من مسببات ضيق الصدر: ظلم الناس وإيذاؤهم وغيبتهم والسعي في النميمة بينهم والكذب والفجور في الخصومة, واستباحة أعراضهم وقرضها بالألسن والحسد والغش في المعاملة والمكر والخديعة والعجب بالنفس, والشماتة والسخرية بالناس والمراء والجدال والطمع, كل هذه الأمور مسببات كبرى للمشاكل النفسية...
الحمد لله الذي أعطانا من النعم ما لا نحصيه عدَّا, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أنَّ محمدا عبد الله ورسوله, إمام المتقين وقدوة الناس أجمعين, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً, أما بعد:
فاتقوا الله -أيها المؤمنون-, أطيعوا ربكم وأنيبوا إليه واشكروه على آلائه العظيمة.
عباد الله: الدنيا دار لا تخلو من الهموم والمشكلات والمصائب, وبعض من الناس يشتكي ضيقة الصدر وكثرة الهم والغم, وقد تجره إلى مشكلات نفسية, والسبب الأول في ذلك, ضعف الإيمان بالله -عز وجل- وضعف الإيمان بالقضاء والقدر, وإنَّه كلما قوي إيمان المسلم فإنَّه لا تلج إليه الهموم والغموم والوساوس والأحزان.
ومن مسببات ضيق الصدر:
أولاً: الإعراض عن الله والتعلق بغيره, قال ابن القيم -رحمه الله-: "وَمِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ ضِيقِ الصَّدْرِ الإِعْرَاضُ عَنِ اللَّهِ -تَعَالَى-، وَتَعَلُّقُ الْقَلْبِ بِغَيْرِهِ، وَالْغَفْلَةُ عَنْ ذِكْرِهِ، وَمَحَبَّةُ سِوَاهُ، فَإِنَّ مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا غَيْرَ اللَّهِ عُذِّبَ بِهِ، وَسُجِنَ قَلْبُهُ فِي مَحَبَّةِ ذَلِكَ الْغَيْرِ، فَمَا فِي الأَرْضِ أَشْقَى مِنْهُ، وَلا أَكْسَفُ بَالا، وَلا أَنْكَدُ عَيْشًا، وَلا أَتْعَبُ قَلْبًا".
ثانياً: عدم إقامة الصلوات الخمس مع الجماعة في المسجد, وعدم أدائها في أوقاتها بأركانها وواجباتها وسننها ونوافلها القبلية والبعدية.
ثالثاً: عدم الإكثار من ذكر الله -تعالى- والإقلال من قراءة القرآن الكريم؛ فإن قراءة القرآن تشرح الصدور وتُذهب الكدر والأحزان, قال -تعالى-: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا) [طه: 124], قال السعدي -رحمه الله-: "بعض المفسرين، يرى أنَّ المعيشة الضنك، عامة في دار الدنيا، بما يصيب المعرض عن ذكر ربه، من الهموم والغموم والآلام، التي هي عذاب معجل، وفي دار البرزخ، وفي الدار الآخرة، لإطلاق المعيشة الضنك، وعدم تقييدها".
وقال ابن القيم -رحمه الله-: "فَالْمُعْرِضُ عَنْهُ لَهُ مِنْ ضَنْكِ الْمَعِيشَةِ بِحَسَبِ إِعْرَاضِهِ، وَإِنْ تَنَعَّمَ فِي الدُّنْيَا بِأَصْنَافِ النِّعَمِ، فَفِي قَلْبِهِ مِنَ الْوَحْشَةِ وَالذُّلِّ وَالْحَسَرَاتِ الَّتِي تَقْطَعُ الْقُلُوبَ، وَالأَمَانِي الْبَاطِلَةِ وَالْعَذَابِ الْحَاضِرِ مَا فِيهِ، وَإِنَّمَا يُوَارِيهِ عَنْهُ سَكَرَاتُ الشَّهَوَاتِ وَالْعِشْقِ وَحُبِّ الدُّنْيَا وَالرِّيَاسَةِ إلى أن قال: فَالْمَعِيشَةُ الضَّنْكُ لازِمَةٌ لِمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي دُنْيَاهُ وَفِي الْبَرْزَخِ وَيَوْمَ مَعَادِهِ".
رابعاً: الاستماع إلى الأغاني والمعازف التي هي مفتاح عظيم من مفاتيح الهم والغم والكدر والحزن.
خامساً: فعل المحرَّمات ومنها: سماع ما حرَّم الله سماعه, أو بقول ما حرَّم الله, أو بالنظر إلى ما حرَّم الله من النظر إلى النساء التي لا يحل النظر إليها, أومشاهدة المقاطع المحرمة, أو بالمشي إلى ما حرَّم الله.
سادساً: الكسل والخمول والخلود إلى الدعة والراحة البدنية, فتكثر على الكسول الوساوس والظنون السيئة والحساسية المفرطة, فتراه حسَّاساً, يحاسب على كل كلمة تقال, وكل زلة يراها, ويتساءل في نفسه أو مع غيره, لماذا لا يكون كذا, لماذا لا يحصل كذا, لماذا فلان قال كذا, لماذا فعل كذا؟, فتتراكم عليه المشاكل وتتراكب على قلبه الهموم.
سابعاً من مسببات ضيق الصدر: ظلم الناس وإيذاؤهم وغيبتهم والسعي في النميمة بينهم والكذب والفجور في الخصومة, واستباحة أعراضهم وقرضها بالألسن والحسد والغش في المعاملة والمكر والخديعة والعجب بالنفس, والشماتة والسخرية بالناس والمراء والجدال والطمع, كل هذه الأمور مسببات كبرى للمشاكل النفسية.
ثامناً: التعلق بالدنيا والاغترار بها والاستهانة بالمعاصي, قال -تعالى-: (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُور) [لقمان: 33], قال الإمام السمعاني -رحمه الله-: "أَي: لا يَغُرنكُمْ الْغرُور، وَهُوَ الشَّيْطَان, وقَالَ الْحسن: من الْغرُور أَن تعْمل الْمعْصِيَة، وتتنمى على الله الْمَغْفِرَة", وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ فَرَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلا مَا كُتِبَ لَهُ، وَمَنْ كَانَتْ الآخِرَةُ نِيَّتَهُ جَمَعَ اللَّهُ لَهُ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ" (أخرجه الترمذي).
فيا عباد الله: اعملوا لآخرتكم فهي حياتكم الحقيقية, فمن عمل لآخرته, جمع الله له ما تشتت من أمره, ورزقه مولاه القناعة, وسوف يأتيه رزقه الذي كتبه الله له كاملاً بلا نقصان, والذي يعمل لآخرته يصدق في حديثه ولا يغش في بيعه, ويتقن عمله الذي يتقاضى عليه مالا, فيبارك الله له فيه, وسوف يجد السعادة بمشيئة الله؛ لاجتماع أمره وقناعته بما قسم الله له من رزق.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي