صلاة الجماعة

عبد الله اليابس
عناصر الخطبة
  1. عظم قدر الصلاة في الإسلام .
  2. تأملات في أحوالنا مع صلاة الجماعة .
  3. أهمية المحافظة على صلاة الجماعة .
  4. حكم صلاة الجماعة .
  5. خطورة التخلف عن صلاة الجماعة .
  6. فضائل صلاة الجماعة. .

اقتباس

رجل ضرير البصر.. بعيد الدار عن المسجد.. وليس له من يقوده للمسجد.. ومع ذلك يقول له الحبيب الرؤوف الرحيم بالأمة -صلى الله عليه وسلم-: "لا أجد لك رخصة".. فماذا أقول أنا وأنت وقد أنعم الله علينا بالصحة والعافية. اسمع بقلبك قبل أذنيك هذا الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-, فقد روى أبو داود وغيره عن ابن أم مكتوم -رضي الله عنه- أنه سأل النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، فقال: يا رسول الله، إني رجل ضرير البصر، شاسع الدار, وليس لي قائد يلائمني، فهل لي رخصة أن أصلي في بيتي؟ قال: "هل تسمع النداء؟" قال: نعم، قال: "لا أجد لك رخصة".

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات, جعل الأرض قرارًا وأحاطها بالسموات, وجعل فيها أنهارًا وفجاجًا وجبالاً راسيات, خلق الحياة ليبلوَنا وكتب علينا الممات, أحمَده تبارك وتعالى حمدًا يليق بجلال الذات وكمال الصفات.

وأشهد أن لا إله إلا الله ذو العرشِ رفيعُ الدرجات, سميعٌ بصير تستوي في كمال سمعه الأصوات, ولا تختلف عليه اللغات، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله شمس الدجى وقمر الليالي الحالكات, المرضيُّ عند ربه، وبشفاعته يوم الفزع تُكشف الكربات, اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله ما دامت الكواكب في أفلاكها والنجوم سابحات.

أَمَّا بَعْدُ: فاتقوا الله عباد الله حق التقوى, واعلموا أن أجسادنا على النار لا تقوى.

يا أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-.. يا من استجبتم لأمر الله -تبارك وتعالى- في ندائه للمؤمنين في سورة الجمعة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [الجمعة: 9].. هنيئًا لكم هذا التوفيق.. وهنيئًا لكم هذه الاستجابة.. وهنيئًا لكم الأجر العظيم بحضوركم لهذه الصلاة العظيمة..

روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفراتُ ما بينَهن إذا اجتَنَب الكبائر".

لقد حضرتم لهذا الجامع امتثالاً لأمر ربكم -سبحانه وتعالى-.. واسمحوا لي أن أسأل كل واحد منكم سؤالاً.. سؤال يتعلق بأمر آخر من أوامر الله -تبارك وتعالى-.. "كيف حالك مع صلاة الجماعة؟"

اسمع بقلبك قبل أذنيك هذا الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-, فقد روى أبو داود وغيره عن ابن أم مكتوم -رضي الله عنه- أنه سأل النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، فقال: يا رسول الله، إني رجل ضرير البصر، شاسع الدار, وليس لي قائد يلائمني، فهل لي رخصة أن أصلي في بيتي؟ قال: "هل تسمع النداء؟" قال: نعم، قال: "لا أجد لك رخصة".

رجل ضرير البصر.. بعيد الدار عن المسجد.. وليس له من يقوده للمسجد.. ومع ذلك يقول له الحبيب الرؤوف الرحيم بالأمة -صلى الله عليه وسلم-: "لا أجد لك رخصة".. فماذا أقول أنا وأنت وقد أنعم الله علينا بالصحة والعافية.

أيها الأخ المبارك.. لما فُرضت صلاة الجماعة في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- كان بعض المنافقين يتخلف عن صلاة الجماعة.. فهل تعلم ماذا قال بحقهم رسولنا -صلى الله عليه وسلم-؟

روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لقد هممت أن آمر بالصلاة فتُقام، ثم أخالف إلى منازل قوم لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار".

قال بعض أهل العلم: منعه -صلى الله عليه وسلم- من تحريق البيوت ما فيها من النساء والأطفال ممن لا تجب عليه صلاة الجماعة.

قال الترمذي -رحمه الله-: "وقد روي عن غير واحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أنهم قالوا: من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له".

أيها الأخ المبارك.. إن الصلاة مع جماعة المسلمين في المسجد واجبة.. ولذلك كان أولَ ما فعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما قدم المدينة أن بنى المسجد قبل أن يبني بيته.

وتأمل حال المقاتلين في المعركة.. العدو أمامَهم.. والخوفُ يعصف بهم.. ومع ذلك لم يرخص لهم الله -تبارك وتعالى- في ترك صلاة الجماعة.. (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) [النساء: 102].

قال ابن المنذر -رحمه الله-: "ففي أمر الله بإقامة الجماعة في حال الخوف دليل على أن ذلك في حال الأمن أوجب".

من ترك صلاة الجماعة تسلط عليه الشيطان.. روى أبو الدرداء -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من ثلاثة نفر في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة؛ فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية".

واسمع إلى ما قاله الصحابي العالِم عبدُ الله بن مسعود -رضي الله عنه-, قال: "من سرَّه أن يلقى الله غدًا مسلمًا فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث يُنادى بهن, "يعني في المسجد", فإنهنَّ من سُنن الهدى, وإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى, وإنكم لو صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم, ولو أنكم تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطَّهور ثم يعمَد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كَتَب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة, ويرفعه بها درجة, ويَحُط عنه بها سيئة، ولقد رأيتُنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق, ولقد كان الرجل يؤتى يهادي بين الرجلين حتى يقام في الصف".

يا الله.. لا يتخلف عن الصلاة في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا منافق معلوم النفاق؟ اللهم إنا نعوذ بك من النفاق يا رب العالمين.

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم, ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, قد قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، وأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَه إِلَّا اللهُ رَبُّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ وَقَيَّومُ السَّمَاوَات وَالأَرَضِين، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى الْمَبْعُوثِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ, وَأَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين، وَعَلَى مَنْ سَارَ عَلَى هَدْيِهِ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ إِلَى يَوْمِ الدِّين.

أَمَّا بَعْدُ: يا أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-.. قد علمتم حكم صلاة الجماعة.. وأنها واجبة على الأعيان.. ومع ذلك.. فإن الله -تبارك وتعالى- قد جعل لمن صلى في المسجد أجرًا خاصاً.. فضلاً منه وكرمًا.

فقد روى البخاري ومسلم رحمهما الله من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه بضعًا وعشرين درجة, وذلك أن أحدهم إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى المسجد لا يُنهزه إلا الصلاة، لا يريد إلا الصلاة, فلم يخط خطوة إلا رُفع له بها درجة, وحُطَّ عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد, فإذا دخل المسجد كان في الصلاة ما كانت الصلاة هي تحبسه, والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه يقولون: اللهم ارحمه، اللهم اغفر له، اللهم تب عليه, ما لم يؤذ فيه، ما لم يُحدث فيه".

بل أعظم من ذلك ما رواه ابن خزيمة وهو صحيح من حديث عثمان بن عفان -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من توضأ فأسبغ الوضوء، ثم مشى إلى صلاة مكتوبة فصلاها مع الإمام، غفر له ذنبه".

الله أكبر.. تغفر ذنوبك بصلاتك مع الجماعة! أوَ بعد ذلك يكسل إنسان؟!

إذا ذهبت إلى المسجد.. تأكد أن مكانك في الجنة يهيأ لك وقت ذهابك وعودتك.. فقد روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من غدا إلى المسجد وراح؛ أعد الله له نزله من الجنة كلما غدا أو راح".

أيها الإخوة.. ها قد علمتم أمر ربكم بصلاة الجماعة في المسجد.. فالله الله في هذا الأمر.. فإنه الفيصل بين الإيمان والنفاق.

اللهم طهر قلوبنا من النفاق.. وأعمالنا من الرياء.. وألسنتنا من الكذب.. وأعيننا من الخيانة.. يا رب العالمين.

يا أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-.. اعلموا أن الله تعالى قد أمرنا بالصلاة على نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- وجعل للصلاة عليه في هذا اليوم والإكثار منها مزية على غيره من الأيام, فللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله.. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى, وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي, يعظكم لعلكم تذكرون, فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي