ويكون الغلول أيضاً بالاختلاس من مال الزكاة أو بقبول ما يُهدى من المزكين إلى جُباة الزكاة، ويدخل في الغلول أخذ العمَّالِ المالَ من أصحاب المعاملات أو قبول الهدايا والأعطيات؛ فهلَّا قعد في بيت أبيه وأمه؛ لينظر هل يُهدى إليه أم لا؟!...
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.
أما بعد: فاتقوا الله -أيها المؤمنون-، واعلموا أنكم على أعمالكم محاسبون؛ فمن عمل خيرا فليحمد الله، ومن عمل سوءًا فليتب إلى الله؛ فإنَّ الله غفور رحيم.
معاشر المسلمين: إنَّ حُب المال إذا غطى العقل أوقع صاحبه في الحرام؛ فيجمع المال الحرام والمشتبهَ فيه، لا يمنعه إيمان، ولا تقوى الله -عز وجل-، يجمع المال الحرام لضعف نفسه، وطمعها فيما ليس لها، وقد يجره ذلك إلى خيانة الأمانة التي تحمَّلها -عياذا بالله من ذلك-.
ومن المحرَّمات محرَّمات يستهين بها أقوام، هي في أنظارهم سهلة يسيرة، لكنها في الحقيقة ندامة وخسارة وفضيحة يوم القيامة، ومن تلك المحرمات التي يستهين بها أقوام الغلول، قال تعالى: (وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [آل عمران:161]، قال السعدي -رحمه الله-: "أي: يأت به حامله على ظهره، حيوانا كان أو متاعا، أو غير ذلك، ليعذب به يوم القيامة" انتهى ما قاله -رحمه الله-.
والغلول كبيرة من كبائر الذنوب كما ذكر ذلك الإمام الذهبي وابن حجر الهيتمي والشيخ محمد بن عبدالوهاب وغيرهم -رحمهم الله- والغلول هو: "الْخِيَانَة فِي بَيت مَالٍ، أَو زَكَاةٍ، أَو غنيمَة" بأن يأخذ من بيت مال المسلمين بالخفاء أو بطرق ملتوية بالتحايل، أو باختلاس شيء من الفيء والغنائم، قال عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه-: لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ، أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ صَحَابَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالُوا: فُلَانٌ شَهِيدٌ، فُلَانٌ شَهِيدٌ، حَتَّى مَرُّوا عَلَى رَجُلٍ، فَقَالُوا: فُلَانٌ شَهِيدٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "كَلَّا، إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي بُرْدَةٍ غَلَّهَا -أَوْ عَبَاءَةٍ-"؛ (أخرجه مسلم).
وعن أبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، يَقُولُ: افْتَتَحْنَا خَيْبَرَ، وَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلاَ فِضَّةً، إِنَّمَا غَنِمْنَا البَقَرَ وَالإِبِلَ وَالمَتَاعَ وَالحَوَائِطَ، ثُمَّ انْصَرَفْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى وَادِي القُرَى، وَمَعَهُ عَبْدٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ مِدْعَمٌ، أَهْدَاهُ لَهُ أَحَدُ بَنِي الضِّبَابِ، فَبَيْنَمَا هُوَ يَحُطُّ رَحْلَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ جَاءَهُ سَهْمٌ عَائِرٌ، حَتَّى أَصَابَ ذَلِكَ العَبْدَ، فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لَهُ الشَّهَادَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "بَلْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَصَابَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ المَغَانِمِ، لَمْ تُصِبْهَا المَقَاسِمُ، لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا" فَجَاءَ رَجُلٌ حِينَ سَمِعَ ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِشِرَاكٍ أَوْ بِشِرَاكَيْنِ، فَقَالَ: هَذَا شَيْءٌ كُنْتُ أَصَبْتُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "شِرَاكٌ - أَوْ شِرَاكَانِ - مِنْ نَارٍ"؛ (متفق عليه).
معاشر المسلمين: ويكون الغلول أيضاً بالاختلاس من مال الزكاة أو بقبول ما يُهدى من المزكين إلى جُباة الزكاة، ويدخل في الغلول أخذ العمَّالِ المالَ من أصحاب المعاملات أو قبول الهدايا والأعطيات؛ فهلَّا قعد في بيت أبيه وأمه؛ لينظر هل يُهدى إليه أم لا؟! عَنْ عَدِيِّ بْنِ عَمِيرَةَ الْكِنْدِيِّ -رضي الله عنه-، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ، فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا، فَمَا فَوْقَهُ كَانَ غُلُولًا يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" قَالَ: فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ أَسْوَدُ مِنَ الْأَنْصَارِ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اقْبَلْ عَنِّي عَمَلَكَ -أي أقلني منه - قَالَ: "وَمَا لَكَ؟" قَالَ: سَمِعْتُكَ تَقُولُ: كَذَا وَكَذَا، قَالَ: "وَأَنَا أَقُولُهُ الْآنَ، مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ، فَلْيَجِئْ بِقَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، فَمَا أُوتِيَ مِنْهُ أَخَذَ، وَمَا نُهِيَ عَنْهُ انْتَهَى"؛ (أخرجه مسلم) والمِخيَطُ: هو الإبرة.
ويدخل في الغلول: اغتصاب الأراضي والعقارات بغير حق، قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ بِغَيْرِ حَقِّهِ، طُوِّقَهُ فِي سَبْعِ أَرَضِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"؛ (أخرجه مسلم)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ أَخَذَ مِنَ الْأَرْضِ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ خُسِفَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ"؛ (أخرجه البخاري).
معاشر المسلمين: إذا كان تغليظ تحريم الغلول حتى من الشيء الذي لا يهم أكثر الناس، وهي الإبرة؛ فكيف بمن يغُلُّ أكثر من ثمنها.
المؤمن -يا عباد الله- يعرف غلظ تحريم الغلول وما ورد فيه من آيات وأحاديث مما سبق ذكره، وكذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ القِيَامَةِ"؛ (أخرجه البخاري).
والمراد بالتخوض في المال بغير حق، أي: التخليط في المال وتحصيله من غير وجهه كيفما أمكن .
إنَّ المؤمن يتحرَّز أشد التحرُّز من أي مال محرَّم أو مال فيه شبهة تحريم؛ لأنه يريد أن يأكل حلالاً ويشرب حلالا ويلبس حلالا، يريد مالاً لا يخالطه أيَّ شيء محرَّم ولو كان قِرشاً واحدا.
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك وأغننا بفضلك عمن سواك.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم..
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي