تعظيم النصوص الشرعية

عبد المحسن بن عبد الرحمن القاضي
عناصر الخطبة
  1. التحايل على النصوص الشرعية وآثاره .
  2. من لوازم تعظيم العبد لربه تعظيمه للنصوص الشرعية .
  3. علامات تعظيم النصوص الشرعية .
  4. أمثلة على تعظيم الصحابة الكرام والسلف الأعلام للنصوص الشرعية .
  5. الدعوة إلى تعظيم النصوص الشرعية والتحذير من الاعتداء عليها. .

اقتباس

إنَّ تعظيمَ الربِّ تعالى وتمجيدهِ مُستلزمٌ لتعظيمِ أَحكامِهِ ونصُوصِ شرعِهِ من القرآنِ والسُنةِ؛ قال الإِمامُ ابن القيمِ -رحمه الله-: :أولُ مراتبِ تَعظيمِ الحقِ عز وجل تعظيمُ أَمرهِ ونهيهِ، فيكونُ تعظيمُ المؤمنِ لأمرِ اللهِ ونهيهِ دَالاً على تعظيمهِ لصاحبِ الأمرِ والنهي.. ومن عَلاماتِ تعظيمِ النصوصِ الشَرعيةِ عَدمُ وجودِ...

الخطبة الأولى:

الحمدُ للهِ الذي هدى الأمةَ إلى دينِ الإسلامِ، وبيَّنَ لهم فيهِ الأحكام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ له الملك العلام، وأشهد أن محمداً عبده ورسولهُ المبعوثُ رحمةً للأنامِ، -صلى الله وسلم عليه وعلى آلهِ وصحبهِ البررة الأعلامِ-، ومن تبعهم بإحسان ما تعاقبت الليالي والأيام، أما بعد:

فاتقوا الله -عباد الله- واعلموا أن الله -عزَ وجلَّ- قد منّ علينا بأن هدانا للإسلامِ خَاتَمِ الشرائعِ وأَفضلِها وأَرسلَ إلينا أَفضلَ رُسُلِهِ وخَاتَمهُم، وأَنزلَ عَلينا أَكملَ كُتُبِه وأَشرفَها، وجَعلَ الاستسلامَ والانقيادَ لشرعِهِ والطاعَةِ لهُ هي مَناطُ القَبولِ عِندهُ والرِضَا، ولذا فمن لم يستسلم للهِ وينقد إليهِ بالطاعةِ ويتخلصُ من الشرِكِ؛ فليسَ بمسلم.

ولما كانَ في نُصوصِ الشَريعةِ وأَحكَامِها ما يُخالِفُ شَهواتِ بَعضِ الناسِ وشُبهَاتِهم كان تَلقِيهُم لتِلكَ النصُوصِ والأَحكامِ مَصحُوباً بنوعٍ من التَردُدِ والتَقاعُسِ مع التَثاقُلِ والحَرجِ في صُدُورِهم، هذا إن لم يدفعوا تِلكَ الأَحكامَ الشرعيةَ بالكُليةِ أو يتعسفوا ويتحذلقوا بتأويلِ نُصُوصِ الشرعِ والتَحايُّلِ عليها في سبيلِ تَحقيقِ شُبهاتِهم وشَهواتِهم.

وهذا المزلقُ الخطيرُ لا يُستَغربُ حينَ يَصدرُ ممن ليسَ لهم حظٌ في الإسلامِ من اليهودِ والنصارى وأَشياعهِم؛ فهم كما قال الله، ولكنَ الغريبَ في ذلكَ أن يَنزلِقَ في هذا المسلكِ الخطيرِ بَعضُ المسلمينَ ممن فَرِحُوا بما عِندهم من العِلمِ الدنيويِّ فأخذوا يُزنونَ النصوصَ الشرعيةِ بِميزانِ عقولِهم؛ فما وافقَ عُقولهَم قَبلوهُ وما لم يُوافق عُقولهَم أَولُوهُ وحَرفوهُ بما يُوافقُ الهوى؛ فجعلوا عُقولَهم حاكمةً مُهيمنةً على الشرع ومستهينةً بالسنةِ؛ فلم يعد لهذهِ النصوصِ الشرعيةِ والسُنَنِ النبويةِ في قلوبِهم تَعظيماً أو تَقديساً أو انقياداً، وقَلَ احترامُ النصِ الشرعيِّ خصوصاً الحديثُ النبويِّ الصَحيحُ و السُنةِ النَبويةِ من صلاةِ وصيامٍ وغيرها من العباداتِ، وكذلك آراءُ العلماءِ المبنيةِ على النَصِ والإِجماعِ؛ ترى تَهاوناً بِها وتَناولاً غيرَ جيدٍ لها، بل تجدُ من الناسِ من يفتي بالأحكامِ الشرعيةِ ويتكلمُ بالأُصُولِ الفقهيةِ في المجالسِ والحِواراتِ الصَحفيةِ؛ كالقاعدةِ الفقهيةِ بِسدِّ الذرائعِ وتغليبِ المصالحِ، ودرءِ المفاسدِ، وكأنَّهُ الفقيهُ المتَبَحِرُ وهذا ولا شَكَ خَطأٌ و تجاوزٌ على الأَحكامِ الشرعيةِ وكَلامٌ في غيرِ مَكانهِ و من غيرِ أَهلهِ وهو تَطَاولٌ على الشرعِ وقواعدهِ حين ترى أَحداً ليسَ من أَهلِ العلمِ سَمعَ مقالةً لأحدٍ أو قرأَها ثم يُجادلُ في الأحَكامِ الشرعيةِ وكأَنهُ العالمُ المتبحر.

عِبادَ الله: إنَّ تعظيمَ الربِّ -تعالى- وتمجيدهِ مُستلزمٌ لتعظيمِ أَحكامِهِ ونصُوصِ شرعِهِ من القرآنِ والسُنةِ؛ قال الإِمامُ ابن القيمِ -رحمه الله-: :أولُ مراتبِ تَعظيمِ الحقِ عز وجل تعظيمُ أَمرهِ ونهيهِ، فيكونُ تعظيمُ المؤمنِ لأمرِ اللهِ ونهيهِ دَالاً على تعظيمهِ لصاحبِ الأمرِ والنهي.

أيُّها المؤمنونَ: إنَّ لتَعظِيمِ النُصُوصِ الشَرعيةِ من القُرآنِ والسُنةِ دَلالاتٌ وعلاماتٌ من افتقدها فهو على خطرٍ عَظيمٍ؛ فَمِن علاماتِ تَعظيمِ النُصُوصِ الشرعيةِ عَدمُ الاختيارِ أو المشورةِ في قبولِ حُكم الله تعالى بل التَسليمُ الكَاملُ المطلَقُ دونِ تردُدٍ أو شك، قال ابن كثيرٍ -رحمه الله-: فهذهِ الآيةُ عَامةٌ في جَميعِ الأمور. ذلكَ أنه إذا حَكمَ الله ُورسوله بشيءٍ فليسَ لأَحدٍ مخالفتُه. ولا اختيار لأحدها هاهنا ولا رأي ولا قول.

ومن عَلاماتِ تعظيمِ النصوصِ الشَرعيةِ عَدمُ وجودِ الحَرجِ عند سَماعِ النَصِ الشَرعيِّ ويتأكدُ هذا عند تطبيقهِ فدلت الآية على وُجُوبِ الانقيادِ لحكمِ اللهِ ظَاهراً وباطناً بِرحابةِ صدرٍ وطُمأنينةِ نفس.

ومن العلاماتِ -أيضاً- عَدمُ التَنَطُعِ في البَحثِ عن الحِكمَةِ أَو ضَربِ الأحاديثِ ببعضها لنقضها، فتلكَ الصِفةُ تُنافي كَمالَ التَسليمِ والانقيادِ لله. بل قَد يَستَمِرئُ صَاحِبَهَا ذلكَ فتجرهُ إلى الاعتراضِ على بَعضِ الأَحكَامِ الشرعيةِ إلا حَينَ يعلمَ الحِكمةَ مِنها، فالواجبُ على المسلمِ الإمساكُ والتأدبُ مع مقامِ التشريعِ؛ فالله -عز وجلَّ- لا يُسأل عمَّا يفعلُ وهم يُسألون، ولهذا لم يحكِ اللهِ -سُبحَانهُ- عن أُمةِ نبيٍّ صدقت بِنبيِّها وآمنت بِما جاءَ بِه أَنها سألتهُ عن تفاصيلِ الحكمةِ فيما أَمَرَها بهِ ونَهاها عنه وبَلغها عن ربِها ولو فعلت ذلكَ لما كانت مؤمنةً بِنبيِّها.

وبتنا نرى الآن في صُحُفِنا و قَنواتِنا من كُتابٍ ومثقفين من يتجاوز على نصوصِ الشرعِ و أحكامهِ و بِمناقشةٍ يَحكمُها الهوى و الرغبة و الانجذابِ إلى الغربِ و تقليدهم؛ سيما بالمرأةِ و حِجابها واختلاطها مع الرجالِ بلا مُراعاةٍ للمصالحِ وشهواتِ الناس وغير ذلك من المفاسد التي لم يُغفلها الشرعُ عِند تشريعِ الأحكامِ للرِجَالِ والنساء وبعضهم يتخذُ من خلافِ بَعضِ آراءِ العلماءِ سبباً للنقاشِ و الجدلِ في المسائلِ الفقهيةِ أو لتركِ العملِ بِهذا الحُكم أو السُنة بالجملة وهذا خطأٌ مبين.

ومع هذا فلا مَانعَ من السؤالِ والاستئناسِ بِطلبِ الحِكمةِ من الحُكمِ الشرعيِّ إن أمكنَ ظهورها مع الرضا والقبولِ التامِ أولاً وكذلك لا بَأس للإنسانِ أن يتأَمل فضاءِ النَصِ ليُدركَ سبَبَ الأمرِ والنهي و يستنبط الفقيهُ منهُ الأحكامَ للنوازلِ الأخرى المقاربةِ له و مطلوبٌ من العلماءِ و أَهلِ الاختصاصِ التبحُرَ في البحوثِ العلميةِ و الجَمعِ بين الآراءِ الفقهيةِ وحَلِ النوازلِ العصريةِ حتى لا يكثُرَ الخلافُ بين الناس؛ قال شارح الطحاوية -رحمه الله-: اعلم أن مبنى العبودية والإيمان بالله وكتبه ورسله على التسليم وعدم الأسئلة عن تفصيل الحكمة. ولهذا لم يحكِ اللهِ عن أُمةِ نبي صَدقت بنبيها أَنها سألتهُ عن الحِكمةِ فيما أَمرها به ونَهاها عنه ولو فعلت ذلكَ لما كانت مؤمنةً بنبيها. بل انقادت وسلمت فيما كان مبين في حِكمتِهِ أو كانَ جلياً عنهم.

ومن عَلاماتِ تَعظيمِ النصوصِ الشرعيةِ الغضبُ لله تعالى إذا انتُهِكَت محارمُ اللهِ ومُحاولةُ التغيير ما استطاعَ المرءُ إلى ذلكَ سبيلاً، عن عائشة قالت: ‎ما خُيِّر رسولُ الله بين أمرينِ إلا اختارَ أَيسرهُما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها (أخرجه البخاري)؛ فمتى كان العبدُ غيوراً على محارمِ اللهِ مُسَارعاً إلى إنكارِها وإصلاحِ أَهلِها كانَ ذلكَ دَليلاً على تَعظيمهِ للنصوصِ الشرعيةِ ومُراعاةِ حُدودِها وآدابِها.

أيُّها المسلمون: لقد كادت أن تَحبط أعمالُ بعضِ الناسِ عندما جهروا و رفعوا أصواتهم فحسب- على رسول الله؛ فكيف بالانتقاصِ من الشريعةِ، و كيف بعدم تعظيم و توقير السنة، وإنْ بعضَ الذنوبِ تُحبطُ الأعمالَ الصالحةَ و تَذهبُ بِها وتُبطِلُها و من يَتهاونُ بِالسُنةِ و يتناولُ الأَحكَامَ الشرعيةِ بلا رويةٍ فهو مشابِهٌ لهؤلاء.

ومن علاماتِ تَعظيمِ النصوصِ الشرعيةِ؛ أن يُمسِكَ الإنسانُ عَما ليسَ لهُ بهِ عِلمٌ وأن يَحذرَ مِن الخوضِ في ذلكِ وأن يَجعلَ نُصبَ عينيهِ قوله تعالى فالخوضُ في معاني كلامِ اللهِ وكلامِ رسولهِ دونَ درايةٍ أو سُؤالٍ، من القولِ على الله بِلا عِلمٍ وهذا من الذنبِ العظيمِ فَضلاً عمَّا يَجُرهُ من المفاسدِ، من ضِلالِ الآخرينَ وإِضلالِهم.

وإنهُ لمنَ المؤسفِ أن يُجعلَ كلامُ الله وكلامُ رسولهٍ وأَحكامِ الشرعِ المطهَرِ مَيداناً للحوارِ والنقاشِ والجَدلِ من أُناسٍ ليسَ لهم حَظٌ من العِلمِ الشرعيِّ وأحياناً من العَقلِ فيحصلُ في هذهِ الحواراتِ من السفهِ والتأَويلِ والتَحريفِ للنصوصِ الشرعيةِ مما يُضعفُ تَعظيمهَا والانقيادِ لها في نفوسِ من يستمعُ إلى مثلِ هذهِ الحواراتِ في مجالسِ الناسِ أو فيما يُبثُ في الفضائياتِ فَيَستَسِهِلُ الناسَ الأمرَ ويتعودوا القولِ على اللهِ بغيرِ علمٍ، وكأنَ ما شرعهُ الله خاضعٌ للحوارِ كالقضايا السياسية أو الأدبية.

عباد الله: لقد ضَربَ أَصَحابُ النبيِّ أَروعَ الأَمثلةِ وأَصدَقَهَا في المبادرةِ والمساعدةِ لامتثالِ أَمرِ الله ورسولهِ وتعظيمِ نُصُوصِ الشرعِ والوقوفِ عندها والغضبِ عند مُخالفَتِها وانتِهاكِها. وحِرصهم هذا وتَعظيِمهِم ليسَ مقصوراً على ما كان واجباً؛ فحسب بل تعدى ذلكَ إلى المسَتحبَاتِ، ويكفيهم شَرفاً وفَخراً تزكيةُ اللهِ لهم وثناؤُه عليهم.

ولما كان أَمرُ مخالفتهِ خَطيراً و عاقِبتُهِ و خيمة كان موقف الصحابةِ منها موقفاً عظيماً؛ فهذا أبو بكر يقول لستُ تاركاً شيئاً كان رسول الله يعمل به إلا عملت به و إني لأخشى إن تركت شيئاً من أمرهِ أن أزيغ؛ وإذا كان هذا أبو بكرٍ فماذا عسى أن يكون في زمانٍ أضحى أهلهُ يَستهزئونَ بنبيهم و بأوامِرهِ و يتباهونَ بِمخَالفتهِ و يَسخرونَ بسنته.

ومن تعظيم الفاروق لشأنِ النبي وأَمرهِ ما أَخرجَهُ الإمامُ أحمد بإسنادٍ حسن أنه قلع ميزاباً للعباسِ على ممَر الناسِ؛ فقال له العباس: أشهد أن رسول الله هو الذي وضعه في مكانه؛ فأقسم عمر: لتصعدنَّ على ظهري ولتضعنهُ في موضعه.

وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: إن عبد الله بن رواحة أتى النبي وهو يخطب فسمعه يقول: اجلسوا، فجلس ابن رواحة مكانه خارج المسجد حتى فرغ النبي من خطبته، فبلغ ذلك النبي فقال له: "زَادكَ الله حِرصاً على طَواعيةِ اللهِ ورسوله" (أخرجه البيهقي).

وعن عبد الله بن مغفِّل قال: "نهى رسول الله عن الخذف"، وهو رمي الحجارةِ الصغيرةِ بأصابعِ اليد و قال: "إنها لا تصطادُ صيداً، و لا تنكأ عدواً و لكنها تفقأُ العينَ و تكسرِ السن" فقال رجلٌ لعبد اللهِ و ما بأس بهذا؟ فقال عبد الله إني أحدثك عن رسولِ اللهِ وتقولُ هذا و الله لا أُكلِمُكَ أبداً" (متفقٌ عليهِ)، وأَمثلةُ ذلكَ مما جاءَ عن الصحابةِ رضي الله عنهم كثيرةٌ جداً، وعلى نَهجِهم سار أَتباعُهم ومن تبعهم من أَئِمة السَلفِ إلى زماننا هذا.

عباد الله: إن المسألةَ يَجبُ أن تَنتهيَّ عندَ قولِ الرسول؛ فإن كانَ نزاعٌ بعد ذلكَ؛ فليحذرِ الإنسانُ على إيمانهِ وِإسلامهِ؛ فإنَّ الإسلامَ مبنيٌ على التسليمِ للرسول ولا يكونُ هذا إلا بتعظيمهِ وتَعظيمِ أَمرهِ ونَهيهِ، وعن سالم بن عبد الله بن عمر: أن عبد الله بن عمر قال: سمعتُ رسول الله يقول: "لا تمنعوا نِساءَكُم المسَاجد إذا استأذنَّ إليها"، قال: فقال بلال بن عبد الله بن عمر: والله لنمنعهن، قال: فأقبل عليه عبد الله؛ فسبه سباً سيئاً ما سمعته سبه مثله قط. وقال: "أخبرك عن رسول الله وتقول: والله لنمنعهنَّ" (رواه مسلم).

لقد كانَ هذا دَيدنُ أَهلِ الإسلامِ والإِيمانِ جُملةً وتفصيلاً أَنَهم ينقادونَ ويعظمونَ كلامَ اللهِ وكلامَ رسولهِ ويرونَ أن الدينَ يَجبُ أن يُسمعَ له وأن يكونَ هو الحاكم عليهم وباب الشبهةِ إذا انفتحَ على الإنسان ليس له حد و يغذيهِ الشيطان فيحبط عمل الإنسان.

نعم -إخوتي- قد وُجدت بعضُ الاختلافاتِ في الزمانِ الأولِ وذلكَ لهُ أسبابهُ الخاصة، إما لخفاءِ سُنةٍ أو عدمِ بِلُوغَها أَو لقولِ مرجوحٍ لكن أن يُتهم رواةُ الدينِ وصحابةِ رسول رب العالمين وأن يُستهزأ بهم ولا يُؤخذُ بِكَلامِهِم ولا يُعَظَّمون؛ فهذا ما لم يَحصُل فيما مضى إلا في مسائل فرعية لم يُنل فيها من سنةٍ أو حجابٍ أو دُعي إلى اختلاط و نبذٍ للولاءِ والبراء؛ وأصبحنا نرى من ينادي بتحليل الربا وأصبحتَ ترى وتسمعُ هذهِ الحملةَ الشرسةَ على حملة الشريعةِ مما أدى بالتدريجِ ـ والله المستعان ـ، إلى ضعف تعظيم الدين في قلوب العامة.

باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيم ونفعنا بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله و حده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده، وبعد:

أَيُّها المؤمنون: اتقوا الله حقَ التقوى واستمسكوا من الإسلامِ بالعروةِ الوثقى واعلموا أن خيرَ الحديثِ كلامُ الله وخير الهدي هدي محمد وشرَ الأمورِ محدثاتُها وكُلَ محدثةٍ في الدين بدعة.

أيُّها الإخوة: نتحدث عن دعوتِنا لتعظيم النصوص الشرعيةِ من كتابٍ وأحاديثَ صحيحةٍ وردت في السنة النبويةِ وإجماعٍ لأهل العلم أو قولٍ لجمهورهم لأننا نعاني الآن من أناس يتناولون أحكام الشرع حسب أمزجتِهم، وعقولهم ومناسباتهم، وتزلفهم للغير على حساب تلك الأحكام وتهاوناً بمعنى النصوص الشرعيةِ؛ فأنت ترى صحفياً يكتب في زاوية يناقش أَحكام الشرعيةِ وكأنها كلأ و ليسَ له نصيبٌ من العلمِ الشرعي، واحترامِ أهلِ العلم في حينِ أنه لا يتجاوزُ الأنظمة الدولية ولا القوانينَ الوضعيةِ مَخافةً وجبناً.

أما التعدي على أحكامِ اللهِ ورسولهِ ومناقَشَتِها حسبَ هواهُ؛ فهو يَراها حريةً شخصيةً وتعبيراً عن الرأي وهذا لا شكَ خطأٌ كبيرٌ وتعدٍ خطيرٍ على الدينِ نُحذِر منه ونَحنُ نراهُ كثُرَ في الآونةِ الأخيرة من عدمِ احترامٍ لأقوالِ العلماءِ الشرعيين واستنباطاتِهم للأحكامِ الشرعيةِ وهم الذين أَفنوا أَعمارهُم في تأَمُلِ هذهِ النصوصِ وآراءِ العُلَمَاءِ فيها ولم يأتوا بِها من أَهوائِهم؛ فواجبٌ احترامُ ذلكَ وتقديره، و معرفةِ أن المصلحةَ متحققةٌ من اتباعِ الشرعِ وتعاليمهِ وأن المفسدة إنما تأتي من منهج المنافقين الذين يريدون إسقاطَ تعاليم الدين ونقضه عروةً عروة أو ممن يعيش حياته على الجدلِ والمراء في النيلِ من سنةِ المصطفى.

نسأل الله -جلَّ و علا- أن يجعلنا وقافين عند أحكامِ كتابِ الله ومتبعينَ لسنةِ رسول الله عاملين بمحكم الإسلامٍ مؤمنين بمتشابهه وأن يُجنبنا الجدال والمراءَ بغيرِ وجهِ حق وأن يرينا الحق حقاً و يرزقنا اتباعه ويرزقنا الباطلَ باطلاً ويرزقنا اجتنابه.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي