امتن الله علينا بالرزق، وجعل لبركته في أيدينا أسبابًا، من أعظمها الزكاة، ثالث أركان الإسلام، وقرينة الصلاة في محكم القرآن، وعَد الله من أداها بالزيادة والحماية من النقصان، وتوعد من منعها بالشقاء والخسران،.. يا من آمنوا بالله ورسوله، يا من صدقوا بالقرآن وصدقوا بالسنة، ما قيمة الأموال التي نبخل بزكاتها، وما فائدتها، إنها تكون نقمة على الباخل، وثمرتها لغيره. فلنؤدِّ الزكاة طيبةً بها نفوسنا..
الحمد لله المحمود بكل لسان، المعبود في كل زمان، الذي لا يخلو من علمه مكان، ولا يشغله شأن عن شان، جل عن الأشباه والأنداد، وتنزه عن الصاحبة والأولاد، ونفذ حكمه في جميع العباد، لا تمثله العقول بالتفكير، ولا تتوهمه القلوب بالتصوير، له الأسماء الحسنى والصفات العلى، أحاط بكل شيء علمًا، وقهر كل مخلوق عزة وحكمًا، ووسع كل شيء رحمة وعلمًا، (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا)[طه:110].
وأشهد ألا إله إلا الله التواب الرحيم، وحده لا شريك له، شهادة نرجو بها تكفير السيئات، والرفعة في الدرجات، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[35 المائدة]، (وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ)[281 البقرة].
أيها الأحبة في الله: امتن الله علينا بالرزق، وجعل لبركته في أيدينا أسبابًا، من أعظمها الزكاة، ثالث أركان الإسلام، وقرينة الصلاة في محكم القرآن، وعَد الله من أداها بالزيادة والحماية من النقصان، وتوعد من منعها بالشقاء والخسران، قال الله -عز وجل-: (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)، [آل عمران:180].
وقال -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ)[التوبة:34-35].
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في تفسير الآية الأولى: "من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مُثِّلَ له يوم القيامة شجاعًا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه -يعني شدقيه- ثم يقول: أنا مالك أنا كنزك ثم تلا: (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) [سورة آل عمران 3/180]" (رواه البخاري).
وقال في تفسير الآية الثانية: "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صُفِّحت له صفائح من نار فأُحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أُعيدت، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يُقْضَى بين العباد" (رواه مسلم)، وحق المال هو الزكاة.
عباد الله: يا من آمنوا بالله ورسوله، يا من صدقوا بالقرآن وصدقوا بالسنة، ما قيمة الأموال التي نبخل بزكاتها، وما فائدتها، إنها تكون نقمة على الباخل، وثمرتها لغيره. فلنؤدِّ الزكاة طيبةً بها نفوسنا.
وتجب الزكاة في الذهب والفضة إذا بلغا نصابًا، فنصاب الذهب: زنة أحد عشر جنيهًا سعوديًّا وثلاثة أسباع الجنيه، وما دون ذلك لا زكاة فيه إلا أن يكون للتجارة.
ونصاب الفضة وزن ستة وخمسين ريالاً سعوديًّا، وما دون ذلك لا زكاة فيه، أما مقدار الزكاة في الذهب والفضة فهو ربع العشر.
وتجب الزكاة أيضًا في الأوراق النقدية إذا بلغت ما يساوي ستة وخمسين ريالاً سعوديًّا من الفضة وفيها ربع العشر.
وتجب الزكاة في الديون التي للإنسان وهي التي له على الناس إذا كانت من الذهب أو الفضة أو الأوراق النقدية، وبلغت نصابًا بنفسها أو بضمّها إلى ما عنده من جنسها؛ سواء أكانت حالَّة أو مؤجلة، فيزكيها كل سنة إن كانت على غنى، لكن إن شاء أدى زكاتها قبل قبضها مع ماله، وإن شاء انتظر حتى يقبضها فيزكيها لكل ما مضى.
أما إن كانت الديون على فقير، فلا زكاة على مَن هي له حتى يقبضها فيزكيها سنة واحدة عما مضى؛ لأنها قبل قبضها في حكم المعدوم.
وتجب الزكاة في عروض التجارة إذا بلغت قيمتها نصابًا بنفسها أو بضمّها إلى ما عنده من الدراهم أو العروض، وهي كل مال أعدّه مالكه للبيع تكسبًا وانتظارًا للربح من عقار وأثاث ومواشٍ وسيارات ومكائن، وأطعمة وأقمشة، وغيرها، فتجب عليه الزكاة فيها وهي ربع عشر قيمتها عند تمام الحول، فإذا تم الحول وجب عليه أن يُقوِّم ما عنده من العروض ويُخرِج ربع عشر قيمتها سواء أكانت القيمة مثل الثمن أو أقل أو أكثر، فإذا اشترى سلعة بألف ريال مثلاً وكانت عند الحول تساوي ألفين وجب عليه زكاة ألفين، وإن كانت لا تسوي إلا خمسمائة لم يجب عليه إلا زكاة خمسمائة.
ولا زكاة في مالٍ حتى يحول عليه الحول، فلو تلف المال قبل تمام الحول أو نقص النصاب فلا زكاة فيه، ولو مات المالك قبل تمام الحول فلا زكاة عليه ولا على الورثة، فلو ورث الشخص مالاً فلا زكاة فيه حتى يحول عليه الحول عنده.
ويستثنى من ذلك ربح التجارة ففيه الزكاة إذا تم حول رأس المال، وإن لم يتم الحول على الربح.
ويُستثنى من ذلك عروض التجارة؛ فإن حولها حولُ عوضها إذا كان نقدًا أو عروضًا، فإذا كان عند الإنسان دراهم يتم حولها في رمضان فاشترى بها في شعبان مثلاً شيئًا للتكسب والتجارة فإنه يزكيه في رمضان وإن كان لم يمضِ عليه إلا شهر واحد، ولا يجوز أن يؤجل زكاته إلى شعبان من السنة الثانية. ويستثنى من ذلك الأجرة، فإن زكاتها تجب وقت قبضها إذا كان قد مضى على عقد الإجارة حول، فإن كان قد قبض الأجرة في أول الحول فلا يزكيها حتى يحول عليها الحول وهي في يده.
وإذا كان الشخص يملك من المال شيئًا كالرواتب الشهرية فلا زكاة على شيء منه حتى يحول عليه الحول، وإذا كان يشق عليه ملاحظة ذلك فليزكِّ الجميع في شهر واحد من السنة كل عام فما تم حوله فقد زُكِّي في وقته وما لم يتم حوله فقد عجلت زكاته ولا يضر تعجيل الزكاة، وهذا أكثر يسرًا وأسلم من الاضطراب وأحظى للفقير.
وإذا كان للإنسان عقار يسكنه أو سيارة يركبها أو ماكينة لفلاحته، فلا زكاة عليه في ذلك لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة" (رواه مسلم).
وإذا كان له عقار يؤجره أو سيارة يكدّها في الأجرة أو معدات يؤجرها فلا زكاة عليه فيها، وإنما الزكاة فيما يحصل منها من الأجرة إذا حال عليها الحول.
واعلموا أيها المسلمون أن الزكاة لا تنفع ولا تبرأ منها الذمة حتى توضع في الموضع الذي وضعها الله فيه؛ مثل ذوي الحاجة من الفقراء والمساكين والغارمين الذين عليهم ديون لا يستطيعون وفاءها، قال -تعالى-: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [سورة التوبة: 60].
فلا تحل الزكاة لغني ولا لقوي مكتسب، وإذا أعطيتها شخصًا يغلب على ظنك أنه مستحق فتبين فيما بعد أنه غير مستحق أجزأت عنك والإثم عليه؛ حيث أخذ ما لا يستحق، ويجوز أن تدفعه إلى أقاربك الذين لا تنفق عليهم إذا كانوا مستحقين لها، ولا تجوز للآباء وآبائهم، ولا للأولاد وأولادهم، ويجوز أن تدفعها لشخص محتاج للزواج إذا لم يكن عنده ما يتزوج به، ولا يُقضى بالزكاة دَيْن على ميت، ولا يُسقط بها دَيْن على معسر، ولا تُصرف عن واجب سواها.
وفقني الله وإياكم لأداء ما يجب علينا من مال وعمل على الوجه الذي يرضاه بدون عجز ولا كسل، وزادنا من فضله ما نزداد به قربة إلى ربنا ورفعة في درجاتنا؛ إنه جواد كريم.
اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطان، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله. روى مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-: قال: سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما مِن صاحبِ إِبلٍ لا يفعلُ فيها حقَّها، إِلا جاءت يوم القيامة أَكثر ما كانت، وقَعَد لها بقاعٍ قَرقَرٍ، تَستَنُّ عليه بقوائمها وَأَخفافها، ولا صَاحِبِ بقرٍ لا يفعلُ فيها حقَّها، إِلا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت، وقعد لها بقاع قرقر، تَنْطَحُهُ بقُرُونها، وتطؤهُ بقوائمها، ولا صاحبِ غنمٍ لا يفعل فيها حقها، إلا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت، وقعد لها بقاع قرقر، تَنْطَحُهُ بقُرُونها، وتطؤه بأظلافها، ليس فيها جَمَّاءُ، ولا مُنكَسِرٌ قرنُها. ولا صاحبِ كنْز لا يفعل فيه حقَّه إِلا جاء كنزُهُ يوم القيامة شجاعا أَقرعَ يتبعهُ فاتحا فَاهُ، فَإِذا أَتاه فَرَّ منه، فيناديه: خُذْ كَنْزَك الذي خَبَّأْتَهُ، فأنا عنه غنيٌّ، فإذا رأى أن لابدَّ له منه سلك يده في فيه فيقضَمُها قضم الفحل".
قال أَبو الزبير: سمعتُ عبيد بن عمير يقول هذا القول، ثم سألْنا جابر بن عبد الله -عن ذلك-، فقال مثلَ قول عبيد بن عمير، -وقال أَبو الزبير: سمعتُ عبيد بن عمير- يقول: "قال رجل: يا رسولَ الله، ما حقُّ الإِبل؟ قال: "حَلَبُها على الماء، وإعارَةُ دَلْوِها، وإِعَارةُ فَحْلِها، ومَنيحتُها، وحملٌ عليها في سبيل الله" (رواه مسلم).
وأما زكاة بهيمة الأنعام -وهي الإبل والبقر والغنم ضأنًا كان أم ماعزًا- فأقل النصاب في الإبل خمس، وأقل نصاب البقر ثلاثون، وأقل نصاب الغنم أربعون، ولا زكاة فيما دون النصاب، ولا يؤخذ في الزكاة خيار أموال الناس ولا شرارها، بل يؤخذ أوسطها.
وإنما تجب فيها الزكاة إذا كانت سائمة، والسائمة: هي التي ترعى الكلأ والعشب النابت كل السنة أو أكثرها، فإن لم تكن سائمة، وكان صاحبها هو الذي يعلفها فلا زكاة فيها إلا أن تكون للتجارة، فإن أُعِدَّت للتكسب بالبيع والشراء فهي عروض تجارة، تُزَكَّى زكاة تجارة، سواء أكانت سائمة أم تُعْلَف إذا بلغت نصابًا؛ يقوِّمها كل عام مرة، ويُخرِج زكاتها ربع عشر قيمتها.
وأما المواشي في المزارع التي لا يُقصد التجارة بها، وليست سائمة، ولكن أربابها ينفقون عليها، ويأكلون منها، ويشربون من ألبانها، ولا قُصد لهم في التجارة بها، وليست سائمة، فهذه لا زكاة عليها.
يا مَن وفَّقك الله لأدائها وأعانَك على إخراجها، جعلها الله لك طَهورًا ونورًا وقربَة وسرورًا، وآجَرك الله فيما أعطَيتَ، وبارك لك فيما أنفَقتَ، قال جل في عُلاه: (وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُضْعِفُونَ)، وقال رسول الله: "ما نقَصَت صدقةٌ من مال" (أخرجه مسلم).
اللهم يا عزيز يا حكيم أعز الإسلام والمسلمين، وانصر إخواننا المجاهدين وارفع البأس والظلم والجوع عن إخواننا المستضعفين، اللهم آمنا في أوطاننا، واحفظ علينا ديننا وأمننا، وأصلح ولاة أمورنا، ووفقهم لإصلاح رعاياهم، وارزقهم البطانة الصالحة المصلحة، اللهم أيدهم بالحق وأيد الحق بهم، واجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، سلمًا لأوليائك حربًا على أعدائك.
اللهم فك أسرى المسلمين، واقض الدين عن المدينين، واهد ضالهم، وهيئ لأمة الإسلام أمرًا رشدًا يعز فيه أهل طاعتك، ويهدى فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر.
اللهم بارك لنا فيما أعطيتنا، وأغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك، وأغننا برحمتك يا حي يا قيوم، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين واجعلنا من أهل جنة النعيم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله الطاهرين، وصحبه أجمعين، وعنا معهم برحمتك وفضلك ومنك يا أكرم الأكرمين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي