فإن من استحضر حقا هذا؛ فلن يمنع زكاته والأصل أن المسلم يفعل الطاعة لمحبته لربه -سبحانه- ولما يرجوه من فضله ولما يخافه من عقاب المذنب ومن لم تحده المحبة والرجاء؛ فلعل الزواجر أن توقظه من غفلته! أما دافع الزكاة فحين يتصور الوعيد؛ فإنه يزداد ثباتا...
الحمد لله الكافي الحسيب، الحفيظ الرقيب، المجيب القريب، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له العظيم الكبير، السميع البصير، الطيّب القدير.
صَرَفْتُ إلى رَبِّ الأنام مَطَالِبي *** وَوَجَّهْتُ وَجِهي نَحْوَهُ وَمَآربي
إلَى الصَّمَد البَر الذي فَاضَ جُوْدُهُ *** وعَمَّ الوَرَى طُرًا بجَزْلِ المَوَاهِبِ
مُقِيْليْ إذَا زَلَّتْ بِيَ النَّعْلُ عَاثِرًا *** وأسْمَحَ غَفَّارٍ وأكْرمَ وَاهِبِ
فَمَا زَالَ يُوْلِيْني الجَميْل تَلَطُّفًا *** ويَدْفَعُ عَنِّي في صُدُورِ النَّوائِبِ
ويَرْزُقُني طِفْلاً وكَهْلاً وقَبْلَهَا *** جَنْينًا ويَحْمِيْني وَبيَ المكَاسِبِ
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله كريم الطباع، قليل المتاع.
بُعثتَ يا سيدي بالحقِّ والقيمِ *** ورحمة لجميع الخلق والأُمم
أثنى وصلّى عليك اللهُ خالِقُنا *** في سورَةِ الفتح والأحزاب والقَلمِ
أما بعد: فأوصي نفسي وإياكم بتقوى الله؛ فإنها نجاة في الدنيا والآخرة، (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ) [النحل:30].
إخوة الإيمان: التقوى تكررت كثيرا في القرآن المجيد أمرا بها وذكرا لفضائلها ومدحا لأهلها، وحقيقة التقوى، كما يُعلم فعل الأوامر وترك النواهي؛ فالعبد يتعبد لله -سبحانه- بفعل ما أمر وباجتناب ما نهى عنه الله ورسوله وبالذات عندما تقوى دواعي المعصية! وإن من أعظم ما يعيننا على ذلك: استشعار النصوص التي قبحت صورة المعصية ليقع استبشاعها في قلوبنا؛ فنجتنب الذنوب ونستقيم على أمر علاّم الغيوب، وهذا من رحمة وحكمة الشارع الحكيم؛ فتعالوا إلى بعض الأمثلة: من الكبائر المنتشرة الغيبة ! وفيها نصوص عديدة، ومن أشدها أن جعل الله المغتاب كمن يأكل لحم أخيه ميتا! (وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ) [الحجرات:12]، ولو أننا نتخيل هذا الصورة الفظيعة حين نتغاب أو ننوي الغيبة لكانت حاجزا قويا عن الغيبة ! وباعثا إلى التوبة الصادقة وتجديدها!
والغيبة في هذا الزمن قد زادت؛ لأن وسائل الكلام والكتابة كثرت وتنوعت وفي الحديث: "لما عُرج بي مررتُ بقومٍ لهم أظفارٌ من نحاسٍ يخمشون وجوهَهم وصدورَهم ! فقلتُ: من هؤلاءِ يا جبريلُ ؟ قال: هؤلاءِ الذين يأكلون لحومَ الناسِ، ويقَعون في أعراضِهم"(أخرجه أبو داوود وصححه الألباني).
أيها المؤمنون: ومن بلايا هذا الزمان المخدرات وفي الحديث عند مسلم، "كلُّ مُسكِرٍ خَمرٌ"؛ إذا فالمسكرات بأنواعها الحديثة تدخل في وعيد الخمر حمانا الله وإياكم.
أخرج مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله أنَّ رجلًا قدم من جيشانَ (وجيشانُ من اليمنِ)؛ فسأل النبيَّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- عن شرابٍ يشربونَه بأرضهم من الذرةِ يقال لهُ المِزْرُ ؟ فقال النبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: أوَ مسكرٍ هوَ؟ قال: نعم قال رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-"كل مسكرٍ حرامٌ إنَّ على اللهِ، -عزَّ وجلَّ- عهدًا، لمن يشربُ المسكرَ، أن يسقيَه من طينةِ الخبالِ، قالوا: يا رسولَ اللهِ !"وما طينةُ الخبالِ"؟ قال: "عرقُ أهلِ النارِ أو عصارةُ أهلِ النارِ".
ولو استحضر شارب الخمر أو متعاطي المسكر أو من يفكر في ذلك عرق أهل النار أو ما يخرج من جلودهم من قيح وصديد وجلود ذائبة لو استشعره لبعثه على التوبة وعلى تكرارها لو ضعف ورجع إليها، وحين يتصور هذا المعافى من الخمر؛ فإنه يزداد بعدا عنها، ومن شدة الوعيد فيها أن أكده بـ"إن على الله عهدا لمن يشرب المسكر"، قال العلماء وهذا الوعيد؛ فيمن مات مصرا عليها ولم يتب منها.
أيها المؤمنون: الصلاة عمود الإسلام وأول ما يحاسب عنه العبد، خيرات المحافظة عليها كثيرة والوعيد لمن ضيعها شديد منه؛ فقد أخبر -عليه الصلاة والسلام- في حديث الرؤيا "وإنا أتينا على رجلٍ مضطجعٍ، وإذا آخرُ قائمٌ عليه بصخرةٍ، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغُ رأسَه؛ فيتدَهْدَهُ الحجرُ ها هنا، فيتبع الحجرَ فيأخذه، فلا يرجع إليه حتى يصحَّ رأسُه كما كان، ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل به مرةَ الأولى" (رواه البخاري)؛ فأخبر أنه الذي يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة ! لو استشعر المفرط هذا الوعيد وحضر في ذهنه لما كان هذا حاله مع عمود الإسلام! كيف وقد جاء الوعيد فيمن يؤخرها عن وقتها (فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ) [الماعون:4-5].
عباد الله: وهل استشعر خان الأمانة الذي يأكل مال اليتيم أنه يأكل نارا في بطنه، (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) [النساء:10]، واستشعار ذلك ينمي الأمانة ويبعث على توبة الخائن!
بارك الله لي ولكم..
الحمد لله القائل: (وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ) [الحج:30]، -وصلى الله وسلم على البشير النذير وعلى آله وصحبه- أما بعد:
عباد الله: فقد جاءت نصوص الشريعة متنوعة بين ترغيب وترهيب لتحدو المؤمن للطاعات ومرضاة الله وتزجره عن الفجور وسخط مولاه.
إخوة الإسلام: الزكاة ركن الإسلام الثالث، وهي قرينة الصلاة في بضع وثمانين موضعا في كتاب الله؛ فدفعها قربة جليلة ومنعها هلكة خطيرة؛ ففي الحديث: "مَن آتاه اللهُ مالًا فلم يؤدِّ زَكاتَه مُثِّلَ له مالُه شجاعًا أقرعَ له زَبيبتانِ، يُطَوِّقُه يوم القيامة، يأخُذُ بشِدقَيه- يقول: أنا مالُك، أنا كَنزُك، ثم تلا هذه الآيةَ، (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)" (أخرجه البخاري).
ولو استشعر مانع الزكاة أن ماله سيمثل له حية كثيرة السام تلتف حول عنقه ويا ترى ماذا ستفعل به من لدغ خده الأيمن والأيسر!.
فإن من استحضر حقا هذا فلن يمنع زكاته والأصل أن المسلم يفعل الطاعة لمحبته لربه -سبحانه- ولما يرجوه من فضله ولما يخافه من عقاب المذنب ومن لم تحده المحبة والرجاء فلعل الزواجر أن توقظه من غفلته! أما دافع الزكاة فحين يتصور الوعيد فإنه يزداد ثباتا وإنفاقا!
عباد الرحمن: من صفات المؤمن الصدق، ووسائل التواصل جعلت كلام الإنسان أو كتابته تبلغ الآفاق ! وهذا مما ينفر المسلم من الكذب؛ فقد جاء في الحديث وعيد لمن كذب كذبة تبلغ الآفاق ! وفي حديث الرؤيا: "فانطلقنا، فأتينا على رجلٍ مستلقٍ لقفاه، وإذا آخرُ قائمٌ عليه بكَلُّوبٍ من حديدٍ، وإذا هو يأتي أحدٌ شقيٌّ وجهِه فيشرشرُ شِدقُه إلى قفاهُ، ومنخرُه إلى قفاهُ، وعينُه إلى قفاهُ ثم يتحولُ إلى الجانبِ الآخرِ فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأولِ، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصحَّ ذلك الجانبُ كما كان، ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرةَ الأولى، قال: قلتُ: سبحان اللهِ ما هذان ؟"فأخبراه بأنه الرجلُ يغدو من بيته، فيكذب الكذبةَ تبلغ الآفاقَ" ( أخرجه البخاري)، ولو استحضر الكاذب حديدة معطوفة الرأس يشق بها الخدود والمناخر والأعين لتاب وصار من عباد الله الصادقين وحين يستحضره الصادق فإنه سيزداد حرصا على الصدق!.
أيها المؤمنون: من صفات المؤمنين حفظ الفروج، ومن الكبائر التي تعددت فيها النصوص الزنا، ومما ورد من العقاب لهم أنهم أشد ما يكونون انتفاخا وأنتنه رائحة كأن ريحهم المراحيض ! لو استحضر المسلم هذا لامتنع من الزنا ! وفرّ من أسبابه؛ فقد جاء في حديث الرؤيا في البخاري: "فانطلقْنَا إلى ثَقْبٍ مثلَ التَّنُّورِ أعلاه ضيقٌ وأسفلُه واسعٌ يَتَوَقَّدُ تحتَه نارًا، فإذا اقتربَ ارتفعُوا حتى كادُوا أَنْ يَخْرُجُوا، فإذا خَمَدَتْ رجَعُوا فيها، وفيها رجالٌ ونساءٌ عُرَاةٌ"، ثم أخبر أنهم الزناة والزواني . وكذلك تصور رجم الزاني المحصن بالحجارة!.
أيها المسلمون: إن تذكر هذه النصوص يسقي غراس العفة، ويبعث الزاني على التوبة وعلى الإكثار من الحسنات الماحية.
هذا وصلوا وسلموا...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي