وجاءت رسُل الله -عليهم الصلاة والسلام- آمرة بالإصلاح والنهي عن الفساد، وقد ذكر ذلك في كثير من الآيات: (فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ)، (فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا)، (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ) وها هم الصالحون من قوم قارون يحذرونه من...
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله النبي الأمين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ فالتقوى سبيل النجاة والرشاد والفوز بجنة رب العباد، (فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[المائدة:100].
عباد الله: لقد خلق الله الخلق لعبادته، وفطرهم على توحيده وحبه، وأسبغ عليهم نعمه؛ من أجل تيسير طاعته، ورفع عنهم المشقة والعنت وجعل الدين رحمة لخلقه؛ فلله الحمد والمنة على نعمة الإسلام، ونعمة الإيمان، ولله الحمد في الأولى والآخرة على كل حال.
عباد الله: لقد جاء الإسلام آمراً بكل خير للعباد، ناهياً عن كل شر؛ فأمر بالرحمة والعدل والإحسان، والنهى عن الفساد والظلم والعدوان، وجعل التعامل بين الخلق مبنياً على قوة الإيمان بلقاء الله الواحد الدَّيان.
يقول الله -جل وعلا- في كتابه العزيز: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)[الروم:41]؛ فالفساد كثر البر والبحر بسبب ذنوب الخلق، فعاد عليهم ذلك بفساد معايشهم ونقصها، وحلول الآفات بها؛ كما قال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)[الشورى:30].
عباد الله: لقد نهى الله -جل وعلا- عن الفساد في الأرض بجميع صوره؛ بداية من الوقوع في الكفر والشرك، ووصولاً إلى ظلم النفس والعباد، قال جل وعلا: (فَلَوْلا كَانَ مِنْ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنْ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ*وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)[هود:116-117].
وجاءت رسُل الله -عليهم الصلاة والسلام- آمرة بالإصلاح والنهي عن الفساد، وقد ذكر ذلك في كثير من الآيات: (فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ)[الأعراف:74]، (فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا)[هود:85]، (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ)[الأعراف:142].
وها هم الصالحون من قوم قارون يحذرونه من مغبة الفساد: (وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ ٱلْفَسَادَ فِى ٱلأرْضِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ)[القصص:77]؛ فالفسادُ -يا عباد الله- خُلُق ذميم يبغضه الله -تعالى-، ولا يرتضيه لخلقه.
والناظر لحال الناس اليوم يرى بينهم كثيراً من صور الفساد، وهي تنذر بالخطر، وتبشر بسوء العاقبة للمفسدين، ومن تلك الصور:
1- الكفر بالله -جل وعلا-، قال تعالى: (ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ زِدْنَ-ٰهُمْ عَذَابًا فَوْقَ ٱلْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ)[النحل:88].
2- الوقوع في الشرك، قال صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن أي الذنب أعظم: "أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ"(رواه البخاري ومسلم).
3- صد الناس عن سبيل الله والمنهج الحق، قال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِى ٱلأرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْمُفْسِدُونَ وَلَ-ٰكِن لاَّ يَشْعُرُونَ)[البقرة:11-12].
4- نشر البدع بين الناس، قال صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ"(رواه البخاري ومسلم).
5- سفكُ الدّماء المعصومة من مسلمين ومعاهدين بغير حق وإخافة الآمنين، وهي كبيرةٌ من كبائر الذنوب، قال صلى الله عليه وسلم: "لَزَوَالُ الدّنيا أهونُ على الله مِن قتل المسلم"(رواه الترمذي والنسائي، وصححه الألباني، وقال صلى الله عليه وسلم "مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ.."(رواه البخاري)
6- قطع الطريق، والاعتداء على الآمنين، وسرقة الأموال والممتلكات، (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)[المائدة:33].
7- أخذ الرشاوى، والتعامل بالربا، وأكل المال بالباطل، والغش، والتحايل، ومعاونة الظالم على المظلوم.
8- ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والسكوت عن الباطل وأهله.
9- محاربة العلماء والمصلحين والقدح فيهم لصرف الناس عنهم.
10- عقوق الوالدين، وقطع صلة الرحم، قال تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ)[محمد:22-23].
11- نشر الأفكار السيئة المخالفة للشريعة، والتعاون على نشر الرذيلة والإباحية بين المسلمين.
12- تفريط النساء في حجابهن، وتقصير أولياء أمورهن في رعايتهن، وتوجيههن، والقوامة عليهن، بل وترك الحبل على الغارب للخدم والسائقين في خدمتهن دون متابعة أو رقيب.
13- انتشار التطعيس والتفحيط وقطع إشارات المرور بين بعض الشباب المتهور، مما يسبب أضراراً كثيرة سواء كانت مادية أو معنوية.
14- إفساد العلاقة الزوجية، وإفساد ذات البين بين المسلمين، بنشر الأكاذيب وإيقاع العداوة بين الناس.
15- نقل الكلام بين الناس واغتيابهم، وهذا أمر أصبح مألوفاً عند كثير من الكبار والصغار في المجالس الخاصة والعامة.
16- الفساد المالي الذي استشرى بانتشار الرشاوي وتقديم غير الأكفاء، واستغلال المناصب للأشياء الشخصية، والمنافع الذاتية وسرقة الأموال بطرق مختلفة عن طريق الانتداب الكاذب وخارج الدوام الوهمي، وإخراج التقارير الطبية غير الصحيحة..؛ كل ذلك يدخل في الفساد المالي الذي ينبغي أن نتعاون جميعاً لاجتثاثه من المجتمع، وكم نادى ولاة الأمر بذلك وحفزوا عليه؛ عليه فليكن لنا إسهام في هذا الباب.
وهناك كثير من صور الفساد، التي أصابت مجتمعات المسلمين، فليتق الله -تعالى- كل مسلم ومسلمة من الوقوع في أي صورة من تلك الصور التي ذكرناه، ولا يكونوا مثل من سبقهم ممن حادوا عن طريق الحق، وسلكوا طريق الفاسدين فنالهم الوعيد الشديد.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)[الرعد:25].
الحمد لله على فضله وإحسانه وجوده وإكرامه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبدالله ورسوله خير رسله وأنبيائه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله -تعالى أيها المؤمنون-، واعلموا أن التقوى خير زاد ليوم المعاد، وأنه يجب على المسلمين أن ينأوا بأنفسهم عن جميع صور الفساد؛ فقد رتب الله -تعالى- عليه عقوبات عظيمة وخيمة؛ كما قال تعالى: (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ)[البقرة:204-206].
وبين سبحانه أن من أعان المفسدين أو رضي بأفعالهم فهو شريك لهم في الإثم، وقد نهى الله -تعالى- عن ذلك بقوله: (وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ)[المائدة:2]؛ فاحذروا -يا عباد الله- أن تعينوا مفسدًا، وأن ترضوا بعمل المفسدين؛ فإنكم إن رضيتم بعملهم أصبحتم شركاء لهم في الإثم -والعياذ بالله-.
أيها المؤمنون: اعلموا أنّه لا نجاةَ لنا من عقوبات الله -تعالى- إلا إذا حارَبنا جميع صور الفساد، سواء كان هذا الفساد اعتقاديّاً، أو فكريّاً أو عمليّاً، أو مالياً، أو اجتماعياً، وكنا ممن قال الله تعالى- فيهم: (فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْفَسَادِ فِى ٱلأرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ)[هود:116].
فعلينا التخلّص من كل صور الفساد بأن تتعاون جميع الجهات، وأن نتناصح فيما بيننا، وأن نأخذ على أيدي السفهاء، وأن نحرص على طهارة النفوس من أدران الذنوب والمعاصي، والبعد عن الحرام بشتى صوره، وأن نرجع إلى الله -تعالى-، وأن نتوب إليه، وفي ذلك النجاة بإذن الله -تعالى- في الدنيا قبل الآخرة.
أسأل الله أن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين، وأن يرد المسلمين إلى دينهم رداً جميلاً.
اللهم وفق ولاة أمرنا لما تحب وترضى، ويسر لهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين، اللهم وفقهم لكل خير، ويسره لهم يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
اللهم انصر دينك وكتابك وعبادك الصالحين يا أكرم الأكرمين.
اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا، فأرسل السماء علينا مدرارا.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا غيثاً مغيثاً، سحاً طبقاً، عاجلاً غير آجل، تسقي به البلاد وتنفع به العباد.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب:٥٦].
عباد الله: (إِنَّ اللَّه يَأْمُر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاء وَالْمُنْكَر وَالْبَغْي يَعِظكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)؛ فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت:45].
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي