جاء في الأثر "حد يعمل به في الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطروا ثلاثين صباحا"، وذلك لأن إقامة الحدود فيه مصالح عظيمة للبلاد والعباد، كما قال ربنا -عز وجل- في شأن القصاص: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[البقرة:179]؛ قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في تسفيره: "أي وفي شرع القصاص لكم وهو قتل...
الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير؛ أحمده تعالى و أشكره حمد الشاكرين الذاكرين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده و رسوله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا-، أما بعد:
فاتقوا الله أيها -المسلمون- اتقوا الله حق التقوى، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 71:70]، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) [الطلاق:3:2]، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) [الطلاق:4]، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا) [الطلاق: 5].
عباد الله: نفذت وزارة الداخلية يوم السبت الماضي أحكاما قضائية في سبعة وأربعين رجلا، وقد كانت هذه الأحكام حد الحرابة في حق من صدر منه قتل، والتعزير بالقتل في حق من سعى لإثارة الفتنة وشق العصى وتفريق الجماعة، أما حد الحرابة؛ فدليله قول الله -عز وجل-: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [المائدة:33].
وأما حكم القتل بالتعزير فأدلته كثيرة، ومنها قول النبي -النبي صلى الله عليه وسلم- "من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو أن يفرق جماعتكم؛ فاقتلوه كائنا من كان" (مسلم)، وفي رواية لمسلم: "فاضربوا عنقه بالسيف كائنا من كان"، ومع أن الحكم بالقتل في الإسلام من الأمور العظيمة، ولكن السعي لتفريق كلمة الأمة وشق العصا وتفريق الجماعة ليس بالأمر الهين في شريعة الإسلام؛ إذ أنه يستحق القتل لأنه بذلك تنتظم مصالح العباد والبلاد.
عباد الله: وأحكام قتل في المملكة محاطة بضمانات واحتياطات كبيرة؛ حيث تمر على ثلاثة عشر قاضيًا ويحكم فيها أولا دائرة قضائية من ثلاثة قضاة ثم يصدق الحكم من خمسة قضاة في محكمة الاستئناف ثم يصدق الحكم مرة أخرى من خمسة قضاة في المحكمة العليا؛ فلابد أن تمرر هذه الأحكام على ثلاثة عشر قاضيا على الأقل ثم ترفع للمقام السامي وربما استشار بعض أهل العلم في بعض القضايا وبخاصة الكبيرة منها.
عباد الله: وقد جاء في الأثر "حد يعمل به في الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطروا ثلاثين صباحا"، وذلك لأن إقامة الحدود فيه مصالح عظيمة للبلاد والعباد، كما قال ربنا -عز وجل- في شأن القصاص: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[البقرة:179].
قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في تسفيره: "أي وفي شرع القصاص لكم وهو قتل القاتل حكمة عظيمة وهي بقاء المهج وصونها، لأنه إذا علم القاتل أنه سيقتل كف عن صنيعه فكان في ذلك حياة للنفوس" وفي الكتب المتقدمة "القتل أنفى للقتل" فجاءت هذه العبارة من القرآن أفصح وأبلغ وأوجز، (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ) [البقرة:179].
قال أبو العالية: "جعل الله القصاص حياة؛ فكم من رجل يريد أن يقتل؛ فتمنعه مخافة أن يُقتل"، وهكذا يا عباد الله-؛ فإن في تنفيذ الأحكام القضائية في السبعة والأربعين رجلا فيها، أولا: عقوبة لهم ثم إن فيها ردعًا لغيرهم من أن يسلك هذا المسلك وأن ينتهج هذا الفكر المنحرف الخبيث الذي أضر بالإسلام والمسلمين كثيرًا؛ إن نعمة الأمن والأمان واجتماع الكلمة ووحدة الصف لهي من أعظم النعم، وقد امتن الله تعالى بهذه النعمة على عباده؛ فقال -سبحانه-: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) [ آل عمران:103].
ونهى الله تعالى عن التفرق؛ فقال: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [آل عمران:105]، وقال: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) [الأنعام:159]؛ والأمر بالاجتماع والجماعة والنهي عن التفرق، والأمر بالأخذ على يد من سعى لتفريق الأمة كثير في نصوص الكتاب والسنة، وقد جمع النبي -النبي صلى الله عليه وسلم- بين الأمر بالتمسك بالسنة مع الأمر بالتمسك بالجماعة؛ فقال -عليه الصلاة والسلام-: "إنه من يعيش منكم فسيرى اختلافا كثيراً؛ فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ" (رواه أحمد وقال الألباني صحيح)؛ ولما سأله حذيفة بن اليمان ماذا توصيني؟ لما ذكر له النبي -صلى الله عليه وسلم- فتنا عظيمة ستقع، فسأله حذيفة بما تأمرني يا رسول الله؟ قال: "تلزم جماعة المسلمين وإمامهم" (البخاري ومسلم)، ومن هنا أصبح يطلق على المتمسكين بسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- أهل السنة والجماعة؛ فلزوم السنة مقرون بلزوم الجماعة لا يفترقان ولا ينفصلان.
عباد الله: وإذا أردتم أن تعرفوا قدر نعمة الأمن والجماعة، واجتماع الكلمة انظروا إلى أحوال بعض الدول المجاورة وكيف أن الناس يعيشون في خوف ورعب وفتن وقلاقل، لا يأمن الإنسان على نفسه ولا على أهله مع ما يصحب ذلك مع ما يصحب ذلك الاضطراب من الجوع والفقر. إن تنفيذ هذه الأحكام القضائية فيه تعزيز للاجتماع ووحدة للكلمة، وفيه أخذ على يد من سعى لتفريق أمر المسلمين، وفيه ردع لكل من تسول له نفسه المساس بهذا الأمر الذي يعتبر خطا أحمر كما يقال، هو خط أحمر بالنسبة للمجتمع، ولهذا؛ فإنه يتوقع أن يكون لتنفيذ هذه الأحكام انحسار كبير للإرهاب بإذن الله -عز وجل-، فإن الله تعالى يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.
عباد الله: وإن نعمة الأمن والأمان واجتماع الكلمة ووحدة الصف لهي من أعظم النعم، ولهي من أعظم المنن فينبغي أن نشكر الله -عز وجل- على هذه النعمة فإن بعض الناس يكون في نعمة ولا يعرف قدرها حتى تزول، بل ربما يتململ من هذه النعمة فإذا زالت تحسر على فواتها، فلنعرف أولا قدر نعمة الله -عز وجل- علينا في هذه البلاد، بنعمة الأمن والأمان واجتماع الكلمة ووحدة الصف والاستقرار فإنها من أعظم النعم، ولنحمد الله -عز وجل- نحمد الله تعالى عليها ونشكره عليها ظاهرا وباطنا، نحمده ونشكره بأقوالنا وأفعالنا وجوارحنا، وإلا؛ فإن الله -عز وجل- ليس بينه وبين أحد من خلقه نسب، والله له سنن في هذا الكون لا تتغير ولا تتبدل؛ فإذا كفر العباد بأنعم الله؛ فإن الله -سبحانه- يبدل هذه النعم بضدها، كما قال ربنا -عز وجل-: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) [النحل:112].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين وأشهد أن لا إله إلا الله لا شريك له ولي الصالحين وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إمام المتقين -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا- أما بعد:
عباد الله: إن بلادنا هذه هي بلاد الحرمين، وهي قبلة المسلمين، وهي؛ مأرز الإسلام وهي منبع الدعوة إلى الله تعالى، ولذلك؛ فهي مستهدفة من قبل الأعداء مستهدفة من قبل اليهود والنصارى، ومستهدفة من قبل الفرق الباطنية من الرافضة والنصيرية والحوثيين وغيرهم، نعم لما رأى هؤلاء الأعداء صحة تدين أهل هذه البلاد وصدق فعالهم وثمار أعمالهم، وجهوا إليها السهام يريدون تقويض خيامها، ويريدون العبث في أمنها، ولهم في هذا أساليب شتى، ومن أبرزها التغرير ببعض أبناء المسلمين في زعزعة الأمن وفي إثارة الفتنة في هذه البلاد ويسلكون معهم طرقا ماكرة وأساليب خبيثة بطريقة احترافية تجعل من هؤلاء الشباب أداة في يد هؤلاء الأعداء يحركونها كما يريدون للنيل من هذه البلاد وأهلها؛ فلابد أن يقف المجتمع بجميع طبقاته وشرائحه مع ولاة أمر هذه البلاد صفًا واحدًا في وجه كل من يحاول زعزعة أمن هذه البلاد وإثارة الفتنة وتفريق الكلمة؛ فإن الاجتماع والاتحاد قوة لا يستطيع الأعداء النفوذ إلى المجتمع مع وجود هذا الاجتماع.
ولكن يجد العدو بغيته عندما يحصل تفريق للكلمة، وعندما يحصل هناك خلخلة للصف؛ فإن الأعداء يجدون منافذ ينفذون فيها إلى هذا المجتمع؛ فينبغي أن نكون صفا واحدا، وأن قد نكون يدًا واحدةً أن يكون المجتمع بجميع طبقاته بجميع شرائحه أن يكون يد واحدة مع ولاة الأمر في هذه البلاد، وأن يقفوا صفًا واحدًا ضد هؤلاء الأعداء، وأن يحرصوا على المحافظة على الأمن والأمان واجتماع الكلمة ووحدة الصف والاستقرار في هذه البلاد؛ فإن هذه من الأسباب التي ينبغي أن تبذل للمحافظة على هذه النعم العظيمة التي نعيش فيها في هذه البلاد.
ألا وأكثروا من الصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير؛ فقد أمركم الله بذلك؛ فقال -سبحانه-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].
اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وارضى اللهم عن الصحابة أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بعفوك وكرمك يا رب العالمين.
اللهم انصر الإسلام والمسلمين وأذل الكفر والكافرين والمنافقين.
اللهم صلي على عبدك ورسولك محمد وعلى أله وصحبه وسلم.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي