التعصب الرياضي هو الذي قصدته بالخلل؛ فمن أثره السلبي على دين صاحبه أن يجلس بعض مشجعي الفرق -هدانا الله وإياهم- في انتظار فتح أبواب الملاعب ساعات طوال، دون اهتمام بالوقت الذي هو أعظم ما يملكه الإنسان، فتفوت صلاة العصر والمغرب والعشاء، وهم طائعين للهوى والشيطان...
الحمد لله له ثنائي، أحمده سبحانه وأشكره، نال بفضل قاصيا وداني، وأستعينه وهو معين طالبه، وللعباد مصلحا وهادي، ومنه أرتجي التوبة ثم المغفرة، من كل زلاتي ومن عصياني، وأشهد الله بأني أشهد، أن لا إله بالحق سواه يعبد، هو الجليل والعظيم العالي، هو الحكيم صاحب المعالي، وأنه اصطفى النبي محمد، ليصبح المشرك كالموحد، فبلغ الدين عن الإلاهي، وأخرج الناس من الضلالي، عليه من ربي صلاة تبلغه، وكل إكرام مع السلامي ومن على النهج القويم يتبعه، كذاك كل صحبه والآلي.
ثم أما بعد: فأوصي -أنا الظالم- دوما نفسي، وثم أوصيكم بتقوى ربي، في كل أمر باطن أو ظاهر، هو الخبير عالم السرائر، ولتحذروا يا قوم شر الدنيا، فمن يعش عليها يوما يفنى، ثم يكون للتراب مرجعه، فيلتقي فيه الذي سيسأله، عن ربه ودينه والمرسل، في لحظة كل جواب يبخل؛ فمن يشأ ربي بفضل ينجو، ومن يشأ بعدله سيهفو، نعوذ بالله من الندامة، ونسأل الله لنا السلامة.
(يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً ...)[لقمان:34].
أيها المسلمون: دائما أكرر في المقال ولازلت وسأظل، أسمع من يعقل من الرجال، ومن يبلغهن التذكير من البنات والأخوات وأمهات العيال، بأننا خير أمة أخرجت للناس وسنزال حتى يطوي الله السماء وينسف الجبال، فقد تمرض في هذه الأمة كثير من الأخلاق، ولكن لا تموت، وقد يصاب أهلها بشدة في بعض الأوقات، ثم تفوت، وقد يبتلون بالمصائب والفتن، فيعودون إلى ربهم، ويتزودن بالتقوى، ونعم -والله- القوت، وكل ما أصابهم طائف من الشيطان تذكروا، وأغلقوا على شيطان الهوى كل تابوت، ولئن كان في هذه الأمة من ضل فنحمد الله بأنهم ليسوا الكل ولا حتى الجل، نسأل الله أن يعيدنا ويعيدهم إلى طريق الجادة والفضل.
ولعلي أجد من هاهنا مدخلا، لأذكر واحذر من خلل، كان ولا يزال له أثر سلبي على الدين والمجتمع والأفراد، وتعلمون بأن الشارع الحكيم نهى عن التعصب للفرق والأحزاب والجماعات والرجال، وإن كان الأمر متعلقا بالحرام والحلال، يقول الكبير المتعال: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ * إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ * وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ)[البقرة:165-167]؛ نعوذ بالله من النار.
ويقول من ربه له اختار، ناهيا عن التعصب له والغلو فيه، مع أنه شفيع الأمة، ومن كشف الله به الظلمة والغمة: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله"؛ عليه من ربي سلام دائم، مع الصلاة ماجرت غمائم.
التعصب الرياضي هو الذي قصدته بالخلل؛ فمن أثره السلبي على دين صاحبه أن يجلس بعض مشجعي الفرق -هدانا الله وإياهم- في انتظار فتح أبواب الملاعب ساعات طوال، دون اهتمام بالوقت الذي هو أعظم ما يملكه الإنسان، فتفوت صلاة العصر والمغرب والعشاء، وهم طائعين للهوى والشيطان؛ إلا من رحم الله وقليل ما هم؛ فأيهما خير عند الله؟ الصلاة أم رؤية مباراة؟ وأذكر في سنة من السنين في شهر رمضان، أمَّيْت المصلين صلاة العشاء، وبعد السلام أعطيت وجهي للمصلين، فإذا عدد كبير منهم منطلقين مسرعين، فخشيت أن يكون وقع خطب وأنا غافل، فسألت عن السبب، فجاوبني أحد الباقين بقوله: لم يحصل شيء، وإنما ستبدأ الآن مباراة بين فريقين وأسماهما، فتعجبت من فعلهم، كيف يتركون من يتفضل عليهم -سبحانه- ويعطيهم، ويذهبون لمن يأخذ من حسناتهم وعن ذكر ربهم يلهيهم!
ويا من تقول لا بأس بذلك إنما التراويح سنة، أفتني في حكم النظر إلى المباريات، وخصوصا إن خالط ذلك غيبة، وقول بذيء و مسبة! يا رب اهدي شباب الأمة، وأما سلبيته على المجتمع؛ فلا يخفاكم ما يفعله بعض الشباب -هدانا الله وإياهم-، بعد بعض المباريات من تفحيط وعبث بالسيارات، ورفع الأصوات بالأغاني والتسلي بالرقصات، وإغلاق الطرقات، وقد أخبرني من أحسبه ثقة والله حسيبه، بأن له قريب أخذ زوجته وانطلق بها مسرعا تريد الولادة، وكان ذلك عقب مباراة على كأس، نسأل الله أن يكفينا كل بأس، فوجد الطريق مغلقا، بسبب عبث المشجعين وتصرفاتهم، حاول بشتى الوسائل أن يتجاوزهم، ولكن عدم المسؤولية من المتعصبين، حال دون ذلك، فخرج المولود من بطن أمه في السيارة، ولعدم توفر اهتمام به ورعاية مات الجنين؛ فمن الضمين؟ ولبثت الأم مدة، في غرفة الملاحظة والعناية، وكادت أن تموت، لولا لطف ربها بها؛ فنعوذ بالله من الغواية.
وأما أثره السلبي على الفرد والأسرة فانظر لما يصيب المتعصب من غضب، تصاحبه حمرة، مع كل هزيمة لفريقه، أو ربما لضياع هجمة، ويكفي من سوء ذلك هذه القصة، فبينما كان رجل وزوجته يتابعان مباراة مع بعضهما، هي تشجع احدهما، ولا عجب، فقد رأينا من بمثلها إلى الملعب ذهب، وهو يشجع الفريق الآخر، الخلاصة، هزم فريقه، فضحكت الزوجة، وأبدت فرحتها، فحصل خصام بسبب ذلك بينهما، وفورا طلقها، فضيعها بسبب ما يسمى بالتعصب الرياضي، وشرد أسرة بأكملها؛ كفانا الله وإياكم العصبية وعاقبتها، وغير هذا كثير، إنما اكتفي بهذا كتذكير، والكل يعلم ما جرى من تغيير، نعوذ بالله من أن نكون كالعير مع النفير.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ)[الحشر:18].
قلت ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم...
الحمد لله له المحامد، حمدا وشكرا للكريم الواحد، ونشهد الله على التوحيد، وأننا من جملة العبيد، وأن خير خلقه محمد، قد بلغ الدين ونحن نشهد، عليه صلى ربنا ومجدْ والآل والصحب دواما سرمدْ.
وبعد: يا من للعظيم تقصد، عليك بالتقوى فنعم المنجد، من يتق الله ينال فضله، وإن يعد إليه يعطى الجنة، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102].
عباد الله: أتيتكم مخففا لا مثقل، وعن إلاهي ونبيي أنقل، محذرا وواعظا ومنذر، من كل فعل للبلايا ينزل؛ فمن تعصب للرجال والفرق فذاك قد خالف ما جاء بحق.
أيها الأحبة: إن التعصب لفريق، وحب لاعب حتى يصبح عشيق، أمر بغيض لا يليق، وإن حب اللاعبين الكفرة، وتقليدهم في أشكالهم وأفعالهم القذرة، يدخل في باب الولاء والبراء، وهو باب لو فتح لعرف الناس التعصب الوقح، ولكني اكتفيت في بداية الموعظة بالآيات، ثم الحديث الصحيح عن خير البريات، وكفى بهما لمن أراد الهدايات، ومن يتساهل بهذا الباب، يقع في المحظور بلا ارتياب.
وكلكم يعلم -يا عباد الله- ما في نفوس الجيل من حب، وتعلق وتقليد لأهل الرياضة وإعجاب، لا نقول بحرمة التشجيع، ولكن بدون تعصب ولا لشياطين الإنس تطيع؛ فالوقت أعظم ما تملكه، وفرض الصلاة، أهم من كل الحياة؛ فكيف لأجل مشاهدة كرة تتركه، وحفظ النفس ضرورة؛ فهل تذهبها من أجل فريق تشجعه.
لقد خلقت لأمر لو فطنت له *** فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
ها أنا أرسلتها إليك في إشارة، فاحذر -أخي- نفسك الأمارة، جميعنا لديه ذنب يكفي، وربنا عمن يتوب يعفي، يا رب قد جئنا نتب إليك، فاغفر لعبد جاء يرتجيك.
ثم الصلاة والسلام تترا، على الذي ساق إلينا البشرى، محمد خير شفيع ينتظر، ما حرك الهواء أوراق الشجر.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد ..
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي