العمل عند اختلاف الفتوى

عمر بن عبد الله بن مشاري المشاري
عناصر الخطبة
  1. أنواع اختلاف الفتيا الشرعية.
  2. من الذين يطلب منهم الفتيا؟ .
  3. ما العمل عند اختلاف أهل العلم في الفروع؟ .
  4. موقفنا من العلماء عند اختلافهم في الفروع .
  5. الأخذ بالأيسر من أقوال أهل العلم لا يعني تتبع الرخص. .

اقتباس

إنَّ العلمَ دين فانظروا عمَّن تأخذون دينكم؛ فمن أخذ العلم عن الثقات أفلح وفاز، ومن أخذه من الجهلة ضَلَّ وما اهتدى، كما تجدون من الناس أقوام يسألون فلاناً ثم يسألون آخر ثم يسألون ثالثاً؛ ليصلوا إلى حكمٍ يوافق هواهم فيأخذون به، أو أنَّهم يفعلون ذلك لأخذ...

الخطبة الأولى:

الحمد لله فضَّل أهل العلم ورفع منزلتهم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما؛ أما بعد:

معاشر المسلمين: اتقوا الله تعالى، في السر والعلانية، وتعلَّموا من دينكم ما يكونُ به نجاتكم يوم القيامة.

إنَّ المسلم قد يحتاج إلى من يفتيه في مسائل الدين، وقد أمر الله عباده بسؤال أهل العلم، قال تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [الأنبياء: 7].

وبعض المسائل وقع فيها خلاف بين أهل العلم، واختلاف الفتيا الشرعية على نوعين:

النوع الأول: خلاف في المسائل العقدية، وهذا النوع ليس محور حديثنا؛ إذ إنَّ أهل السنة والجماعة ومنهم الأئمة الأربعة لا خلاف بينهم فيها، وإنما وقع الخلاف من أهل البدع والضلالة وأصحاب الفرق المخالفة لأهل السنة والجماعة مثل الخوارج والروافض والصوفية والزنادقة والمرجئة والمعطلة والمشبهة.

النوع الثاني: الخلاف في المسائل غير العقدية مما يسوغ الخلاف فيه وهو موضوعنا.

معاشر المسلمين: إنَّ المسائل النازلة التي تحتاج إلى حكم شرعي لا يفتي فيها إلا كبار العلماء في المجامع العلمية خصوصاً إذا كانت مما يتعلق بعموم الناس.

ومما ابتلي به أقوام أنَّهم يسألون من لا يعلمون علمه ودين؛، فقد يسألون جاهلاً فيفتيهم خطأً؛ لذلك جاء الأمر بسؤال أهل العلم لا بسؤال الجهلة، قال الإمام السعدي -رحمه الله-: "في تخصيص السؤال بأهل الذكر والعلم، نهيٌ عن سؤال المعروف بالجهل وعدمِ العلم ونهيٌ له أن يتصدى لذلك".

عباد الله: إنَّ التساهل في سؤال الجهلة أمر في غاية الخطورة، فلماذا يسألهم السائل وعنده كبار العلماء من أعضاء اللجنة الدائمة للإفتاء وأعضاء الإفتاء في مناطق بلادنا وعلى رأسهم سماحة المفتي العام -حفظه الله- وغيرهم من العلماء الثقات.

أرأيتم أعجب من إنسان إذا أصابه ألم أو مرض ذهب إلى أمهر الأطباء ليعالج عنده، لكن إذا عرضت له مسألة شرعية فإنَّه يسأل أي إنسان ولا يبحث عن العالم المتمكن ليسأله؛ كيف يحتاط لصحته ما لا يحتاط لدينه؟!

معاشر المسلمين: إنَّ العلمَ دين فانظروا عمَّن تأخذون دينكم؛ فمن أخذ العلم عن الثقات أفلح وفاز، ومن أخذه من الجهلة ضَلَّ وما اهتدى، كما تجدون من الناس أقوام يسألون فلاناً ثم يسألون آخر ثم يسألون ثالثاً؛ ليصلوا إلى حكمٍ يوافق هواهم فيأخذون به، أو أنَّهم يفعلون ذلك لأخذ الأسهل عليهم في المسألة؛ تتبعاً للرخص، بدون اهتمامٍ بتحري الرأي الصواب، وفي هذا الفعل تساهل وتفريط، وعلامة خلل وضعف؛ فليحذر أولئك من هذا الصنيع، ولا يسألوا عن أمر دينهم إلا العلماء الثقات ويصدروا عن رأيهم في ذلك.

عباد الله: كيف تعمل إذا اختلف أهل العلم في مسألة شرعية؟

البعض يحتار عند اختلاف الفتوى من عالم لآخر أيُّ القولين يتبع؟ تأخذ بما أفتى به العالم الذي تطمئن نفسك إلى دينه وعلمه أو لك أن تأخذ بالأحوط، أما إذا كان لديك علم يمكِّنك من النظر في أدلة المسألة المختلف فيها، وتمييز الدليل القوي من الضعيف فعليك النظر فيها والأخذ بقول أصحاب الأدلة الأقوى، قال الإمام ابن تيمية -رحمه الله-: "إِذَا تَرَجَّحَ عِنْدَ الْمُسْتَفْتِي أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ: إمَّا لِرُجْحَانِ دَلِيلِهِ بِحَسَبِ تَمْيِيزِهِ وَإِمَّا لِكَوْنِ قَائِلِهِ أَعْلَمَ وَأَرْوَعَ: فَلَهُ ذَلِكَ".

وقال الإمام ابن عثيمين -رحمه الله-: "الإنسان إذا اختلفت عليه الفتوى فإنه يتبع من يراه أقرب إلى الحق، لغزارة علمه، وقوة إيمانه، كما أن الإنسان إذا كان مريضًا ثم اختلف عليه طبيبان فإنه يأخذ بقول من يرى أنه أرجح لما وصفه له من دواء.

وإن تساوى عنده الأمران -أي لم يرجح أحد العالمين المختلفين- فقال بعض العلماء: إنه يتبع القول الأشد؛ لأنه أحوط. وقال بعض العلماء: يتبع الأيسر؛ لأنه الأصل في الشريعة الإسلامية، وقيل: يخيَّر بين هذا وهذا. والراجح: أنه يتبع الأيسر؛ لأن هذا موافق ليسر الدين الإسلامي؛ لقول الله -تبارك وتعالى-: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة:185] وقوله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج:78]، ولقوله -صلى الله عليه وسلم-: "يسروا ولا تعسروا" (متفق عليه). ولأن الأصل براءة الذمة حتى يثبت ما يرفع هذا الأصل، وهذه القاعدة لمن لا يستطيع أنه يتوصل إلى معرفة الحق بنفسه، فإن كان يستطيع ذلك كطالب العلم الذي يستطيع أن يقرأ ما قيل في هذه المسألة فيرجح ما يراه راجحًا بالأدلة الشرعية عنده، فإنه في هذه الحال لابد أن يبحث ويقرأ ليعرف ما هو أصح من هذه الأقوال التي اختلف فيها العلماء" انتهى ما قاله -رحمه الله-.

معاشر المسلمين: عندما يختلف العلماء في مسألة اجتهادية فلا يجوز تنقصُ وتجهيل من لا ترى رأيه، ولا يجوز اتهامه في دينه وأمانته، ولا الوشاية به ولا غيبته، ومن سلم لسانه سلم له دينه، وكان عاقبة أمره خيراً؛ فليتقِ اللهَ أقوام جعلوا أعراض العلماء مضغة يلوكونها بألسنتهم.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمدلله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمداً رسول رب العالمين، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد:

فاتقوا الله -أيها المؤمنون-، وكونوا مع الحق عند الاختلاف؛ فالكتاب والسنة واضحان، وكلام أهل العلم من سلف الأمة واضح مبين، والعلماء الأخيار لا يزال منهم ثلة بيننا يُنهل العلم منهم، ويُصدر عن رأيهم، حفظهم الله وبارك فيهم.

معاشر المسلمين: الأخذ بالأيسر من أقوال أهل العلم في المسائل المختلف فيها، لا يعني تتبع الرخص وما فيه إثم ولسان حال من هذا فعله يقول: اجعل بينك وبين النار مفتياً، يظن أنَّه سيسلم من المحاسبة والعقوبة! عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ: "مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًاً كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ" (متفق عليه). قال ابن حجر -رحمه الله-: "مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا أَيْ مَا لَمْ يَكُنِ الْأَسْهَلُ مُقْتَضِيًا لِلْإِثْمِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَخْتَارُ الْأَشَدَّ".

معاشر المسلمين: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم ارض عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة والتابعين وعنا معهم بعفوك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين.

اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم أصلح ولي أمرنا ووولي عهده وارزقهما بطانة صالحة ناصحة وأبعد عنهما بطانة السوء، واحفظهما بحفظك وأيدهما بتأييدك واجعل عملهما في رضاك وأعز بهما الإسلام وأهله.

اللهم ولِّ على المسلمين خيارهم واكفهم شرارهم اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين في كل مكان وأعنهم ووفقهم للحكم بالكتاب والسنة واجمع كلمتهم على الحق.

اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر وتقال فيه كلمة الحق لا يخاف قائلها لومة لائم.

اللهم ارفع البلاء عن الأمة واكشف يا ربنا الغمة، اللهم أطفئ نيران الفتن والحروب اللهم عليك بمن يثيرون الفتن ويشعلون الحروب في بلاد المسلمين، اللهم مزقهم وزلزلهم واشدد وطأتك عليهم وصب عليهم غضبك وأليم عقابك، اللهم عليك بأعداء الدين الذين يحاربون دينك وجندك وأولياءك وعبادك الصالحين، اللهم عليك بالصليبيين والصهاينة والمجوس والروس والحوثيين والخونة وأعوانهم اللهم خالف بين قلوبهم واقتلهم بسلاحهم يا قوي يا عزيز.

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.

(سبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الصافات:180-182].


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي