القول بالأديان السماوية

أحمد بن محمد العتيق
عناصر الخطبة
  1. الإسلام دين جميع الأنبياء .
  2. فرية القول بسلامة الأديان السماوية والرد عليها .
  3. الاعتصام بالكتاب والسنة عند الفتن .

اقتباس

اعلموا أن دينَ الله واحد, منذ أن خُلِقَ آدم, إلى أن يرث اللهُ الأرضَ وَمَنْ عليها، ألا وهو الإسلام, كما قال تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) [آل عمران: 19]. فهو الدين الذي دعا إليه نوحٌ -عليه السلام-. فَمَن أَفْرَدَ اللهَ بالعبادة، وآمن بنوح -عليه السلام- في زمانه واتبعه, فهو...

الخطبة الأولى:

إن الحمدَ للهِ، نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له.

وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً.

أمّا بعد:

أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-, واعلموا أن دينَ الله واحد, منذ أن خُلِقَ آدم, إلى أن يرث اللهُ الأرضَ وَمَنْ عليها، ألا وهو الإسلام, كما قال تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) [آل عمران: 19].

فهو الدين الذي دعا إليه نوحٌ -عليه السلام-, كما أخبر الله عنه بقوله: (فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [يونس: 72].

فَمَن أَفْرَدَ اللهَ بالعبادة، وآمن بنوح -عليه السلام- في زمانه واتبعه, فهو المسلم.

وهو الدين الذي دعا إليه إبراهيم -عليه السلام-, وَوَصَّى به بنِيهِ فالتَزَمُوه ودَعَوْا إليه, قال تعالى: (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [البقرة: 132].

فمن أفرد الله بالعبادة, وآمن بإبراهيم -عليه السلام- في زمانه واتبعه، فهو المسلم.

وهكذا الشأن مع سائر الأنبياءِ -عليهم السلام-.

ومن بُعِثَ إليه رسول فلم يؤمن به وبما جاء به فليس بمسلم، وإن آمن بالرسول الذي قبله، روى مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الأنبياء إخوة من عَلاّت, وأمهاتهم شتى, ودينهم واحد".

ومعنى: "إخوةٌ من عَلاّت" أي إخوة لأب, أبوهم واحد, وأمهاتهم مختلفة.

متفقون في أصل التوحيد, وأما فروع الشرائع، فقد وقع فيها الاختلاف.

فَمِنْ أين أتى الناسُ بما يُسَمَّى بالأديان السماوية, ودَينُ اللهِ واحد؟!

ومن أين أتَوا باحْتِرامِ الأديان, وليس هناك دين يجب احتِرامُه سوى دين واحد, ألا وهو الإسلام؟

وما عداه من الأديان، فإنها كلها باطلة بلا استثناء, فكيف نحترمُها, أو نُقِرُّها؟

وهل يجوز لنا أن نُقِرَّ الباطلَ الذي لا يرضاه الله لعبادِه؟.

أما الشرائع التي جاءت بها الأنبياء، فلا بأس أن يقال: بأنها سماوية، لقوله تعالى: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) [المائدة: 48].

ولِمَا سمعتم في الحديث: "أمهاتهم شتى، ودينهم واحد".

ولكن هذه الشرائع نُسِخَت ببعثةِ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن الشريعة التي جاء بها, أكملُها, وأسمحُها.

ثم اعلموا -يا عباد الله-: أن الله -تعالى- أخَذَ الميثاقَ الشديدَ المُؤَكَّدَ على جميع الأنبياء, أَنْ إذا بُعِثَ فيهم محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- أن يؤمنوا به ويتبعوه وينصروه, فأقرُّوا بذلك, وأشهدهم الله على ذلك، كما قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ) [آل عمران: 81].

قال على بن أبي طالب وعبد الله بن عباس -رضي الله عنهم-: "ما بعَثَ اللهُ نبيا من الأنبياء إلا أخذ عليه الميثاق، لئن بَعَث محمدًا وهو حَيّ ليؤمِنَنَّ به ولَيَنْصُرَنَّه، وأمَرَه أن يأخذ الميثاق على أُمَّتِه؛ لئن بُعِثَ محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- وهم أحياء ليؤمِنُنَّ به ولينصرُنَّه".

فلا خيار لأحد بعد بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم-, حتى ولو كان نبياً, إلا اتباعَ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-.

ثم خَصَّ الله -تعالى- أهلَ الكتابِ بالذكر؛ لأنهم الذين كانوا يستفتحون على الناس ببعثة خاتم الأنبياء, وَبَيَّنَ لهم أن الفلاح مُقَيَّدٌ بالإيمان بمحمد -صلى الله عليه وسلم-, وتعظيمه ونصرته واتِّباعه, فقال سبحانه: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الأعراف: 157].

فَبَيَّنَ اللهُ -تعالى- في هذه الآية أن أهل الكتاب لن يحصُلَ لهم الفلاح، حتى يحققوا أربعة شروط: الإيمانُ بمحمد -صلى الله عليه وسلم-, وتعزيرُه, ونصرتُه, واتباعُه.

ومعنى: "عَزَّرُوه" أي عَظَّمُوه وَوَقَّرُوه.

وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ ، يَهُودِيٌّ وَلا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ، وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ".

فيا أيها المسلمون: اتقوا الله -تعالى-, واعرفوا قدر هذا الدين, واعلموا أنه لا عزة لكم إلا به, وباتِّباع رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم-, ومحبته أكثر من النفس والأهل والمال والولد والناس أجمعين, ونصرة سنته, والدفاع عنه, والبعد عن مخالفة أمره.

باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم؛ وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم.

أَقُولُ مَا تَسْمَعُون، وَأسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ ربِّ العَالَمِين, وَالعَاقِبةُ للمُتّقِين, وَلا عُدوانَ إِلا عَلَى الظَّالِمين, وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشهدُ أَنَّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ, صَلَى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَسَلّمَ تَسلِيماً كَثِيراً.

أما بعد:

عباد الله: عندما تَكْثُرُ الفتن والاختلاف, يَتَأَكَّدُ الأمرُ بِلُزُومِ السُّنَّة والعنايةِ بها, وكذلك لزوم الجماعة والسمع والطاعة لولي الأمر المسلم, جَمْعا للكلمة, وحماية للمجتمع من الفتنة والفرقة, كما قال عليه الصلاة والسلام: "أُوْصِيْكُمْ بِتَقْوَى اللهِ وَالسَّمعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلافَاً كَثِيرَاً؛ فَعَلَيكُمْ بِسُنَّتِيْ وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المّهْدِيِّينَ فَتَمَسَكُوا بِهَا وعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ، فإنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ".

فاتقوا الله -أيها المسلمون- وتذكّروا أن السنة كسفينة نوح, من ركبها نجا, ومن لم يركبها غرق، قال ابن شهاب الزهري -رحمه الله-: "كان من مضى من علمائنا يقول: الاعتصام بالسنة نجاة".

اللهم اجعلنا من أتباع نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم- ظاهرا وباطنا، اللهم انصر بنا دينك, وأعلِ بنا كلمتك, واجعلنا هداةً مهتدين، اللهم قَيِّضْ لدينك من ينصرُهُ ويُظهرُهُ, واكْبِت أعداءَه وَسَلِّط عليهم جُندَك التي لا تُغْلَب ولا تُقْهَر يا قوي يا عزيز.

اللهم أصلحْ لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الدنيا زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر.

اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين.

اللهم اجمع كلمة المسلمين على كتابك، وسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، واجعلهم يداً واحدةً على من سواهم، ولا تجعل لأعدائهم منةً عليهم يا رب العالمين، اللهم أعِذهم من شر الفتنة والفرقة والاختلاف يا حي يا قيوم.

اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم احقن دماء المسلمين.

اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم ارحم المستضعفين من المؤمنين، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين.

اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المؤمنين في كل مكان.

اللهم ارفع البلاء عن إخواننا في سوريّا، اللهم ارفع البلاء عنهم، اللهم ارفع البلاء عنهم، اللهم ارفع الظلم والطغيان عنهم، اللهم اكشف كربتهم، اللهم اجعلهم من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلاء عافية.

اللهم اكسهم وأطعمهم، اللهم ارحم موتاهم، واشف مرضاهم، وفك أسراهم، وردهم إلى وطنهم رداً جميلاً يا أرحم الراحمين.

اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، وماتوا على ذلك، اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم، ووسع مدخلهم، وأكرم نُزُلَهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقّهم من الذنوب والخطايا كما يُنقى الثوب الأبيض من الدنس، وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه، برحمتك يا أرحم الراحمين.

(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي