التحذير من بعض الشركيات

عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر
عناصر الخطبة
  1. اهتمام الإسلام بتنقية دين الناس من الضلال .
  2. حقيقة التوحيد .
  3. التعلق بالخيوط والخرز والصدف وحكم ذلك .
  4. مما يلحق بهذه المتعلقات في العصر الحديث .

اقتباس

إن هذا الدِّينَ القويمَ يقوم على تنقية دين الناس من كل انحراف وضلال، وبعدٍ عن الصراط المستقيم، وعلى تنقية عقولهم من الخرافات الواهية، والخزعبلات الباطلة، التي ما أنزل الله بها من سلطان، دينٌ ينهض بأهله إلى عالي المقامات ورفيعها، وعالي الدرجات ورفيعها، فاحمدوا الله على هذا الدين، واسألوا الله -جل وعلا- أن يثبتكم عليه إلى الممات.

 

 

 

 

الحمد لله الذي أتم لنا النعمة، ووالى علينا العطيّة والمنّة، وجعل أمتنا -أمة الإسلام- خير أمة، هدانا إليه صراط مستقيمًا، ودلّنا إلى دينه القويم، فلله الحمد أولاً وأخرًا، وله الشكر ظاهرًا وباطنًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أبان التوحيد وأوضح معالمه، وحمى حماه، وسدَّ الذرائع المفضية إلى الإخلال بأصله أو الإنقاص من كماله ووفائه، صلّى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وجزاه عنا وعن أمة الإسلام خير ما جزى نبيًا عن أمته.

أما بعد:

عباد الله: اتقوا الله تعالى؛ فإن تقوى الله -عز وجل- أساس السّعادة، وسبيل الفلاح في الدنيا والآخرة، ثم اعلموا -رعاكم الله- أن مِنّة الله عليكم بهذا الدين عظيمة؛ حيث هداكم لهذا الدين، وجعلكم من أمّة محمد -صلى الله عليه وسلم-، معلمِ الخير، وهادي البشرية إلى صراط الله المستقيم، دين الله -جل وعلا- الذي ارتضاه لعباده، ولا يقبل منهم دينًا سواه، دين التوحيد والإخلاص، دين الإسلام والإيمان، دين البر والإحسان، دين الوفاء والصفاء.

عباد الله: إن هذا الدِّينَ القويمَ يقوم على تنقية دين الناس من كل انحراف وضلال، وبعدٍ عن الصراط المستقيم، وعلى تنقية عقولهم من الخرافات الواهية، والخزعبلات الباطلة، التي ما أنزل الله بها من سلطان، دينٌ ينهض بأهله إلى عالي المقامات ورفيعها، وعالي الدرجات ورفيعها، فاحمدوا الله على هذا الدين، واسألوا الله -جل وعلا- أن يثبتكم عليه إلى الممات.

عباد الله: وإن من منة الله علينا بهذا الدين، دين الإخلاص والتوحيد، دين صفاء العبادة لرب العالمين، دين تعلق القلب بالله وحده خضوعًا وتذللاً، طمعًا وأملاً، تعلقًا بالله وحده دونما سواه، وإن من شكر الله -جل وعلا- على الهداية لهذا الدين أن يحرص كل فرد من أفراده على الحفاظ عليه، وحسن رعايته، والبعد كلّ البعد عن كل أمر يذهب أصله أو ينقص كماله.

عباد الله: وإن التوحيد الذي هو أساس هذا الدين يعني إخلاص الأعمال كلها لله، فلا يسأل إلا الله، ولا يستغاث إلا بالله، ولا يطلب المدد والعون والشفاء والعافية إلا من الله؛ فهو -جل وعلا- الذي يجيب المضطر إذا دعاه، وهو الذي يكشف الكربات، ويزيل الشدات، وهو -تبارك وتعالى- الذي بيده أزمة الأمور، لا ربّ إلا هو، ولا خالق إلا إياه، ولا معبود بحق سواه.

عباد الله: وإن مما ينقص هذا التوحيد -ولربما كان مُذْهِبًا لأصله، مُبطِلاً له من أساسه- التعلق بالخيوط والخرز والصدف ونحوها؛ لجلب النفع أو دفع الضر، فإن هذا -عباد الله- من الشرك بالله -جل وعلا-؛ فإن من الشرك بالله تعليق التمائم والحروز والخرز ونحوها؛ لجلب النفع أو دفع الضر، والله -جل وعلا- يقول في محكم التنزيل: (قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِي اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِي اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ) [الزمر: 38]، الاعتماد إنما يكون على الله -جل وعلا-، وطلب الشفاء وطلب دفع البلاء ورفعه إنما يكون من الله، فهو -جل وعلا- المعطي المانع، الخافض الرافع، الذي بيده أزمّة الأمور، روى الإمام أحمد في مسنده بإسناد لا بأس به عن عمران بن حصين -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلاً في يده حلقة من صفر -والصفر النحاس- فقال: "ما هذه؟!". قال: من الواهنة -والواهنة مرض يصيب العضد-. قال -صلى الله عليه وسلم-: "انبذها". وفي رواية: "انزعها؛ فإنها لا تزيدك إلا وهنًا، وإنك لو مت على ذلك مت على غير ملة محمد -صلى الله عليه وسلم-".

وروى الإمام أحمد عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من تعلّق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعةً فلا ودع الله له". وفي رواية: "من تعلّق تميمة فقد أشرك". وصح عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: "إن الرقى والتمائم والتولة شرك". وتأمل هذه الأحاديث، وأمثالها في السنة كثير، وهذا -عباد الله- من نصح النبي -صلى الله عليه وسلم- وبيانه لأمته -أمة الإسلام- لتبقى أمة عزيزة، متعلقة بربها، معتمدة على خالقها ومولاها، منه وحده تطلب الشفاء، وإليه وحده تلتجئ، لا إلى خيوط وحروز، ولا إلى نحاس وحديد، ولا إلى صدف وودع، من مخلوقات لا تغني عن نفسها شيء، فضلاً عن أن تجلب لغيرها نفعًا أو دفعًا.

عباد الله: وإن تعليق هذه الأشياء -أعني الخرز والودع والخيوط والحلق وما كان في معناها- لا يخلو مُعَلِّقُها من أحد حالين: الحالة الأولى أن يعلقها وهو يعتقد فيها أنها جالبة رافعة، جالبةٌ للشفاء رافعةٌ للبلاء، فإن اعتقد ذلك في هذه الأشياء فهذا شرك أكبر، ناقل من ملة الإسلام، باتفاق علماء المسلمين، والأدلة على ذلك ظاهرة، وقد تقدم الإشارة إلى بعضها.

والحالة الثانية -عباد الله- أن يعلِّق هذه الأشياء وهو يعتقد أن النافعَ الضارَّ، الجالب المانع، المعطي المانع، هو الله -جل وعلا-، وإنما يعلِّق هذه الأشياء ظنًّا منه أنها وسيلة وسبب للشفاء، ففي هذه الحالة عمله هذا من الشرك الأصغر، الذي يناقض كمالَ التوحيدِ الواجب؛ لأنه من المعلوم بالضرورة -عباد الله- أن هذه الأشياء ليست من وسائل الشفاء، لا الشرعية ولا القدرية؛ ولهذا يجب على كل مسلم أن يكون في غاية الحيطة، وفي تمام الحذر، وفي تمام الرعاية لتوحيده؛ صيانةً له من كلِّ أمر يخل به، أو ينقص تمامه وكماله، أو يفسدَه ويذهبَه بالكلية، ولتبقى القلوب متعلقة بالله، متوكِّلة عليه، تعتمد عليه وحده، وتلتجئ إليه لا إلى سواه، وقد كان -عليه الصلاة والسلام- إذا أُتي إليه بمريض رَقَاه بقوله: "اللهم ربَّ الناس، أذهب البأس، واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقمًا".

اللهم بَصِّرنا بديننا، واهدنا إلى صراطك المستقيم، وجنبنا الشرك كله: دقه وجله، صغيره وكبيره، اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك ما نعلم، ونعوذ بك اللهم مما لا نعلم، اللهم وفقنا لما تحب وترضى، واغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، واغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك أنت الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله الأخيار وصحابته الأبرار، ما تعاقب الليل والنهار.

أما بعد:

عباد الله: اتقوا الله تعالى، ثم اعلموا -رحمكم الله- أن مما يلتحق بما سبق من تلك الحروز والتعاليق الباطلة التي ما أنزل الله بها من سلطان، والتي يعلقها بعض الناس اعتقادًا فيها أنها تجلب نفعًا أو تدفع ضرًا أو تدفع عينًا أو نحو ذلك، مما لم ينزل به -تبارك وتعالى- سلطانًا، إن مما يلتحق بذلك -عباد الله- ما يُشاهد في بعض السيارات -لاسيما الشاحنات- من تعليق بعض الخرق السوداء في مقدمتها أو مؤخرتها، ويزعم من يُعَلِّقها أنّها تقي العين، أو تُسَلِّم السيارة من الحوادث أو نحو ذلك من الاعتقادات الباطلة والظنون الزائفة، التي تنشأ عن الجهل بدين الله، وعدمِ البصيرة بهُدى كتابه وسنة نبيه -صلوات الله وسلامه عليه-، أين عقول هؤلاء؟! ماذا تغني تلك الخرق المعلقة؟! ماذا تغني عن صاحبها أو عن سيارته؟! إن هذا -عباد الله- من التعلُّق بغير الله: "ومن تعلق شيئًا وُكِل إليه"، "ومن تعلّق تميمة فلا أتم الله له"، كما صح بذلك الحديث عن رسول الله -صلوات الله وسلامه عليه-.

والواجب على أصحاب تلك السيارات أن يتقوا الله -عز وجل- بالحذر من مخالفة دينه، ومن مباينة التوحيد، والواجبُ على أصحاب تلك السيارات أو المسئولين عن تلك المؤسسات والشركات أن يمنعوا هؤلاء العوام من الجهال وأشباههم من أمثال هذه التعاليق التي لا فائدةَ فيها إلا الإضرار بالدين، والإخلال بالمعتقد.

نسأل الله -جل وعلا- أن يهدينا إليه، وأن يوفقنا لاتباع سنته، وأن يجنبنا كلَّ أمر يخالف التوحيد والاعتقاد الخالص، وأن يجعلنا من المعتمدين عليه حقًّا، ومن المتوكلين عليه صدقًا، وأن لا يكلنا إلا إليه، وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين؛ إنه سبحانه سميع الدعاء، وهو أهل الرجاء، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وصلوا وسلموا -رعاكم الله- على إمام الهداة، وخير الدعاة، محمد بن عبد الله، كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب: 56]، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، الأئمة المهديين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنّا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واحم حوزة الدين يا رب العالمين.

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى، وأعنه على البر والتقوى، وسدده في أقواله وأعماله، وألبسه ثوب الصحة والعافية، اللهم ووفق جميع ولاة أمر المسلمين للعمل بكتابك، واتباع سنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، واجعلهم رحمة ورأفة على عبادك المؤمنين.

اللهم آت نفوسنا تقواها، زكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر.

اللهم إنا نسألك من كل خير خزائنه بيدك، ونعوذ بك اللهم من كل شر خزائنه بيدك، وأن تجعل كلَّ قضاء قضيته لنا خيرًا، اللهم أصلح ذات بيننا، وألف بين قلوبنا، واهدنا سبل السلام، وأخرجنا من الظلمات إلى النور، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وأزواجنا وذرياتنا وأموالنا، واجعلنا مباركين أينما كنا، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أنت أعلم به منا، أنت المقدِّم وأنت المؤخِّر، لا إله إلا أنت، ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

عباد الله: اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
 

 

 

 

 


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي