وبمناسبة الأيام الوطنية للوقاية من حوادث السير نقف وقفات مع هذا الحدث سائلين المولى -عز وجل- أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه: أولاً: سلامة القصد من شراء المركب؛ فالواجب عليك -أيها المسلم- أن تحدد الهدف من شراء مركبك، فمِن نِعَم الله علينا وجود هذه المركبات؛ أعني السّيّارات وغيرها التي هيّأها الله وسَخَّرها، وأَلهَم خَلقًا من خَلقِه لاختِراعِها وتكوِينِها، (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ)..
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71]، أما بعد:
فاتقوا الله -عباد الله- واعملوا جاهدين لنيل رضاه، وتذكروا أنكم بين يديه موقوفون وسوف تحاسبون؛ فالكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) [البقرة: 281]؛ فكل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها.
عباد الله: جاء الإسلام بمبادئه العظيمة وتشريعاته الحكيمة وتعاليمه الربانية الجليلة التي تحافظ على الإنسان في كل مراحله، وتمنع الاعتداء عليه أو التسبّب في إلحاق الضرر به، ولذلك؛ فإن من مقاصد الشريعة حفظ النفس والعقل والمال والعرض والنسل، وتوفير الحماية لهذه الكليات الخمس من الفساد؛ رغبة في أن يكون المجتمع آمنًا مطمئنًا، ولا يخفى على أحد كثرة الحوادث في أيامنا، والتي تذهب بحياة الكثيرين وتلحق الضرر بالآخرين؛ فكم من أسرة أصيبت وفجعت، وكم من امرأة ترملت وأطفال تيتموا، وكم من أب فقد ابنه وهو في أشد الحاجة إليه، وكم من أم غاب عنها ولدها وفلذة كبدها، وفئة الشباب هي من أكثر الفئات التي تتعرض للحوادث وتتضرر بها، نتيجة أسباب متعددة، من أبرزها: الإهمال وعدم التقيد بقوانين السير وعدم تحمل المسؤولية في كثير من الأحيان.
وبمناسبة الأيام الوطنية للوقاية من حوادث السير نقف وقفات مع هذا الحدث سائلين المولى -عز وجل- أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه:
أولاً: سلامة القصد من شراء المركب؛ فالواجب عليك -أيها المسلم- أن تحدد الهدف من شراء مركبك، فمِن نِعَم الله علينا وجود هذه المركبات؛ أعني السّيّارات وغيرها التي هيّأها الله وسَخَّرها، وأَلهَم خَلقًا من خَلقِه لاختِراعِها وتكوِينِها، (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ)[الصافات:96]، وقال: (وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ)[النحل:7].
ثانيًا: قيادة المركبة سلوك وأخلاق، قيادة المركبة من الأمور التي تدخل في أسلوب حياة الإنسان؛ فإذا كان هذا الإنسان سوي الأخلاق حسن المعاملة تكون قيادته كذلك، لأن القيادة سلوك وأخلاق كذلك، وقد قال بعض المربين: "إن قيادة المركبة تعكس شخصية السائق وتبين معدنها؛ فإذا كان متصفا بالحلم والتسامح ويحب لأخيه ما يحب لنفسه فهو في قيادته كذلك، وإن كان جاف الخلق متكبرا متبرما ينتصر لنفسه لأتفه الأشياء ويغضب لأبسط الأمور؛ فهو للخصام أميل منه إلى العفو وتفهم الآخرين".
ثالثًا: قيادة المركبة مسؤولية تجاه الآخرين، السائق العاقل هو الذي أيقن أن مخالفته في قيادة سيارته قد يتمخض عنها إهدار أموال أو إتلاف أعيان أو ترمل نساء أو تيتم أطفال أو تفكيك أُسر أو إصابة آخرين بإعاقات كاملة أو جزئية، وتصَّور تلك النتائج السلبية المفزعة والعواقب الوخيمة والمفجعة التي ترتبت على المخالفات المرورية والاستهتار بآداب السير وعدم المبالاة بالتعليمات المستمرة والتوجيهات المتكررة التي تصدرها الجهات الأمنية، والحريصة على سلامة أفراد المجتمع والحفاظ على مقدراته وممتلكاته، وإن على كل واحد منا أن يلتزم وهو يقود سيارته بآداب القيادة، وأن يحافظ على نفسه ومن معه ومن هم في الطرقات التي يسلكها إخوانه. إن التؤدة والتأني في السير من الأمور المحمودة ومن الصفات المرغوبة، قال تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا) [الفرقان:63].
رابعا: قيادة المركبة وتطبيق القوانين، القيادة تخضع لقانون منظم، والواجب احترام هذا القانون، ولو تمعن السائق في بنوده لوجده خيرا كله، ولكن نرى جمعا كبيرا ممن يقودون السيّارات لا يراعون الأنظمةَ المتّبعَة والأنظمَة المفروضة والتي لا تخالِف شَرعًا، ترى بعضَهم يسير في طريقِه لا يبالي بأنظمةِ السير، كيف يقِفُ ولا كيفَ ينطلِق، تراه يُغرِي من خلفَه، فهو يقِف مواقفَ غير مناسِبة، ولا يعطي لمن خلفَه تصوّرًا هل هو سيكون عن يَسارٍ أو يمين، يلقِي بعرَبَته أيَّ مكان دونَ مراعاةٍ لذلك، تراه أحيانًا في سرعتِه ربما قطعَ الإشارات النظاميّة من غير مبالاةٍ، ثم تقع الأخطار ويحاوِل أن يبرِّرَ موقفَه بأمرٍ هو كاذب فيه غير صادق.
خامسًا: وسائل ضرورية لتحقيق السلامة المطلوبة، ونحن إذا كنا نحمل السائقين المسؤولية الأولى في السلامة الطرقية فمن الواجب علينا أن ننظر إلى المسألة من زاوية أوسع ومن تحليل أعمق، وذلك لتحقيق الإنصاف المطلوب والعدل المفروض، قال تعالى: (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) [المائدة:8]، من الأمور المحققة للسلامة الطرقية ما يلي:
ضرورة الصرامة في تسليم رخص القيادة، فما دمنا نسمع بين الفينة الأخرى أن أناسا يتسلمون رخصة القيادة بدون اجتياز أي اختبار فلا زلنا لم نخط الخطوة الأولى في طريق السلامة الطرقية، فالواجب أن يأخذ القانون مجراه في محاسبة من يتلاعب بأرواح الناس. فالواجب تأهيل السائق حتى يكون مدركا لكل ما من شأنه أن يصادفه على الطريق ومعرفة السلوك الواجب اتباعه. وقد حكى لي بعض الثقات أن كثيرا من أبناء جالياتنا في الخارج أعادوا رخص السياقة في البلدان التي يقيمون فيها؛ نظرا لأنهم بالرخص التي أعطيت لهم في بلادهم يرتكبون الأخطاء الفادحة.
صلاحية الطرق من الأمور التي لا تغيب على ذهن السائق الفطن، فنحن نلحظ أن مجمل الطرق التي يسلكها السائقون غير صالحة بالشكل الذي يسمح بتحقيق السلامة الطرقية المطلوبة، فمن طريق مليء بالحفر، إلى طريق ضيق، إلى طريق غير معبد؛ فالواجب قبل أن نطالب السائق باحترام قوانين السير أن نمكنه من شبكة طرقية سليمة من المخاطر والآفات. ونحن نلحظ أن هناك محاولات حثيثة لاستصلاح الطرق، لكنها لا زالت في البداية وغير كافية إلى حد الآن.
القيادة في حالة سكر، لقد أثبتت الإحصائيات في بلادنا أن جل الحوادث التي ذهب ضحيتها أبرياء كانت من جراء أخطاء بعض المواطنين الذين أوقعوا الآخرين في الحوادث. ومن هذا المنبر نقول: إنه من الواجب على كل المواطنين اتخاذ موقف موحد وجاد ضد وجود وانتشار المخدرات بكل أنواعها، فعلينا أن نبدأ من الأسرة ونحصن أبناءنا ضد المخدرات، ونسعى بكل الوسائل المشروعة للحد من بيعها في بلادنا، وهذا كله لن يتحقق إلا بالوعي والإيمان الصادق بأن طريق السلامة لن يكون بدون محاصرة أم الخبائث وبناتها.
إنَّ أخلاقَ المسلمين قَبول الأنظمة النافعة وتطبيقُها، كلٌّ يطبّقها على نفسه ليسلمَ مجتمعُنا بتوفيق الله من هذه الكوارثِ التي تقضّ مضجَع المسلم وتؤلمه إيلامًا شديدًا، ما نسمَع في الصُّحف كلَّ يومٍ عن حوادِثَ مروّعة إنما أسبابها -بأمرِ الله- السّرعةُ الزائدة، التصرّفاتُ الخاطئة، قيادةُ السيارةِ لمن لا يحسِن القيادةَ ولا يطبّق الأنظمةَ ولا يعرف للسيرِ حقَّه، وممن يساهم من بعيد أو قريب في تأصيل هذه المصائب.
فهذا هو العلاج وتلك هي الوقاية، فلنتَّق الله في أنفسنا، ولنلتَزِم سلامةَ إخوانِنا ديانةً ندين الله بها. أسأل الله أن يأخذَ بنواصي الجميعِ لما يحبّه ويرضاه.
باركَ الله لي ولَكم في القرآنِ العَظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فِيهِ منَ الآيات والذّكر الحكِيم، أقول قولي هذَا، وأستغفِر الله العَظيمَ الجليلَ لي ولكم ولِسائرِ المسلمين مِن كلِّ ذنب؛ فاستغفِروه وتوبوا إليهِ إنّه هوَ الغَفور والرحيم.
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين، أما بعد:
أخي المسلم: إنّك حينما تمتطِي سيّارتَك؛ فاتق اللهَ أولاً، واشكرِ الله على هذه النعمة وأن هيّأها الله تعالى لك ويسّر لك قيادَتها، فاعرف حقَّ الله تعالى واشكرِ الله وأثنِ عليه واستعِن بالله في كلِّ مهماتك، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من أصبح منكم آمنا في سربه معفى في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا"(أخرجه الترمذي).
ولكي يحصل لك -أخي المسلم أختي المسلمة- الأمن في سربك؛ فالواجب عليك طاعة الله تعالى، والاستعانة به في كل الأحوال، والتحلي بأخلاق الإسلام في المشي والركوب والقيادة.
روى الطبراني عن النبي أنه قال: "ما خلف أحد عند أهله أفضل من ركعتين يركعهما عندهم حين يريد سفرا"، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي قال: "من أراد سفرا فليقل لمن يخلف: أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه"(أخرجه أحمد).
ومما علمنا إياه رسول الله وهو دعاء الخروج من المنزل؛ فعليك -أيها المسلم- أن تقول وأنت خارج من بيتك: "باسم الله، توكّلتُ على الله، لا حول ولا قوّةَ إلا بالله"، يجيبك الملك: هُديتَ وكُفيتَ ووقيتَ، ويتنحَّى عنك الشيطان ويقول: "ما لي برجلٍ قد هدِيَ وكُفيَ ووقِي"؟!.
وعند ركوبك السيارة أو الحافلة أو غيرها فلتقل: "بسم الله الحمد لله، سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون، ثم تقول: الحمد لله الحمد لله الحمد لله، الله أكبر الله أكبر الله أكبر"، وإذا أردت سفرًا فلتقل -أيضا-: "اللهم نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى، "اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده"، "اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل"، "اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر ومن كآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل"(رواه مسلم).
اللهم آمنا في سربنا، وعافنا في أجسامنا، وارزقنا رزقا حلالا. اللهم الطف بنا فيما جرت به المقادير يا رحمن يا رحيم.
ألا صلوا وسلموا على من أمركم بالصلاة والسلام عليه، فقال في أصدق الحديث وأحسن الكلام: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي