ومن حكم تقدير المرض: أن المرض يعرّف الإنسان ضعفه وعجزه؛ فمهما كان قويًا قادراً يمتلك أسباب العافية؛ فإن المرض يحط رحاله عنده رغم أنفه؛ لكي يعلمه بأنه عبد ضعيف عاجز يحتاج إلى مولاه المعبود القوي القادر؛ ليستمد منه قدرة وقوة، وأن يزهِّد الإنسان عن الدنيا ويرغبه في الآخرة؛ بحيث يجعله..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:71 - 72]، أما بعد:
أيها الناس: إن الله تبارك وتعالى خلق هذه الدنيا فجعلها دار تكليف بالعمل الصالح؛ فقال: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) [الملك:2]، وقد قضى الله -عز وجل- بأن يرافق ذلك التكليف ابتلاءٌ بالمكروهات؛ لكي يرجع الناس إلى ربهم، وينشطوا للاستعداد بالعمل ليوم الجزاء، وحتى لا يركنوا إلى حياة الدعة والرخاء؛ فينسيهم ذلك الدار الآخرة.
ألا وإن من صور الابتلاء بالمكروهات؛ الابتلاء بالأمراض والأوجاع التي تصيب البدن؛ فتقعده عن نشاطه وسلامة حركاته، وتفقده الراحة والاستمتاع بحياته، قال تعالى: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) [الأنبياء:35]، قال ابن عباس: (وَنَبْلُوكُمْ) [الأنبياء:35]، أي: "نبتليكم بالشر والخير فتنة، بالشدة والرخاء، والصحة والسقم، والغنى والفقر، والحلال والحرام، والطاعة والمعصية، والهدى والضلال".
فبينا يُرى الإنسان متقلبًا في أعطاف العافية نشيطًا مبتسمًا متحركًا، يأكل ما يشاء، ويشرب ما يشاء، وينام متى يشاء، ويذهب أينما يشاء؛ إذا به يهجم عليه مرض من الأمراض؛ فيذبل بعد حيويته، ويعبس بعد بسمته، ويقعد بعد حركته، ويفتر بعد نشاطه، ويعاف مأكله ومشربه ومنامه، ويصبح طريح الفراش، تملأ المكان أصواتُ وجعه وألمه.
عباد الله: إن الله تعالى ذو حكمة بالغة؛ فلا يكون في قضائه شر ولا عبث، ولا تقدير فارغ من الحكمة؛ فالمرض النازل بالخلق قضاء مشتمل على حكم كثيرة؛ فمن تلك الحكم:
أن المرض يرد المخلوق إلى خالقه، والعبد إلى معبوده وسيده؛ فالصحة قد تنسيه العبودية؛ فيلهو عن الله بغيره، ويتعلق قلبه بسواه؛ فيزوره المرض ليقول له: ارجع إلى ربك، وتعلّق به، وانشغل به ولا تنشغل عنه، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ) [الأعراف:94]، يعني: (بِالْبَأْسَاءِ) [الأعراف: 94]، ما يصيبهم في أبدانهم من أمراض وأسقام (وَالضَّرَّاءِ) [الأعراف: 94]، ما يصيبهم من فقر وحاجة ونحو ذلك، (لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ) [الأعراف: 94]، أي: يدعون ويخشعون ويبتهلون إلى الله تعالى في كشف ما نزل بهم.
ومن حكم تقدير المرض: أن المرض يعرّف الإنسان ضعفه وعجزه؛ فمهما كان قويًا قادراً يمتلك أسباب العافية؛ فإن المرض يحط رحاله عنده رغم أنفه؛ لكي يعلمه بأنه عبد ضعيف عاجز يحتاج إلى مولاه المعبود القوي القادر؛ ليستمد منه قدرة وقوة.
ومن حكم تقدير المرض: أنه يزهِّد الإنسان عن الدنيا ويرغبه في الآخرة؛ بحيث يجعله يشتاق إلى الجنة؛ فيسارع إلى العمل لها، ويباعده عن الانشغال بالدنيا المحفوفة بالأكدار والأحزان.
ومن حكم تقدير المرض كذلك: أن المرض يعلّم الإنسان دروس الرحمة والعطف على المرضى؛ فمن مرض ووجد ألم الوجع؛ فإنه سيحس بأوجاع الآخرين؛ فإذا اعتبر؛ فسيسرع إلى رحمة المرضى ومد يد الإحسان إليهم.
أيها المسلمون: إن المرض ينزل على الإنسان صغيراً وكبيراً، غنيًا وفقيراً، مسلمًا وكافراً غير أن المرض في المؤمن الصابر يكون نعمة لا نقمة، وخيراً لا شراً، (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) [النساء:19]، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "عجبًا لأمر المؤمن؛ إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له".
وتتجلى الخيرية والنعمة بالمرض في حق المؤمن: كون المرض يستخرج من المؤمن عبودية الصبر والرضا بأقدار الله تعالى، والصبر من أعظم العبادات التي تربي النفس وتصقلها من شوائب الضعف والعجز والكذب، وترقيها إلى مراتب الصفاء.
والمرض يستخرج من العبد عبودية التضرع والابتهال بين يدي الله تعالى؛ فيدعو العبد السقيم دعاء صادقًا حاراً تكاد نفسه أحيانًا أن تخرج مع كل كلمة من شدة مناداته.
ومن عظم الحاجة إلى إجابة دعواته، ومن ذلك الدعاء: الدعاء بالأدعية الواردة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المرض، فعن عثمان بن أبي العاص الثقفي أنه شكا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجعًا يجده في جسده منذ أسلم؛ فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ضع يدك على الذى تألم من جسدك وقل: باسم الله ثلاثًا، وقل سبع مرات: أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر"، قال عثمان: قال: ففعلت ذلك؛ فأذهب الله ما كان بي؛ فلم أزل آمر بها أهلي وغيرهم.
والمرض إذا نزل بالمؤمن؛ فصبر عنده كان سببًا لتكفير خطاياه، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه"، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة".
عباد الله: إن المرض زار خير الناس: الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-؛ فما وجد عندهم إلا الصبر والرضا؛ فقد ابتلي أيوب -عليه السلام- بالمرض الشديد فكان الصبر له عنوانًا، حتى ضرب بصبره المثل، فما جزع ولا سخط، بل كان عبداً صابراً محتسبًا، وبذلك أثنى الله تعالى عليه، قال تعالى: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) [الأنبياء:83 - 84]، وقال: (إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) [ص:44].
ورسولنا محمد -صلى الله عليه وسلم- مسّه السقم، وذاق مرارة الألم فلم يتضجر ولم يتسخط؛ فعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: "أتيت النبي -صلى الله عليه و سلم- في مرضه وهو يوعك وعكًا شديداً وقلت: إنك لتوعك وعكًا شديداً"!- وقوله: توعك أي: يصيبك الألم والتعب من الحمى- قلت: إن ذاك بأن لك أجرين؟ قال: "أجل، إني أوعك كما يوعك رجلان منكم" قلت: ذلك أن لك أجرين، قال: "أجل، ذلك كذلك، ما من مسلم يصيبه أذى شوكة فما فوقها إلا كفر الله بها سيئاته كما تحط الشجرة ورقها".
وفي مرض موته -عليه الصلاة والسلام- نزل به من ألم مرض الموت ما نزل، قال أنس -رضي الله عنه-: لما ثقل النبي -صلى الله عليه وسلم- جعل يتغشاه؛ فقالت فاطمة -رضي الله عنها-: "وا كرب أباه! فقال لها: "ليس على أبيك كرب بعد اليوم".
أيها الأحبة الفضلاء: إن على المسلم أن لا يحرص على المرض طلبًا للأجر، واختباراً للنفس على الصبر، بل العافية مع الشكر أفضل له من البلاء بالمرض، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أيها الناس، لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا".
ولهذا كان على المسلم أن يقي نفسه أسباب المرض، ويتخذ الوسائل الواقية من نزول السقم، والعملُ بالأسباب من التوكل على الله تعالى؛ ولكن إذا نزل القدر بطل الحذر؛ فمتى قُدِّر على الإنسان حصول المرض فنزل به؛ فإن عليه:
أولاً: أن يصبر على مُرِّ ما نزل به، ولا يضجر مما حل به؛ فالخير فيما اختاره الله، ولا فرار مما قضى الله تعالى: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [التوبة:51].
ثانيًا: أن على المريض المسلم أن يحسن الظن بالله تعالى، ويعلم أن الله تعالى أراد له بذلك الخير؛ تكثيراً لحسناته، وتكفيراً لسيئاته، ورفعًا لدرجاته، وذلك من أمارات إرادة الخير له، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من يرد الله به خيراً يُصبْ منه".
ثالثًا: على المريض المسلم أن لا يسب المرض؛ لأنه قضاء الله، ولأن عاقبته حميدةٌ له في العاجل والآجل؛ فعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل على أم السائب أو أم المسيب؛ فقال: "ما لك يا أم السائب أو يا أم المسيب تزفزفين؟!"-يعني: ترتعدين- قالت: الحمى، لا بارك الله فيها؛ فقال: "لا تسبي الحمى؛ فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد".
رابعًا: على المريض أن يسعى في التداوي إن أراد، بالرقية الشرعية أو بالعقاقير والأدوية الطبية، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء"، وقال: "لكل داء دواء؛ فإذا أصاب دواء الداء برأ بإذن الله -عز وجل-.
ومن الدواء: الدعاء بالشفاء؛ كدعاء؛ "اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار"؛ فمن حسنات الدنيا: العافية؛ فعن أنس -رضي الله عنه-: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عاد رجلاً من المسلمين قد خفتَ فصار مثل الفرخ؛ فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "هل كنت تدعو بشيء أو تسأله إياه؟ قال: نعم، كنت أقول: "اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة؛ فعجله لي في الدنيا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "سبحان الله لا تطيقه - أو لا تستطيعه - أفلا قلت: "اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار"؟ قال: فدعا الله له فشفاه".
أيها المسلمون: إن المرض نقص وضعف وعجز يصيب الإنسان؛ مما يدعو إلى رحمة المريض والعناية به، والإحسان إليه؛ ولذلك اعتنت الشريعة الإسلامية بالمريض عناية خاصة؛ فمن وجوه ذلك: ما شَرعت له من رخص التيسير في الأحكام الشرعية في حال مرضه؛ ففي الطهارة يجب على المسلم الصحيح أن يتطهر من الحدثين بالماء: الاغتسال في الحدث الأكبر، والوضوء في الحدث الأصغر، ولكن إذا مرض فصار استعمال الماء يضره؛ فإن الله تعالى قد شرع له استعمال التراب -تيممًا-، قال تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا) [النساء:43]، وإذا كان على بعض أعضائه جبيرة يضرها استعمال الماء مسح عليها وغسل بقية أعضائه.
وفي الصلاة أمر المسلم أن يأتي بأركانها كما هي من قيام وركوع وسجود واعتدال وغيرها؛ فإذا كان المسلم مريضًا لا يستطيع القيام؛ فيصلي قاعداً؛ فإن لم يستطع صلى على جنب؛ فإن لم يستطع صلى على الحال التي يقدر عليها، ولا تسقط عنه الصلاة مادام عقله موجوداً، والمرض لا يسقِط الصلاة ولكن يخففها، خلافًا لما يفعله بعض المرضى إذ يتركون الصلاة مطلقًا بسبب المرض وهم قادرون عليها على حال من الأحوال السابقة، وهذا منكر عظيم.
وفي الصيام: اشتُرِطَ في وجوبه على المسلم -مع بقية الشروط-: السلامةُ من المرض؛ فإذا كان المسلم مريضًا مرضًا يشق عليه الصيام معه شرع له أن يفطر ويقضي بعد ذهاب علته؛ فإن كان مرضه مزمنًا لا يمكن معه الشفاء أطعم بدل الصيام، قال تعالى: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) [البقرة: 184].
وهناك تخفيفات شرعية كذلك عن المريض في أبواب أخرى، وهذا كله يدل على أن شريعتنا السمحاء تراعي أصحاب الأعذار، وتبني أحكامها على اليسر ودفع المشقة.
نسأل الله لنا ولكم ولجميع المسلمين العفو والعافية في الدنيا والآخرة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله المعبود في أرضه وسمائه، والصلاة والسلام على سيد أنبيائه، وعلى آله وأصحابه خيرةِ أوليائه. أما بعد:
أيها الناس: وكما أن الشريعة الإسلامية اعتنت بالمريض في الأحكام الشرعية؛ أحيانًا بتغيير صفة العبادة وأحيانًا أخرى بالأسقاط لبعضها؛ فهي كذلك دعت المسلمين إلى العناية بالمرضى ورعايتهم؛ فمن صور ذلك: الحث على زيارتهم والاطمئنان على صحتهم، وقد جعل ديننا الحنيف عيادة المسلم لأخيه المسلم حال مرضه حقًا من حقوق المسلمين بعضهم لبعض، قال رسول الله -صلى الله عليه و سلم-: "حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام وعيادة المريض".
وجعل زيارة المريض من أسباب استغفار الملائكة للزائر، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من مسلم يعود مسلمًا غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن عاد عشية إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح، وكان له خريف في الجنة".
و-أيضًا-: جعل زيارته من الأعمال التي يجنى منها الثواب العظيم، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "عائد المريض في مخرفة الجنة حتى يرجع"، ويعني: العائد فيما يحوزه من الثواب كأنه على نخل الجنة يخترف ثمارها من حيث إن فعله يوجب ذلك.
عباد الله: عيادة المريض -كما سمعتم- عمل عظيم، لكن ينبغي أن يتسم بالآداب التي يحصل بها الثواب، وينتفع بها المريض؛ فمن الآداب أن على العائد:
أن يختار الوقت المناسب للمريض وأهله؛ حتى لا يشق عليهم.
وأن لا يكثر من الزيارة؛ إلا إذا أحب المريض ذلك من غير حرج، وإذا وصل إليه دعا له بالشفاء، وتكفير ذنوبه بسبب المرض؛ فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من عاد مريضًا لم يحضر أجله فقال عنده -سبع مرات-: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك، إلا عافاه الله من ذلك المرض".
وعنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا دخل على مريض يعوده قال: "لا بأس، طهور إن شاء الله"، ويستحب له نصحه بالصبر والاحتساب، ومساعدته إن احتاج إلى مساعدة.
نسأل الله أن يديم علينا جميعاً وعلى جميع المسلمين نعمة الصحة والعافية، وأن يشفي مرضى المسلمين شفاء عاجلاً غير آجل، شفاء لا يغادر سقمًا.
هذا وصلوا وسلموا على خير البشر..
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي