من علامات محبة النبي صلى الله عليه وسلم

عمر بن عبد الله بن مشاري المشاري
عناصر الخطبة
  1. وجوب تقديم محبة النبي صلى الله عليه وسلم على كل أحد .
  2. من علامات محبة النبي صلى الله عليه وسلم .

اقتباس

المسلمون يحبون النبي محمداً صلى الله عليه وسلم وهم يتفاوتون في حُبِّه، حسب اتباعهم له؛ فكلَّما كان المسلم أكثرَ تمسكاً وعملاً بسنته -صلى الله عليه وسلم- كلَّما كان أعظم محبَّة .. ومن علامات محبته صلى الله عليه وسلم محبة صحابته رضي الله عنهم والترضي عنهم والاقتداء بهم، وعدم الطعن فيهم فإنهم عدول اختارهم الله...

الخطبة الأولى:

الحمد لله رب العالمين، حمدا يليق بجلاله وعظيم سلطانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدا عبده ورسوله وخيرته من خلقه صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد:

فيا معاشر المسلمين: اتقوا الله وراقبوه واتبعوا أوامره واجتنبوا نواهيه، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [الحديد:28].

وقال تعالى: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) [الأحزاب:6].

قال الإمام السعدي -رحمه الله-: "أقرب ما للإنسان، وأولى ما له نفسه؛ فالرسول أولى به من نفسه؛ لأنه -عليه الصلاة والسلام- بذل لهم من النصح، والشفقة، والرأفة، ما كان به أرحم الخلق، وأرأفهم، فرسول الله، أعظم الخلق مِنَّةً عليهم، من كل أحد، فإنه لم يصل إليهم مثقال ذرة من الخير ولا اندفع عنهم مثقال ذرة من الشر، إلا على يديه وبسببه".

عباد الله: المسلمون يحبون النبي محمداً -صلى الله عليه وسلم- وهم يتفاوتون في حُبِّه، حسب اتباعهم له؛ فكلَّما كان المسلم أكثرَ تمسكاً وعملاً بسنته -صلى الله عليه وسلم- كلَّما كان أعظم محبَّة، قال -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ"؛ (متفق عليه).

قال الإمام ابن رجب -رحمه الله-: "محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- من أصول الإيمان وهي مقارنة لمحبة الله -عز وجل-، وقد قرنها الله بها، وتوعد من قدم عليها شيء من الأمور المحبوبة طبعا من الأقارب والأموال والأوطان وغير ذلك، فقال تعالى: (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) [التوبة:24]، ولما قال عمر للنبي -صلى الله عليه وسلم-: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ" فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّهُ الآنَ، -وَاللَّهِ- لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "الآنَ يَا عُمَرُ"؛ (أخرجه البخاري).

أيها المسلمون: من علامات محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- ما يلي:

أولاً: تقديم محبته على النفس والمال والوالد والولد والناس أجمعين.

ثانياً: اتباعه -صلى الله عليه وسلم- والاقتداء به والتخلق بأخلاقه وكريم صفاته وعدم مخالفته (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [آلعمران:31]، وقال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [الأحزاب: 21].

ثالثاً: الوقوف عند قوله وعدم المجادلة أو المماراة في ذلك، قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا) [الأحزاب: 36]، وقال تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [النساء: 65]، وقال تعالى ناهياً عن مخالفة نبيه -صلى الله عليه وسلم-: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور: 63].

رابعاً: تعظيمه ومعرفة حقِّه ورفيع منزلته قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].

قال الإمام السعدي -رحمه الله-: "هذا فيه تنبيه على كمال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ورفعة درجته، وعلو منزلته عند الله وعند خلقه، ورفع ذكره، و (إِنَّ اللَّهَ) تعالى (وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ) عليه؛ أي: يثني الله عليه بين الملائكة، وفي الملأ الأعلى، لمحبته تعالى له، وتثني عليه الملائكة المقربون، ويدعون له ويتضرعون (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)؛ اقتداء بالله وملائكته، وجزاء له على بعض حقوقه عليكم، وتكميلا لإيمانكم، وتعظيمًا له -صلى الله عليه وسلم-، ومحبة وإكرامًا، وزيادة في حسناتكم، وتكفيرًا من سيئاتكم".

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه.

أما بعد: فاتقوا الله -أيها المؤمنون-.

خامساً: من علامات محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- عدم الغلو فيه كما يفعله أهل البدع والضلالة: قال -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ تُطْرُونِي، كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ، وَرَسُولُهُ"؛ (أخرجه البخاري)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى اليَهُودِ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ"؛ (متفق عليه).

سادسا: من علامات محبته -صلى الله عليه وسلم- محبة صحابته رضي الله عنهم والترضي عنهم والاقتداء بهم، وعدم الطعن فيهم فإنهم عدول اختارهم الله لصحبة نبيه -صلى الله عليه وسلم- وأثنى عليهم في كتابه قال تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا) [الفتح: 29] وقال تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة:100] وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن سب أصحابه فقال: "لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ، ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلاَ نَصِيفَهُ"؛ (متفق عليه).

سابعاً: ومن علامات محبته -صلى الله عليه وسلم- كثرة ذكره وكثرة الصلاة عليه ومعرفة سيرته وتمني رؤيته قال -صلى الله عليه وسلم-: "مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِي لِي حُبًّا، نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِي، يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ"؛ (أخرجه مسلم)؛ أي لو فقد أهله وماله ليحظى بشرف رؤيته -صلى الله عليه وسلم-.

ثامناً: من علامات محبته -صلى الله عليه وسلم- إحياء سنته ونشرها في الناس والدعوة إليها ونبذ ما خالفها من البدع والمحدثات.

اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربنا إلى حبك ونسألك حب نبيك -صلى الله عليه وسلم-، اللهم أحينا على سنته -صلى الله عليه وسلم- وأمتنا عليها واحشرنا معه ومع صحابته يوم القيامة برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين واجعل بلدنا آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين.

اللهم أصلح أحوال المسلمين وول عليهم خيارهم واكفهم شرارهم.

اللهم اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك.

اللهم وفق ولاة أمور المسلمين لما تحبه وترضاه ووفقهم لتحكيم الشريعة واجعلهم هداة مهتدين واجمع كلمتهم على الحق، اللهم وفق ولي أمرنا وولي عهده وارزقهما بطانة صالحة ناصحة تدلهم على الخير وتعينهم عليه وأبعد عنهما بطانة السوء اللهم اجعلمها مفاتيح خير مغاليق شر وانصر بهما دينك وأعل بهما كلمتك برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم يا رب العالمين نسألك أن تنصرنا جنودنا المرابطين على حدود بلادنا وأن تثبت أقدامهم اللهم عليك بالحوثيين والخونة في اليمن مزقهم وزلزهم واهزمهم وانصرنا عليهم يا قوي يا عزيز.

اللهم عليك بأعداء الدين والخونة والمنافقين اشدد وطأتك عليهم وفرقهم وشتتهم وخالف بين قلوبهم واهزهم بقوتك وعظمتك.

اللهم أقر أعيننا بالصلاة في المسجد الأقصى واغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين.

اللهم أصلح قلوبنا وأعمالنا وأصلح نساء المسلمين وشبابهم.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمدلله رب العالمين.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي