حَدِيثُنَا الْيَوْمَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فِي غَايَةِ الْأَهَمِّيَّةِ، أَلاَ وَهِيَ مَا تَؤُولُ إِلَيْهِ أَفْعَالُ الْعِبَادِ وَأَقْوَالُهُمْ وَتَصَرُّفَاتُهُمْ، وَعَوَاقِبُ ذَلِكَ وَآثَارُهُ الْحَمِيدَةُ أَوِ الْوَخِيمَةُ؛ فَلاَ نَسْتَغْنِي عَنْ فِقْهِ الْمَآلاتِ فِي جَمِيعِ أَفْعَالِنَا وَتَصَرُّفَاتِنَا؛ فَلاَ يَكُونُ الْإِنْسَانُ وَلِيدَ لَحْظَتِهِ مُفَكِّرًا فِي سَاعَتِه، وَمَعْرِفَةُ فِقْهِ الْمَآلِ يَجْعَلُ الْمُؤْمِنَ يَعِيشُ بِأَمْنٍ وَاطْمِئْنَانٍ...
إنَّ الحمدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.
أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى؛ واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-، وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
عِبَادَ اللَّهِ: حَدِيثُنَا الْيَوْمَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فِي غَايَةِ الْأَهَمِّيَّةِ، أَلاَ وَهِيَ مَا تَؤُولُ إِلَيْهِ أَفْعَالُ الْعِبَادِ وَأَقْوَالُهُمْ وَتَصَرُّفَاتُهُمْ، وَعَوَاقِبُ ذَلِكَ وَآثَارُهُ الْحَمِيدَةُ أَوِ الْوَخِيمَةُ؛ فَلاَ نَسْتَغْنِي عَنْ فِقْهِ الْمَآلاتِ فِي جَمِيعِ أَفْعَالِنَا وَتَصَرُّفَاتِنَا؛ فَلاَ يَكُونُ الْإِنْسَانُ وَلِيدَ لَحْظَتِهِ مُفَكِّرًا فِي سَاعَتِه، وَمَعْرِفَةُ فِقْهِ الْمَآلِ يَجْعَلُ الْمُؤْمِنَ يَعِيشُ بِأَمْنٍ وَاطْمِئْنَانٍ.
وَقَدْ أَصَّلَ الرَّسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِمَسْأَلَةِ فِقْهِ الْمَآلاتِ؛ فَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ"، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ: "يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ، فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ)؛ فَحَذَّرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ سَبِّ وَالِدَيِ الْغَيْرِ؛ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا السَّبِّ مِنْ أَنْ يُبَادِرَ الْمَسْبُوبُ وَالِدَيْهِ فَيَسُبَّ وَالِدَيِ السَّابِّ لِوَالِدَيْهِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ السَّبَبِ بِمَنْزِلَةِ فِعْلِ النَّتِيجَةِ، وَالْمُتَسَبِّبُ فِي إِثَارَةِ الْفَاعِلِ بِمَنْزِلَةِ الْفَاعِلِ بِنَفْسِهِ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: "هَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ فِي سَدِّ الذَّرَائِعِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ آلَ فِعْلُهُ إِلَى مُحَرَّمٍ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْفِعْلُ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ مَا يُحَرِّمُ".
* نَهَى اللَّهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- عَنْ سَبِّ آلِهَةِ مَنْ يَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ؛ لِأَنَّ مَآلَ هَذَا السَّبِّ سَتَعُودُ آثَارُهُ إِلَى أَنْ يَسُبَّ الْأَعْدَاءُ رَبَّ الْعِزَّةِ وَالْجَلاَلَةِ، قَالَ تَعَالَى: (وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ)[الأنعام:108].
* قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ)[المائدة:101].
وَهَذِهِ الْآيَةُ لَيْسَتْ مُخْتَصَّةً فِي الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لاَ يُخْشَى مِنْ تَغَيُّرِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ بَعْدَ اكْتِمَالِ الدِّينِ وَتَمَامِهِ، وَلَكِنْ يُؤْخَدُ مِنْهَا أَنْ لاَ يَسْأَلَ الْإِنْسَانُ الْأَسْئِلَةَ الَّتِي قَدْ تَكُونُ إِجَابَاتُهَا مُؤْلِمَةً؛ كَسُؤَالِ بَعْضِ الْأَزْوَاجِ لِبَعْضِهِمْ عَنْ مَدَى حُبِّهِ لَهَا أَوْ حُبِّهَا لَهُ، فَيُعْلِنَانِ لبعض ذَلِكَ الحب، ثُمَّ يطلب منها أو تَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يُؤَكِّدَ ذَلِكَ بِيَمِينٍ، فَيَمْتَنِعَ؛ فَتَكُونَ الْعَاقِبَةُ وَخِيمَةً، وَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَالْأَقَارِبِ مَعَ بَعْضِهِمْ.
عِبَادَ اللهِ: لاَ بُدَّ أَنْ نُفَكِّرَ فِيمَا سَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْفِعْلُ قَبْلَ فِعْلِهِ، وَلْنَأْخُذِ الْحَيْطَةَ وَالْحَذَرَ، وَسَأَضْرِبُ أَمْثِلَةً عَلَى ذَلِكَ:
* فَعَلَى الْمُسْلِمِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَكِبَ الْمَعْصِيَةَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا سَتَؤُولُ إِلَيْهِ تِلْكَ الْمَعْصِيَةُ، وَمَا سَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنْ عَوَاقِبَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَآثَارِ ذَلِكَ عَلَى دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، فَالشَّهْوَةُ تَفْنَى وَآثَارُهَا تَبْقَى.
تَفْنَى اللَّذَاذَةُ مِمَّنْ نَالَ صَفْوَتَهَا *** مِنَ الْحَرَامِ وَيَبْقَى الْإِثْمُ وَالْعَارُ
تَبْقَى عَوَاقِبُ سُوءٍ مِنْ مَغَبَّتِهَا *** لاَ خَيْرَ فِي لَذَّةٍ مِنْ بَعْدِهَا النَّارُ
فَكَمْ مِنْ أَفْعَالٍ مُشِينَةٍ لاَ يُفَكِّرُ صَاحِبُهَا فِي عَوَاقِبِ فِعْلِهِ؛ فَتَكُونُ آثَارُهَا عَلَيْهِ وَخِيمَةً.
* مَنْ فَرَّطَ فِي صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ وَخَاصَّةً صَلاَةَ الْفَجْرِ، بِحُجَّةِ التَّعَبِ وَالْإِرْهَاقِ؛ فَمَا سَيَؤُولُ إِلَيْهِ فِعْلُهُ إِنْ لَمْ يَتُبْ أَوْ يَتَجَاوَزِ اللَّهُ عَنْهُ؟ أَنْ يُثْلَغَ فِي رَأْسِهِ جَزَاءً وِفَاقًا؛ فَمَآلُ تَفْرِيطِهِ فِي الصَّلاَةِ أَثَرُهُ عَلَيْهِ عَظِيمٌ، وَهَذَا لَيْسَ مَقْصُورًا عَلَى الصَّلاَةِ فَقَطْ؛ بَلْ عَلَى كُلِّ أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ.
* عِنْدَمَا يَقُومُ الْإِنْسَانُ بِعُقُوقِ وَالِدَيْهِ؛ فَمَاذَا سَيَؤُولُ إِلَيْهِ فِعْلُهُ غَيْرَ الْعُقُوبَةِ الَّتِي يَسْتَحِقُّهَا فِي الْآخِرَةِ؟ فَإِنَّهُ سَيُبْتَلَى في الدنيا بِعُقُوقِ أَبْنَائِهِ بِهِ.
* وَهُنَاكَ مَنْ يَتَعَالَمُ عَلَى الصِّغَارِ، وَيُظْهِرُ لَهُمْ أَنَّهُ شَيْخُ الْإِسْلاَمِ، وَخَبِيئَةُ الزَّمَانِ وَفَرِيدُ الْعَصْرِ وَالْأَوَانِ، وَعِنْدَمَا يَكْبُرُ هَؤُلاَءِ النَّاشِئَةُ وَتَسْتَرْجِعُ ذَاكِرَتُهُمْ ذَلِكُمُ الَّذِي ادَّعَى أَنَّهُ فَقِيهٌ وَمُعَلِّمٌ وَبِكُلِّ فَنٍّ يَتَكَلَّمُ، فَيُكْتَشَفُ جَهْلُهُ عِنْدَئِذٍ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُوَاجِهَهُمْ؛ بَلْ وَيَتَحَاشَى الْمَجَالِسَ الَّتِي يَجْلِسُونَ فِيهَا؛ مِنْ جَرَّاءِ احْتِقَارِهِمْ لَهُ، وَانْكِشَافِهِ لَهُمْ، وَافْتِضَاحِ أَمْرِهِ عِنْدَهُمْ.
* عِنْدَمَا يتقدم فَتًى إلى فَتَاةٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يُفَكِّرَ بِمَا سَيَؤُولُ إِلَيْهِ هَذَا الزَّوَاجُ منها، وَهَلْ هَذِهِ الزَّوْجَةُ هِيَ وَأَهْلُهَا وَبِيئَتُهَا أَهْلٌ لِتَرْبِيَةِ أَوْلاَدِهِ؟ فَيُفَكِّرُ إِلَى مَا سَيَؤُولُ إِلَيْهِ هَذَا الزَّوَاجُ، وَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ عَنِ الْفَتَاةِ عِنْدَمَا تُقْبِلُ عَلَى الزَّوَاجِ، أَنْ تَعْرِفَ مَا سَيَؤُولُ لَهُ الزَّوَاجُ، وَهَلْ هَذَا الرَّجُلُ هُوَ وَبِيئَتُهُ أَهْلٌ لِتَرْبِيَةِ أَبْنَائِهَا وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى دِينِهَا وَاسْتِقَامَتِهَا؟
* عِنْدَمَا يُفَكِّرُ رَجُلٌ فِي الزَّوَاجِ مِنَ امْرَأَةٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِيَّةِ بَلَدِهِ؛ فَهَلْ عَرِفَ مَا سَيَؤُولُ إِلَيْهِ هَذَا الزَّوَاجُ؟ فَلَوْ حَدَثَ طَلاَقٌ أَوْ حدثت وَفَاةٌ؛ فَهَلْ سَتَبْقَى تِلْكَ الزَّوْجَةُ فِي بَلَدِهِ، أَمْ ستعود لبلدها وسَيَتَشَتَّتُ الشَّمْلُ وَيَفْتَرِقُ الْجَمْعُ وَتَضْعُفُ التَّرْبِيَةُ؛ فَلَقَدْ سَمِعْنَا وَرَأَيْنَا -وَاللَّهِ- مَنْ ضَرَبُوا أَخْمَاسًا بِأَسْدَاسٍ لِمَا آلَ إِلَيْهِ هَذَا الزَّوَاجُ، كذلك عند سَفَرِ الزَّوْجَةِ إِلَى بَلَدِهَا، لزيارة أهلها؛ خاصة إِذَا كَانَ بَلَدًا غَيْرَ مُحَافِظٍ، أَوْ فُقِدَتْ فِيهِ مَعَالِمُ الْإِسْلاَمِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا ظَاهِرًا فَإِنَّ الْأَوْلاَدَ فِي الْغَالِبِ يَعِيشُونَ التَّيَهَانَ، وَيَتَعَرَّفُونَ عَلَى طُرُقِ الِانْحِرَافِ.
* وَالْأَدْهَى وَالْأَمَرُّ عِنْدَمَا يَتَزَوَّجُ الرَّجُلُ مِنَ امْرَأَةٍ كِتَابِيَّةٍ فَإِنَّ غَالِبَ مَنْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ شَبَابٌ فِي مَرْحَلَةِ الطَّيْشِ، أَوْ آثَرُوا الْمَصَالِحَ الدُّنْيَوِيَّةِ؛ كَحُصُولِهِمْ عَلَى جِنْسِيَّاتِ تِلْكَ الْبُلْدَانِ، وَخَاصَّةً مِنْ بَعْضِ أَبْنَاءِ الدُّوَلِ الْإِسْلاَمِيَّةِ الْفَقِيرَةِ، وَلاَ يُفَكِّرُونَ فِي مَآلِ أَوْلاَدِهِمْ بعد الزواج، ومَا قد يَحْدُثُ مِنْ صِرَاعٍ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ حَوْلَ دِيَانَتِهِم، وَغَالِبُ هَذِهِ الزَّوَاجَاتِ تَنْتَهِي بِالطَّلاَقِ، ثُمَّ يَلْتَحِقُ الْأَوْلاَدُ وَفْقَ تِلْكَ الْأَنْظِمَةِ فِي بُلْدَانِهِمْ مَعَ وَالِدَتِهِمُ الَّتِي عَلَى غَيْرِ دِينِ الْإِسْلاَمِ، وَلَقَدْ سَمِعْنَا مِنَ َالْقَصَصِ مَا تَشِيبُ مِنْ هَوْلِهِ رُؤُوسُ الْوِلْدَانِ، وَصِرَاعَاتٌ تَدُورُ فِي رُدُهَاتِ الْمَحَاكِمِ لاَ تَنْتَهِي وَلاَ تَنْقَطِعُ؛ فَهَلْ فَكَّرَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِهَذَا الْمَآلِ أَوِ اتَّعَظَ وَاعْتَبَرَ بِغَيْرِهِ؟
قَالَ تَعَالَى: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)[يوسف:111].
* هُنَاكَ مَنْ يَسْعَى لِلْحُصُولِ عَلَى شَهَادَاتٍ عُلْيَا عَنْ طَرِيقِ الْكَذِبِ وَالتَّدْلِيسِ، ثُمَّ يَسْبِقُ اسْمَهُ بِلَقَبِ الدُّكْتُورِ، ثُمَّ يَبْدَأُ مَنْ حَوْلَهُ يَتَسَاءَلُونَ: مِنْ أَيْنَ حَصَلْتَ عَلَيْهَا؟ وَكَيْفَ؟ وَمَا عُنْوَانُهَا؟ فَيَزْدَادُ كُلَّ يَوْمٍ كَذِبًا عَلَى كَذِبٍ؛ بَلْ وَغَالِبُهُمْ يَعِيشُ مُنْذُ أَعْلَنَ لمجتمعه حُصُولَهُ عَلَيْهَا قلقاً وَتَوَتُّرًا؛ خَوْفًا مِنَ افْتِضَاحِ أَمْرِهِ، وَكَشْفِ كَذِبِهِ؛ فَهَلْ فَكَّرَ فِي مَآلِ كَذِبِهِ في الدارين؟ وهَلْ سَيَكُونُ هَذَا قُدْوَةً لِأَبْنَائِهِ؟ إِنَّ غَالِبَ هَؤُلاَءِ لَمْ يُفَكِّرُوا بِالْمَآلِ؛ وَإِلاَ لَمَا أَقْدَمُوا عَلَى ذَلِكَ، نَاهِيكَ عَمَّا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْمُسَاءَلَةِ.
* هُنَاكَ مَنْ يَتَصَرَّفُ عِنْدَ أَوْلاَدِهِ تَصَرُّفَاتٍ مُشِينَةً خَاصَّةً وَهُمْ فِي مَرْحَلَةِ الطُّفُولَةِ؛ فَيَحْفَظُونَ عَنْ وَالِدِهِمْ مَا يَفْعَلُهُ، فَيَتَرَبُّونَ عَلَى ذَلِكَ، وَمِنْ أَوْضَحِ الْأَمْثِلَةِ: الْكَذِبُ. فَبَعْضُهُمْ يَطْلُبُ مِنْ أَوْلاَدِهِ أَنْ يُبْلِغُوا من يطلبه بِأَنَّهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ، فَيَرْسَخُ فِي ذِهْنِ الصَّغِيرِ اسْتِسَاغَةُ الْكَذِبِ؛ فَلَوْ فَكَّرَ هَذَا الْأَبُ بِمَآلِ فِعْلِهِ بالدارين لَمَا أَقْدَمَ عَلَيْهِ.
* هُنَاكَ مَنْ يَقُومُ بِتَصْوِيرِ نَفْسِهِ فِي مَوَاقِعَ لاَ تَلِيقُ، ثُمَّ يَقُومُ بِإِرْسَالِ تِلْكَ الصُّوَرِ إِلَى خَاصَّةِ زُمَلاَئِهِ، وَلاَ يَعْلَمُ أَنَّهُ بِهَذَا التَّصَرُّفِ قَدْ فَضَحَ نَفْسَهُ، وَهَتَكَ سِتْرَهُ، وسلَّم سِرُّه لغيره، وَقَدْ يَحْتَفِظُ بِهَا الْبَعْضُ؛ وقَدْ تَنْشَأُ بَيْنَهُمْ عَدَاوَةٌ، فَيَسْتَرْجِعُ تِلْكَ الصُّوَر؛، لِيُسَاوِمَهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَبْتَزَّهُ بِهَا؛ فَلَوْ فَكَّرَ بِالْمَآلِ قَبْلَ الْإِقْدَامِ لَمَا كَانَ مِنْهُ عَنِ الْإِرْسَالِ إِلاَ الْإِحْجَامُ؛ ناهيك أن الله ستره ولكنه أصبح يفضح نفسه، قال تعالى: (وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنَ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)[العنكبوت:40].
* هُنَاكَ بَعْضُ الْفَتَيَاتِ تَضَعُ صُوَرَهَا فِي بَعْضِ أَجْهِزَتِهَا، أَوْ تُرْسِلُهَا لِبَعْضِ صُوَيْحِبَاتِهَا، ثُمَّ تَتَفَاجَأُ بِانْتِشَارِ صُوَرِهَا عَلَى النِّتِّ، وَتُشَوَّهُ صُورَتُهَا؛ فَلَوْ فَكَّرَتْ بِمَا تَؤُولُ إِلَيْهَا أَفْعَالُهَا لَمَا أَقْدَمَتْ عَلَى مِثْلِ هَذَا الْفِعْلِ.
* هُنَاكَ مَنْ يَعْقِدُ عَلاَقَاتٍ مُحَرَّمَةً، وَقَدْ يَقُومُ أَحَدُ الْأَطْرَافِ بِتَسْجِيلِ تِلْكَ الْمُكَالَمَاتِ، ثُمَّ يَحْتَفِظُ بِهَا مُنْتَظِرًا الْمَوْعِدَ الْمُحَدَّدَ؛ لِيَقُومَ بِنَشْرِهَا، أَوْ ابْتِزَازِهِ بِهَا؛ فَلَوْ فَكَّرَ مَلِيًّا قَبْلَ أَنْ يُجْرِيَ هَذِهِ اللِّقَاءَاتِ، وَيَعْقِدَ تِلْكَ الْعَلاَقَاتِ عَلَى آثَارِهَا عَلَيْهِ وَعَلَى دِينِهِ وَعَلَى سُمْعَتِهِ لَمَا أَقْدَمَ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ.
* هُنَاكَ مَنْ يَتَسَاهَلُ بِالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَسَبِّ النَّاسِ، وَقَدْ يَكُونُ مَا ذَكَرَهُ قَدْ سُجِّلَ عَلَيْهِ أَوْ يُنْقَلُ لِغَيْرِهِ؛ فَتَنْقَطِعُ الْعَلاَقَةُ بَيْنَهُمْ؛ فَلَوْ فَكَّرَ قَبْلَ الْغِيبَةِ أَوِ النَّمِيمَةِ إِلَى افْتِضَاحِ أَمْرِهِ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ مَنْ ذَكَرَهُمْ بِالسُّوءِ بِمَا قَالُهُ لَمَا أَقْدَمَ عَلَى هَذَا الْفِعْلِ؛ نَاهِيكَ عَنِ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ لِلْمُغْتَابِ وَالنَّمَّامِ.
* هُنَاكَ مَنْ يَجْرِي اتِّصَالًا مَعَ صَاحِبٍ لَهُ، ثُمَّ يُشْرِكُ ثَالِثًا دُونَ عِلْمِهِ، ثُمَّ يَبْدَأُ بِسُؤَالِهِ عَنْ فُلاَنٍ، وَهُوَ يَسْتَمِعُ، وَقَدْ يَكُونُ يُجِيبُ مِنْ بَابِ الْمِزَاحِ فَيَقَعُ فِيهِ، وَقَدْ لاَ يَكُونُ مَنْ أَدْخَلَهُ عَلَى الْخَطِّ قَاصِدًا لِذَلِكَ؛ فَتَنْشَأُ عَدَاوَةٌ يَصْعُبُ زَوَالُهَا، وَجُرُوحٌ يَصْعُبُ انْدِمَالُهَا؛ فَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ -مَعَ الْأَسَفِ الشَّدِيدِ- يُسْمَعُ الْآخَرِينَ عَبْرَ مُكَبِّرَاتِ الصَّوْتِ مُكَالَمَاتِهِ مَعَ غَيْرِهِ، وَقَدْ يَأْتِي عَرَضًا أَحَدُ الْأَشْخَاصِ، أَوْ يَسْأَلُ عَنْهُ قَصْدًا، فَيَأْتِي الْجَوَابُ بِمَا لاَ يُقْبَلُ، وَتَأْتِي الْعَوَاقِبُ بِمَا لاَ يُحْمَدُ؛ فهل فكر من صنع مثل هذا بما سيترتب عليه تلك التصرفات من عواقب وخيمة، لقد حمل بفعله هذا صفة من صفات المنافقين، المكر والخداع والإفساد.
هناك من يمزح مزاحاً ثقيلا، وقد تكون عواقب هذا المزح ما تحمد عقباها؛ فكم من رجل مات أو أصيب بجنون، أو انقطعت علاقته مع أصحابه! وكم من امرأة طلقت كلها نتائج ذلك المزاح الثقيل؛ فهل فكر ذلك المازح بمآل فعله والآثار التي قد تترتب عليها؛ فإن هناك مزاح يقشعر بدن العاقل إذا سمع به، ويتعجب هل فاعل ذلك المزاح عاقل؟!.
* هُنَاكَ مَنْ يُرْسِلُ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ يَطْلُبُ مِنْهُمْ أَنْ يَقُومُوا بِتَقْوِيمِهِ، وَيُقْسِمُ الْأَقْسَامَ الْمُغَلَّظَةَ وَالْأَيْمَانَ الْمُؤَكَّدَةَ أَنَّهُ يُرِيدُ النَّقْدَ الْحَقِيقِيَّ، وَأَنَّهُ لَنْ يَغْضَبَ أَبَدًا مِنْ أَيِّ نَقْدٍ وُجِّهَ لَهُ، فَيَكُونُ الْبَعْضُ صَرِيحًا أَوْ صَفِيقًا فَيُذَكِّرُهُ بِمَا لاَ يَسُرُّهُ، فَتَأْخُذُهُ عِزَّةُ النَّفْسِ وَيَنْسَى الْأَقْسَامَ وَيَحْنَثُ بِالْأَيْمَانِ، وَيَقْطَعُ الْعَلاَقَةَ، وَتُصْبِحُ بَيْنَهُمَا الْخُصُومَةُ وَالْعَدَاوَةُ؛ فَلَسْتَ -وَاللَّهِ- بِحَاجَةٍ إِلَى مَنْ يَقُومُ بِتَقْوِيمِكَ؛ فَحَاسِبْ نَفْسَكَ بِنَفْسِكَ، وَلاَ تَفْتَحِ الشَّرَّ عَلَيْهَا؛ فَعِشْ بِسَتْرِ اللَّهِ.
* هُنَاكَ مَنْ يَقُومُ بِتَصْوِيرِ مَشَاهِدَ أَمَامَهُ، ثُمَّ يَقُومُ بِبَثِّهَا، فَتَتَشَوَّهُ صُورَةُ الْمُصَوِّرِينَ، وَقَدْ يُتَابَعُونَه أَمْنِيًّا وَقَضَائِيًّا؛ نَاهِيك عَمَّا تَوَعَّدَ بِهِ رَبُّ الْعِزَّةِ وَالْجَلاَلَ متتبعي عورات الناس من الفضح؛ فَهَلْ فَكَّرَ قَبْلَ أَنْ يُصَوِّرَ فَضْلًا عَلَى أَنْ يُرْسِلَ عَمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ؟ وَمَا الْفَائِدَةُ مِنْ تَصَرُّفِهِ؟
* هُنَاكَ مَنْ يَقُومُ بِالتَّغْرِيدِ، وَقَدْ تَكُونُ دَوَافِعُهُ الْمِزَاحَ وَالْمُدَاعَبَةَ، ثُمَّ يَتَفَاجَأُ بِأَنَّ الْمُغَرَّدَ عَنْهُ قَدْ تَعَامَلَ مَعَ الْمَوْضُوعِ وَفْقَ الْأَنْظِمَةِ، وَلاَحَقَهُ مُلاَحَقَةً عَبْرَ الْمَحَاكِمِ وَالْجِهَاتِ الْأَمْنِيَّةِ، وَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ فِي مَنْ يَقُومُونَ بِإِعَادَةِ التَّغْرِيدِ؛ فَلَوْ عَلِمُوا عَمَّا سَتَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ تِلْكَ الْأَفْعَالُ في الدارين، لَمَا فَعَلُوا مِثْلَ هَذَا.
* بَعْضُ الْأَسَاتِذَةِ يَتَعَامَلُ مَعَ طُلاَبِهِ بِتَعَالٍ وَاضِحٍ وَقَسْوَةٍ غَيْرِ مُبَرَّرَةٍ، وَمَا يَعْلَمُ أَنَّ مَا يَفْعَلُهُ -نَاهِيكَ عَنِ الْإِثْمِ- أَنَّ مِثْلَ هَذَا الطَّالِبِ قَدْ يُصْبِحُ يَوْمًا مِنَ الْأَيَّامِ رَئِيسًا عَلَيْهِ، أَوْ زَمِيلًا لَهُ فِي نَفْسٍ الْعَمَلِ؛ بَلْ هُنَاكَ أَسَاتِذَةٌ بَاعُوا ضَمَائِرَهُمْ، وَاسْتَغَلُّوا حَاجَةَ الطُّلاَبِ، فَقَسَوْا عَلَيْهِمْ، وَشَدَّدُوا بِالْأَسْئِلَةِ؛ بَلْ وَبَاعُوهَا مِنْ ضَعْفِ نُفُوسِهِمْ وَقِلَّةِ دِينِهِمْ، وَمَا هِيَ إِلاَ سُنَيَّاتٌ وَقَدْ عُيِّنَ هَؤُلاَءِ الطَّلَبَةُ مُدَرَاءَ عَلَيْهِمْ؛ فَهَلْ فَكَّرَ هَذَا الْمُدَرِّسُ -نَاهِيكَ عَنْ أَكْلِهِ لِلْحَرَامِ، وَاسْتِغْلاَلِهِ لِلطُّلاَبِ، وَخِيَانَتِهِ لِلْأَمَانَةِ- أَنَّ أَحَدَ هَؤُلاَءِ الطَّلَبَةِ قَدْ يُصْبِحُ مَسْؤُولًا أَوْ قَائِدًا له أو زميل له؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَدَيْهِ دِينٌ يَمْنَعُهُ فَلاَ أَقَلَّ مِنْ حَيَاءٍ يُحْجِمُهُ.
* وَهُنَاكَ مَنْ لَا يُفَكِّرُ بِالْمَآلِ؛ فَيَدْعُو عَلَى ابْنِهِ فِي حَالَةِ غَضَبٍ، فَيُسْتَجَابُ لَهُ.
* وَهُنَاكَ مَنْ يَسْتَحْلِفُ ابْنَهُ أَنَّهُ مَا فَعَلَ كَذَا أَوْ كَذَا، ثُمَّ يَطْلُبُ مِنَ ابْنِهِ أَنْ يَحْلِفَ، أَوْ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ كَذَا، فَيَضْطَرُّ الِابْنُ بِالدُّعَاءِ عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ يُصِيبُهُ هَذَا الدُّعَاءُ.
* أَوْ قَوْلُ بَعْضِ الْآبَاءِ لِابْنِهِ: هَلْ فَعَلْتَ كَذَا؟ فَيَقُولُ الابن: لَا. فَيَقُولُ الأب: سَأَدْعُو عَلَيْكَ إِنْ كُنْتَ فَعَلْتَهُ. وَمِنْ شِدَّةِ خَوْفِ الْوَلَدِ يَقُولُ: ادْعُ. فَيَدْعُو الْأَبُ، وقد يستجاب له؛ لأن أسرع دعاء يستجاب دعاء الوالد على ولده؛ فبَدَلًا مِنْ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ بِالْهِدَايَةِ دعا عليه بالضر، وَلَوْ فَكَّرَ هَذَا الْأَبُ بِمَا سَيَؤُولُ إِلَيْهِ هَذَا الدُّعَاءُ لَمَا فَعَلَ ذَلِكَ.
كَذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَسْتَعْجِلُ بِالتَّطْلِيقِ وَيُقَيِّدُهُ، وَيُعَلِّقُهُ بِشَرْطٍ ثُمَّ يَنْدَمُ، وَبَعْضُهُمْ لَوْ فَكَّرَ بِالْمَآلِ، وَأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَنْ يَتَحَقَّقَ فَإِنَّهُ لَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ.
وَخُلَاصَةُ الْأَمْرِ: أَنَّ مَعْرِفَةَ مَآلَاتِ الْأُمُورِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا أَمْرٌ مُهِمٌّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ؛ فَعَلَيْنَا أَنْ نُفَكِّرَ بِهَذِهِ الْمَآلَاتِ قَبْلَ أَنْ نُقْدِمَ عَلَيْهَا.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ مَعْرِفَةَ فِقْهِ الْمَآلات تَخْتَصِرُ عَلَى الْإِنْسَانِ كَثِيرًا مِنَ الْخِبْرَاتِ، وَتَجْعَلُ عَقْلَهُ أَكْبَرَ كَثِيرًا مِنْ عُمُرِهِ؛ فَإِنَّ مَآلاتِ الْأَفْعَالِ وَالتَّفْكِيرَ بِهَا قَبْلَ الْإِقْدَامِ عَلَى أَيِّ فِعْلٍ يَدُلُّ عَلَى عَقْلِ صَاحِبِهَا؛ وَلِذَا شَرَعَ الْإِسْلاَمُ الِاسْتِخَارَةَ، وَحَثَّ عَلَى الِاسْتِشَارَةِ؛ لأَنَّ فِيهِمَا من لُطْفِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ خَيْرًاً كَثِيرًا.
إِنَّ مَا ذَكَرْتُهُ فِي الْخُطْبَةِ مِنْ بَعْضِ الْأَمْثِلَةِ مَا هِيَ إِلاَ نَمَاذِجُ، وَلَوْ اسْتَرْسَلْتُ فِي ذِكْرِ نَمَاذِجَ أُخْرَى لَطَالَ الْمَقَامُ، وَلَعَلَّ مَا ذَكَرْتُهُ يَفْتُقُ الْأَذْهَانَ، وَيَجْعَلُنَا نُعِيدُ تَرْتِيبَ الْأَوْرَاقِ، وَنُحْجِمُ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ الْمُشِينَةِ؛ فَإِنَّ مِنْ يَعْرِفُونَ فِقْهَ الْمَآلات هُمُ الْحُكَمَاءُ وَالْعُقَلاَءُ وَالنُّجَبَاءُ.
رَزَقَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكُمُ الْحِلْمَ وَالْأَنَاةَ وَالْحِكْمَةَ وَالرَّوِيَّةَ، وَحَفِظَنَا مِنْ مُضِلاَتِ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ.
الَّلهُمَّ احْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ، وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن.
الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُمَّ اجْعَلْهُ سِلْمًا لِأْوْلِيَائِكَ، حَرْباً عَلَى أَعْدَائِكَ.
الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَأَقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ.
الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ.
اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مَا سَأَلَكَ مِنْهُ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ، ونَسْتَعِيذُ بِكَ مِمَّا اسْتَعَاذَ مِنْهُ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة:201].
(رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ)[آل عمران:193-١٩٤].
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ * وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ)[الصافات:180-182].
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي