تذكَّروا -رعاكم الله- أن هذه الحياةَ الدنيا التي نعيشها ونحياها الآن، ميدان للعمل، وما يقدمه فيها العبد من خير أو شر، يلقاه بين يديه يوم القيامة، يوم يلقى الله، يوم يقف بين يدي الله -تبارك وتعالى-، إن كان قدم إحسانًا لقي يوم القيامة إحسانًا، وإن كان قدم إساءةً لقي يوم القيامة من جنس عمله...
الحمد لله حمد الشاكرين، وأثني عليه ثناء الذاكرين، لا أحصي ثناءً عليه هو كما أثنى على نفسه، أحمده -جلّ وعلا- على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، وعلى آلائه ومننه التي لا تُستقصى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
عباد الله: اتقوا الله تعالى؛ فإن من اتقى الله وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه، ثم اعلموا -رحمكم الله- أن الله بحكمته قضى أن الجزاء من جنس العمل في الخير والشر، ليعرف العباد أنه حليم عليم رؤوف رحيم، وليرغبوا في الخير وليحذروا من أسباب العذاب الأليم، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "الراحمون يرحمهم الرَّحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء"، إن الله طيب لا يقبل من الأعمال والأقوال والنفقات إلا طيبًا، والله جواد يحب الجود، كريم يحب الكرم، وما أنقصت صدقة من مال بل تزيده، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًّا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه، ومن أحسن إلى الخلق أحسن الله إليه، ومن عَفَا عنهم عَفا الله عنه، ومن غفر لهم غفر الله له، ومن تكبّر عليهم وضعه الله، ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن فرَّج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرّج الله عنه كربة من كرَبِ يوم القيامة، والله في حاجة العبد ما كان العبد في حاجة أخيه، ومن سلك طريق يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة، ومن غدا إلى المسجد أو راح، أعد الله له نزلاً من الجنة كلما غدا أو راح، ومن أمسك عمَّا عليه أتلفه الله، وما ظهر الغلول وأكل المال بغير حق في قوم إلا أوقع الله في قلوبهم الرعب وابتلاهم بالذل، وما نقص قومٌ المكيال والميزان إلا قطع عنهم الرّزق، وما نكث قوم العهد إلا سُلِّط عليهم الأعداء، وما فَشَا في قوم الزنا إلا كثر فيهم الوباء والموت، وما حكم قوم بغير ما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم، ومن وصل رحمه وصله الله، ومن قطعها قطعه الله، ومن آوى إلى الله آواه الله، ومن استحيا من الله استحيا الله منه، ومن أعرض عن الله أعرض الله عنه، ومن تقرّب إلى الله تقرب الله منه أكثر، ومن أشبع مسلمًا من جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، ومن سقاه على ظمأ سقاه الله من أنهار الجنة، ومن كساه من عُري كساه الله من حلل الجنة، ومن نصر أخاه المسلم نصره الله، ومن خذله خذله الله، ومن تتبع عورات المسلمين تتبع الله عورته وأظهر عيوبه، ومن سترهم وأغضى عن معايبهم ستره الله، ومن يستعفف يعفّه الله، ومن يستغن يُغنِه الله، ومن يصبر يُصبِّره الله، ومن أقال مسلمًا بيعته أقال الله عثرته يوم القيامة، ومن أخذ أموال الناس يريد أداءها أداها الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله، ومن ظلم قيد شبر من الأرض طُوِّقَهُ من سبع أراضين يوم القيامة، ومن فرَّق بين والدة وولدها فرَّق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة، ومن جمع بين متحابَّيْن أو أصلح بين اثنين جمع الله بينه وبين أحبته وأصلح له شأنه، ومن كانت هِمتُه الآخرة جمع الله له شمله، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا راغمة، ومن كانت همّه الدنيا فرق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب الله له... وهكذا -عباد الله- في جميع الأمور، الجزاء من جنس العمل، وكما تدين تُدان، فمن يعمل مثقال ذرّة خيرًا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرًّا يره.
منَّ الله علينا أجمعين بالقيام بالأسباب النافعة والأعمال الصالحة، وحمانا من الأسباب الضارة، وهدانا إليه صراطًا مستقيمًا، أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
عباد الله: اتّقوا الله تعالى، واعلموا أنَّ تقوى الله -جلّ وعلا- أساس السعادة، وسبيل الفلاح في الدنيا والآخرة، ثم تذكَّروا -رعاكم الله- أن هذه الحياةَ الدنيا التي نعيشها ونحياها الآن، ميدان للعمل، وما يقدمه فيها العبد من خير أو شر، يلقاه بين يديه يوم القيامة، يوم يلقى الله، يوم يقف بين يدي الله -تبارك وتعالى-، إن كان قدم إحسانًا لقي يوم القيامة إحسانًا، وإن كان قدم إساءةً لقي يوم القيامة من جنس عمله، قال الله تعالى في الإحسان: (هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ) [الرحمن: 60]، وقال الله تعالى في الإساءة: (ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوءَى) [الروم: 10]، فكما تدين تُدان.
فاتقِ الله -عبدَ الله- ما دمت في دار العمل، وعليك بالبدار إلى صالح الأعمال، وسديد الأقوال، قبل فوات الأوان.
نسأل الله -جلّ وعلا- أن يأخذ بنواصينا إلى الخير، وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، وأن يهدينا سواء السبيل، وصلوا وسلموا -رعاكم الله- على إمام الهداة محمد بن عبد الله، كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب: 56]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرًا"، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين: أبى بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهمّ أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، وأذلّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واحمِ حوزة الدين يا رب العالمين، اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى، اللهم أعنه على البر والتقوى، وسدده في أقواله وأعماله، وألبسه ثوب الصّحة والعافية، وارزقه البطانة الصالحة الناصحة، اللهم وفق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، واتباع سنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، واجعلهم رحمة ورأفة على عبادك المؤمنين، اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، والفوزَ، بالجنة والنجاة من النار.
اللهم إنا نسألك من كل خير خزائنه بيدك، ونعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك، اللهم آتِ نفوسنا تقواها، زكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموت راحةً لنا من كل شر، اللهم اغفر لنا ذنبنا كله: دقه وجله، أوّله وآخره، سره وعلنه، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أسرفنَا وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي