئولة عن مثل هذه الجرائم، بل تشترك معها كل أفلام الرعب والبوليسية والتحقيق الأمني، للكبار والصغار، وكثير من المجرمين يعترفون حين يقبض عليهم أنهم يقلدون جرائم الأفلام التي تعرض عليهم، والحوادث الواقعية أكثر من أن تحصر في هذا الاتجاه.
أيها الأحبة.. ومن الآثار السيئة لتلك الأفلام على نفسيات أطفالنا: زرع الرعب والخوف بين ضلوعهم الهشة.. حين تصور تلك الأفلام وحوشًا ضارية، وشخصيات شريرة، فيظل الطفل خائفًا متوجسًا من كل شيء يشبهها من حوله. وإليك هذه القصة.. يذكر أن أبًا أمر ابنه بأن يذهب بساعته لمهندس الساعات.. فرفض وأصر على الرفض.. ولما سأله لماذا؟ قال: إن المهندس أحدب.. وقد رأيت رجلاً شريرًا أحدب مثله في فلم الكارتون فأخاف منه ! فانظر كيف أثر مقطع واحد فقط على هذا الطفل حتى تملكه الخوف من شخصية أي رجل أحدب.
وفي فلم " زورو " الشهير تصور الأحداث جواز السرقة من الأغنياء لإعطاء الفقراء، وأن ذلك من أسمى معاني التكافل الاجتماعي، ولو سئل الطفل المتابع لهذه المسلسلة: من رمز العدالة؟ لأجاب فورا: " زورو "؛ لكثرة تردد هذه الكلمة خلال الفلم في كل حلقة. وهي الصعلكة الجاهلية بعينها، وصورة خفية من صور الشيوعية الساقطة.
ومن الآثار الرديئة: إشاعة معاني القعود عن العمل والبطالة والكسل، وتصوير الحياة بأنها كلها لعب ولهو فحسب، فهذه فضائية تعرض في فلم كرتوني شابًّا كسولاً جدًّا يتضايق من كل من يكلفه بأي شيء، ولا يبرح متثائبًا نائمًا، وفجأة يحصل على " مكنسة سحرية " تعرض عليه أن تحقق له كل ما يريد دون أي جهد منه، فتصنع له العجائب: قصرًا كبيرًا، ملابس فاخرة، زوجة جميلة، أموالاً طائلة فيفوق جميع أقرانه!!
فأية معان سيغرسها هذا الفلم الفيروسي في نفوس أطفالنا؟ وأية همة سيكتسبونها منه لينجحوا في الحياة، وماذا سيجني المجتمع كله من أطفال يتربون على مثل هذا؟
وكسرت هذه الأفلام الحاجز النفسي الذي وضعه الإسلام بيننا وبين الحيوانات المحرم أكلها كالخنازير، أو المحرم اقتناؤها في داخل المنزل كالكلاب، أو التي لا علاقة للبيئة المسلمة بها كالدببة، وجعلت منها أبطال الأفلام المحببين للمشاهد الصغير، حتى تسابق الأطفال إلى اقتناء دماها، أقصد تصاويرها المجسمة، بحيث لا ينام الطفل إلا وهو يحتضن دمية دبدوب صغير كما يدلعونه بذلك أو كلب صغير أو نحو ذلك، وكأن أهله لا يعلمون أن الملائكة لا تدخل مكانا فيه تصاوير. فيحرمون طفلهم من حفيف الملائكة وحفظها له، هذا غير ما يقع من تغلغل هذه الشخصيات الكرتونية في نفس الطفل إلى درجة مخيفة، يجعل منها تصل إلى حد التعلق الروحي.
وغزت القصص العالمية المدبلجة، عالم أطفالنا بخيال لا يمكن أن يبني نفسية الطفل بل يوقعها في بلبلة وشتات، ويحطم كل مقاييسها الواقعية، ويجعل الطفل يعيش وسط صراع بين الواقع والخيال حتى يتحول من الانبهار إلى الشعور بأن هذه الأفلام تكذب عليه، وتهزأ بعقله كل ذلك بحجة توسعة خيال الطفل، مثلما نلاحظ في برنامج "عالم الديجيتال"، بل وينمو بداخله الخيال المريض نظرًا للاستغراق في الخيال وما في ذلك من ضرر جسيم على تصوراته للحياة والمستقبل.
ومن الآثار السلبية لهذا الجهاز الخطير تعطيله لخيال الطفل، فالطفل الذي يشاهد التليفزيون، يستسلم للمناظر والأفكار التي تق-دم له دون أن يشارك فيها، ولا يبذل أي جهد في المشاركة والقبول أو الرفض لما يراه، فالجهاز هو الفاعل وهو الناقد، ويقتصر دور ال-طفل هنا على رؤية ما يعرض عليه دون أن يسهم بفكره فيما يعرض عليه، فيحول الأطفال إلى متلقين سلبيين مما يتنافى مع خطط تثقيف الأطفال، بمعنى أنه لا بد وأن يشاركوا بشكل أو آخر، وأن يكونوا إيجابيين، لهم دور ما في هذه البرامج.
ويشير الباحث الاجتماعي بدر البحري إلى الأثر اللغوي من جراء عرض لغة هذه الأفلام على الأطفال، من حيث استخدام أساليب كلامية نابية كان من المفروض أن نبعد عنها الأطفال مثل "وقح، غبي، حقير، عليك اللعنة.... وغيرها"، أو ما يؤثر بشكل كبير جدًّا على لغة الطفل؛ حيث إن عملية التعريب لها تكون ركيكة جدًّا وضعيفة ومحشوة بالعديد من الألفاظ العامية، مما يجعل المرء يتيقن تمام اليقين أن هنالك محاربة حقيقية للغة العربية الفصحى وبشكل واضح وصريح، وأبرز دليل على ذلك مسلسل "تيمون وبومبا" الذي يشتت عقلية الطفل ما بين اللغة الفصحى والعامية.
وتقول الباحثة النفسية زليخا عبيد: "إن كثرة جلوس الطفل أمام شاشة التلفاز يخلق منه شخصًا غير مبالٍ وكسول حتى عن تأدية الصلاة، وتتسم شخصيته بالبلادة والخمول علاوة على ما نلاحظه عليهم من السمنة نتيجة تناول الأطعمة أمام التلفاز وقلة الحركة اللازمة لنموه، وهو ما أشارت إليه دراسة يابانية طالبت بتقليل ساعات جلوس الأطفال أمام التلفاز".
إلى جانب ما ذكره الأستاذ عبدالله الحمادي من أن التلفاز يرهق العقل والذهن ويمتص كل طاقتهما ونشاطهما؛ حيث يظل الطفل يحفظ ما يرى ويسمع، وهذا لا شك في أنه يحتاج إلى طاقة ذهنية عالية؛ لذا فمن غير المستغرب أن نرى الطفل بعد مشاهدة طويلة للصور المتحركة لا يستطيع المذاكرة ولا الحفظ ولا الفهم ولا الاستيعاب.
كما نلاحظ - في جانب التأثير الأخلاقي - أن أفلام الكرتون تلك تظهر الذكاء على أنه الخبث، والطيبة على أنها السذاجة وقلة الحيلة، مما ينعكس بصورة أو بأخرى في عقلية الطفل، وتجعله يستخدم ذكاءه في أمور ضارة به وبمن حوله.
وتستطرد باحثة نفسية قائلة: "إن نظرة واحدة لأسماء الشركات المنتجة تضع أمامنا حقيقة مهمة، وهي أنها شركات غربية هدفها الأساس زعزعة أمتنا عن مبادئها الإسلامية، وإلهاء الطفل بكل ما من شأنه أن يزرع بداخله سلوكيات غير بريئة وصفات غير أخلاقية كالكذب والخيانة، وحتى لو تمت ترجمة تلك الأفلام إلى العربية فإن ذلك لن يغير شيئًا من المضمون، بل ربما كان الأمر أخطر؛ حيث اقترب الطفل أكثر من المضامين السيئة التي تحتويها هذه البرامج، وهنا لا نكاد نستغرب عناد وتمرد الأطفال في تعاملاتهم وتصرفاتهم والتي تشربوها من مشاهدتهم غير المراقبة لتلك الأفلام".
وهكذا ضاعت أوقاتهم وعقولهم وتفكيرهم، وضاعت معها هويتهم العربية الإسلامية. نسأل الله أن يلطف بنا ويصلح أحوالنا...
الحمد لله ولي الحمد وأهله، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد: فلنتق الله عباد الله في أولادنا ومن استرعانا الله عليهم، ولنعلم أن الخطر الحقيقي المحدق بأطفالنا من هذه الأفلام الشيقة والخبيثة في الوقت نفسه هو أن هذا التأثير يأتي إلينا بطريقة غير ملاحظة أحيانًا، بل يظهر على المدى البعيد من خلال النشأة على نمط حياتي معين، مثل لبس القصير للفتيات، والشورت للذكور، وقصات الشعر الدخيلة، والاستماع للغناء الغربي بطريقة الخنافس، وقلة التركيز على المعاملات الإنسانية والاجتماعية وقلة الصبر وملاحظة التوتر عليهم، والرضا بعدد من المنكرات لكثرة ما يشاهدونها، والأنس بسماع الموسيقى لمصاحبتها الدائمة لكل تلك المواد.
وربما عرض ما يدل على عدم احترام عقلية الطفل وتفكيره وتركيبة شخصيته، كما في برنامج "تيمون وبومبا"، والذي يدور حول أكل الحشرات والديدان، وهي أمور مقززة في الواقع، ولكن استخدم في سبيل الترويج لها الألوان الملفتة والخلفيات المبهرة والمؤثرات الصوتية القوية والجذابة دون الأخذ بعين الاعتبار المضمون وتأثير مثل هذه الأفلام على تكوين جوانب مهمة في شخصية الطفل.
وتنبه الكاتبة طيبة اليحيى: "أن برنامج توم وجيري مع كون عرضه ممتعًا ومسليًّا، لكنه يعتمد على المقالب والكمائن؛ فكلا شخصيتي العرض يضمر الحقد للآخر، ويظهر الرغبة في الانتقام منه، وصراعاتها لا تنتهي وأساس ذلك المكائد المسلية، التي عن طريقها توصل للطفل أفكارًا خطيرة على عقليته".
أما برنامج الأطفال الـ"ميكي ماوس" فهو يحمل في ظاهره مغالطة علمية وواقعية واضحة وهو وجود فأر يطير وخلاصة هذا المسلسل عبارة عن تأكيد للقوى الخيالية الخارقة الجبارة "الخرافية" التي تقف مع المضطر وتنقذه في أحلك الظروف وأشدها حرجًا، فهذه "القوة الخرافية" هي الرجاء والأمل في الخلاص، ومثل هذه الأفكار من شأنها أن تهز عقيدة الطفل هزًّا عنيفًا فتنحي عن ذهنه الصغير قرب الله من عبده وإجابته له حين يدعوه، وعون الله عز وجل له.
وانظر في فلم "عدنان ولينا" إلى الصغير الآخر وهو "عبسي" عاري الملابس يحب صغار الخنازير ويلعب بها، ويصيد الكبار ويشويها ويأكلها ويحملها تارة ليمشي بها، ليغرس في نفوس صغار أطفال المسلمين حب الخنازير وعدم كراهيتها، مع أن الله في القرآن حرمها ووصفها بأنها رجس، وقد أثبتت الدراسات الطبية الحديثة ضرر لحم الخنزير وقذارته، وانظر إلى لينا وهي تصلي في حال الشدة وصلاتها عبارة عن أن تضم يديها إلى بعضهما، ثم تغمض عينيها وتنظر إلى أعلى، وهي صلاة النصارى، فتتعلم المسلمة الصغيرة هذا في حين أنها تجهل صلاتها.
وأما مسلسل السندباد وهو عربي المضمون والشخصيات، ولكنه مليء بالعقائد الفاسدة والخرافات، فمرة نرى السندباد يخر ساجدًا أمام والي بغداد، والسجود لغير الله لا يجوز شرعًا، ومرة يستعين بصاحب المصباح وهو الجني الأزرق لكي يحقق له مطالبه، فأين التوكل على الله والاستعانة به، ومرة يسجد تحت قدمي الجني الكبير الذي يخرج من الماء والصحراء ويتوسل إليه ألا يقتله، أين الاستعانة بالله وطلب العون منه، وانظر إلى الجواري والفتيات وهن يترقصن في القصور وسندباد ورفاقه يأكلون ويغنون، فماذا يتعلم الأطفال من هذا العرض، ليس إلا الفحش وسوء الأدب والاستعانة بالشعوذة والكهنة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من أتى كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد" (رواه أحمد وصححه الألباني).
لقد انتشرت كثير من السلوكيات بين أبناء مجتمعنا المسلم لم نكن نعهدها قبل انتشار هذه الأفلام الفاحش، حتى صرنا نسمع بارتفاع معدلات الجريمة بين الشباب، وحوادث السرقة والانتحار، وحوادث السير الدامية، الناتجة عن مرض عدم المبالاة وسلوكيات السرعة المتهورة و" التفحيط " التي يرون مثلها في الأفلام، وهل كان أطفال هذا المجتمع يصابون بتشجنات عصبية تدل على توغل سمة العنف في أوصالهم ودمائهم كما نرى الآن؟
إنني أؤكد وبكل قوة أن هذا المجتمع لم يكن يعرف كلمة العنف من الأصل؛ لأنه مصطلح مستورد، ومصنوع في بلاد الغرب ولا فخر، فالغرب الذي عاش على أشلاء الشعوب، وامتص دماءهم عقودًا من الزمن تحت أسماء عديدة، هو اليوم يمارس الفكر نفسه، ولكن بأسماء ورايات أخرى مصبوغة بكل ألوان الطيف، بينما يتباكى على السلام العالمي، وعلى الأمن، والأمان النفسي، ويرفع شعارات القضاء على الإرهاب، وهو لا يزال يشحن برامجه الإعلامية، ومنتجاته السينمائية، وعلى وجه الخصوص أفلام الكارتون الموجهة للأطفال، والألعاب الإلكترونية التي نشأت في الغرب، بما يغرس جذور العنف والبغضاء والحقد في قلوب الصغار الأبرياء ويغرقهم في أوحال الشر باستخدام التقنيات المتطورة، واستغلال توجهاتهم وميولهم لإقحامهم في عالم الجريمة بأساليب براقة ومؤثرات قوية..!
أيها الإخوة.. لنتوقف ولو هنيهة لنقول لأنفسنا بصدق: إن البهجة التي نبحث عنها لأطفالنا لا توجد ألبتة في أفلام الكارتون التي لعبت بمشاعر وعقول الصغار أيما تلاعب، ولا توجد التسلية البريئة في الألعاب الإليكترونية، وإنما الفرحة الحقيقية، والضحكات النقية الصافية إنما تنطلق من أعماق هؤلاء الأبرياء بدون أية مؤثرات إلكترونية خادعة، ولا ضحكات هستيرية مصطنعة، لتعبّر بصدق عن مشاعرهم المرهفة بدون تكلف، وتتحدث عن مدى استمتاعهم بالحياة دون خوف أو وجل، ودون استفزاز للمشاعر، أو غرس لأفكار عدوانية، ولا تخريب لأخلاقيات الفطرة السليمة بالعنف والبطولات الكاذبة..!
إنني أتحدث عن صغارنا الذين يحتاجون منا إلى الحنان الحقيقي، وإلى مشاعر الأبوة، وأحاسيس المحبة النابعة من القلوب الكبيرة المحيطة بهم، أتحدث عن المناغاة والملاعبة البريئة والقصص الحلوة التي كانت تسبق النوم، والتي يجب أن نعود إليها ونمارسها معهم نحن الآباء، والأشقاء والأمهات، أو أي قريب أو بعيد يعيش مع هؤلاء الصغار، أو يرونه صباحًا أو مساء، أتحدث عن هذه الصورة التي من الصعب الحصول عليها في جيل آباء اليوم.
لا بد أن نمنح أطفالنا من أوقاتنا؛ لنتحاور معهم، ونقص عليهم قصص تاريخنا الجليل، ونخرج معهم للفسحة، ونخطط لأوقاتهم، كل ذلك بعض ما أحب أن أقوله لكم في الجمعة القادمة بعد أن نستكمل الحلقة الثالثة من خطب الرسوم المتحركة بإذن الله.
ثم صلوا وسلموا على معلم الناس الخير ومربي البشرية على منهج الله القويم سيدنا ونبينا وقرة أعيننا محمد بن عبد الله كما أمركم الله جل وعلا بذلك فقال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56] اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله الطاهرين، وصحبه أجمعين، وعنا معهم برحمتك وفضلك ومنك يا أكرم الأكرمين.
اللهم يا عزيز يا حكيم أعز الإسلام والمسلمين وانصر إخواننا المجاهدين وارفع البأس والظلم والجوع عن إخواننا المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح ولاة أمورنا، ووفقهم لإصلاح رعاياهم، اللهم أيدهم بالحق وأيد الحق بهم، واجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، سلمًا لأوليائك حربًا على أعدائك.
اللهم فك أسر المأسورين، واقض الدين عن المدينين، واهد ضال المسلمين، وهيئ لأمة الإسلام أمرًا رشدًا يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر. اللهم بارك لنا فيما أعطيتنا، وأغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك، وأغننا برحمتك يا حي يا قيوم، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين واجعلنا من أهل جنة النعيم برحمتك يا أرحم الراحمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي