هَكَذَا تَرْجَمَ الصَّحَابَةُ رِضْوانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ كِبَارًا وَصِغَارًا، رِجَالًا وَنِساءً، مَحَبَّةَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حُبًّا قَدَّمُوهُ فِيهِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ؛ فَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ ذَلِكَ.. فَأَسْعَدُ النَّاسِ بِهِ مَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَعَمِلَ بِهَا وَطَبَّقَهَا عَلَى نَفْسِهِ فِي أَقْوَالِهِ وَأَعْمَالِهِ، فَإِنَّه يَكُونُ بِذَلِكَ مِنَ..
الْحَمْدُ للَهِ الَّذِي هَدَانَا لاتِّبَاعِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، وَأَيَّدَنَا بِالْهِدَايَةِ إِلَى دَعَائِمِ الدِّينِ، وَيَسَّرَ لَنَا اقْتِفاءَ آثَارِ السَّلَفِ الصَّالِحِينَ، وَطَهَّرَ سَرَائِرَنَا مِنْ حَدَثِ الْحَوَادِثِ وَالابْتِدَاعِ فِي الدِّينِ، أَحْمَدُهُ وَأَشْكُرُهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأشهدُ أَنَّ محمدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ الْأَوَّلِينَ والآخِرينَ، -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَزْواجِهِ الطَّاهِرَاتِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، صَلاَةً دَائِمَةً إِلَى يَوْمِ الدِّينِ-، أَمَّا بَعْدُ:
فَهَذِهِ الدُّنْيا مُظْلِمَةٌ، نَعَمْ مُظْلِمَةٌ, إلاَّ مَا أَشْرَقَتْ عَلَيهِ رِسَالَةُ السِّرَاجِ الْمُنِيرِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, قَالَ تَعَالَى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا * رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا) [الطلاق: 10-11].
مُحَمَّدٌ صَفوَةُ البَارِي وَرَحْمَتُهُ ***** وَبُغيَةُ اللهِ مِنْ خَلْقٍ وَمِن نَسَمِ
جاءَ النبِيُّونَ بِالآياتِ فَانْصَرَمَتْ **** وَجِئتَنا بِحَكيمٍ غَيرِ مُنصَرِمِ
آياتُهُ كُلَّما طالَ الْمَدَى جُدُدٌ **** زيَّنَهُنَّ جَلالُ العِتقِ وَالقِدَمِ
يا أَفصَحَ الناطِقينَ الضَّادَ قاطِبَةً **** حَدِيثُكَ الشَّهْدُ عِندَ الذَّائِقِ الفَهِمِ
أَتَيْتَ وَالناسُ فَوضَى لا تَمُرُّ بِهِمْ **** إلا عَلى صَنَمٍ قَدْ هامَ في صَنَمِ
وَالأَرضُ مَملُوءَةٌ جَوْرًا مُسَخَّرَةٌ **** بكُلِّ طاغِيَةٍ في الخَلقِ مُحْتَكِمِ
أَخُوكَ عِيسى دَعا مَيْتًا فَقامَ لَهُ **** وَأَنتَ أَحْيَيْتَ أَجْيَالاً مِنَ الرَّمَمِ
يا رَبِّ صَلِّ وَسَلِّمْ مَا أَرَدْتَ عَلى **** نَزِيلِ عَرشِكَ خَيرِ الرُسْلِ كُلِّهِمِ
عِبَادَ اللَّهِ: يَذْكُرُ لَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ --رَضِيَ اللهُ عَنْه-مَا- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "كَانَ يَقُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَى شَجَرَةٍ أَوْ نَخْلَةٍ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، أَوْ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلاَ نَجْعَلُ لَكَ مِنْبَرًا؟ قَالَ: "إِنْ شِئْتُمْ"، فَجَعَلُوا لَهُ مِنْبَرًا، فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ الجُمُعَةِ دُفِعَ إِلَى المِنْبَرِ؛ فَصَاحَتِ النَّخْلَةُ صِيَاحَ الصَّبِيِّ، ثُمَّ نَزَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ فَضَمَّهُ إِلَيْهِ، تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِيِّ الَّذِي يُسَكَّنُ. قَالَ: "كَانَتْ تَبْكِي عَلَى مَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنَ الذِّكْرِ عِنْدَهَا" (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ)، وَزَادَ فِي سُنَنِ الدَّارِمِيِّ بِسَنَدِ صَحِيحٍ، قَالَ: "أَمَا وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ لَمْ أَلْتَزِمْهُ، لَمَا زَالَ هَكَذَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ حُزْنًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".
وَيُعَبِّرُ سَعْدُ بْنُ مَعَاذٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْه- عَنْ ذَلِكَ الْحُبِّ حِينَ قَالَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يا رَسُولَ اللهِ، هَذِهِ أَمْوَالُنَا بَيْنَ يَدَيْكَ، خُذْ مِنْهَا مَا شِئْتَ وَدَعْ مِنْهَا مَا شِئْتَ، وَمَا أَخَذْتَهُ مِنْهَا كَانَ أَحَبَّ إِلَينَا مِمَّا تَرَكْتَهُ، ولَوْ اسْتَعْرَضْتَ بِنَا الْبَحْرَ لَخُضْنَاهُ مَعَكَ مَا تَخَلَّفَ مِنَّا أَحَدٌ، إنَّا واللهِ لَصُبُرٌ في الْحَرْبِ، صُدُقٌ عِنْدَ اللِّقَاءِ، فَامْضِ بِنَا يا رَسُولَ اللهِ حَيْثُ أَمَرَكَ اللهُ".
وَأَبُو دُجَانَةَ يَحْمِي ظَهْرَ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالسِّهَامُ تَقَعُ عَلَيهِ وَلَا يَتَحَرَّكُ.
وَمَالِكُ بْنُ سِنَانٍ يَمْتَصُّ الدَّمَ مِنْ وَجْنَتِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى أَنْقَاهُ.
وَعَرَضَتْ لِرَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ فَنَهَضَ إِلَيهَا لِيَعْلُوَهَا؛ فَلَمْ يَسْتَطِعْ؛ فَجَلَسَ تحته طَلحةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ؛ فَنَهَضَ عَلَيهِ" فَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَوْجَبَ طَلْحَةُ" أَيْ: وَجَبَتْ لَه الْجَنَّةُ.
امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي دِينارٍ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ، اسْتَشْهَدَ زَوْجُهَا وَأَخُوهَا وَأَبُوهَا مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ فَلَمَّا نُعُوْا لَهَا قَالَتْ: مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالُوا: خَيْرًا يَا أَمَّ فُلَانٍ، هُوَ بِحَمْدِ اللَّهِ كَمَا تُحِبِّينَ. قَالَتْ: أَرُونِيهِ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَيْهِ. قَالَ: فَأُشِيرَ لَهَا إِلَيْهِ، حَتَّى إِذَا رَأَتْهُ قَالَتْ: كُلُّ مُصِيبَةٍ بَعْدَكَ جَلَلٌ. أي هَيِّنَةٌ.
لَمَّا قَدِمِ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ مُفَاوِضًا لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ طَرَفِ قُرَيْشٍ وَحُلَفَائِهَا، قَالَ واصِفًا مَا رَآهُ مِنْ حُبِّ الصَّحَابَةِ وَتَعْظِيمِهِمْ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وَاللَّهِ لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى المُلُوكِ، وَوَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ، وَكِسْرَى، وَالنَّجَاشِيِّ، وَاللَّهِ إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُحَمَّدًا، وَاللَّهِ إِنْ تَنَخَّمَ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمْ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ" (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).
هَكَذَا تَرْجَمَ الصَّحَابَةُ رِضْوانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ كِبَارًا وَصِغَارًا، رِجَالًا وَنِساءً، مَحَبَّةَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حُبًّا قَدَّمُوهُ فِيهِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، فَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ ذَلِكَ؟!
هُوَ الْمُقَدَّمُ فِي نَفْسِي عَلَى نَفْسِي **** وَأَهْلِ بَيْتِي وَأَحْبابِي وَخِلاَّنِي
وَاعْلَمْ -أَخِي الْمُحِبُّ- عِلْمَ الْيَقِينِ، أَنَّ اللهَ -جَلَّ وَعَلا- مَا خَلَقَ مَخْلُوقًا فِي هَذَا الْكَوْنِ مُنْذُ بَدْءِ الْخَلِيقَةِ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ أَكْرَمَ عَلَيهِ، وَلَا أَحَبَّ لَدَيْهِ، وَلاَ أَشْرَفَ عِنْدَه مِنْ حَبِيبِنَا مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَدْ حَبَاهُ اللهُ -جَلَّ وَعَلا- بخَصَائِصَ وَشَمَائِلَ وَمُعْجِزَاتٍ، لَوْ كَانَتْ لِبَشَرٍ وَاحِدةٌ مِنْهَا لأَصْبَحَ شَامَةً فِي جَبِينِ التَّارِيخِ، فَكَيْفَ وَقَدِ اجْتَمَعَتْ كُلُّهَا فِي الْحَبيبِ المجتبَى مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَفِي سُؤَالٍ وُجِّهَ لِعُلَمَاءِ اللَّجْنَةِ الدَّائِمَةِ لِلْإفْتَاءِ عَنْ صِحَّةِ قَوْلِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْرُ الْبَشَرِ أَوْ خَيْرُ الْخَلْقِ؟ وَهَلْ هُنَاكَ دَليلٌ عَلَى ذَلِكَ؟ فَأَجَابُوا: "جَاءَ فِي نُصُوصٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بَيَانُ عِظَمِ قَدْرِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرِفْعَةُ مَكَانَتِهِ عِنْدَ رَبِّهِ تَعَالَى مِنْ خِلاَلِ الْفَضَائِلِ الْجَلِيلَةِ والْخَصَائِصِ الْكَرِيمَةِ الَّتِي خَصَّهُ اللَّهُ بِهَا، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أفْضَلُ الْخَلْقِ وَأكْرَمُهُمْ عَلَى اللهِ وَأَعْظَمُهُمْ جَاهًا عِنْدَهُ، قَالَ اللهُ -سُبْحَانَه-: (وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) [النساء: 113]، وَأَجْنَاسُ الْفَضْلِ الَّتِي فَضَّلَهُ اللهُ بِهَا يَصْعُبُ اسْتِقْصَاؤُهَا؛ فَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ اتَّخَذَهُ خَلِيلاً، وَجَعَلَهُ خَاتَمَ رُسُلِهِ، وَأَنْزَلَ عَلَيهِ أفْضَلَ كُتُبِهِ، وَجَعَلَ رِسَالَتَهُ عَامَّةً لِلثَّقَلَيْنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَغَفَرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، وَأَجْرَى عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الآياتِ مَا فَاقَ بِهِ جَمِيعَ الْأنبياءِ قَبْلَهُ".
"وَهُوَ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ، وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْه الْقَبْرُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ، وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ، وَبِيَدِهِ لِوَاءُ الْحَمْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يَجُوزُ الصِّرَاطَ، وَأَوَّلُ مَنْ يَقْرَعُ بَابَ الْجَنَّةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُهَا... إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الخَصَائِصِ وَالْكَرَامَاتِ الْوَارِدَةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، مِمَّا جَعَلَ الْعُلَمَاءَ يَتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هُوَ أعْظَمُ الْخَلْقِ جَاهًا عِنْدَ اللهِ تَعَالَى، قَالَ شَيْخُ الْإِسْلامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: "وَقَدْ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْظَمُ الْخَلْقِ جَاهًا عِنْدَ اللَّهِ لَا جَاهَ لِمَخْلُوقٍ عِنْدَ اللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ جَاهِهِ وَلَا شَفَاعَةَ أَعْظَمُ مِنْ شَفَاعَتِهِ". فَمِمَّا ذُكِرَ وَغَيْرُهُ يَتَبَيَّنُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هُوَ أفْضَلُ الْأنبياءِ، بَلْ وَأَفْضَلُ الْخَلْقِ، وَأَعْظَمُهُمْ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللهِ تَعَالَى، وَلَكِنْ مَعَ هَذِهِ الْفَضَائِلِ والْخَصَائِصِ الْعَظِيمَةِ فَإِنَّهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يَرْقَى عَنْ دَرَجَةِ الْبَشَرِيَّةِ، فَلَا يَجُوزُ دُعَاؤُهُ وَالاِسْتِغاثَةُ بِهِ مِنْ دُونِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) [الكهف: 110].
نَسْأَلُ اللهَ -سُبْحَانَه وَتَعَالَى- أَنْ يَجْعَلَنَا وَإِيَّاكُمْ مِنَ الَّذِينَ يُحِبُّونَ رَسُولَ اللهِ حَقَّ الْمَحَبَّةِ، وَأَنْ يَرْزُقَنَا شَفَاعَتَهُ، وَأَنْ يَرْزُقَنَا الالْتِقَاءَ بِهِ فِي جَنَّةِ الْفِرْدَوْسِ، وَأَنْ يَرْزُقَنَا الْأخْذَ بِسُنَّتِهِ.
بَارَكَ اللهُ لي ولكُم.
الْحَمْدُ للهِ الَّذِي خَصَّنَا بِخَيْرِ رُسُلِهِ، وَأَنْزَلَ عَلَينَا أَكْرَمَ كُتُبِهِ، وَشَرَعَ لَنَا أَكْمَلَ شَرَائِعِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ محمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَمَ. أما بعدُ:
عِبَادَ اللَّهِ: لَقَدْ تَغَيَّرَ مَفْهُومُ مَحَبَّةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَانْحَرَفَ عِنْدَ الْبَعْضِ، فَبَعْدَ أَنْ كَانَتْ هَذِهِ الْمَحَبَّةُ عِنْدَ الصَّحَابَةِ رِضْوانُ اللهِ عَلَيْهِمْ تَعْنِي إِيثَارَ الرَّسُولِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَطَاعَتَهُ وَاتِّبَاعَهُ فِي كُلِّ أَمْرٍ، صَارَ مَفْهُومُهَا عِنْدَهُمْ تَأْلِيفُ الصَّلَوَاتِ الْمُبْتَدَعَةِ، وَعَمَلُ الْمَوَالِدِ، وَإِنْشادُ الْقصائدِ وَالْمَدائحِ، وَإقامَةُ الْحَفَلاتِ وَالرَّقَصَاتِ.
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ الْمُحِبَّ لِلنَّبِيِّ حقيقةً هُوَ الْمُعَظِّمُ لِسُنَّتِهِ، الْعَامِلُ بِشَرِيعَتِهِ، الْمُقْتَدِي بِهِ فِي أَقْوَالِهِ وَأَعْمَالِهِ، لَيْسَ الْمُحِبُّ لَهُ مَنْ يَغْلُو فِيهِ أو مَنْ يَرْفَعُهُ فَوْقَ مَنْزِلَتِهِ الَّتِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ إِيَّاهَا، فَهُوَ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، عَبْدٌ لَا يُعْبَدُ، وَرَسُولٌ لَا يَكْذِبُ، وَإِنَّمَا يُطَاعُ وَيُتَّبَعُ -صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسلامُهُ عَلَيه-.
فَأَسْعَدُ النَّاسِ بِهِ مَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَعَمِلَ بِهَا وَطَبَّقَهَا عَلَى نَفْسِهِ فِي أَقْوَالِهِ وَأَعْمَالِهِ، فَإِنَّه يَكُونُ بِذَلِكَ مِنَ الصَّادِقِينَ، وَيَكُونُ بِذَلِكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ حَقًّا.
أَسْأَلُ اللهَ -سُبْحَانَه وَتَعَالَى- أَنْ يُعَظِّمَ مَحَبَّةَ رَسُولِهِ فِي قُلُوبِنَا، وَأَنْ يَجْعَلَ مَحَبَّةَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْظَمَ عِنْدَنَا مِنْ مَحَبَّةٍ أَنْفُسِنَا وَأهْلِينَا، وَآبائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا، وَأَزْوَاجِنَا وَبَنَاتِنَا، وَأَنْ يَجْعَلَ مَحَبَّةَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طمَأْنِينَةَ قُلُوبِنَا، وَانْشِراحَ صُدُورِنَا، وَأَنْ يَجْعَلَ مَحَبَّتَهُ عَوْنًا لَنَا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحُسْنِ الصِّلَةِ بِهِ؛ إِنَّه -سُبْحَانَه- وَتَعَالَى وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيه.
بَلَغَ الْعُلَى بِكَمَالِهِ **** كُشِفَ الدُّجَى بِجَمَالِهِ
حَسُنَتْ جَمِيعَ خِصَالِهِ **** صُلُّوا عَلَيهِ وآلِهِ
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي