إن العافيةُ: هي تأمين الله لعبده مِن كلِّ نِقْمَةٍ ومِحنَة، بصرف السُّوء عنه ووقايته من البلايا والأسقام، وحفظه من الشرور والآثام، وقد سأل -صلى الله عليه وسلم- العافيةَ في الدنيا والآخرة؛ فهي دعوةٌ جامعةٌ وشاملةٌ للوقاية من الشرور كلِّها في الدنيا والآخرة، ومن أوتي العافيةَ في الدنيا والآخرة؛ فقد أوتي الخير بمجامعه، والعافيةُ من كل أبوابها..
إن الحمد لله.... أمّا بعد:
فآمنوا بالله واتقوه واعلموا أن الله تعالى يجيب من دعاه ويكشف السوء عمن ناداه، وهل علمت يا عبد الله دعاء كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو به كثيرا؟.
كيف لا وقد أوتي -صلى الله عليه وسلم- جوامع الكلم واختصر له الكلام اختصاراً، كان النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- كلَّ صباح ومساء، بل كان لا يَدَعُها كلَّ ما أصبح وأمسى؛ فعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: "لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَدَعُ هَؤُلاَءِ الدَّعَوَاتِ حِينَ يُمْسِي وَحِينَ يُصْبِحُ: "اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ العَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ"، "اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي"، "اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي، وَآمِنْ رَوْعَاتِي"، "اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنَ يَدَيَّ، وَمِنْ خَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي، وَعَنْ شِمَالِي، وَمِنْ فَوْقِي، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي" (رواه أبو داود وابن ماجه والحديث صحيح).
فقد بدأ -صلى الله عليه وسلم- هذا الدعاءَ العظيمَ بسُؤال الله العافية في الدنيا والآخرة؛ فالعافيةُ لا يَعدِلُها شيءٌ، ومن أُعطي العافيةَ في الدنيا والآخرة؛ فقد كَمُلَ نَصِيبُه من الخير، روى الترمذي في سننه وصحَّحه الألباني عن العباس بن عبد المطلب -رضي الله عنه- عمِّ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "قلتُ يا رسول الله، علِّمنِي شيئاً أسألُه اللهَ -عز وجل-، قال: " سَلِ اللهَ العافيةَ"؛ فمَكثْتُ أياماً، ثمَّ جِئتُ فقلت: يا رسول الله علِّمْنِي شيئاً أسأله اللهَ، فقال لي: "يا عبَّاسُ يا عمَّ رسولِ الله، سَل اللهَ العافيةَ في الدُّنيا والآخرَة"؛ ففي أمره -صلى الله عليه وسلم- للعباس بالدعاء بالعافية بعد تكرير العباس سؤاله بأن يعلمه شيئا يسأل الله به دليل واضح أن الدعاء بالعافية لا يغني عنه شيء من الأدعية ولا يقوم مقامه شيء من الكلام الذي يُدعى به ذو الجلال والإكرام.
وفي المسند وسنن الترمذي وصحَّحه الألباني عن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-: أنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "سَلُوا الله العَفْوَ والعافيةَ، فإنَّ أحداً لَم يُعْطَ بعد اليَقين خَيراً من العافية".
فما العافية ؟
إن العافية: هي دفاع الله عن العبد، إن العافيةُ أيها الأخوة: هي تأمين الله لعبده مِن كلِّ نِقْمَةٍ ومِحنَة، بصرف السُّوء عنه ووقايته من البلايا والأسقام، وحفظه من الشرور والآثام.
وقد سأل -صلى الله عليه وسلم- العافيةَ في الدنيا والآخرة، والعافيةَ في الدِّين والدنيا والأهلِ والمال؛ فأمَّا سؤال العافية في الدِّين؛ فهو طلبُ الوقاية من كلِّ أمرٍ يَشِينُ الدِّينَ أو يُخِلُّ به.
وأمَّا العافية في الدنيا؛ فهي طَلَب الوقاية من كلِّ أمرٍ يَضُرُّ العبدَ في دنياه مِن مُصيبة أو مرض أو فقر!، وما أكثر بَلاءات الدنيا و نكدها (لقد خلقنا الإنسان في كبد).
وأمَّا العافية في الآخرة؛ فهي طَلَبُ الوقاية من أَهوال الآخرة وشدائدها وما فيها من أنواع العقوبات.
وأمَّا العافية في الأهل فبِوِقَايَتِهم مِن الفتَن وحِمايَتِهم من البَلاَيَا والمحن، وأمَّا العافية في المال فبِحفظِه مِمَّا يُتْلِفُه أو أن يدخله حق للغير؛ فيقسده!
ونحو ذلك؛ فجَمَع في ذلك سؤالَ الله الحفظَ من جَميع العَوارِض المُؤْذِيَة والأخطار المُضِرَّة.
ومما يدل على فضل هذا الدعاء أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- علّم الحسن بن علي -رضي الله عنهما- دعاء في قنوت الوتر وذكر فيه قوله: "وعافنِي فيمَن عافيت"؛ فهذا سؤالُ الله العافية المطلقة، وهي العافية؛ من الكفر والفسوق والعصيان والغفلة والأمراض والأسقام والفتن، وفعل ما لا يحبُّه أو ترك ما يحبه؛ فهذه حقيقةُ العافية.
ولهذا ما سُئل الرَّبُّ شيئاً أحبَّ إليه من العافية؛ لأنَّها كلمةٌ جامعةٌ للتخلُّص من الشَّرِّ كلِّه وأسبابه، ومِمَّا يدل على هذا ما رواه شَكَل بن حُميد -رضي الله عنه- قال: قلت يا رسول الله! علِّمني دعاءً أنتفعُ به، قال: "قل اللَّهمَّ عافنِي من شَرِّ سَمعي وبصري ولساني وقلبِي وشَرِّ مَنِيِّي" (رواه البخاري في الأدب المفرد وصحَّحه الألباني).
فهي دعوةٌ جامعةٌ وشاملةٌ للوقاية من الشرور كلِّها في الدنيا والآخرة، ومن أوتي العافيةَ في الدنيا والآخرة؛ فقد أوتي الخير بمجامعه، والعافيةُ من كل أبوابها.
نسأل الله العافية..
الحمدُ للهِ ربِّ العَالَمِين, وَالعَاقِبةُ للمُتّقِين, وَلا عُدوانَ إِلا عَلَى الظَّالِمين, وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشهدُ أَنَّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَرَسُولهُ, -صَلَى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلّمَ- تَسلِيماً كَثِيراً، أما بعد:
فيأيها المبارك: لا أظنك بعد هذا تستقل الدعاء بالعافية؛ الدعاء بالعافية يتأكد بالدعاء به، حينما ترى خلقاً من خلق الله فاتتهم العافية فهم في غيهم يترددون، وقد سلمت مما ابتلاهم الله به؛ فالدعاء بالعافية حينما ترى قوما ثقلت عليهم صلاتهم، والأذان فوق رؤسهم وهم في بيوتهم يستخفون، ويقولون: لعل الناس يظنون أننا لسنا فيها، أو منها خارجون! (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ) [النساء: 108].
الدعاء بالعافية؛ حينما ترى أو تسمع عن قوم يشترون ما يهدم دينهم ويتلف أبدانهم ويتعاطون ما يفسد عقولهم من خمر أو مخدر، أو ما يكون بوابة له من دخان خبيث!
سل الله العافية؛ حينما ترى السجون ونزلاءها، والمستشفيات وأصحابها.
سل الله العافية؛ حينما تسمع من يتبنى الأفكار الرديئة والتوجهات السيئة، ولا يرى قدراً لعالم أو ناصح او مسؤول !
قال مجاهد: "لا أدري أي النعمتين علي أعظم أن هداني للإسلام أو عافاني من هذه الأهواء".
سل الله العافية؛ حينما ترى من أطلق لسانه، وجندوا حساباتهم في أعراض المصلحين، والعلماء الراسخين في مهاترات كلامية، بما يشفي صدور الحاقدين، وتقر به أعين المتربصين.
ولو أرادوا النقد الناصح، وتصحيح المسار لوجدوا طريقة.
سل العافية؛ حينما ترى من قطع رحمه وطال هجره لأقاربه؛ فهو على خصام معهم، وجفوة بينهم، ولم يبال بحق والديه ولم يرفع رأساً حينما قيل له؛ إن قطيعتك لأرحامك هي نوع من عقوقك لوالديك أحياء كانوا أو ميتين؛ فلا تدًّع براً وقد علمنا حالك مع إخوتك وأخواتك وبني عمك!
سل الله العافية؛ حينما ترى أناساً يصنفون أنفسهم من العقلاء ذوي الرشاد ثم إذا جالستهم ترى اهتماماتهم في وسائل إلهاء الأمة وتخدير الشعوب وحققوا مقولة العدو الأول: أشغلوهم بالفن والرياضة؛ فهي حديثهم وبها يغردون ولأجلها يتعصبون.
سل العافية حينما ترى قوماً فاتهم قول النبي -صلى الله عليه وسلم- "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"؛ فشغلهم الشاغل؛ فيما لا يعنيهم يتتبعون أخبار الناس وينقبون عن خفاياهم ويصنفونهم، "ومن تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته حتى يفضحه في قعر بيته".
نسأل الله العافية.
اللهم احفظنا بحفظك..
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي