نحن لا نتحدث عن أبناء قوم لا يؤمنون، ولا نطرق السمع لأبناء قوم لا يتقون، ولا نطلب التغذية الروحية لأبناء قوم أعداء بعيدين؛ بل نطلبها لمن هم أقرب الخلق إلينا، لمن نزلوا من أصلابنا، لمن جاهدنا طوال حياتنا؛ لتراهم أعيننا، نطلب التغذية الروحية نطلب التزكية الإيمانية والقرآنية لابني وابنك، لابنتي وابنتك، لابن وابنة ذلك المؤمن وتلك المؤمنة؛ فارعها سمعك وقلبك وهمك
إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحد لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وأوصي نفسي وإياكم بتقوى الله
وبعد:
أيها الأخوة المؤمنون: ونحن في الإجازة الصيفية وطلابنا في الإجازة المدرسية والجامعية لا بد لنا من وقفة تناصح إيمانية، من وقفة تذكير أخروية نصدق فيها مع أنفسنا، نصدق فيها مع أبنائنا مع طلابنا مع أهلينا، وقفة نتحدث فيها عن التغذية الروحية الإيمانية لأبنائنا، في إجازتهم الصيفية خاصة، وفي حياتهم كلها عامة.
فحياتنا وحياتهم فرصة، وإجازة دنيوية نتحدث فيها حديث القلب المهموم إلى القلوب المؤمنة المباركة، حديث الروح المؤمنة إلى الأرواح المخلصة المشتاقة لأبنائنا.
نعم -أيها الأخوة الأحباب- التغذية الروحية لأبنائنا، نعم لأبنائنا فنحن لا نتحدث عن أبناء قوم لا يؤمنون، ولا نطرق السمع لأبناء قوم لا يتقون، ولا نطلب التغذية الروحية لأبناء قوم أعداء بعيدين؛ بل نطلبها لمن هم أقرب الخلق إلينا، لمن نزلوا من أصلابنا، لمن جاهدنا طوال حياتنا؛ لتراهم أعيننا، نطلب التغذية الروحية نطلب التزكية الإيمانية والقرآنية لابني وابنك، لابنتي وابنتك، لابن وابنة ذلك المؤمن وتلك المؤمنة؛ فارعها سمعك وقلبك وهمك؛ فلا خير فينا ولا في حياتنا ولا في دهرنا إذا نحن لم نطلب الخير لهؤلاء ولم نحرص على هؤلاء ولم نحترق لهؤلاء لفلذات أكبادنا لفرحنا وحزننا، فمن لا يطلب الخير لأهله فلا خير فيه، قال نبينا وحبيبنا -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح ابن حبان: "خيركم خيركم لأهله" وأي خير أعظم من أن تسعى -أيها الوالد والوالدة- لتقديم التغذية الروحية والقرآنية لابنك ولابنتك فهم أقرب أهلك؟!
التغذية المادية والتغذية الروحية -أيها المؤمنون- إن واجب الآباء، وإن المطلوب من الوالدين تقديم نوعين من التغذية لأبنائهما (ذكوراً وإناثا)-، هذا إذا ما أراد الوالدان أن يكون ولدهما بركة ورحمة، لا ترة وعذاباً، وأن يكونا هما من أهل "خيركم خيركم لأهله".
نعم الواجب أن يقدم للولد نوعان من التغذية: التغذية المادية والتغذية الإيمانية، التغذية الجسدية والتغذية الروحية، التغذية البدنية والتغذية القلبية، التغذية الدنيوية.
والتغذية الأخروية هذا هو الميزان المشروع في ديننا، وهذا هدي نبينا -صلى الله عليه وسلم- أن يتلقى أولادنا جرعات من التغذية المادية والبدنية، قال تعالى: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ) [الطلاق: 7]. وجرعات وجرعات من التغذية الروحية والقرآنية، قال تعالى: (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً) [التحريم: 6]. وقال تعالى: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ) [طـه: 132]. وقال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا) [الشمس:9].
أيها المؤمنون: وهذه التغذية الروحية القرآنية هي الأهم والأعظم فائدة، والأخلد بقاء، وهي التي بعث الأنبياء لأجلها، فمن افتقدها خسر نفسه وأهله وجسده وروحه.
الواقع يقول -أيها الأخوة- الواقع يقول: إن هناك تقصيراً مبيناً وإهمالاً مستطيراً من قبل الآباء والأمهات في تقديم التغذية الروحية لأبنائهما-إلا من رحم ربك-، تقدم لهم مئات الوجبات المادية التي تغذي أجسادهم في مقابل رشفات معدودة من التغذية الروحية التي لا تنعش القلب ولا تزكي النفس، يترك الابن الشهر تلو الشهر دون أن يفتح كتاب الله، ودون أن يخالط أهل القرآن، ودون أن يعانق حلقاته المباركة.
نعم -أيها الأخوة- هناك تضخم عند أبنائنا في التغذية المادية، وضمور وفقر في التغذية الإيمانية والقرآنية، حرام -والله- ذلك إن فعلناه، فحينما لا يتلقى أبناؤنا التغذية الإيمانية؛ فإن قلوبهم تقسوا ونفوسهم تخبوا وأرواحهم تخبوا وطباعهم تجفوا، إنهم بذلك جمعوا بطوناً وبنوا أبدانا، ولكنهم فقدوا الروح والريحان، فقدوا قوله تعالى: (وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَرَدّاً) [مريم: 76]، حرام -والله- أن تمر على أبنائنا إجازة كاملة وما جالس أصحاب الحلقات القرآنية، وما تدارس الآيات الإيمانية، وما بيض صحائفه وزكى قلبه بالنفحات القرآنية.
التوازن في الإجازة وفي الحياة -أيها الأخوة- المشروع لنا في حياة أبنائنا عامة وإجازاتهم خاصة هو التوازن والاعتدال نعم، يعطى الولد-الذكر والأنثى- حقه من الترفه والسعة والسياحة، ويعطى كذلك حقه الأعظم من التغذية الروحية والقرآنية والقلبية والوقت متوفر لهذا، ولذاك وهذا هو الاعتدال وهذه هي الخيرية والرحمة الحقيقية بأولادنا ليكون ابنك بذلك شاهداً لك لا عليك وبركة عليك لا حسرة، وقرة عين لك لا سوءة، ومنجياً لك في أخراك لا مهلكاً وداعياً لك لا عليك.
أقبلوا بأبنائكم على مائدة القرآن -أيها الآباء الأفاضل أيتها الأمهات الفضليات- أقبلوا بأبنائكم على مائدة القرآن ادفعوا بأولادكم إلى قراءة القرآن، رغبوا غواليكم وفلذات أكبادكم وقرة عيونكم أبناءكم بحلقات القرآن، ببيوت القرآن، بمراكز القرآن خذوا بأيديهم؛ لتتغذى قلوبهم وأرواحهم؛ لتطيب نفوسهم؛ لتزكوا ألسنتهم بكلام ربهم أحسن الكلام وأطهره وأصدقه أزكاه بذلك أيها الأخوة، أيها الآباء الكرام أيتها الأمهات الكريمات بذلك:
تزكوا نفوس أبنائنا، فهم الآن أصبحوا من خيرة خلق الله، قال نبينا وحبيبنا -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيح: "خيركم من تعلم القرآن"، وهم قد أقبلوا على تعلم القرآن.
تزكوا نفوس أبنائنا حيث تنزل عليهم السكينة والرحمة الإلهية، قال نبينا وحبيبنا -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيح: "وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة".
بذلك، أبناؤكم -أيها الآباء الرحيمون وأيتها الأمهات الرحيمات- يقتربون من الملائكة وتقترب منهم الملائكة، بل والأعظم يتشرفون بذكر الله الجليل لهم نعم، ربنا العظيم يذكر ابنك ويذكر ابنتك، أي خير أعظم من هذا تقدمه للغوالي من أهلك "وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده".
بذلك قد أصبح ولدك ذا شرف عظيم، فهو لم يعد فقط من أهلك؛ بل أُكرم ورُفع مقامه فقد أصبح من أهل الله، قال نبينا وحبيبنا -صلى الله عليه وسلم- كما في مسند أحمد: "إن للّه أهلين من الناس. قالوا: من هم يا رسول اللّه؟! قال: هم أهل القرآن".
بذلك -أيها الوالد الأمين وأيتها الوالدة الأمينة- تكونوا قد أديتم الأمانة أمانة الله تعالى وأمانة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أبنائك، فكلنا راع وكلنا مسؤول عن رعيته، وحافظت عليهم وحافظوا هم على أنفسهم في شبابهم وفي مكبرهم، فمن حفظ الله حفظه الله، وعودتهم على فعل الخيرات، يقول ابن مسعود -رضي الله عنه-: "وعودوهم الخير فإن الخير عادة".
بذلك -أيها الوالد وأيتها الوالدة- أنتم الرابحون؛ فأولادكم ثمرة جهدكم وتوجيهاتكم وتربيتكم فما يفعلونه من خير فلكم به الأجر، وهو في ميزان حسناتكم فَنِعْمَ هؤلاء الأبناء.
فهؤلاء -والله- هم قرّة العين في الدنيا والآخرة، فبركاتهم مدركة لكم في قبوركم بدعواتهم الصالحات، وفي آخرتكم حيث الحسنات وحلل الكرامات؛ فيا له من فضل عظيم نجنيه من مائدة القرآن التي دفعنا إليها أبناءنا الغوالي؛ لننال وينالوا الثمرات العوالي من رب كريم محسن رحيم.
نعم: إنها بركات التغذية الروحانية، التغذية القرآنية، التغذية الإيمانية التي لايعدلها غذاء، ولا مثلها دواء، (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ).
أقول قولي هذا وأستغفر الله.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
يقول ابن القيم: نعم -أيها الآباء وأيتها الأمهات- كونوا من هؤلاء الصادقين مع أبنائهم، الأمينين على أجسامهم وأرواحهم، الحريصين على حياتهم وأوقاتهم، ولا تكونوا من أولئك الآباء المهملين المفرطين المقصرين الذين هم في واد وأبناؤهم في واد الذين ينتبهون حينما يقول لهم أولادهم قد جاءت الإجازة يا والدي يا أمي ثم لا يستيقظون إلا وهم يقولون غدا تنتهي الإجازة يا والدي ويا أمي.
أسلموهم للشاشات والخلوات والطرقات والرفيق والرفيقات إن هذه ليست هي الأبوة المخلصة ولا الأمومة الرحيمة يقول ابن القيم -في أمثال هؤلاء-: "من أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه فأضاعوهم صغارا فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوا آباءهم كبارا".
يا الله ما أفدحها من خسارة ويا الله ما أشدها من مصيبة إنها في أولادنا الذين لطالما سعينا في الحياة لنراهم يمشون على الأرض، وها نحن نتركهم يمشون وحدهم يتنكبون الطريق.
ليست كذلك -أيها الأخوة- إنّ التغذية الروحية لأبنائنا ليست تبرعاً منا ولا فضلة من أعمالنا، ليست أمراً ثانوياً ولا هامشياً، إنها من أوجب الواجبات، من أعظم حقوق عباد الله علينا من أكبر المسؤوليات.
فإياك إياك من التفريط بها، قال رسولنا -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح ابن حبان: "إن الله سائل كل راع عما استرعاه أحفظ أم ضيع؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته" فالله الله في أبنائنا بل في أنفسنا وأرواحنا، والله الله في غذائهم الإيماني والروحي والقرآني.
(رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ).
آمين آمين، والحمد لله رب العالمين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي