المحافظة على المكتسبات

صلاح الدين بورنان
عناصر الخطبة
  1. عاقبة الظلم الاجتماعية .
  2. المؤمن عامل بناء لا معول هدم .
  3. ما تحتاجه الأمة من قيم وفضائل .
  4. الاستعاذة من الأمراض القلبية والبدنية .
  5. المحافظة على مقومات الدولة ومؤسساتها .
  6. المطالبة بالحقوق وفق الشرع والقانون .
  7. التعاون في حفظ الأمن مسؤولية الجميع. .

اقتباس

تحتاج الأمة إلى مزيد من طاعة الله وطاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ علما وعملا ودعوةً وصبرا, تحتاج الأمة إلى ترك التنازع والاختلاف الناشئ عن هوى النفوس وإرادات الدنيا, وَرَدِّ ما كان من نزاع إلى منبع الهدى ومصدر النور, المتلقى من فم الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم-, في مسائل الإيمان والاعتقاد, وفي مسائل الأحكام وفي العبادات والمعاملات, وفي مسائل أحوال القلوب والأخلاق...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه ، بعثه اللهُ رحمةً للعالمين, هادياً ومبشراً ونذيراً, بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصحَ الأمّةَ, فجزاهُ اللهُ خيرَ ما جزى نبياً من أنبيائه, صلواتُ اللهِ وسلامه عليه وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، وعلى صحابته وآل بيته، وعلى من أحبهم إلى يوم الدين.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب:70-71]

أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

عباد الله: مما لا شك أن الأحداث التي وقعت في بعض البلاد العربية المسلمة, كانت نتيجة ظلم متسلط وجاثم على صدور تلك الشعوب من ضياع للحقوق والواجبات, وتقييد للحريات حتى ولو كان ذلك في تأدية العبادات؛ من أداء للصلوات, وارتداء للحجاب والخمار, وغيرها من المفاسد التي سادت في كل الدوائر الحكومية؛ من محسوبية وبيروقراطية, ولا يتم قضاء مصالح الناس إلا بعد دفع الرشوة, وغيرها من المشاكل التي أدت إلى أن انتفضت تلك الشعوب, وكسرت حاجز الخوف وضحت من أموالها وأوقاتها وأنفسها وأبنائها في سبيل الله, ثم إزالة تلك المفاسد التي عمّت في تلك الدّيار.

ونحن كمسلمين يجب أن نأخذ العبرة من غيرنا, ونغير من سلوكنا, ونبتعد عن احتقار الناس ونبتعد عن الكبر وإذلال الناس واحتقارهم, والحطِّ من قيمتهم, واستغلال ضعفهم وحاجتهم,  فالمؤمن ليست هذه أخلاقه, وعلى المؤمن الحقيقي أن يراقب الله في عمله ويتقي الله في خلقه, ويَبنِيَ بلده وأن يكون عامل بناء لا معول هدم, وأن يقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة, ولذا يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لاخيه ما يحب لنفسه".

يقول الله -تعالى-: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران: 26], كم ظن ملوك أن ملكهم لا يزول! وكم قال قائل مقسما: مالنا  من زوال!, كما قال الله عنهم: (أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ) [إبراهيم: 44], وكم دعا مظلومون: ربنا إنا مغلوبون فانتصر, وطال انتظارهم, وعند الله استجابة دعوتهم, (قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا) [يونس: 89].

الآن -أيها المسلمون- بدأ العمل, فالأيام القادمة محنة من نوع جديد، الأمة تحتاج إلى استقامة على طريق الحق؛ استقامة في الباطن واستقامة في الظاهر، تحتاج الأمة إلى الحذر من الجهل وعدم العلم, ومن اتباع سبيل الجهال الذين لا يعلمون، فضلا عن المنافقين أعداء الدين الذين يريدون تضييع هوية أمتنا الإسلامية, (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) [المنافقون: 4].

تحتاج الأمة إلى صدق مع الله -عز وجل- في الأقوال والأعمال والأحوال، تحتاج الأمة إلى إخلاص وتجرد لإرادة الله والدار الآخرة, ونسيان حظ النفس, تحتاج الأمة إلى ثبات على المنهج, تحتاج الأمة إلى ذكر الله كثيرا بتلاوة آيات الله في الصلاة وخارجها, واتباع أوامر الله ونواهيه؛ فالأوامر والنواهي هي من ذكر الله, وليس الذكر فقط التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير وقراءة القرآن, وأعظم أمرٍ أمر الله به هو التوحيد, وأشد ما نهى عنه الشرك, وهذا الذكر سبب الفلاح.

تحتاج الأمة إلى مزيد من طاعة الله وطاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ علما وعملا ودعوةً وصبرا, تحتاج الأمة إلى ترك التنازع والاختلاف الناشئ عن هوى النفوس وإرادات الدنيا, وَرَدِّ ما كان من نزاع إلى منبع الهدى ومصدر النور, المتلقى من فم الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- في مسائل الإيمان والاعتقاد, وفي مسائل الأحكام وفي العبادات والمعاملات, وفي مسائل أحوال القلوب والأخلاق, (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) [النساء: 59], فبهذا مع الصدق والإخلاص يزول النزاع, أو على الأقل يظل محصورا في دائرة محدودة, يبقى معها الحب والود, وإلا فالبديل هو الفشل.

تحتاج الأمة إلى صبر على أداء  الطاعات, وصبر على  ترك المعاصي, وصبر على البلاء, تحتاج الأمة إلى التخلص من الكبر والعجب والبطر, واحتقار الناس وازدراءهم, والرياء والسمعة, والقسوة والغفلة, كما كان دعاء سيد الخلق: "اللهم إنى أعوذ بك من العجز والكسل, والجبن والبخل, والهرم والقسوة, والغفلة والعيلة, والذلة والمسكنة, وأعوذ بك من  الفقر والكفر, والفسوق والشقاق والنفاق, والسمعة والرياء, وأعوذ بك من الصمم والبكم, والجنون والجذام والبرص, وسيء الأسقام" (رواه ابن حبان والحاكم وصححه الألباني).

نتأمل -أيها المؤمنون- كيف استعاذ سيد الخلق بالله من الأمراض القلبية قبل الأمراض البدنية؛ لأنها تفتك بالقلوب التي يحصل بوجود الإيمان فيها  السعادة الأبدية, وإذا خلا منها أو نقص حلت جميع هذه الأمراض والأسقام.

تحتاج الأمة الحذر من أي صورة للصد عن سبيل الله, فلقد رأينا عاقبة من صد عن سبيل الله, ولا يزال يوجد من يصد عن سبيل الله؛ فالأعداء متربصون وربما زاد صدهم عن سبيل الله لمواجهة هذه الروح الجديدة التي انبعثت في الأمة, فلنجعل منهاج عملنا قوله -تعالى-: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الأنفال: 45].

الخطبة الثانية:

الحمد لله وحده, والصلاة على من لا نبي بعده, وبعد:

فلنحافظ -أيها المسلمون- على مقومات الدولة ومكتسباتها ومؤسساتها, فكما تشاهدون المساجد مفتوحة للعبادة, والمصانع تشتغل في ظروف عادية, والأولاد والطلاب يتابعون دروسهم بشكل طبيعي, والمشافي تمارس دورها, والتجار في متاجرهم, وكل يؤدي  عمله في ظروف جيدة من غير خوف ولا تنقيص, وبصفة عامة كل أجهزة الدولة سائرة في بناء هذا البلد وتطويره إلى الأحسن.

ينبغي علينا جميعا حكاما ومحكومين رؤساء ومرؤوسين أن نحافظ على هذه المكتسبات, ونواصل طريق البناء والتشييد, وأن نراعي المصالح العليا لهذا البلد, وإذا أردنا أن نطالب بحقوقنا في السكن والعمل وغيرها من الحقوق, فعلينا طلبها بالطرق السلمية والقانونية, من غير عصبية ولا غضب ولا سب ولا شتم, ومن غير تخريب للممتلكات العامة والخاصة, ومن غير إفساد في الأرض, فالوطن وطننا, والبلد بلدنا.

يجب أن نتعاون جميعا في الحفاظ على الأمن والاستقرار, والحفاظ على المكتسبات وعلى الممتلكات, كما يجب علينا أن نعود إلى الله عودة حقيقية, وأن نصطلح مع أنفسنا, وأن نتخلص من أمراض القلوب؛ كالأنانية والحقد والحسد وحب الذات, والبغض والبخل والشح, وأن نتحلى بالأخوة الدينية, كما أمر بذلك سيد الخلق: "وكونوا عباد الله إخوانا",  والله -عز وجل- يقول: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [المائدة: 2].

ألا وصلوا وسلموا على من أُمرتم بالصلاة عليه, إمام المتقين, وقائد الغرِّ المحجلين وعلى ألهِ وصحابته أجمعين, وأرض اللهمَّ عن الخلفاءِ الراشدين؛ أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي